"صاحب للإيجار" في مصر.. تطور أجيال أم انهيار للقيم؟
"بص (انظر)/ي (حرف نداء) أي حاجة إنت عاوزها (تريدها) أو عاوزاها (تريدينها) هنعملهالك (سنفعلها) بس (لكن) كلمنا، عندك اجتماع وعاوز حد يروحه معاك كلمنا، عاوز واحدة تناسبك تمثل (تدعي) إنك مرتبط بيها (بها) ليلة كاملة كلمنا، عاوزه حد يروح معاكي السيما (السينما) وتأكليه (تطعميه) في حته (مكان) حلوة بعدها كلمينا، إحنا (نحن) بنأجرلك صاحبك".. بهذه الكلمات وغيرها بدأ 4 شباب مصريين عرض خدمة جديدة عبر منصتهم على "فيسبوك" friend for rent "صاحب للإيجار"، رافعين شعار "هنوفر لك أي حاجة".
خدمة توفير صديق أو صديقة بالإيجار لمشوار مهم، أو للقضاء على الوحدة، أو حتى لمجرد الفضفضة، لجميع الأعمار وللجنسين، طرح بسيط قد يبدو أقرب للسذاجة، مع الشك بسلامة المضمون، باختصار هو مضمون الفكرة التي قام بنشرها الشباب الأربعة، على "فيسبوك" في مايو/آيار الماضي.
على الفور تسابقت مواقع إلكترونية مصرية لإبراز الفكرة، مؤكدة جديتها، وأن هدفها ليس الإيقاع بالفتيات أو إشاعة الفاحشة ونشر الموبقات كما يظن البعض، فخرج موقع صحيفة الشروق بعنوان "صاحب أو صاحبة للإيجار.. القصة الكاملة للخدمة الجديدة على لسان مؤسسيها"، فيما نشر موقع مصراوي موضوعا بعنوان "صاحب للإيجار.. خدمة لن تكون معها وحيدا"، أما صحيفة التحرير فذكرت أن 80 ألفا اشتركوا في صفحة صاحب للإيجار، لافتة أن فيسبوك ينهى أزمة الوحدة.
دفاع البعض عن الهدف من وراء الإعلان استند إلى ما أعلنه مؤسسو الصفحة بقولهم "فاحنا (نحن) قررنا نوفر ده (هذا) كخدمة يعني مثلا فرحك قرب وعاوز (تريد) حد (شخص) يلف (يأتي) طول (طوال) النهار معاك (معك) بعربية (سيارة).. شوبينج (تسوق) وعاوزة (تريدين) واحدة تلف (تأتي) وتختارلك الهدوم (الملابس) وتبقى (تكون) فاهمة في الموضة كمان (أيضا).
"والدك أو والدتك كبار في السن وعاوز حد يقدم لهم أحسن رعاية ويصاحبهم كمان ويهتم بهوايتهم وكلامهم.. بتغيبي (تتأخرين) في الشغل كتير (طويلا) وعاوزة واحدة موثوقة تقعد مع أطفالك.. عندك مشاوير كتير ومحتاج حد يخلصها.. عندك اجتماع مهم وعاوز حد فاهم يروحه معاك، إحنا بنوفر كل الكلام اللي فات ده وزيادة عليه خدمات تانية كتير ومنها خدمات متأكدين إنها هتعجبكم، إستنونا (انتظرونا) هنبقى متوفرين قريب، بنحبكم يا صحابنا".
وتقول الصفحة أيضا: "رغاي (ثرثار) ومحدش (لا أحد) بيسمعك (يسمعك) أو بيستحملك (يتحملك) وكل صحابك (أصحابك) بيقاطعوك (يتكلمون أثناء كلامك) وإنت بتتكلم، كلمنا وهنوفرلك صاحب يسمعك للآخر من غير ما يقاطعك".
تطور أجيال أم تغريب؟
الفكرة الغريبة عن طبيعة مجتمعاتنا العربية وتقاليدنا المحافظة في مصر، بدأت فكرتها من الصين، حيث يبلغ سعر الرفيق 145 دولارا في المواسم الاحتفالية الصينية، ويهبط إلى النصف بعدها، أما اليابان فأطلقت التطبيق عبر شركة "ريل أبيل" في 2017م لمجرد توفير "رفيق للسفر".
تطبيق الفكرة عربيا يكاد يكون أكثر من نادر إذ أن مطعما تونسيا في 14 من فبراير/شباط الماضي عرض توفير حبيب أو حبيبة لمن يشاء خلال "عيد الحب".
من جانبهم أكد مؤسسو صفحة "صاحب للإيجار" أن لديهم عددا من الفتيات والشباب جاهزون للعمل، بالإضافة إلى طلبات العمل العديدة التي تلقوها، والتي سيُجرى تنقيتها للتعرف على الجادين منهم، وتوظيفهم، وزادوا بأنهم في مرحلة "العصف الذهني" لبدء تنفيذ المشروع عقب بطولة الأمم الإفريقية التي تستضيفها مصر وتنتهي في 19 من يوليو/تموز المقبل.
أما اللواء رضا يعقوب، الذي عرفته بعض الواقع الإلكترونية المصرية بالخبير الأمني، فرصد مدار وأخطار الفكرة، وتقدم ببلاغ عاجل للنائب العام، ووزير الداخلية، ووحدة الجرائم الإلكترونية بوزارة الداخلية، ونيابة أمن الدولة العليا، لاتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضدها.
وجاء في دعواه عن الصفحة التي تعرض الفكرة على الفيس بوك: "تحتوى مواد منافية للآداب وبمثابة إرهاب يحاول إفساد أخلاقيات ومبادئ المجتمع المصرى والتى تنص عليها الأديان السماوية، ويستهدف فتياتنا وشبابنا ليستقطبهم فى الوقوع فى شباك الجرائم الأخلاقية والعبث بشرفهم، وإن هذه الصفحات هى إرهاب تموله دول خارجية وجهات لا تريد لمصر خيرًا، وتستوجب المساءلة القانونية".
علاقات هشة
يقول القائمون على الحملة أن مليون مصري يدخلون إلى صفحتهم على الفيس يوميا، وهو ما لا مجال للتأكد منه، لكن المؤكد أن العلاقات الاجتماعية في مصر بدأت تدخل منعطفا خطيرا، بعد الانقلاب العسكري حيث بات تماسك الأسر والمجتمع هشا.
ومع ضعف الاهتمام بمنظومة الأسرة، وبث الدين في نفوس المصريين، ومع انتشار الأزمات المختلفة خاصة الاقتصادية منها، وغياب وازعي الدين والضمير تفجرت المشكلات الاجتماعية داخل المنظومة الأسرية.
صحيفة اليوم السابع "المخابراتية" نشرت بداية العام الحالي أن "نسبة 67% من الزوجات، وفقا لمحاكم الأسرة بإمبابة وزنانيري ومصر الجديدة ومدينة نصر وأكتوبر وعابدين، يلجأن للمحاكم للهروب من جحيم الحياة الزوجية بسبب العنف الأسري والتعرض للإيذاء الجسدي والنفسي (لهن) أو للأبناء".
وبحسب موقع الجريدة نفسه: "شكا الأزواج والزوجات والأبناء من التعرض للضرب كوسيلة للإيذاء لتبلغ نسبته 29% بينما تعرض 24% لأسلوب التوبيخ والإيذاء باستخدام آلة "سكين أو سلاح أبيض" بنسبة 6%، وإشعال النيران واستخدام المواد الحارقة بنسبة 2%.
وتتراوح نسبة السيدات اللاتى يلجأن لقبول الصلح والتعرض للعنف مرة أخرى خوفا من فقدان حضانة أبنائهن 70%، بينما 44%من الأطفال الذين يتعرضون للضرب تصبح لديهم اضطرابات نفسية.
وأكدت شكاوى الزوجات أو الأزواج، داخل مكاتب تسوية المنازعات بمحاكم الأسرة بسبب العنف الأسري أن 12%من الحالات تنتهى بجريمة والزوج بالتالي هو المعتدي الأول، يأتي بعده في الترتيب الأبناء كضحايا إما للأب أو الأم أو الأهل الذى ينتقلون للعيش برفقتهم، وبنسبة 46% يكون مصدر العنف الأسري الزوج.
أما حالات الطلاق في المجتمع المصري، فحسب تقرير مركز معلومات رئاسة الوزراء، خلال عام 2018، وصلت إلى مليون حالة بواقع حالة واحدة كل دقيقتين ونصف، ووصلت نسبة العنوسة بين الشباب والفتيات إلى 15 مليون حالة، وهذا يعنى أن حالات الطلاق، تتعدى في اليوم الواحد 2500 حالة، فيما يقدر عدد المطلقات بأكثر من 5.6 مليون على يد مأذون، ونتج عن ذلك تشريد ما يقرب من 7 ملايين طفل.
تفسخ اجتماعي
المجتمع المصري صار يعاني من تفسخ اجتماعي بنسبة ليست بالقليلة، وأزمات في تربية الأبناء، وهو ما بحثته دراسة بعنوان: "التربية والأزمة الأخلاقية في المجتمع المصري: المظاهر والأسباب والحلول" خلصت لضرورة إعادة النظر في تعزيز التربية الدينية بداية من الأسرة حتى المدرسة والجامعة ومناهجهما.
وأكدت الدراسة على أهمية تطبيق القانون بالعدل على الجميع حتى تتحسن العلاقة بين الفرد والدولة، مع حل مشكلة البطالة، وإعادة النظر في وظيفة الإعلام "حتى يمكنه التصدي للمشكلات القائمة ورفع مستوى الوعي الاجتماعي والسياسي، وترسيخ قيم الأصالة الإيجابية والحد من السلوكيات السلبية".
وجهت الدراسة بضرورة مراعاة البعد الديني في المجلات والصحف والتلفزيون، ووجود القدوة من العلماء في المجتمع، والبعد عن مناهج العلمانيين، ووجوب التفات الدولة لـ: "العناية بالتربية الخلقية في جميع مؤسساتها والعناية بذلك عن طريق إلزام كافة المؤسسات والهيئات بإبراز السلوك والقيم الفاضلة في كل ما يُطرح ويُنشر ويُقال"، وأخيرا التنبه لأهمية مواجهة الغزو الفكري، وتقييم أوضاع المجتمع الخلقية، وتجديد التخطيط لصيانتها.
تتضافر منظومة المشكلات الاجتماعية والأمنية مع الاقتصادية ومن قبل الدينية والتربوية مع التقدم التكنولوجي القاصر عبر الهاتف المحمول والحاسب الآلي من الطبيعي أن تزداد الوحدة بين طبقات المجتمع في مصر فتثمر دعوة "صاحب للإيجار"، والأشد والأخطر هو انفتاح الأفق في المستقبل خاصة مع زيادة العزلة الاجتماعية على الفرد التي قد تصيبه بالأمراض النفسية والبدنية على حد سواء.
تغييب الدعاة
فإذا أضفنا لذلك غياب الدعاة ومطاردتهم وحبسهم، بالإضافة إلى إغلاق "ما يقرب من 5 آلاف جمعية خيرية تابعة للإخوان اختفت خدماتها و أموالها، ومئات المستوصفات الطبية ومراكز الدروس التعليمية ذات الأجر الرمزي، وآلاف القوافل الطبية البشرية والبيطرية، كل هذه الفعاليات كانت تعزز وتحفظ المجتمع من التفلت الأخلاقي والتشتت القيمي.
يعتقد الكاتب والناشط السياسي المصري محمد الشبراوي أنه مع تعمد تجفيف المنابع السياسية، وتغييب الدعاة اعتقالا أو تهجيريا والقسوة الأمنية المفرطة، ستزيد نبرة التغريب في المجتمع خاصة بين الشباب.
الشبراوي قال لـ "الاستقلال": "مع رصدي لفكرة تأجير صاحب نفسها في المجتمع الياباني منذ 2017، أراها فاشلة حتى في المجتمعات المنحلة، وبالتالي لا أعتقد أن النظام السياسي المصري من الغباء ليورط نفسه في مثل هذه الأفكار المتمادية في إهلاك المجتمع بشكل مباشر".
مضيفا: "لكنه متورط فيها بشكل غير مباشر من تهيئة بيئة مناسبة لها لبعض الوقت، كانتشار العنف والتمزق الأسري، وغياب الرقابة والمسئولية. ورغم هذا لا أعتقد أن الأمر برمته سيلقى نجاحا أو انتشارا في المجتمع المصري".
هدم الأخلاق
أما استشاري الصحة النفسية الدكتور محمد الحسيني فيرى أن هناك منظومة متكاملة لهدم الأخلاق والقيم في مصر، وبالتالي هناك مؤسسات تعمل بأقصى ما تملك لهدم دائرة الانتماء، لإدراكها أن ذلك هو ما يميزنا عن أوروبا والغرب، ومن تلك الأدوات الحث على العنف في أجهزة الإعلام، وبالتالي تقليده أسريا بما يعني أن يكون الأبناء لقمة سائغة في يد كل فاسد، بخاصة لما تدفعهم القسوة لخارج بيوتهم.
ويضيف الحسيني لـ "الاستقلال": "بالإضافة للأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تهدم التركيبة السكانية من الأساس، وتدفع الشعب في أحضان الفقر المدقع، بما يستعصي معه استمرار تماسك المعاملات بخاصة الاجتماعية على كل المستويات بشكل جيد".
وتابع: "هناك دراسات تؤكد أننا إذا أردنا تغيير مدركات أحد من الناس فإن 7% فقط يجيء عن طريق الإهانة والتعذيب، فيما البقية تجيء تلقائيا مع الفقر الشديد، وبذلك تؤكد أغلب الدراسات على قيمة الفقر في سلب المجتمعات أعز ما لديها وتغريبها عبر مثل هذه الأفكار".
ويختتم الحسيني كلماته بوصف الحل للخروج من مثل هذه الدعوات قائلا: "الرجوع إلى الله هو خير بداية، ثم الالتزام بالتركيبة الاجتماعية ومنظومة القيم ومن قبلها الدين، وأخيرا عودة الحكومة للدور الذي ينبغي أن تقوم به للحفاظ على المجتمع بمعاونة الأزهر والأوقاف والتنسيق بين جميع أجهزة الدولة".
أما الباحث التربوي عبده زيادة فيقول: مثل هذه الفكرة (تأجير صاحب) تم عرضها على المصريين بعد تحجيم وإغلاق المساجد في مصر، وبالتالي اختصار دورها التربوي ليتضافر مع انشغال الأبوين خلف لقمة العيش.
مضيفا في حديثه مع "الاستقلال": "بالتالي فقد الأبوان دورهما في الرعاية والمتابعة والتنشئة التربوية الصحيحة للأبناء، أضف لذلك ضياع منظومة التعليم، إذ صارت مدارسنا بصورة غير مباشرة تسير في ركب الضياع أيضا، بزوال هيبة المعلم ومكانته في المجتمع، وعدم قدرة مناهج التعليم على التكيف مع متغيرات المجتمع الحديثة".
زيادة أكد أن "كل ما سبق جعل الإعلام في مقدمة التأثير، بعد غياب الأدوار الرئيسية للتربية في مجتمعنا من أسرة، مدرسة، وأيضا مسجد، ولما فسد الإعلام أو كاد أصبح الجيل الحالي كله في مهب الريح، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة".
المصادر
- «صاحب أو صاحبة للإيجار».. القصة الكاملة للخدمة الجديدة على لسان مؤسسيها
- "صاحب للإيجار".. خدمة "لن تكون معها وحيدا"
- ـ80 ألف اشتركوا في صفحة صاحب للإيجار.. فيسبوك ينهى أزمة الوحدة
- "صاحب للإيجار".. شركة خدمات لتأجير البشر تثير جدلاً في مصر
- “صاحب للإيجار”.. فكرة اجتماعية هادفة أم إيقاع بالفتيات؟
- آخر كوارث السوسيشال ميديا بنات للإيجار
- انقلاب مصر في 5 سنوات.. دماء وغلاء وأزمات
- من دفاتر محاكم الأسرة
- حالة طلاق كل دقيقتين ونصف..15 مليون حالة عنوسة.. خبراء يكشفون الأسباب
- التربية والأزمة الأخلاقية في المجتمع المصري: المظاهر والأسباب والحلول
- العزلة الاجتماعية تنهش العقل ... والجسم