"فاشينيستا الخليج".. هكذا تشتت الإمارات الانتباه بعيدا عن سياساتها
تدرك الشركات التجارية مدى تأثير مشاهير المواقع الاجتماعية على المستخدم، ولهذا السبب تخصص لهم مبالغ مهمة من كل حملة دعائية لأي منتج جديد تطلقه، وغالبا ما تكون الميزانية أضخم من التي تصرف على التلفزيون والجرائد وملصقات الشارع، التي أصبحت وسائل بالية.
الماركات ليست الوحيدة التي تدرك أهمية هؤلاء، بل صناع القرار أيضا. وفي العالم العربي تعتبر الإمارات وجهتهم والبلد الحاضن لهم، إذ يتم استقطابهم بوسائل مختلفة وجعلهم قنوات تنشر رؤى الحكام، وفي أحيان كثيرة يكون المحتوى من "سفاسف الأمور"، والهدف هنا إلهاء مستخدمي المواقع الاجتماعية، الذين يقدرون بالملايين.
لم يعد المشاهير التقليديون يتمتعون بنفس القدرة على الإقناع مثل ذي قبل، إذ يشعر مستخدم مواقع التواصل الاجتماعي بارتباط أقوى مع المدونين عبر الإنترنت أو "المؤثرين". هؤلاء يتقاسمون كل تفاصيل حياتهم اليومية مع المتابع، ما يشعره أنهم أشخاص عاديون مثله يعيشون نفس التجارب ويشاطرونه نفس الشغف.
وفي دراسة بحثية لطالبة التسويق في شعبة الأعمال والتجارة بجامعة سانتا كلارا الأمريكية، قالت ميلودي نوري، إن غالبية مستخدمي إنستجرام ويوتيوب، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة يأخذون قراراتهم بناء على آراء المؤثرين، ويعتبرونها "أقل سطحية".
لم تترك منفذا
يقدر عدد المستخدمين النشطين يوميا لـ "إنستجرام ستوريز" (فيديوهات قصيرة تختفي بعد 24 ساعة من نشرها) بـ500 مليون مستخدم في جميع أنحاء العالم، بحسب آخر إحصاء لموقع "ستاتيستا" في يناير/ كانون الثاني 2019، إضافة إلى 400 مليون في يونيو/ حزيران 2018. أما عدد مستخدمي إنستجرام بشكل عام، فيقدرون بـ714 مليون مستخدم عبر العالم في 2018، ومن المتوقع أن يتجاوز هذا الرقم 989 مليون مستخدم في 2022.
في الإمارات، ينفق حوالي 43 في المائة من المسوقين ما يصل إلى 10 آلاف دولار لكل حملة من وسائل التأثير على وسائل التواصل الاجتماعي ويزيد الرقم مع مرور الوقت. وحتى تضبط الدولة عددهم وتتمكن من مراقبة المحتوى الذي يقدمونه، اتخذت الإمارات خطوات لتنظيم مجال "التسويق المؤثر". وطلب المجلس الوطني للإعلام من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي التسجيل في الحكومة، وحدد قائمة بالرسوم التي قد تنطبق على المدونين الذين يروجون للعلامات التجارية عبر الإنترنت.
لكن الأمر لا يتعلق بالمال، وبحسب موقع "جولف نيوز" الناطق بالإنجليزية، "67 بالمئة من المؤثرين المقيمين في الإمارات هدفهم إحداث تغيير حقيقي في سلوك الإماراتيين ومواقفهم. فيما قرر 16 بالمئة أن يصبحوا مشاهير لأنهم يريدون زيادة شعبيتهم على الإنترنت، بينما أقر 11 بالمئة أنهم فعلوا ذلك لتحقيق مكاسب مالية".
وقال أستاذ التواصل بجامعة أوريجون البحثية بأمريكا، داميان رادكليف، إن نمو الشبكات الاجتماعية البصرية -مثل إنستجرام وسناب شات- سريع جدا في الشرق الأوسط ونسبته تفوق في كثير من الأحيان المناطق الأخرى، كما أن هناك استمرار لاستخدام تطبيقات المراسلة ومحتوى الفيديو والشبكات الاجتماعية بشكل متزايد كمصدر للأخبار بين الشباب العربي.
وأوضح أن "هذه التطورات لها آثار استراتيجية مهمة على العلامات التجارية والمؤسسات الإعلامية والمؤسسات الحكومية، الذين يحتاجون إلى صياغة استراتيجيات اتصالاتهم بما يتماشى مع تفضيلات المستهلكين الناشئة".
والإمارات تدرك ذلك جيدا وتضع استراتيجيات دقيقة للتعامل مع الأمر، إذ أكدت مديرة التسويق للعلامات التجارية، آماندا لام، دهشتها من مدى تنوع وحيوية وسائل التواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط، واعتبرت أنها تتطور من مجرد شكل من أشكال التواصل الاجتماعي إلى استراتيجية عمل قيمة وحتى أداة سياسية، خصوصا وأنه بعد سنوات من الربيع العربي، لا يزال هناك اهتمام عالمي قوي بكيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي.
كم يتقاضى مؤثروا الخليج؟
"أحيانا أشعر بأنني دمية، وأحيانا أخرى أكون مفتونة للغاية بما يخبئه المستقبل لي، أعلم أنني سأصل لما هو أفضل في وقت قريب، وهذا مثير للغاية"، كان هذا تصريح ليلى بلوو في حوار مع "جولف نيوز"، الذي عرفها بـ "أول مؤثرة افتراضية في الشرق الأوسط". هم فعلا مجرد دمى مجندة تنقل أفكارا لا تعكس بالضرورة قناعاتهم.
لا يتجاوز سن ليلى الـ25 وهي نصف فرنسية ونصف لبنانية تبلغ درست الرسوم المتحركة في إحدى جامعات الإمارات واستقرت بها بعد أن عاشت في باريس، التي تعرف عالميا بعاصمة الموضة، فلماذا الإمارات إن كان اهتمام المدونة الجمال والماركات واللايف ستايل؟َ
ليلى ليست الوحيدة التي اختارت الإمارات، بل إن ماريا سكايان فضلت دبي على سيدني، وهي متخصصة في التدوين عن السفر وأسلوب الحياة الفاخرة على إنستجرام، ويضم حسابها 108 ألف متابع.
ولكن ما مقدار المال الذي يحصل عليه هؤلاء الأشخاص في كل منشور يشاركونه على صفحاتهم؟ قد يكون هذا السؤال جوابا على الذي سبق. وفقًا لأحدث الإحصائيات، يتقاضى المؤثرون المقيمون في الإمارات بين 1000 و5000 دولار على كل منشور. هذا هو المبلغ الذي يتقاضاه أغلب المؤثرون (94 بالمئة).
وأشارت الإحصائية إلى وجود ما لا يزيد عن 5 بالمئة، لديهم قاعدة متابعين أكبر بكثير، يتقاضون 10 آلاف دولار على كل منشور.
أما خبيرة المكياج الأمريكية (عراقية الأصل) المقيمة في دبي هدى قطان، فهي صاحبة أعلى نسبة تأثير في العالم العربي، ووفقا لقائمة أغنياء "إنستجرام" فلديها 26 مليون متابع وتتقاضى 33 ألف دولار على المنشور الواحد. وفي المقابل يقبل 76 بالمئة من المؤثرين -خصوصا في بداياتهم- بالدفع عن طريق المنتجات أو التجارب المجانية.
فشينيستا سعوديات
بينما يهتم أزيد من 2.2 مليون مستخدم لشبكات التواصل الاجتماعي في الإمارات بالتسوق والأزياء والمطاعم، يهتم السعوديون بالأخبار ثم السفر. وشهدت المملكة العربية السعودية أعلى معدل نمو في عدد استخدام الشبكات الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط. وتعدّ السعودية واحدة من أكثر الدول نشاطا في الخليج على إنستجرام، ويصل عددهم إلى 12 مليون مستخدم كان عدد الذكور بينهم أكثر نشاطا من الإناث، بحسب إحدى الإحصائيات.
الحسابات التي يتابعها السعوديون على "انستجرام" ليست بالضرورة لمؤثرين يعيشون داخل البلد. تركز عارضة الأزياء السعودية الأصل "روزانا" -المعروفة باسم روز- على أنها سعودية رغم أنها تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية ولا تقدم أي محتوى يتناسب مع المجتمع السعودي. وهي دائما تثير الجدل بين متابعين من المملكة بسبب إطلالاتها.
وقالت روز إنها "تعيش في بلد منتفح لكنها لا تزال محافِظة على تقاليدها وقيمها ولا تقبل الإطلالة بأي زيٍ أو لباس إلّا إذا وجدته مناسباً وملائماً لها"، وهو ما لا يحدث في غالب الأحيان.
يتابع العارضة أكثر من 5 مليون شخص عبر "إنستجرام"، وكل ما تقدمه من محتوى هو نصائح حول الموضة والأزياء.
سارة الودعاني، هي أيضا مدونة سعودية يتابعها مليون و800 ألف مستخدم لإنستجرام، ومنشورتها عن الملابس والمكياج وعن طريقة تربية ابنها. شغلت الودعاني متابعاتها عند زواجها السنة الماضية دون الكشف عن هوية العريس، مع أنها حرصت على نشر صور وفيديوهات لهما معا، دون إظهار وجهه.
فبدأت المتابعات رحلة البحث من يكون. وتعتلي المدونة الترند في الخليج مرة بنشر صورتها من غير حجاب والتصريح بأنه كان خطأ بعد سحب الصورة، وأخرى بنشر رسالة خاصة قبل سحبها والتأكيد أنها نشرتها بينما كانت ترسلها لمجموعة من صديقتها. وقبل أيام استفزت متابعيها بصورة لمساعدتها وقد كتبت عليها تعليق تقول فيه "جننتها كل يومين أقول لها ترتب ملابس طفلي مرة حسب السن ومرة حسب اللون.. اليوم جا على بالي حسب الطول".
الأمراء أيضا
في الإمارات، لا تقتصر شهرة السوشيال ميديا على المدونين فقط، أو خبيرات التجميل والموضة، بل لأفراد من الأسرة الحاكمة حسابات تتنافس على الظفر بأعلى عدد من المتابعات، فهؤلاء يدركون جيدا مدى أهمية هذه الفضاءات. ويعتبر أشهر هؤلاء، حمدان بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي ورئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، وهو الابن الثاني لمحمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
يلقب حمدان بن راشد بـ"فزاع" وهو الإسم الذي يطلقه على حسابه عبر "إنستجرام" ويديره بنفسه، يتابعه 7 ملايين و500 ألف مستخدم للموقع، وينشر صورا وفيديوهات لهواياته وصور سيلفي من أعلى ناطحات السحاب بدبي. تحول ولي عهد دبي إلى شخص عادي، خلال الزيارة الأخيرة للاعب كرة القدم الدولي كريستيانو رونالدو لدبي، عندما سارع حمدان بنشر كل صوره وفيديوهاته مع اللاعب والترحيب به.
وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة، نشر موقع "فلير" حسابات أهم شيخات الإمارات المتواجدات على شبكات التواصل الاجتماعي. ومنهن نورة بنت محمد الكعبي وهي وزيرة دولة الإمارات لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، وعضوة مجلس أبوظبي الرياضي وتنشر على "إنستجرام" كل نشاطاتها الرسمية. بالإضافة إلى ميثاء محمد بن راشد آل مكتوم أخت حاكم دبي، وتنشر كل ما له علاقة بالرياضة في الإمارات باعتبارها لاعبة كاراتيه وتايكوندو.
ماذا يقدمون؟
قد تكون بداية مشاهير الشبكات الاجتماعية هادفة، لكن ليس من الضروري أن يواصلوا على نفس الطريق بعد الشهرة والاستقطاب. فطيم الفلاسي أو "تيم"، كانت تقدم برنامجا إذاعيا عبر إذاعتها الخاصة على الإنترنت، تتطرق فيه لمشاكل الشباب وقضاياهم، لكنها اليوم وبعد أن أصبحت من أبرز المؤثرين في السوشيال ميديا بالخليج بعدد متابعات يصل إلى 2 مليون و600 ألف، تدون عن الموضة والأكل والمكياج. ولا تتردد الشابة الإماراتية في تلميع صورة الحاكم كلما سمحت الفرصة.
مدونة أخرى باسم فوز، يتابعها 2 مليون و600 ألف متابع، تنشر صورها وصور الأكل والملابس، وتعتبر من المؤثرين في الخليج، تجدها من المعبرين عن مواقف سياسية كلما استدعت الضرورة.
الفاشينيستا الكويتية دانة الطويرش، أثارت ضجة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بكمية الذهب والمجوهرات في حفل عقد قرانها. إذ نشرت عبر إنستجرام، الذي يتابعها عليه أكثر من 2 مليون شخص، فيديوهات استعرضت من خلالها كميات كبيرة من الذهب وسط استنكار وسخرية من المتابعين.
أما الفاشينيستا الكويتية سندس القطان، فقد شغلت الشبكات الاجتماعية ومواقع أخبار الفن بفيديو نشرته عبر حسابها على سناب شات، عندما أبدت استغرابها من فرض شروط عن استقدام عاملة. واستنكرت "السماح للعاملة بأخذ يوم واحد إجازة في الأسبوع".
بفضل ما يسمى بـ"المؤثرين" لم تعد الشركات فقط هي القادرة على تسويق منتجاتها بشكل مختلف، بل حتى بعض الأنظمة التي تشغل المواطنين وتلهيهم عن ما يهمهم. أصبح بإمكانهم ببساطة "التعاون" مع شخص لديه عدد كبير من المتابعين على شبكات التواصل الاجتماعي للترويج لسياساتهم أو لفت الانتباه بعيدا عنها.
المصادر
- سارة الودعاني سعودية تخلع الحجاب رغما عنها
- Revealed: How much money UAE influencers make per Instagram, Twitter or Youtube post
- The Power of Influence: Traditional Celebrity vs Social Media Influencer
- Meet the UAE’s first virtual influencer
- This Is How You Should Celebrate Emirati Women’s Day Today
- state of social media 2018
- فاشينيستا كويتية تستعرض كميات ذهب هائلة في عقد قرانها
- Number of daily active Instagram Stories users from October 2016 to January 2019 (in millions)
- Number of Instagram users worldwide from 2016 to 2022 (in millions)
- Instagram Rich List 2018