الاتجار بالبشر.. جرائم تستفحل في العراق وخطرها يستنفر ألمانيا

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

بشكل متسارع وتحت مسميات عدة، أخذت شبكات الاتجار بالبشر تستشري في العراق، حتى بات ما تعرف بـ"تجارة البضاعة الناعمة" خطرا عراقيا يسمع صداها حتى في أوروبا، وسط عجز حكومي يثبته تنامي معدلات الظاهرة بالبلد إلى الضعف خلال الربع الأول من العام الجاري.

فوفقا لإحصائيات العام الماضي، شهدت البصرة التي تمثل العاصمة الاقتصادية للعراق، ارتفاعا اقترب من الضعف في معدلات جرائم الاتجار بالبشر، حسبما أعلن مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان بالمحافظة في أبريل/ نيسان الماضي.

وقال مدير مكتب المفوضية في المحافظة العراقية مهدي التميمي، إنّ المفوضية سجلت ارتفاعا في معدل جرائم الاتجار بالبشر المنظورة أمام القضاء في البصرة خلال الفصل الأول من العام الحالي، لافتا إلى أن "الزيادة بمعدل ضعف ما كان عليه هذا النوع من الجرائم خلال العام السابق".

ودعا مهدي التميمي، الحكومة المحلية (جهة تنفيذية يقودها المحافظ) إلى تفعيل لجنة تطبيق قانون مكافحة الاتجار بالبشر، التي عقدت اجتماعا يتيما منذ تأسيسها قبل ستة أعوام.

استدراج النساء

كشفت آخر إحصائية نشرها المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر، على موقعه الإلكتروني، التي وثّقت الفترة المحصورة بين (20 ديسمبر /كانون الأول 2018 - 30 يناير/كانون الثاني 2019) عن وجود 15 شبكة اتجار بالبشر في بغداد وعدد من المحافظات.

وتعمل الشبكات هذه على استدراج النساء للعمل ضمن شبكات الدعارة، واستغلال كبار السن وذوي الإعاقة في ظاهرة التسول بالتقاطعات والأسواق، فضلا عن تجارة الأعضاء البشرية وتهريب العمالة الأجنبية، بحسب تقرير المرصد.

ووفقا للمعلومات التي حصل عليها موثقو المرصد، فإن الفتيات دون السن القانوني (أقل من 18 سنة) يمثلن نصف ضحايا جرائم الاتجار فيما يخص الشبكات المتخصصة بتهريب العمالة الأجنبية من شمال العراق إلى وسطه وجنوبه.

وتشير معلومات المرصد أيضا، إلى وجود متنفذين في إقليم كردستان يعملون على استغلال فتيات نازحات وعوائل تعاني من فقر مدقع في العمل بالبارات والنوادي الليلية وممارسة الجنس مع من يتكفل بإدخالهن إلى الإقليم وتسهيل الإجراءات القانونية للإقامة، إضافة إلى منحهن مبالغ مالية بخسة.

اصطياد الأطفال

وينوه المرصد إلى أن معظم جرائم الاتجار بالبشر بكافة أشكالها تتم عبر صفحات ومجموعات تديرها حسابات وهمية على منصات التواصل الاجتماعي بحرية شبه مطلقة.

ففي بغداد، وثق المرصد وجود شبكة للإتجار بالأعضاء البشرية تصطاد ضحاياها عبر مواقع التواصل الاجتماعي مستغلة بذلك عوزهم المادي، إذ يتم نقل الضحايا من العاصمة إلى محافظة السليمانية لإجراء عمليات انتزاع الأعضاء داخل مستشفيات خاصة.

كما وثق المرصد وجود شبكتي اتجار بالبشر تدعيان امتلاكها مكاتب في بغداد وأربيل، اتضح فيما بعد أنها مكاتب وهمية ولا وجود لها، حيث تعملان على إدخال العمالة الأجنبية (ذكور– إناث) من دول أوغندا وتنزانيا والهند وبنغلادش إلى إقليم كردستان ومن ثم تهريبهم إلى بغداد بطرق غير شرعية.

وفي محافظتي أربيل والسليمانية، وردت إلى المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر معلومات موثوقة تفيد بوجود أربع شبكات اتجار بالأعضاء البشرية متخصصة ببيع وشراء (الكلى)، وتبين أن العاملين ضمن هذه الشبكات (المندوبين) هم في الأصل سماسرة لأطباء متخصصين في استئصال وزراعة الأعضاء.

وفي واسط، تروي فتاة معاناة شقيقتها المقيمة حاليا في أربيل التي أصبحت ضحية اتجار بالبشر من قبل والدها وزوجها الذي أجبرها على العمل في النوادي الليلية وممارسة الجنس مع الزبائن مقابل مبالغ مالية.

كما وثق المرصد وجود أربع شبكات في محافظة البصرة تستغل كبار السن وذوي الإعاقة في ظاهرة التسول بالتقاطعات والشوارع العامة في المحافظة دون مراعاة الظرف الصحي والإنساني للضحايا، حيث تجبرهم على العمل لساعات طويلة تصل إلى 10 ساعات متواصلة وبشكل يومي، ولا تتورع تلك الشبكات عن حرمانهم من الطعام والشراب حتى انتهاء ساعات وجودهم في الشارع.

في حين تعمل شبكة اتجار بالبشر بمحافظة ذي قار على اصطياد أطفال وصبية واستغلالهم في ممارسة الشذوذ الجنسي مقابل مبالغ مالية تصل إلى 200 دولار لليوم الواحد، في حين تعمل شبكة أخرى على استقطاب مراهقين دون السن القانوني من خارج المحافظة لممارسة الأفعال ذاتها.

قانون معطّل

جدد المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر، دعوته إلى ضرورة تفعيل وتطبيق قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012 وإيقاع أشد العقوبات بحق كل المتورطين في هذه الجرائم.

ولم يحد القانون الذي أقره البرلمان العراقي، بشكل فاعل من الجريمة التي تعرف أيضا بـ"تجارة البضاعة الناعمة"، والذي جاء تشريعه بالأساس نتيجة اتساع دائرة هذه الجريمة بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003.

يحدد القانون الاتجار بالبشر بأنه "كل عمل يقصد به تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بوساطة التهديد بالقوة، أو استعمالها، أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر، بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية".

ومع إقرار هذا القانون ووضع آليات مراقبة ومحاسبة للمتورطين في جرائم الاتجار في البشر، إلا أن الواقع يشير إلى انتشار هذه التجارة التي تسمى بـ"تجارة بضاعة الناعمة" في العراق.

فقد أعلن الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء سعد معن، في 10 أبريل/ نيسان الماضي، أن القوات الأمنية ألقت القبض على عصابة للاتجار بالبشر جنوب شرقي بغداد.

وقال اللواء معن في بيان، أن "مفارز استخبارات الشرطة الاتحادية العاملة ضمن وكالة الاستخبارات في وزارة الداخلية ألقت القبض على عصابة مكونة من أربعة متهمين وخمسة متهمات، متخصصة بالتجار بالبشر جنوب شرقي العاصمة بغداد".

وأضاف: "حيث ألقي القبض عليهم بالجرم المشهود بعد تشكيل فريق مختص وبمتابعة مستمرة من قبل المصادر، وقد تم إحالتهم للقضاء لإكمال أوراقهم التحقيقية".

وفي حديث تلفزيوني سبق البيان بنحو شهر، أكد اللواء معن أن "العمليات استهدفت أشخاص يقومون بالاتجار بالبشر من خلال ممارسة التسول بواسطة الأطفال في الشوارع العامة، وألقينا القبض على العشرات من هؤلاء في بغداد".

تورط نافذين

تقف أسباب عدة وراء تزايد حالات الاتجار بالبشر في العراق، حسبما رصدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، منها: الإفلات من العقاب، ووجود سماسرة يمتهنون هذه التجارة، وأسباب أخرى اقتصادية ضاغطة.

وربطت المنظمة المعنية بحقوق الإنسان، الانفلات الأمنيّ والفساد المستشريّ في البلاد بالاتجار بالبشر، فيما حذرت التقارير الدولية والأممية من تنامي ظاهرة الاتجار بالبشر.

وكان آخر التحذيرات وضع العراق في المستوى الثاني للمراقبة للسنة الثانية على التوالي، بحسب تقرير وزارة الخارجية الأمريكية في يونيو/حزيران 2018.

ووعد تقرير الخارجية الأمريكية بمحاسبة ومحاكمة عدد من المسؤولين العراقيين المتورطين في الاتجار بالبشر، فضلا عن عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية من المزمع أن تفرضها الولايات المتحدة على العراق في حال عدم وضع معالجات لهذه التجارة.

ومعظم الحالات -سواء في العالم الافتراضي أو الواقعي- تشير إلى أن أماكن هذه التّجارة تتركز في المناطق الفقيرة، من دور التجاوز والمستشفيات وبيوت الدعارة ومناطق الغجر.

وقد أصدر المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر تقريره الخاص لشهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يوثق فيه 13 جريمة اتجار بالبشر في بغداد والمحافظات، مؤكدا أن الأطفال ممن دون السادسة عشرة والنساء، يمثلون ثلثي ضحايا نوفمبر/تشرين الثاني.

وأشار المرصد إلى أن سماسرة وتجارا وشخصيات نافذة في الحكومة متورطة في إيقاع الضحايا في شباك الاتجار، مستغلة بذلك نفوذها في مؤسسات أمنية.

وكذلك ذكرت وسائل إعلام عراقية، أن مسؤولين كبار يقفون وراء حماية شبكات الاتجار بالبشر، مسلطة الضوء على حادثة تدخل مسؤول كبير (لم تكشف اسمه) للافراج عن امرأتين متورطتين في عمليات الاتجار بالبشر في العراق بعد دقائق من اعتقالهن.

امتدت لأوروبا

لم يقتصر نشاط العصابات العراقية للاتجار بالبشر داخل البلد، فقد أعلنت السلطات الأمنية الألمانية، الأسبوع الماضي، أنها نفذت حملة أمنية غير مسبوقة ضد عصابات الجريمة المنظمة والمجموعة المستهدفة عراقية اسمها "السلام 313". ويتعلق الأمر بجرائم تهريب البشر والاتجار بالأسلحة والمخدرات.

وأعلن الادعاء العام والشرطة في مدينة إيسن، أن مئات من أفراد الأمن فتشوا منازل في إيسن وعشرة ومدن أخرى. واستهدفت الشرطة في حملة المداهمات هذه مجموعة "السلام 313" العراقية للدراجات النارية.

وقال المتحدث باسم شرطة إيسن: "نجري منذ فترة طويلة تحقيقات ضد مجموعات كبيرة"، موضحا أن التحقيقات تتركز في محيط مدينة كولونيا ومنطقة الرور في غربي البلاد، وتدور حول جرائم تهريب البشر والإتجار في الأسلحة والمواد المخدرة والهويات المزورة. شملت أيضا مدن دويسبورغ وبون وهونكسه وزيغبورغ ودورتموند وكريفيلد وغيرها.

وبحسب تقرير صحيفة "بيلد" الألمانية الشعبية واسعة الانتشار، فإن الحملة تستهدف منظمة لعصابات الدراجات البخارية. ولم يؤكد المتحدث باسم الشرطة هذه المعلومة حتى الآن. وقال المتحدث إنه لم يتم تنفيذ أوامر اعتقال حتى الآن. وبحسب بيانات الشرطة، من المتوقع أن تستمر الحملة حتى بعد ظهر اليوم الأربعاء.

من هي "السلام 313"؟

باتت الشبكة العراقية التي تطلق على نفسها "السلام 313" تحت أنظار المحققين الألمان. أكثر من 500 من رجال الشرطة شاركوا في عمليات تفتيش لـ 49 منزلا في 11 مدينة وبلدة ألمانية. فماذا نعرف عن هذه الشبكة؟

وفي تحقيق أجراه موقع "دويتشه فيله" الألماني، فإن رئيس جماعة "السلام 313" يطلق على نفسه اسم "أبو مهدي"، واسمه اسمه الحقيقي "محمد بنية" يقول في مقطع فيديو إنها تأسست مطلع عام 2016.

ويوضح زعيم الجماعة، أن أنشطة المجموعة لا تنحصر على ألمانيا فحسب، بل تتعداها إلى دول أوروبية أخرى مثل السويد والدنمارك وهولندا.

ويعترف زعيم العصابة في شريط الفيديو بأن المجموعة "تتعامل بدون تأنيب ضمير مع أي شخص وأن الذين يأتون إلى أوروبا يجب أن يلتزموا بالأدب والأخلاق". ويقصد أبو مهدي بذلك العراقيين الهاربين إلى ألمانيا، حيث يقدم نفسه كشرطي آداب.

وحسب ادعائه، "فإن الجماعة موجودة للمساعدة وليس لخلق مشاكل". ولكن، والكلام مازال لأبو مهدي، "البعض منكم يحتاج إلى جولة من الضرب المبرح على الطريقة العربية" ـ "وأنتم تعلمون جيدا ماذا أقصد بذلك. وفي مقطع آخر ينفي المدعو أبو مهدي أن تكون الجماعة بمثابة "مافيا عراقية" واصفا ذلك الكلام بالهراء.

يشار إلى أن زعيم الجماعة لم يختر اعتباطا كنية "أبو مهدي"، فالمهدي عند الشيعة يعتبر من أحفاد النبي محمد وسيظهر في نهاية الزمان ليقضي على الظلم والفساد على الأرض، حسب العقيدة الشيعية. كما أن الرقم (313) لم يأت اعتباطا، فهو يشير إلى عدد الرجال، الذين سيرافقون المهدي عند ظهوره على الأرض في آخر الزمان، حسب العقيدة الشيعية أيضا.

أما أرقام لوحة إحدى السيارات، التي تظهر في الفيديو وتبدأ بحرف "E"، فهي تشير إلى مدينة إيسن، وهي من مدن منطقة الرور الصناعية بولاية شمال الراين ويستفاليا بغربي ألمانيا، حيث يعيش ويقيم أبو مهدي (محمد بنية).

وفي إيسن نشرت صحيفة محلية أول مرة عن جماعة "السلام 313" في كانون الأول/ ديسمبر 2017. آنذاك تعرض مقهى زعيم الجماعة لاعتداء من قبل جماعة لبنانية منافسة، والسبب كان الصراع على مناطق النفوذ وجني الإتاوات من أصحاب المحلات والأشخاص.

 تقرير المباحث الجنائية في ولاية شمال الراين فيستفاليا عن الجريمة المنظمة ووضع العصابات العائلية لا يشير بالاسم إلى جماعة "السلام 313"، لكنه ينوه بشكل خاص إلى وجود منافسة حادة ومساعي فعلية لإزاحة بعض الجماعات الإجرامية منها تركية ومنها لبنانية ومنها كردية، وذلك من قبل جماعة تتألف من عراقيين وسوريين.

ويصف التقرير أسلوب هذه الجماعة التي ينحدر أعضاؤها من بلدين مزقتهما الحروب في المشهد الإجرامي، بأنهم أولي قوة هيمنة كبيرة ويمارسون أقصى درجات العنف.

سرايا السلام

في هذا السياق، أكد أحد العاملين في وزارة الداخلية بأن جماعة "السلام 313" يشتبه بمزاولتها نشاطات على خلفية دينية وسياسية. وتحديدا يشتبه بقيام المجموعة بدعم "إخوانهم في المذهب المسلحين في العراق".

ويجري الحديث بتواتر عن وجود علاقات وصلات بين مجموعة قائدي الدراجات النارية وما يسمى بمليشيات "سرايا السلام" التابعة لزعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر. حيث تحمل المجموعة المسلحة في العراق (سرايا السلام) في شعارها حمامة، كما هو الحال مع الحمامة الموجود في شعار جماعة "السلام 313" في ألمانيا.

لكن مليشيا "سرايا السلام" التابعة للصدر في العراق، قالت في بيان أصدرته عقب الاعتقالات التي طالت "السلام 313" في ألمانيا، إن "عمل السرايا يتركز في العراق فقط".

وأضاف البيان، أن المناطق التي نعمل بها في العراق "معروفة لدى القاصي والداني"، مشيرة الى أن "تأسيس سرايا السلام جاء من أجل رفعة عراقنا الحبيب وحماية مقدساته من دنس شذاذ الآفاق".

وكان أحد قادة عصابات "السلام 313"، قد كشف بأن جميع الأنشطة الخاصة بالتنظيم في ألمانيا قد توقفت بأوامر صادرة من بغداد، بحسب مقطع فيديو يظهر فيه محمد بنية، من إحدى المدن الألمانية متوعدا بالقتل لجميع من يستهدف أعضاء المجموعة.