حرائق تلتهم المحاصيل.. من يستهدف الأمن الغذائي للعراق؟

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

يتكبد العراق خسائر هائلة في ثرواته الزراعية والسمكية، جراء تعرضها للإتلاف والنفوق، إما بالتسمم أو بحرائق مفاجئة أتت على مساحات واسعة وحولتها إلى رماد، الأمر الذي يعرض أمنه الغذائي إلى مخاطر حقيقية في ظل صمت حكومي مطبق.

كان آخر هذه الكوارث، ما تتعرض له محاصيل الحنطة والشعير من حرائق مستمرة، طالبت نحو مليون دونم (الدونم في العراق يعادل 2500 متر مربع) منذ 8 مايو/أيار الماضي، وحتى 7 يونيو/ حزيران الجاري، وفقا لإحصائيات عراقية رسمية.

حرائق متعمّدة

وقلل رئيس الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي، من خطورة الحرائق في بدايتها، إلا أن استمرارها حتى وقت كتابة هذا التقرير، دفع جهات برلمانية لإطلاق دعوات تطالبه بالكشف عن الجهات التي تقف وراءها.

وقال رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، أرشد الصالحي، في تصريح له: إن "اللجنة دعت الحكومة إلى الخروج عن صمتها والتعبير عن حقيقة قضية حرق المحاصيل التي تتفاوت من محافظة إلى أخرى، ويظهر أنها متعمدة وتقف خلفها أيدٍ سياسية".

وعلى الوتيرة ذاتها، كانت نداءات الاستغاثة العاجلة التي أطلقها نائب رئيس المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، علي الشمري، إلى الحكومة العراقية، للسيطرة على الحرائق الهائلة التي تلتهم آلاف الدونمات في قضائي سنجار والبعاج في نينوى.

وحذر الشمري في تصريحات صحيفة تناقلتها مواقع محلية، من أن الحرائق باتت تهدد الأمن الغذائي للعراق، ومصالح المزارعين وعائلاتهم.

أما المحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي، فقد رجّح في تغريدة عبر حسابه على موقع "تويتر" انتهاء الخطر على الزروع والحقول هذا الأسبوع، بنهاية حصاد حقول جنوب محافظة نينوى.

لكن الهاشمي، حذر من أن "الخطر الذي ينبغي الاستعداد له هو حماية سايلوات (صوامع) ومخازن الحنطة والشعير من الحرق والتخريب، ولهذا الغرض فإن وسائل السلامة وإطفاء الحرائق تحتاج إلى مساندة، وأيضا المخازن تحتاج إلى حراسة أكثر من شرطة حماية المنشآت".

وتعرضت مناطق واسعة في العراق لحرائق هددت الحقول الزراعية، في محافظات ديالى ونينوى وصلاح الدين، وكركوك، وكانت وزارة التجارة العراقية قد أصدرت بيانا في منتصف مايو/أيار الماضي، بشأن حرائق حقول الحنطة، اتهمت فيه تنظيم الدولة بالوقوف وراءها.

وطالبت الوزارة جهات حكومية عراقية عدة، منها وزارة الداخلية وقيادة العمليات المشتركة بـ"التحرك لتعقب تلك الجماعات الإرهابية وحماية أمن وممتلكات الفلاحين وتأمين الحقول"، معربة عن رفضها لـ"تعرضهم لابتزاز العصابات الإرهابية".

لكن الدفاع المدني، أكد  في بيان وصل لـ"الاستقلال" نسخة منه أن "حوادث حريق المحاصيل الزراعية من تاريخ ٨ مايو/ أيار الماضي، وحتى ٨ يونيو/ حزيران الجاري، بلغت ٢٧٢ حادثا".

وأضاف، أن "اسباب الحوادث هي ٧٤ حادث عطب اسلاك كهربائية، و٣٥ حادث متعمد، و٢٥ حادث شرارة نار من الحاصدة، و٢٢ حادث عقب سيجارة، و٣٢ حادث مصدر نار خارجي، و٨٤ حادث يحدد من قبل الادلة الجنائية".

ولفت البيان الى أن "عدد المساحات المحترقة وفق المدة أعلاه، بلغت ٣٧٠٨٦ دونما، أما عدد المساحات المنقذة، فقد وصلت إلى ٩٩٢٣٤٤ دونما".

وقبل ذلك، قال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، في مؤتمره الصحفي الأسبوعي، الثلاثاء الماضي: إن "حرائق محاصيل الحبوب ليست كلها أعمال عدوانية، بل أغلبها بسبب بعض الخلافات، وارتفاع درجات الحرارة".

وأشار عبد المهدي، إلى أن "الكميات التي احترقت ليست كبيرة جدا، وهذا يحصل غالبا وفي معظم دول العالم في موسم الحرارة الشديدة، وهي معدلات متواضعة مقارنة بالدول الأخرى".

إيران متهمة

ما أثار استغراب نواب في البرلمان العراقي، هو أن جميع المدن والمحافظات التي تعرضت محاصيلها الزراعية للحرق، تحكم المليشيات الموالية لإيران قبضتها الأمنية عليها بشكل كامل.

وفي تصريح صحفي، أشار عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، النائب محمد الكربولي، إلى تورط من وصفهم بأتباع إيران بالموضوع.

وأوضح الكربولي، أن "إيران عليها حصار ومنتجاتها الزراعية مكدسة ورئيس الوزراء، أعلن أن استيراد القمح سيكون خارج الخطة السنوية، وهذا يعني أنه سيكون هناك تهريب من إيران إلى العراق ثم يباع للدولة على أنه منتج وطني بسعر 580 ألف دينار للطن الواحد".

وتابع النائب السني عن محافظة الأنبار تصريحاته، قائلا: "يحرقون مليونا ونصف المليون طن ثم يستوردونها أو يهربونها من إيران".

وكانت وزارة الزراعة العراقية، قد توقعت أن يشهد الموسم الزراعي الحالي وصول العراق إلى الاكتفاء الذاتي من محصول الحنطة للمرة الأولى منذ عقود، وذلك بعد هطول أمطار غزيرة ساهمت في زيادة مساحة الأراضي المزروعة.

وأكدت وزارة الزراعة العراقية، أن الحرائق التي اندلعت مؤخرا "ممنهجة" وأنها استهدفت ثروة البلاد الوطنية، وأشارت إلى أن تحقيقاتها مستمرة للكشف عن الجهات التي تقف خلفها.

واتهمت لجنة الزراعة في البرلمان العراقي "جهات خارجية وداخلية" لم تسمها، بالوقوف وراء حوادث الحرق لمنع العراق من الوصول لمرحلة الاكتفاء الذاتي من محصول الحنطة.

وقال رئيس لجنة الزراعة النيابية سلام الشمري، في بيان له: إن "العراق يتعرض لمؤامرة خارجية تستهدف تدمير اقتصاده".

"وباء الطماطم"

لم تكن محاصيل الحنطة والشعير هي الشرارة الأولى لاستهداف المنتجات الزراعية بالعراق، ففي كانون الأول/ يناير من العام الجاري، فتك "وباء مجهول" بأربعة آلاف مزرعة للطماطم في محافظة البصرة جنوبي العراق.

وقال رئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية التعاونية العراقية حيدر العصاد العبادي، إن 4 آلاف مزرعة للطماطم تضررت بينهم 250 مزرعة تلف محصولها بشكل كامل، في قضاء الزبير بمحافظة البصرة جنوب العراق بـ"وباء مجهول".

وأضاف العبادي في بيان، أن "وباء مجهولا أصاب محصول الطماطم بأضرار جسيمة للفلاحين دون معرفة الأسباب التي أدت إلى ذلك وهو ما تسبب في عدم صلاحية نحو 300 ألف طن من إجمال إنتاج المحافظة".

من جهتها، أعلنت عضو مجلس النواب إقبال عبد الحسين عزمها جمع توقيعات لمُساءلة وزير الزراعة حول إصابة 4 آلاف مزرعة للطماطم بـ"وباء مجهول".

وقالت في بيان لها: إن "وباء مجهولا ضرب مزارع الطماطم حسب ما أعلنه رئيس الجمعيات الفلاحية في العراق دون معرفة الأسباب"، موضحة أن "مثل هذه الأوبئة تصيب العراق مع قرب إعلانه الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية أو الحيوانية، كما حصل مع الأسماك عندما نفقت آلاف الأطنان منها في محافظة بابل بعيد إعلانه ذلك".

واستغربت النائبة حينها من "صمت وزارة الزراعة إزاء ما يحصل من أوبئة في المحاصيل، وعدم الاهتمام بما يجري فيها، في حين أن الوزارة يجب أن تعمل على ضرورة الاهتمام بالقطاع الزراعي بالتزامن مع الموسم الحالي الذي شهد كثافة في سقوط الأمطار التي يمكن أن تحيي الأراضي والمحاصيل الزراعية، وإيجاد بدائل للاقتصاد العراقي عن التباين الحاصل في أسعار النفط الذي يشكل 98 بالمئة من الموازنة العامة للدولة".

وشددت عضو مجلس النواب على ضرورة "تسلم إجابات شافية ووافية عن نوعية هذا الوباء المجهول، وعن خطط الوزارة للاهتمام بالقطاع الزراعي وتنميته خلال المرحلة المقبلة أثناء استضافة الوزير".

وتزامن هذا الوباء مع تحذيرات أطلقتها وزارة الزراعة العراقية، ومنعت استيراد الطماطم من إيران، لما عللته وقتها بأن، "هناك وفرة كبيرة في محصول الطماطم هذا العام، وليست هناك ضرورة لاستيراد الطماطم في ظل الاكتفاء الذاتي الذي تحقق".

نفوق الأسماك

في أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، تفاجأ العراقيون من مربي الأسماك بنفوق متسارع لملايين الأسماك في محافظة بابل وامتدت إلى مدن أخرى، كادت أن تأتي على كامل الثروة السمكية في العراق.

وتعليقا على ذلك، وجه إعلاميون عراقيون، أصابع الاتهام إلى إيران بالوقوف وراء نفوق الأسماك بشكل مفاجئ، في وقت يسبق فرض عقوبات أمريكية على طهران.

لكن الجهات الرسمية ممثلة بوزارة الزراعة كعادتها، عزت سبب نفوق آلاف الأطنان من الأسماك إلى "انخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات وقلة الإيرادات المائية من تركيا، إضافة إلى أن سوء تربيتها أدى إلى تعفن أو تلف غلاصم الأسماك وبالتالي نفوقها".

إلا أن أعضاء في البرلمان العراقي شككوا في رواية الوزارة، فقد قال النائب المستقل، فائق الشيخ علي: إن "القضاء على الثروة السمكية العراقية النهرية، ليس مرضا ثمانينيا كما تبرر وزارات حكومية".

وأضاف النائب في تغريدة له على "تويتر"، أنه "تدمير تمَّ بفعل فاعل، باستخدام مواد كيماوية، وأنه تجويع تقوم به دول تريد إذلالنا، وعلى الحكومة أن تنتبه للداخل والخارج من وإلى العراق".

وكتب الصحفي العراقي عثمان المختار في تغريدة له: إن "التحقيقات الأولية تشير إلى تورط مليشيا علي الأكبر والعصائب (مقربين من إيران) بالحادثة بعد رفض أصحاب مزارع الأسماك دفع أتاوات لهم".

وفي السياق ذاته، قال الكاتب والإعلامي العراقي إياد الدليمي: إن "نفوق الأسماك في جنوب العراق لم يكن كارثة طبيعية وإنما كان كارثة من صنع البشر تماما كما كانت كارثة الطائفية والتهجير، ذاك ليس قدر العراق وإنما بفعل أدوات إيران".

لكن ما حسم الجدل، هو تقرير رسمي أصدرته منظمة الصحة العالمية، أكدت فيه أن نفوق أطنان من الأسماك في العراق سببه التلوث الحاد في المياه.

وأضافت، أن الفحوص المخبرية التي أجريت على عينات مياه في المختبر المرجعي في عمّان، أظهرت أن "المياه ملوثة بمحتوى عال من القولونيات والمعادن الثقيلة وتركيز عال من الأمونيا".

وقال خبراء صحيون من منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة والبيئة العراقية، إن هذه المواد سامة للأسماك لكنها لا تشكل خطرا على صحة البشر.

ولعل ما يؤكد وقوف إيران وراء هذه الكوارث حتى لا تتوقف صادراتها إلى العراق، هو ما كشفه نائب رئيس الوزراء العراقي السابق، بهاء الأعرجي، في مقابلة تلفزيونية، عن وقف إيران لمشاريع تخص ملف الكهرباء بالعراق، وأنها "لو قدر لها أن تكتمل لتحسن وضعها بنسبة 80 بالمائة".

وأوضح الأعرجي: "جاءني السفير الإيراني شخصيا وقال لي أوقف هذه المشاريع، واستطلع عن المشروع الجديد وسأل عنه، لكني لم أعطه مجالا في حينها، وكانت هذه القصة واحدة من الضغوطات التي ساهمت بأن أستقيل من حكومة العبادي".

وأكد القيادي السابق في التيار الصدري، أن "إيران تفكر في مصلحتها وهذا شيء طبيعي، ويقولون إنهم في ظل الأزمة الموجود في العراق، نبيع لهم الكهرباء بملايين الدولارات"، مستدركا: "للأسف نحن لا نفكر بمصلحتنا".