"طلب عدم ذكر اسمه".. هكذا يقمع الحوثيون الأصوات المعارضة باليمن

منذ سيطرة الحوثيين على المدن اليمنية، فرضوا رقابة صارمة على جميع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقات التواصل الفوري، واعتقلوا كل من ينتقدهم أو يكشف عن انتهاكاتهم، فنشروا الخوف بين أوساط المواطنين، وأثاروا الريبة والمخاوف حتى بين الأقارب والأصدقاء، فأصبح الكثير منهم يؤثر الصمت على الحديث، حتى في المواقف التي تتطلب شهادة أو معلومة مهمة.
حالة الرعب تلك انعكست على أداء الصحف المحلية والعربية، ففي حين يسعى كثير منها للحصول على المعلومة، التي بات من الصعب الحصول عليها أو الوصول إليها، وكانت "الاستقلال"، ضمن الصحف التي تواجه صعوبة في الحصول على معلومات أو شهادات أو تصريحات، من مصادر مسؤولة أو غيرها، حتى أولئك الذين يوافقون بعد تردد كبير، على الكشف الحديث، أو الإدلاء بتصريح، فإنهم يطلبون عدم ذكر أسمائهم، أو الكشف عن هوياتهم، خوفا من الملاحقة، ما شجع الحوثيين على ارتكاب الانتهاكات بشكل واسع.
وفي أقرب حالة على ذلك، اقتحمت مجموعة مسلحة تابعة للحوثيين، الثلاثاء الماضي، عيادة طبية في منطقة باب السلام شرق العاصمة صنعاء، واعتدت على الطبيب أحمد العلفي، بالضرب المبرح، أمام المرضى وطاقم التمريض في العيادة الطبية، واقتياده بطريقة مهينة إلى مكان مجهول.
وأفادت مصادر خاصة من أقارب الطبيب لـ"الاستقلال"، بأن سبب الاعتقال هو انتقاد الطبيب لممارسات جماعة الحوثي، في إحدى مجموعات "الواتساب"، وأن أحد أعضاء المجموعة سرب تلك الانتقادات إلى الحوثيين، الأمر الذي أسفر عن اقتحام عيادته والاعتداء عليه، ثم اختطافه.
خارج الحدود
لا تقتصر تلك المخاوف على من يقطنون في مناطق سيطرة الحوثيين، بل تمتد حتى لمن هم خارج اليمن، فالحوثيون يلجؤون إلى اختطاف أقارب وأهالي من يقومون بانتقادهم، ويصل الأمر حتى إلى مصادرة منازلهم وأملاكهم.
وقال الكاتب الصحفي وديع عطا، في حديث لـ"الاستقلال": "لم يكتف الحوثيون بتشريدي وتهجيري من بلدي، بل قاموا باعتقال شقيقي في محافظة الحديدة، فقط لأنني أكتب منشورات أعريهم فيها وأكشف ممارساتهم القمعية وانتهاكاتهم الإنسانية في حق المواطنين بمنطقتنا، لقد قام مشرف ميلشيا الحوثي في حينا باعتقال أخي، لأنني انتقدهم عبر منشورات على الفيسبوك، وبالرغم من أن أخي أكد لهم أنه ليس مسؤولا عني، إلا أنهم تجاهلوا هذا الكلام، واستمروا باعتقاله وتعذيبه، وترويع والديّ الكبيرين في السن، قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد تدخل إحدى الوجاهات الاجتماعية، ونية أخي بمغادرة المنطقة وعدم البقاء فيها".
وكانت جماعة الحوثي، قد اعتقلت والد الصحفي سمير النمري مراسل قناة "الجزيرة"، الشهر الماضي، في صنعاء، كما قامت في وقت سابق، باعتقال والد مراسل قناة "بلقيس" في حجة علي جعبور.
وقال مصدر مسؤول لـ"الاستقلال"، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن "الحوثيين يقول بإجراء مسح سكاني عبر مربعات أمنية، لمعرفة أهالي الكتاب والصحفيين، من أجل ممارسة الضغط عليهم لإسكاتهم، وفي حال كتب أحدهم انتقادات لهم، فإنهم لا يتأخرون في اعتقال أقاربه وتعذيبهم، متجاهلين كل القوانين والأعراف المحلية والدولية بعدم مسؤولية أي شخص عن ما يكتبه أو يقوله الآخرون حتى وإن كانوا من الأقارب".
تهم جاهزة
وقال أحد مواطني العاصمة صنعاء، طلب عدم الكشف عن اسمه، للأسباب المذكورة، في لـ"الاستقلال": "لا نستطيع أن نعبر عن ما يحصل من عبث وانتهاكات للميلشيا الحوثية، فهم يمارسون قمعا رهيبا على كل من ينتقدهم، حتى أننا لم نعد نجرؤ على المطالبة بمرتباتنا المنقطعة منذ أكثر من عامين؛ لأن لديهم تهما جاهزة يلفقونها علينا، بالوقوف مع ما يسمونه العدوان السعودي، وبانتمائنا لما يصفونه بالمرتزقة، أي الحكومة الشرعية، وهذا الكلام ينسحب على مواقع التواصل الاجتماعي، فلا أحد يستطيع أن يكتب عن جرائم الحوثي وانتهاكاتهم، إلا في حدود ضيقة للغاية، وبأسماء مستعارة، وحتى أصحاب المستعارة معرضون للخطر بشكل دائم، فالحوثيون يقومون بتفيش التلفونات في بعض نقاط التفتيش في العاصمة صنعاء".
في فبراير/شباط الماضي، أحالت النيابة الجزائية في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين عشرة صحفيين يمنيين إلى المحكمة الجزائية المتخصصة، لمحاكمتهم بتهمة الإرهاب وقضايا أمن دولة، وذلك بعد اعتقالهم وإخفائهم لفترة دامت أكثر من ثلاث سنوات، بدون محاكمة أو الحصول على أدنى الحقوق أو حتى الإذن بزيارة أهاليهم لهم.
وبحسب نقابة الصحفيين اليمنيين، فإن التهم التي صنفها الحوثيون بقضايا إرهاب وأمن دولة، هي كتابة بيانات اعتبروها مغرضة، القصد منها إضعاف قوات الجيش الوطني، في إشارة للمقاتلين الحوثيين، وإضعاف الروح المعنوية للشعب، ما تم احتسابه وقوفا في صف الشرعية، وإعانة من يسميهم الحوثيون بالعدوان، في إشارة للتحالف العربي، حسب التهم المرفوعة من النيابة.
وكانت النيابة الحوثية قد قالت، أن الصحفيين المحالين للتحقيق، أنشأوا حسب ما تدعيه، عدة مواقع وصفحات عبر مواقع الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي، مستندة في ذلك لنصوص المواد 126 فقرة 2 و136 من قانون الجرائم والعقوبات
من جهته، قال الناشط والراصد الحقوقي موسى النمراني، لـ"الاستقلال": "لم تكن الكتابة يوما ما تهمة، حتى لو كانت تهمة، فينبغي تحويلهم للمحاكمة، وعدم اعتقالهم لفترة طويلة نافت عن ثلاث سنوات من دون محاكمة، وكذلك ينبغي إحالتهم للقضاء الطبيعي، وليس للمحكمة الجزائية المتخصصة، التي أنشأها النظام السابق لمحاكمة من يصنفه النظام بأنهم عناصر إرهابية".
بالاضافة الى خطيب المسجد.
— سمير النمري Sameer Alnamri (@sameer_alnamri) ٢٤ مارس ٢٠١٩
لم يراعي الحوثيين صحة والدي ومرضه وكبر سنه، وحاليا يرقد في السجن دون أن يرتكب أي جنائية أو تهمة.
أحمل الحوثيين مسؤولية حياة والدي، وأدعوهم الى الافراج الفوري عنه.
وسبق أن قامت جماعة الحوثيين، 9 ديسمبر/كانون الثاني الماضي، باعتقال غسان محمد أبو غانم، مدير فرع كاك بنك في صنعاء، على خلفية آرائه خلال نقاش ضمن جروب عام في تطبيق" واتسآب"، وتم حبسه لمدة 4 أشهر في مبنى الأمن القومي قبل أن يتم الافراج عنه نهاية مارس، بعد دفع فدية مالية.
حجب مواقع الانترنت
فرض الحوثيون سيطرتهم على مؤسسة الاتصالات وتقنية المعلومات، بحظر وحجب أهم المواقع الإخبارية التي تتحدث عنهم أو تورد أخبارا عن تحركاتهم، وكانت صحيفة الفورين بوليسي الامريكية قد أوردت تقريرا بعنوان (الحرب الأخرى في اليمن.. السيطرة على الإنترنت في البلاد)، قالت فيه إن الحوثيين لجأوا إلى التعاقد مع شركة "نت سويبر" الكندية التي تبيع تقنية تصفية صفحات الويب وحجبها.
وبحسب الصحيفة، فإن "حجب الانترنت في اليمن هو الأعلى في الشرق الأوسط، إذ حجب الحوثيون منذ استيلائهم على السلطة تطبيقات تيليغرام، تويتر، فيسبوك، وواتساب، إضافة إلى مواقع أخرى، وتفوقوا على مصر والسعودية التي تعد البلدان الأعلى حجبا في المنطقة العربية".
لم يتوقف الأمر عند الحجب، بل وصل إلى حد قطع الإنترنت تماما، في بعض المناطق، وقد خرجت الحديدة خلال أشهر كاملة من الإنترنت بشكل كلي، تزامنت مع المعارك الدائرة بين الجيش الوطني والحوثيين في المدينة.