"إعلام المصريين".. كيف تهاوت بمسلسلات رمضان 2019؟

محمد ثابت | 6 years ago

12

طباعة

مشاركة

"حدوتة مرة" هو أحد مسلسلات رمضان 2019 تدور أحداثه حول حياة الفتاة (مُرة) التي عانت من طفولة شقية مع والدتها التي كانت تعمل كفتاة ليل، وتعاني (مُرة) من تنمر المحيطين بها بعد كبرها، مما يجعلها تصمم على تغيير مصيرها الحالك.

بعيدا عن قصة المسلسل وتفاصيله أو حبكته الدرامية، فاسمه يعبر تعبيرا حقيقيا عن الواقع الذي تعيشه الدراما في رمضان هذا العام وهو ما عبرت عنه بطلة المسلسل غادة عبد الرازق عندما صرحت بوجود أزمة بينها وبين شركة "إعلام المصريين" تتعلق بمنعها وزملاء لها من العمل، مؤكدة في منشور على حسابها بإنستجرام أن الشركة تتحدث باسم الجيش والمخابرات، وهو المنشور الذي اضطرت لحذفه بعد ساعات.

كلمات غادة "المحذوفة" أكدها تقرير مؤسسة "حرية الفكر والتعبير" (غير حكومية) ذاكرا أن لجنة جديدة للدراما تابعة للمجلس الأعلى للإعلام وضعت أولويات العرض الدرامي، وأبرزها: "الحصول على موافقة الرقابة على المصنفات الفنية في كل مراحل الإنتاج من كتابة السيناريو وحتى المُنتَج النهائي"، مؤكدة أن الأمر تم إقراره "بعد اجتماع اللجنة، في يناير/كانون الثاني 2018م، مع رؤساء القنوات".

عصر السيسي

الدراما الرمضانية في عصر عبد الفتاح السيسي تحولت لمهرجانات مبايعة وتأييد للحاكم، وتلميع لرجال الجيش والشرطة، وتنكرت لآلام الشعب المصري بالغة الحدة، وأفردت مئات المشاهد للعري والمخدرات.

التقرير الرسمي الأول للجنة الدراما والذي يتضمن تقييما للأعمال التي عرضت في الأسبوع الأول من رمضان رصد 948 مخالفة في 18 مسلسلا، وحصل مسلسلا "حكايتي" بطولة ياسمين صبري، و"طلقة حظ" بطولة مصطفى خاطر على أفضل عملين خاليين من أية مخالفات.

بينما كان أكثر أعمل حصولا على المخالفات "هوجان" بطولة محمد عادل إمام، وتنوعت المخالفات بين ألفاظ سوقية، وإيحاءات جنسية، ومشاهد عنف، حسب التقرير.

خريطة دراما رمضان 2019 ضمت نحو 24 مسلسلا، غاب عنها نجمان كبيران هما عادل إمام ويحيى الفخراني لأسباب تنوعت ما بين المرض والنزاعات الإنتاجية وتأميم المجال الفني المصري عن طريق شركات مملوكة لأجهزة أمنية.

الرقابة الجديدة

السنوات القليلة الماضية شهدت إنتاج ضعف عدد المسلسلات المصرية في رمضان لهذا العام، إلا أن المشكلات الأخلاقية التي أثارتها مسلسلات هذا العام كبرى أيضا.

سيطرة شركة "إعلام المصريين" على مشهد الدراما في مصر حاليا بدا واضحا للعيان حيث تمتلك الشركة المخابراتية أغلب شبكات القنوات الفضائية مثل "سي بي سي، "الحياة"، "أون إي"، ومواقع إلكترونية وصحف ومحطات إذاعية أخرى، مما يؤدي لخراب بيوت كثير من المشاركين في الدراما نفسها من العاملين بالشركات المنافسة المستبعدة غالبا.

15 عملا دراميا من الأعمال المقدمة هذا العام لشركة واحدة هي "سنيرجي" الخاضعة لسيطرة إعلام المصريين، المجموعة التابعة لشركة إيغل كابيتال للاستثمارات المالية، شركة المساهمة المصرية المؤسسة عام 2016، والتي تشير تقارير لتبعيتها لجهات سيادية (جهاز المخابرات العامة).

تامر مرسي، رئيس مجلس إدارة "إعلام المصريين" ومؤسس شركة سينرجي صرح مؤخرا: "إنه بدأ العمل الآن على إعادة هيكلة القنوات الفضائية في المجموعة من أجل النهوض بالرسالة الإعلامية ورسم مستقبل أفضل في ظل ما طالب به رئيس الجمهورية من حتمية قيام الإعلام بدوره المطلوب في تنمية الدولة".

السيسي أثنى على تدخل الدولة في الإعلام عندما قال: "قدمت الدراما عناصر بناء إيجابي، ولم تسع للمكسب فقط"، أما الناقدة السينمائية ماجدة موريس فحذرت من جانبها من أن "احتكار شركة إنتاج واحدة للمشهد الدرامي يؤثر سلبًا على صناعة الدراما في المستقبل، لأنه بعدم وجود تنافسية حقيقية لن يتواجد سوى نجوم معينين كل عام، ومن ثم ستتأثر الصناعة بشكل كبير".

التدخل السافر المباشر للنظام في الدراما الرمضانية أحدث تخمة لشركة مثل "سنيرجي"، وخرابا لبيوت العاملين بشركات أخرى، كانت العمالة المباشرة وغير المباشرة فيها تتخذ من أعمال رمضان سوقا للعمل، هذا بالإضافة إلى الشكوى من عدم الدفع المادي لكثير من العاملين في مسلسلات هذا العام مباشرة، والانتظار لما بعد تحصيل الإعلانات.

تدخل النظام في الأعمال الرمضانية، الذي مدحه السيسي، جعل الأمن يستوحش على مسلسلات رمضان، بشكل غير مسبوق، وصارت السيطرة عليها لوزارة الداخلية بدلا من الثقافة، فالسيناريو في البداية يذهب للرقابة، ومنها لوزارة الداخلية، وموافقتها شرط لتصويره.

احتكار الدولة

في عام 2015، تدخل السيسي بنفسه بعد شهر رمضان مبديا غضبه من المادة المقدمة في الدراما، مضيفا أنه ينتظر أن ترصد الأعمال الدرامية: "بطولات المصريين من الجنود الذين يدافعون عن الوطن"، وكان السيسي انتقد تزايد: "تركيز الأعمال التليفزيونية فى رمضان على تجارة المخدرات والعلاقات النسائية والسحر".

من ساعتها وعلى مدى رمضان لسنوات ثلاث ماضية، ظهر رجل الشرطة والجيش البطل الأول المسيطر على الأحداث في عدد من الأعمال، وتم استحداث لجنة الدراما للسيطرة على الأعمال الدرامية حتى أثناء عرضها والتأكد من تبعيتها لما يريده النظام.

المخرجة كاملة أبو ذكري أكدت أن احتكار الدولة لمسلسلات رمضان لهذا العام يؤدي لخراب بيوت 2 مليون مصري، أيضا جاء تصريح الكاتبة علا السعدني لصحيفة الأهرام الحكومية بأن: "الوسط الفني في حالة غليان الآن، والجميع يتوقع أن صناعة الدراما بمصر في طريقها إلى التوقف التام، والاتهامات موجهة صراحة لإحدى شركات الإعلام التابعة الدولة، باعتبارها المسئولة من وجهة نظرهم عن حدوث تلك الأزمة نظرا لاحتكارها صناعة الإعلام والفن بكل أنواعه في مصر".

في المقابل هناك إشادة جماهيرية مصرية بارتفاع شأن الدراما التركية التاريخية في رمضان 2019 خاصة مسلسلي: "أرطغرل" و"السلطان عبد الحميد"، وهي الدراما التي تستعيد أمجاد العثمانين.

ووصل الأمر إلى إعلان المرصد الإعلامي لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، عن وجود 367 مشهدا لتدخين وتعاطي مخدرات في المسلسلات المصرية الأسبوع الأول من رمضان فحسب، ومدة عرض هذه المشاهد يقارب 8 ساعات على الشاشة، مما يروج لـ"ثقافة تعاطي المخدرات المغلوطة التي تربط المخدرات بنسيان الهموم والتغلب على المشكلات، كما خلت من المشاهد التعليمية لطرق تعاطي المواد المخدرة".

مخابرات وافتعال

المخرج عبد الحميد حبيب قال لـ "الاستقلال": "رغم الملاحظات الكثيرة على الدراما الرمضانية المصرية لهذا العام إلا أن الصورة المنفق عليها مئات الآلاف هي جيدة، لكن للأسف لا أفكار مترابطة أو متماسكة، والغالب مجرد تمجيد الجيش والشرطة، وللبعد الدرامي الأخير الأولوية، هذا بالإضافة إلى ظهور ممثليين في أدوار ومظهر غير مقنعين، فتامر حسني تاجر ملابس يعمل في السوق، وملابسه بالغة الهندمة في المسلسل، وهو ما يلغي تماما المنطقية".

ويضيف حبيب: "حتى الدراما التركية التي يعجب الناس بها أراها قفزة في النوعية مقارنة بالمصرية، فهي أفضلية نسبية لا أكثر، وتمجيد تاريخي دون مراعاة الترابط أو الحبكة القوية في القصة، والنتيجة مشاهد استدرار عطف للمشاهد وإثارة عاطفته، وتطويل مبالغ فيه، مع وجود طغيان في الإعلان مشابه للمسلسلات المصرية".

الروائي رأفت السنوسي قال: "أغلب أعمال دراما رمضان 2019م تقدم صورة غير مطابقة للواقع العربي أو المصري سواء اجتماعيًا أو سياسيًا، وتذهب بعيدا إلى التغافل التام عما مر بالشعوب العربية من تغيرات، وهذا التجاهل للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من قبل منفذي هذه الأعمال الدرامية، هو انعكاس فعلي لانحسار الحريات وتأثيراتها على الفن".

ويضيف الروائي المصري لـ "الاستقلال": "في مسلسل (ولد الغلابة) بطولة أحمد السقا ومحمد ممدوح والذي يدور في إطار اجتماعي، حيث عيسى البطل الذي ورث تركة كبيرة من المشكلات في سعيه لتربية إخوته البنات وما يتعرض له من مرض والدته وموتها، وتفكك الأسرة نتيجة الفقر والعوز مما يدفعه إلى العمل في أكثر من وظيفة محاولًا سد المتطلبات الحياتية وما يلزمها من تبعات وإخفاقات، كل هذه الأحداث تدور في بيئة صعيدية منفصلة عن التطورات والتغيرات التي حلت بالصعيد، ولكن الذاكرة الدرامية تغافلتها لتقدم عملا باهتا لا يجد أي روابط بينه وبين الواقع".

رخاوة الدراما

ويسهب السنوسي: "في عمل اجتماعي آخر هو (شقة فيصل) يعتمد المسلسل الفكاهة الاجتماعية من خلال مجموعة من المواقف التي تقع لبعض الشباب داخل الحارة المصرية، يحاول هؤلاء الشباب تجاوز المواقف المحبطة التي تمنعهم من تحقيق ذواتهم وطموحاتهم، هي أيضا مواقف مكررة ومعادة، تم استهلاكها في العديد من الأعمال الدرامية في السنوات السابقة".

ويختتم السنوسي كلماته بالقول: "إذا ما ذهبنا إلى أعمال من صنف آخر وهي ما يطلق عليها الأكشن نجد أن مسلسل كلبش (الذي يعبر اسمه فقط عن وضع مصر المحبوسة حاليا بين فكي كلبش)، وبطله أمير كرارة وأحمد عبد العزيز، يحاول العمل استثمار نجاحاته السابقة فيحاول تطوير مساراته الدرامية عبر أحداث تظهر معاناة رجال الأمن في مكافحة ما يسمى بالإرهاب وما يطالهم من أزمات وصراعات".

مؤسسة "إعلام المصريين" برعاية عباس كامل مدير المخابرات العامة تقود أوركسترا الدراما هذا العام، حسبما قال القاص كارم عبد الغفار: "من الواضح جدا لأي متابع قاده حظه العاثر إلى التقاط مشاهد من مسلسلات هذا العام أن يدرك حجم الرداءة التي تحيط الشاشة الرمضانية، وذلك امتدادًا لرخاوة الدراما التي بدأت منذ أعوام، وامتدادًا لحالة الفجاجة في التصفيق للجيش والشرطة، أو على الأقل انتقاء موضوعات سطحية بعيدة عن أي وجع مصري أو أي موضوع يكون له تماس ولو من بعيد بالفساد المسيطر على دواليب الدولة".

عبد الغفار أضاف في حديثه مع "الاستقلال": "لعل اعتذار الكاتب عبد الرحيم كمال الذي نشره على صفحته عن مسلسله (زلزال) بعد حجم السقوط الذي ظهر في الحلقات، ومظهر محمد رمضان وجمل الحوار الخارجة والهلهلة التي ظهر بها السيناريو بعد تعديلات البطل والمخرج على ما كتبه كمال، يؤكد هذا الاعتذار على أن الرهان الأول على عمل درامي جيد بسبب مؤلفه المعروف بإبداعات خسره المراهنون؛ لأن المؤلف نفسه بدأ يهاجم العمل".