تسلّم هشام عشماوي.. كيف استغله نظام السيسي لتحسين صورته؟
طوت أحداث الأيام الماضية صفحة من صفحات الصراع الذي طال ما يقرب من 6 سنوات بين النظام الحاكم في مصر وبين التنظيمات المسلحة في العمق المصري، والتي استحوذت على نصيب كبير من اهتمام المراقبين للوضع في مصر خصوصاً بعد 3 يوليو/تموز 2013.
تمثلت تلك الأحداث في تسليم الضابط السابق في الجيش المصري هشام عشماوي، من جانب قوات حفتر في ليبيا إلى القاهرة الثلاثاء 28 مايو/آيار 2019، وسط هالة إعلامية ضخمة رافقت العملية منذ بدئها في بنغازي وحتى انتهائها على أرض إحدى مطارات العاصمة المصرية.
اعتقل عشماوي في مدينة درنة الليبية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018 من قبل قوات حفتر حسب ما نقل الناطق الرسمي باسمها، العميد أحمد المسماري، وذلك بعد أن تم رصد عشماوي رفقة أشخاص، كان منهم بهاء علي وصفوت زيدان، إضافة إلى زوجة المسؤول الشرعي لقوات درنة، عمر رفاعي سرور (المقتول من قبل قوات حفتر عام 2017)، والتي تم تسليمها سابقا إلى مصر برفقة أطفالها الثلاثة، ثم اختفت قسريا حتى الآن.
من هو عشماوي؟
هشام علي عشماوي مسعد، من مواليد عام 1978، تخرج من الكلية الحربية عام 1994، ومتزوج من الدكتورة نسرين حسن، الأستاذ المساعد بجامعة عين شمس.
تدرج عشماوي في الخدمة العسكرية بسلاح الصاعقة، حتى وصل إلى رتبة "رائد"، حيث كان ضابطاً متميزاً، مما أهّله للحصول على فرقة السيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وخدم بعد ذلك في سيناء، وأصبح خبيراً بدروبها.
نقلت وكالة رويترز عن أحد أقرباء هشام عشماوي عام 2006 قوله: "عندما اعتقل أحد أصدقاء هشام وتوفي وهو في السجن، تحول هشام إلى شخص آخر".
ثم جاء عام 2007 ليحال عشماوي إلى محكمة عسكرية بتهمة تحريض زملائه على العصيان ضد الجيش المصري، وفي عام 2011 فصل كلياً من الخدمة العسكرية، مع عدد من الضباط لأسباب مشابهة.
لكن وسائل إعلام مصرية نقلت عن طليقة الضابط السابق أن نقطة التحول في حياة عشماوي كانت عام 2010، إذ أصيب بالاكتئاب بعد وفاة والده، وبات غير قادر على ممارسة عمله، وبعدها استبعد من الجيش في عام 2011، ثم انقطعت صلته نهائياً بالمؤسسة العسكرية بعد ثبوت تبنيه لأفكار "متطرفة".
في المقابل يقرر الباحث في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا، أن عشماوي أحيل عام 2012 للمعاش لأسباب طبية إثر إصابته في التدريبات.
يرجح هذا الرأي انتشار صورة واضحة لبطاقة تعريفية تنسب عشماوي إلى القوات المسلحة المصرية، ومكتوب فيها "رائد بالمعاش"، وهذا يعني أنه لم يفصل من الخدمة كما نقلت رويترز، لكنه أحيل إلى التقاعد.
وبعد خروجه من الخدمة، بدأ عشماوي رحلة طويلة ضمن صفوف الجماعات المسلحة، حيث لحق بزميليه النقيب بسلاح الصاعقة عماد عبد الحميد والذي أحيل للعمل المدني بقرار جمهوري لدواعي أمنية، إثر اعتناقه الفكر المتشدد، والرائد بهيئة التنظيم والإدارة وليد بدر، والذي نفذ عملية استهداف وزير الداخلية المصرية السابق محمد إبراهيم.
في 21 من مايو / أيار 2015 نصب عشماوي نفسه أميراً لجماعة "المرابطين"، التي تتبع فكرياً لتنظيم القاعدة، بعد أن شارك في أبرز عمليات جماعة أنصار المقدس ثم انفصل عنهم، وبقي متنقلاً بين ليبيا وبين الصحراء الغربية المصرية، حسب ما نقل المعهد المصري للدراسات.
صيد ثمين
يرى مراقبون أن تسليم عشماوي يعد بمثابة الحصول على كنز معلوماتي في غاية الأهمية، ورسالة قوية للتنظيمات المتشددة.
وأكد العميد خالد عكاشة، عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب في حديث لـ "مصراوي" أن تسلم السلطات المصرية لعشماوي، أمر يجتاز أهميته القاهرة، ويمتد إلى النشاط الإرهابي لجميع التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم، مضيفاً أن هذه العملية ضربة قاصمة للتشكيلات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة، وفروعها الممتدة في شمال إفريقيا والمغرب العربي، على حد تعبيره.
وفي منشور في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، عدّد الباحث في شؤون الجماعات المسلحة منير أديب، 10 نقاط تدل في نظره على أهمية تسلم الجانب المصري هشام عشماوي، إذ يرى أديب أن الضابط السابق يمثل كنز معلومات له علاقة بطريقة تنفيذه للعمليات الإرهابية والمقاتلين ضمن صفوف التنظيم الذي يترأسه.
ويضيف أديب أن المعلومات التي لدى عشماوي، سوف تضع حداً أمام ظاهرة ما سميت بـ "المقاتلين الأجانب" الذي يفدون على الحدود المصرية بعد سقوط تنظيم الدولة في سوريا والعراق.
ويلفت أديب النظر إلى أن الأمن المصري شارك في التحقيقات التي أجريت مع عشماوي داخل الأراضي الليبية، ولكنها لم تحقق معه منفردة، وفق ما كتب في المنشور.
إنجاز وهمي
ويرى الباحث في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا، أن احتفاء النظام المصري المبالغ فيه إنما هو محاولة لتحسين صورة النظام، الذي يظهر فشلاً في التعامل مع المشاكل الداخلية في البلاد، وعلى رأسها مواجهاته المسلحة في سيناء والتي لم يتمكن من إنهائها حسب ما وعد، إضافة إلى التقرير الذي نشرته مؤخراً هيومن رايتس ووتش، والذي يفضح انتهاكات النظام ضد أهالي شبه الجزيرة المحموم.
وأضاف في حديث لـ"الاستقلال"، أنّ حصول الجانب المصري على عشماوي قد يكون مفيداً له في الحصول على معلومات عن أحداث ما قبل 2014، لأنه بعد تلك السنة لم يكن موجوداً في مصر، لكن المخابرات قد تستفيد مما لديه من معلومات عن الخارج الليبي لكونه تم القبض عليه هناك، وكان أميراً لتنظيم مسلح.
وأشار مولانا إلى أن هشام عشماوي لم توجه له اتهامات قانونية منذ حادثة الفرافرة الثانية في 2014، وأن ما ينشره الإعلام الداعم للنظام إنما هو محاولة لإظهار إنجازات وهمية.
وأضاف أنه من الوارد أن يكون الاهتمام المبالغ فيه بتصوير وقائع تسلم عشماوي من قبل النظام، يذكر بسوابق للإعلام المحسوب عليه، حاول فيها أن ينسب لنفسه إنجازات الآخرين، كما حدث في اللقاء المصور مع الشاب الليبي الذي كان طرفاً في حادث الواحات في 2017، إذ قام بتصوير إنجاز للأمن في القبض على الشاب، لكن تبين بعد ذلك أنه قبض عليه بواسطة بعض الأهالي.
تزامن تسليم عشماوي للجانب المصري مع زيارة خاطفة لرئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل إلى بنغازي في ليبيا، التقى خلالها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ما أثار تساؤلات عدة حول توقيت إتمام عملية التسليم.
ولم يستبعد الباحث، أحمد مولانا، أن يكون تسليم عشماوي متزامناً مع زيارة عباس كامل، بغرض إضفاء أهمية على الحدث، ليتسنى للنظام ورأسه توظيفها بعناية في تحسين صورته.