ترحيل 1.5 مليون لاجئ أفغاني من إيران خلال أسابيع.. الخلفيات والتداعيات

"أكثر من 1.5 مليون أفغاني غادر إيران منذ يناير 2025"
مع ترحيل إيران أكثر من 1.5 مليون أفغاني منذ يناير/كانون الثاني 2025، أثيرت تساؤلات عن أسباب تسريع عمليات الإعادة القسرية، وما التبعات الاقتصادية التي سيخلفها غياب هذا العدد الكبير عن المدن الإيرانية، كونهم كانوا يشغلون حيزا واسعا من الأيدي العاملة.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من 1.5 مليون أفغاني غادر إيران منذ يناير 2025، وأن أكثر من 918 ألف منهم دخلوا أفغانستان بين 22 يونيو و22 يوليو، حسبما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن متحدث باسم وزارة شؤون اللاجئين والإعادة في حكومة طالبان (لم تسمه).

"ذريعة التجسس"
رغم أن السلطات الإيرانية هددت كثيرا بترحيل الأفغان من أراضيها، لكنها سرعت هذه العمليات بعد العدوان الإسرائيلي عليها في 13 يونيو، والذي استمر 12 يوما، وذلك مع تزامن انتشار مزاعم تتهم الأفغانيين بالتجسس لصالح الكيان الإسرائيلي.
وتقول إيران: إنها تضيف أكثر من 6.5 ملايين أفغاني منهم مليونا شخص بلا وثائق، فرّوا من النزاعات في بلادهم التي شهدتها البلاد، فقد نزحت موجات كبيرة خلال الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979، وموجة أحدث في عام 2021 عندما خرج الاحتلال الأميركي من البلاد.
وفي مطلع مارس 2025، منحت السلطات الإيرانية من لا يحملون أوراقا مهلة حتى يوليو للمغادرة طوعا، لكن منذ اندلاع مواجهة قصيرة مع إسرائيل في 13 يونيو، أعادت السلطات مئات الآلاف من الأفغان قسرا، متذرعة بمخاوف تتعلق بالأمن القومي.
وبحسب بيانات الأمم المتحدة في شهري يوليو وأغسطس 2025، فإن عمليات الإعادة اليومية بلغت ذروتها في أوائل يوليو بنحو 50 ألف شخص يوميا، وغالبا بعد رحلات شاقة.
وخلال العدوان الإسرائيلي على إيران، نشرت قنوات على تطبيق" تليغرام" إيرانية رسائل تحذيرية للحكومة، حذرت فيها السكان من "المواطنين الأجانب" – وهو تعبير غالبا ما يُستخدم للإشارة إلى الأفغان في إيران – الذين يقودون شاحنات في المدن الكبرى.
وفي اليوم التالي، أُعلن عن سلسلة اعتقالات لأشخاص يُزعم ارتباطهم بالهجمات الإسرائيلية، من بينهم بعض الأفغان.
وقالت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية خلال تقرير لها في 27 يوليو، إن إيران أطلقت حملة ترحيل جماعي ضخمة ضد المهاجرين الأفغان، واعتقالات، على خلفية اتهامات بأن "مهاجرين غير موثقين من أفغانستان تجسسوا لصالح إسرائيل"، وساعدوها في إطلاق الصواريخ خلال حرب الـ12 يوماً في يونيو.
وبثت هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية الإيرانية هذه المزاعم، في حين أفادت وكالة "تسنيم" شبه الرسمية، المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، بأن السلطات ألقت القبض على عدد من الأفغان بتهم "التجسس وحيازة أدلة إرشادية لصناعة الطائرات المُسيرة والمتفجرات".
وبحسب "بلومبيرغ"، إن مزاعم التجسس أشعلت موجة من العنف والمضايقات استهدفت مجتمع اللاجئين الأفغان المهمش بالفعل، والذي توسع في إيران منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979، والحروب اللاحقة بما فيها الغزو الأميركي عام 2001.
صحيفة " فورين بولسي " كشفت في الأول من أغسطس، عن قيام السلطات الأمنية في إيران بانتزاع اعترافات من مئات الأفغان تم اعتقالهم خلال حرب الـ12 يوما مع "إسرائيل" وتم عرضهم على شاشات التلفاز، وهو ما خلق أرضية خصبة لتسريع أكبر حملات الترحيل الجماعي في تاريخ إيران الحديث.
وفي الوقت الذي قالت فيه الصحيفة إنه جرى ترحيل 1.6 مليون أفغاني، فقد أكدت أن تلك الفترة شهدت حملة اعتقالات نالت أكثر من 700 شخص، ووجّهت إليهم السلطات الإيرانية تهما بالتجسس والتخريب لصالح الموساد، بينهم عدد من الأفغان.

"كبش فداء"
وبخصوص دوافع ترحيل اللاجئين الأفغان من إيران، يقول بارنيت روبن، الخبير في شؤون أفغانستان والمستشار السابق لوزارة الخارجية الأميركية، إن طهران ربما "تبحث عن كبش فداء لتغطية إخفاقاتها في الحرب ضد إسرائيل".
وأضاف: "الحكومة الإيرانية محرجة جداً من إخفاقاتها الأمنية التي تُظهر أن إيران تعرّضت لاختراق واسع من قبل الاستخبارات الإسرائيلية. لذا كان عليهم أن يجدوا (السلطات) من يلومونه"، حسبما نقلت قناة "بي بي سي" في 2 أغسطس 2025.
وبحسب القناة البريطانية، فإن اتهامات التجسس التي أطلقت ضد اللاجئين الأفغان في إيران "تهدف أيضا إلى إضفاء شرعية على خطة الحكومة لترحيل الأفغان غير الموثقين".
واتفق الكاتب الإيراني المعارض، أردوان روزبه، مع طرح روبن، بالقول إنه "بعد ضربات إسرائيل المدمّرة على المواقع العسكرية والنووية الإيرانية، بلغ الغضب الداخلي ذروته. فسعى النظام الإيراني إلى تحويل هذا السخط الشعبي من خلال تضخيم الروايات المعادية للأجانب، مصوّرا الأفغان كتهديد للأمن القومي".
وأضاف الكاتب خلال مقال نشره موقع "إيران انترناشيونال" في 22 يوليو، إنه "رغم بعض المزاعم المتفرقة حول ارتفاع معدل الجريمة بين الأفغان، تظهر الأرقام الرسمية عكس ذلك".
ووفقا للسلطة القضائية الإيرانية، يضيف الكاتب، "يشكّل المواطنون الأفغان نحو 6 بالمئة فقط من السجناء في إيران، وهي نسبة تقريبية تتوافق مع نسبتهم في السكان. وغالبية هذه القضايا تتعلق بالدخول غير القانوني أو مخالفات العمل، وليس الجرائم العنيفة أو المنظمة".
ومع استمرار النظام (الإيراني) في شنّ حرب نفسية ضد المهاجرين الأفغان، أصبحت تقارير عن عنف جماهيري، وحرائق متعمّدة، وضرب علني، أكثر شيوعًا، وفقا للكاتب.
وأكد أردوان روزبه أنه في هذا المناخ الذي يهيمن عليه التحريض الرسمي، بات الإعلاميون المحافظون المتشددون يصوّرون أي دفاع عن حقوق الأفغان بأنه "خيانة وطنية".
ودعا الكاتب من أطلق عليهم "صانعي السياسات" والمدافعين عن حقوق الإنسان في واشنطن والعواصم الأوروبية أن يواجهوا استغلال النظام الإيراني للاجئين الأفغان.
وخلص إلى أن "هذا المجتمع (اللاجئين الأفغان) ليس أداة للعب السياسي، بل هم ناجون من بلد مزقته الحروب، ويجب ألا تُضحّى كرامتهم من أجل حسابات نظام مأزوم. يستحق المهاجرون الأفغان العدالة والحماية، وفرصة للعيش دون خوف، لا أن يُقدَّر لهم جيل آخر من التشريد والموت".
وكانت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، قد صرّحت في الأول من يوليو، وفقًا لـ"رويترز" أنه "طالما سعينا جاهدين لنكون مضيفين جيدين، لكن الأمن القومي أولوية، ومن الطبيعي أن يعود المقيمون غير الشرعيين"، في إشارة لاتهامات وجهت للأفغانيين بالتجسس لإسرائيل.

نتائج عكسية
الإبعاد القسري لأكثر من 1.5 مليون لاجئ أفغاني من إيران، جاء بنتائج عكسية على الاقتصاد الإيراني؛ إذ إن ترحيلهم أدى إلى “مواجهة بعض المحافظات نقصا في اليد العاملة، وأن معظم أرباب العمل في إيران كانوا يفضلون توظيف الأفغانيين”، حسبما ذكر وكيل وزارة الداخلية الإيرانية علي أكبر بورجمشيديان.
وأضاف وكيل وزارة الداخلية الإيراني، خلال مقابلة مع قناة "صدا وسيما" الرسمية في 18 أغسطس، أنه "قبل بدء عمليات الترحيل كان يعيش في إيران أكثر من 6.5 ملايين أفغاني، بينهم نحو مليوني شخص دخلوا البلاد بصورة غير قانونية".
ووصف المسؤول الإيراني المهاجرين الأفغان غير الحاملين للوثائق بأنهم "مشكلة رئيسة" يجب معالجتها عبر الترحيل، مدعيا أن عددا كبيرا منهم عادوا طوعا إلى أفغانستان.
وأوضح بورجمشيديان أن الذين يغادرون طوعا "يمكنهم العودة إلى إيران في حال استيفاء الشروط والحصول على التصاريح اللازمة".
من جهته، قال رئيس رابطة "مطوري العقارات" في طهران، إيرج رهبر، إن أكثر من 50 بالمئة من عمال البناء في العاصمة كانوا من الأفغان. مضيفا أنه "بعد صدور قرار بترحيل الأفغان من إيران عقب الحرب الأخيرة، واجه قطاع البناء نقصا في العمالة في تخصصات مثل عمال البناء والحدادة والعمالة البسيطة".
ونقلت وكالة "إيلنا" العمالية، عن إيرج رهبر، قوله: إن "اعتماد سوق العمل في قطاع البناء على العمال الأفغان استمر لسنوات، وقد أصبح وجودهم أمرا معتادا"، مشيرا إلى أن هذا الاعتماد كان واضحا بشكل خاص في وظائف العمالة البسيطة، وهو ما تسبب في مشاكل بعد مغادرتهم البلاد.
وأكد رهبر أن "ترحيل العمال الأفغان أدى إلى انخفاض إنتاجية العمل في قطاع البناء، وتوقف بعض المشاريع عن التنفيذ، كما أن تعويض هذا النقص بالعمال الإيرانيين سيستغرق وقتا".
وأشار إلى أن هذا التأثير بات أكثر وضوحًا في مشاريع مثل "النهضة الوطنية للإسكان"، التي تم توقيع عقودها قبل عامين بأسعار تلك الفترة، ما يعني أن استبدال العمالة الأفغانية بإيرانية سيزيد من تكلفة التنفيذ النهائية.
وشدد رهبر على أن "القرار المتخذ بعد الحرب الأخيرة بخروج العمال الأفغان من إيران، تسبب في نقص حاد في اليد العاملة في مجالات متعددة بقطاع البناء، وأدى إلى تعطيل جزئي في المشاريع الجارية"، مؤكدا أن سوق العمل كان يعتمد عليهم بشدة في وظائف تتطلب مجهودًا بدنيًا.
وبحسب رئيس الرابطة، فإن "العمال الإيرانيين لم يكونوا يرغبون في تولي وظائف العمالة البسيطة في مجال البناء، نظرا لانخفاض الأجور، في حين أن العمالة الأفغانية كانت أرخص، ولم تكن مسجلة في نظام التأمين الاجتماعي بسبب افتقارهم للوثائق الثبوتية، ما جعل تشغيلهم أسهل وأقل تكلفة على أصحاب العمل".
ونوه رهبر إلى أن "أجر العامل الإيراني في قطاع البناء يعادل ضعف أجر العامل الأفغاني، ومع ذلك، فإن الأخير لم يكن يكلف أصحاب العمل رسوم التأمين، مما جعلهم الخيار المفضل".
وتوصل رئيس رابطة "مطوري العقارات" أن رغم ارتفاع أجر العامل الإيراني، فإن نقص العمالة سيدفع أصحاب المشاريع إلى تشغيلهم، ومع مرور الوقت، سيصبح العمل في قطاع البناء أكثر جدوى اقتصادية بالنسبة للعمال الإيرانيين أيضا.
المصادر
- مع حملة ترحيلهم بعد الحرب... الأفغان في إيران يدفعون ثمن إخفاقات النظام
- ترحيلهم خلق “أزمة”.. 50% من عمال البناء في العاصمة كانوا من الرعايا الأفغان
- مسؤول إيراني: ترحيل الأفغان تسبب في نقص اليد العاملة ببعض المحافظات
- تقرير يكشف طرد إيران لنحو نصف مليون أفغاني خلال 16 يوما منذ الصراع مع إسرائيل
- إيران تعيد 1.5 مليون أفغاني إلى بلادهم، وتتهم بعضهم بـ "التجسس لصالح إسرائيل"
- إيران ترحل الأفغان جماعياً وسط اتهامات لمهاجرين بـ"التجسس لصالح إسرائيل"
- الأمم المتحدة: ترحيل آلاف المهاجرين الأفغان من إيران يزعزع استقرار المنطقة
- فورين بوليسي: ترحيل إيران الجماعي للأفغان يهدد استقرار المنطقة