تأشيرة أمريكا.. حرام على اليمنيين حلال لمسعّري الحرب

آدم يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي يفترض أن يكون جواز السفر هوية تعريفية مجردة، أصبح سببا كافيا للإعاقة والحرمان من الحقوق، بل والعقوبة الجماعية، إذ رفضت الولايات المتحدة الأمريكية الأربعاء الماضي، منح الصحفي في وكالة "أسوشيتد برس" معد الزكري، تأشيرة زيارة، لتسلم جائزة كان قد فاز فيها مع الصحفيتين ماجي ميشيل وناريمان المفتي، عن تقرير مصور، ضمن سلسلة تحقيقات صحفية مصورة عن الحرب باليمن.

وكان الصحفي اليمني، قد فاز في أبريل/نيسان الماضي، بجائزة "بوليتزر"، وهي الجائزة الأبرز في مجال الصحافة الأمريكية، وتمنح منذ العام 1917، لــ 21 فرعا في الصحافة، تقدمها جامعة كولومبيا تنفيذا لوصية الصحفي جوزيف بوليتزر.

الزكري، قال في لقاء مع مستشار أمريكي، في السفارة واشنطن بالقاهرة، في وقت سابق: "إنّ أمريكا تعلم أن اليمن ليس بلدا إرهابيا، وأن الإرهابيين فيها معظمهم أجانب، يستغلون الوضع المتدهور في البلاد ويعملون لمصالحهم الخاصة". وأضاف الزكري، أن أحد الأسباب الرئيسية للوضع المأساوي في اليمن هي العقوبة الجماعية التي تفرضها واشنطن على اليمنيين.

غارات أمريكية

وقد وثق التقرير الذي أعده الزكري خسائر من المدنيين قضوا في غارات جوية لطائرات أمريكية من دون طيار، إضافة إلى توثيقه لحالات أطفال يقاتلون في الخطوط الأمامية مع مقاتلي جماعة الحوثي.

وحاز الزكري على جائزة بوليتزر الأمريكية، إضافة إلى الصحفية ناريمان المفتي وهي كندية من أصل مصري، والصحفية المصرية ماجي ميشيل، غير أنه لما حان تسلم الجائزة وتطلّب سفره إلى الولايات المتحدة لحضور فعالية التكريم واستلام الجائزة، سافرت زميلتاه وبقي هو غير قادر على السفر، لرفض السلطات الأمريكية منحه تأشيرة دخول.

وبررت السلطات رفضها دخول الزكري، بأن اليمن ضمن الدول التي فرض عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حظرا من السفر. وعلى الرغم من المحاولات المتكررة التي بذلتها وكالة الأنباء الأمريكية، إلا أنها لم تفلح، ما اضطر الجهة المنظمة إلى البدء بحفل توزيع الجوائز من دون حضور الصحفي الزكري.

وقد فرض مرسوم رئاسي لدونالد ترامب حظرا لرعايا ست دول من دخول الولايات المتحدة، هي: اليمن، سوريا، ليبيا، إيران، الصومال وكوريا الشمالية.

سقوط أمريكي

لقيت هذه الحادثة تعاطفا كبيرا من اليمنيين، وأثارت، إضافة إلى ذلك، موجة غضب واسعة في الوسط الصحفي العربي والدولي، وعدت ذلك حرمانا لصحفي من استحقاقه، من دولة جُل حديثها عن الحريات وحقوق الإنسان، ومع أن الصحفيتين بادرتا بلفتة نبيلة وهي مشاركة الزكري حفل تسلم الجوائز باتصال مرئي عبر الانترنت، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإطفاء حالة الغليان التي عمت الوسط الصحفي.

وكان الكاتب والراصد الحقوقي محمد الأحمدي، قد قال في حديث سابق لـ"الاستقلال": إنه "للأسف يستمر مسلسل السقوط الأمريكي في المجال الحقوقي، فحرمان صحفي من أبسط حقوقه في نيل جائزة مستحقة نظير جهده وشجاعته وتفانيه في عمله، هو سقوط وانتهاك لحقوق الإنسان معا".

وأضاف: "ربما لطبيعة الموضوع الذي تناوله التقرير والذي كشف فيه انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها طائرات أمريكية من دون طيار بحق مدنيين في عدة مناطق باليمن، تم رفض منحه التأشيرة، ولو كان موضوع التقرير الذي شارك فيه الصحفي الزكري يخدم السلطات الأمريكية بوجه أو بآخر لكان لها رأي آخر في منحه تأشيرة استثنائية، على الأرجح".

واقعة سابقة  

في واقعة مشابهة حصلت للمواطنة اليمنية شيماء صويلح في ديسمبر/كانون الأول الماضي، رفضت السلطات الأمريكية منحها تأشيرة زيارة لتوديع طفلها المريض الذي يحتضر في إحدى مستشفيات كاليفورنيا، بمبرر قرار حظر سفر اليمنيين للولايات المتحدة الذي أصدره الرئيس الأمريكي ترامب في وقت سابق.

غير أن والد الطفل عبدالله حسن، زوج شيماء صويلح، تقدم باستغاثة على قناة "سي أن أن" الأمريكية، يطلب فيها منح زوجته تأشيرة زيارة لتوديع ابنها، وقد خلقت هذه المناشدة رأيا عاما في الولايات المتحدة، وتداولت وسائل إعلامية ذلك القرار بشكل واسع، وتحدثت عن تسببه بمعاناة مئات اليمنيين وحرمانهم من حقوقهم في زيارة أقاربهم.

وتحت الضغط الشعبي والإعلامي، اضطرت السلطات الأمريكية منح السيدة شيماء تأشيرة استثنائية من فئة "أي -130"، التي تسمح لأقارب المواطنين الأمريكيين بزيارتهم في الولايات المتحدة، وتم سفرها وحظيت باستقبال وتغطية إعلامية واسعة.

من جهتها، اعتبرت النائبة الديموقراطية عن مدينة أوكلاند باربرا لي، أنّ هذه المأساة تجسّد الطابع "اللاإنساني واللاأميركي" لمرسوم ترامب. وكتبت النائبة على موقع "تويتر"، الإثنين الماضي، قائلة: "بصفتي عضوا في الكونغرس وأمّا فقد صدمتني قسوة منع أمّ من ملاقاة ابنها المريض".

من جهته، يقول الناشط الحقوقي أحمد علاو في حديث لـ"الاستقلال": إن "استثناء السيدة شيماء صويلح من القرار أمر مرحب به، غير أنه يجب إلغاء القرار بكامله، فليس من المعقول فرض حظر على ثلاثين مليون يمني من السفر وحرية التنقل والدراسة والعلاج وزيارة الأقارب من أجل عناصر إرهابية معدودة، وإذا كانت الولايات المتحدة صادقة في دعواتها للحرية واحترام حقوق الإنسان فيجيب أن تعيد النظر في هذا القرار الجائر".

من أولى بالعقاب؟

المحلل ياسين التميمي تحدث لـ"الاستقلال" قائلا: الوضع الأمني المتدهور في اليمن الذي جعل واشنطن تصدر قرارها بمبرر أن اليمن أصبحت بيئة حاضنة للإرهاب، هو وضع تسبب به التحالف العربي بقيادة السعودية، حيث عملت على تقويض السلطة الشرعية، وإضعاف السلطة الأمنية، وذهبت لتبحث عن أجندة خاصة بها، وخاصة في الجنوب".

وأضاف أن "الإمارات عملت على خلق أجهزة عسكرية وأمنية موازية للأجهزة الحكومية، وقامت بتشكيل مجموعات مسلحة كثير منهم من أصحاب السوابق وأفراد من تنظيم القاعدة، ما تسببت بفراغ أمني ووفر بيئة مناسبة لتحرك عناصر إرهابية".

وتابع التميمي، بأن "الإمارات هي من تتعاون مع التنظيمات الإرهابية، وبالتالي إن كان هناك فرض للعقوبات، فيجب فرض العقوبات عليها، لا مضاعفة البؤس على الشعب اليمني الذي يعيش وضعا سيئا منذ انقلاب الحوثي على الدولة".

وكانت وكالة اسوشيتد برس قد نشرت تحقيقا صحفيا مطولا في أغسطس/آب 2018، كشفت فيه عن صفقة سرية تم إبرامها بين الإمارات وتنظيم القاعدة، نصت على خروج التنظيم من محافظتي شبوة وحضرموت (جنوبي اليمن) مقابل حصول قادة التنظيم على أموال دفعتها لهم الإمارات.

وأضاف التقرير، أن الصفقة تضمنت، إضافة إلى الأموال المدفوعة للتنظيم، اتفاقا بضم 10 آلاف من رجال القبائل المحليين، بمن في ذلك 250 فردا من عناصر تنظيم القاعدة، إلى الحزام الأمني، التشكيل المسلح المدعوم من الإمارات في عدن والمحافظات الجنوبية.

وعن المملكة السعودية، يقول آريه ناير الكاتب والناشط الحقوقي وأحد مؤسسي منظمة "هيومن رايتس ووتش": حدد الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب الدول الإسلامية واللاجئين، الذين يشكلون خطرا على بلاده، بيد أنه تغافل عن ضم المملكة العربية السعودية لهذه القائمة، على الرغم من أن المسؤولين الذين خططوا لعملية اختطاف الطائرات لمهاجمة نيويورك وواشنطن، في 11 من أيلول/سبتمبر، وأخطر خلية إرهابية عرفت في التاريخ، كانوا سعوديين.

وأضاف ناير: ومن هذا المنطلق، السؤال الذي يطرح الآن: هل يرفض ترامب الإساءة للمملكة العربية السعودية بسبب التعاملات التجارية التي تربطه بالأثرياء السعوديين؟ أم لأنه يظن بأنهم سيتكرمون عليه، ويساندونه في تشييد فندقه الجديد في واشنطن؟