يني شفق: هذه مخاوف موسكو من صفقة "أس- 400" مع تركيا
نشرت صحيفة "يني شفق" التركية، مقالا للكاتب محمد أجيد، سلط فيه الضوء على الجانب الآخر من صفقة الصواريخ الروسية "أس 400"، في ظل توتر متصاعد بين تركيا وأمريكا حول الصفقة، وإصرار واشنطن على تخلي أنقرة عنها، بينما تقترب الأخيرة من موعد الاستلام.
وقال الكاتب في مقاله: إن "أكثر ما يخيف موسكو، هو انتقال الأسرار وتقنية الصواريخ العسكرية الروسية إلى حلف الناتو كون أنقرة هي عضو في الحلف، بل إنها ثاني أكبر دولة فيه"، لافتا إلى أنه" لسبب أو لآخر قد تنتقل شيفرة الصواريخ وأسرارها وكيفية صناعتها إلى الولايات المتحدة الركن الأساس في الحلف، وهو أكثر ما يخيف تركيا".
وبيّن الكاتب في الوقت ذاته، أن "هناك أراء لقادة عسكريين روس يرون فيها أن الأفضل عدم بيع الصواريخ الروسية إلى أنقرة لهذه الأسباب، وإن تمت الصفقة، لا تنقل تكنولوجيا هذه الصواريخ وأسرارها إلى أنقرة، وهو على عكس ما في العقد الموقع بين الطرفين".
ولفت إلى أنه "في حين أن أجواء التوتر والأزمة في العلاقات التركية الأمريكية حول نظام الدفاع الجوي (أس- 400) والتي يجري الحديث عنها كثيرا اليوم، فإننا نرى أن الجزء الروسي من صفقة الصواريخ لم يتم ذكره كثيرا، ولم يتطرق له في وسائل الإعلام المختلفة".
تساؤلات ملحة
وطرح الكاتب بعض الأسئلة لفتح الموضوع ومنها، الفرق التي تعمل على استلام الصواريخ الروسية من موسكو، هل عملها يسير على ما يرام أم ثمة مشاكل مع الجانب الروسي مثلا؟
ومن تلك الأسئلة، كيف ينظر صناع القرار الروس إلى بيع الأتراك الصواريخ هذه؟ هل لديهم إجماع كامل فيما بينهم؟ أو هل تختلف الآراء؟ هل هم مجبرون على مشاركة تكنولوجيا الصواريخ هذه مع الجانب التركي؟ وكذلك من الأسئلة أيضًا في موضوع الصفقة هذه، ما أكثر ما يخيف موسكو تجاه تركيا؟
وأوضح الكاتب: "لقد أوجدت هذه الأسئلة من خلال الانطباعات التي نحصل عليها من الدوائر التي تجري محادثات (أس- 400) مع الروس الذين يتحكمون بالصفقة. في الواقع هذه المرة لم نقم بالحصول على أجوبة من خلال الأسئلة، لكن حصلنا على أسئلة من خلال إجابات المسؤولين الأتراك".
وبالانتقال إلى إجابات هذه الأسئلة، يشير محمد أجيد، إلى أن "ما يخيف موسكو هو معرفة أسرار الصواريخ الروسية من طرف الناتو"، لافتا إلى أنه، وفقا للأوساط التي أتحدث عنها، فإن "الروس يشعرون بالخوف الشديد من احتمال أن تحل أمريكا أسرار صواريخ (أس- 400) عبر الناتو".
وأردف: "وهي على أساس صراع فك الشيفرة والأسرار بين السلاحين الأكثر تطورا بين المعسكرين كما تعلمون، فإن الطائرات الأمريكية تتحدث دوما عن احتمال أن تفك الصواريخ الروسية شيفرة الطائرات الأمريكية (أف- 35) وهي ذريعة قوية تتحجج بها واشنطن حين تعترض على صفقة الصواريخ، حيث تؤكد أنه من المستحيل جمع منظومتين عسكريتين في ذات المنطقة، والحديث عن المنظومة الروسية والأمريكية".
وأشار الكاتب، إلى أنه "من الطبيعي، بل من المؤكد أن يكون هناك مسؤولون روس رفيعو المستوى يرفضون بيع هذه الصواريخ إلى تركيا، وفي حال بيعها لا يجب البتة مشاركة تكنولوجيا الصواريخ مع أنقرة. وهناك من يرى العكس تماما؛ ففي هذه الحالة، يعني منه نربح الأموال، يقول المسؤولون الروس ومنه ندخل إلى قلب أنظمة حلف شمال الأطلسي الناتو".
وأكد، أن "أساس هذا الخوف من الروس هو مناقشة مثل هذا الموضوع في اجتماعات الناتو المغلقة. يعني عندما تأتي هذه الصواريخ إلى الأراضي التركية وفي أي اجتماع مقبل مع الناتو تحت أي مسمى من الممكن بحث هذه الصواريخ عن قرب، على مهل. وحقيقة أن الروس يدركون هذا الوضع يزيد من قلقهم. على وجه الخصوص، مسألة نقل التكنولوجيا التي تأخذ حيزًا كبيرًا من القلق التركي".
هل الروس مجبورون؟
وتحت هذا السؤال يجيب الكاتب، بنعم؛ فبحسب تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، والذي أكد أن نقطة النقاش حول التراجع في نقل التكنولوجيا الخاصة بالصواريخ أمر لا نقاش فيه ولا غنى عنه.
وشدد الكاتب على أن السبب الرئيسي للانتقال إلى الخيار الروسي في الدفاع الجوي، ليس أن السعر أرخص؛ على عكس الأمريكيين، يقبل الروس أيضا نقل التكنولوجيا كنتيجة للمفاوضات، تم تحديد هذا الجزء من العمل وأدرج نقل التكنولوجيا أيضًا في العقد المبرم بين الدولتين؛ لذا تحولت القضية إلى التزام من الروس.
وزاد: "في حين أن هذا الجزء من العمل يسير على هذه الوتيرة، إلا أننا نتعلم أن الروس، الذين يصعب عليهم التفاوض مع أنفسهم بالفعل، يدفعون بجدية إلى نظرائهم في أنقرة عندما يتعلق الأمر بمسألة نقل التكنولوجيا".
يواصل الكاتب: إن "القوة الدافعة للعلاقات الثنائية بين تركيا وأنقرة هي قادة هذ الدول أردوغان وبوتين، حيث تلعب ساحة الحوار الوثيق بين الاسمين دورًا فعالا، ولاسيما في لحظات انسداد الحوار بين الطرفين بسبب أزمة أو أخرى. ومن ذلك الأمثلة الواضحة، العلاقات حول سورية والمواقف المتباينة تمامًا بين الطرفين حولهما".
على سبيل المثال، بحسب الكاتب، ففي واحدة من أهم لحظات عملية عفرين، عندما أغلق الروس فجأة المجال الجوي السوري، تم العثور على الحل من خلال اتصالات أردوغان وبوتين، فاستمرت العملية من حيث توقفت وهو ما ينعكس على عملية الصفقة الروسية.
وأكد الكاتب أن هذا الرأي نقلا عن المسؤولين الذين يجرون المفاوضات مع الروس، ودائما نفس الرد، ننقل "ملاحظتكم هذه إلى رئيسنا بوتين".
وأضاف محمد أجيد: عندما يتعلق الأمر بنقل التكنولوجيا في مفاوضات (أس- 400)، فإن أولئك الذين يقومون بالمفاوضات الفنية ليسوا أصحاب قرار، بل يقومون بذلك نيابة عن الرئيس بوتين يعني مجرد ممثلين عنه ولا يقومون بالفعل بهذه المهمة، وهنا يصبح الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لنظرائهم في أنقرة بعدها، حيث ينقلون هذه الملاحظات مرة أخرى للرئيس أردوغان الذي بدوره يعيد نقاشها مع الرئيس بوتين في أقرب لقاء يجمع بينهما.
قد يكسر الروس تصلبهم
ونتيجة لذلك، رأى الكاتب، أن أسلوب الفريق الروسي قد يكسر تصلبه في المواقف، ويقدم استرخاء في طرف الموقف التركي. الآن، يركز الجميع على التوتر مع الولايات المتحدة بشأن صواريخ (أس- 400)، لكن ألا يستحق التركيز على وجهة نظر روسيا، والمخاوف، والموقف في العملية؟
يشار إلى أن تركيا على خلاف مع الولايات المتحدة بشأن شراء أنظمة (أس- 400) "التي لا يمكن دمجها في أنظمة حلف شمال الأطلسي" وتقول واشنطن إن هذه الخطوة ستهدد دور أنقرة في تطوير مقاتلات "أف-35" التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن الأمريكية.
يأتي هذا في وقت نفى فيه نائب وزير الخارجية التركي يافوز سليم كيران، أن تكون واشنطن قد وجهت إنذارا رسميا لبلاده تطالبها فيه بالتخلي عن صفقة صواريخ (أس- 400) الروسية المضادة للأهداف الجوية؛ وقال كيران في تصريحات خلال زيارته للولايات المتحدة: "على المستوى الرسمي، لا يوجد حديث عن مثل هذا الإنذار".
وأعلنت تركيا أنها لن تتخلى عن شراء (أس- 400) معتبرة أن هذه المنظومات ضرورية وهامة بالنسبة لها، وكشفت أن الدفعة الأولى منها يجب أن تدخل البلاد في يوليو/تموز المقبل.