"راديو كندا" يروي قصة سعودي رفض التجسس فأصبح لاجئا

بث "راديو كندا" قصة شاب سعودي طلب اللجوء رفقة أسرته الصغيرة إلى كندا بسبب التضييق الذي لقاه في بلده. الإذاعة نشرت القصة على موقعها، لكنها غيّرت اسم الشاب "سعيد"، وبعض التفاصيل لحماية عائلته وأصدقائه داخل المملكة.
يقول منتج برنامج "التحقيق" على "راديو كندا"، جينو هارل: إن "سعيد حصل على حق اللجوء في كندا بعد رفض التجسس لصالح السلطات السعودية، وبعد أن رأى أن قبول المهمة كان سيعرّض حياة هؤلاء الناس للخطر، الأمر الذي أجبره على الهرب مع عائلته، تاركا وراءه بلداً لم يكن يفكر في مغادرته يوما".
ما القصة؟
"حان وقت الاستراحة. سعيد يتحرك بعيداً عن زملائه لإلقاء نظرة على هاتفه المحمول، في إيماءة متكررة وعاجلة، ينزلق إبهامه على الشاشة ليتصفح تغريدات العديد من حسابات تويتر التي يتابعها يومياً"، هكذا بدأ هارل بسرد قصة ضيف برنامجه.
وعن علاقة سعيد بموقع "تويتر"؛ قال هارل: "هذه الشبكة الاجتماعية تشبه برلمان السعوديين؛ إذ يعتقد سعيد أن تويتر يسمح للناس بالتعبير عن أنفسهم، خاصة في القضايا السياسية".
وتابع صاحب برنامج التحقيق سرده: "في صباح ذلك اليوم، شاهد الشاب منشورات السعوديين المنفيين، بما في ذلك العديد من المنشقين. وهو يعتقد أنه إن كان متفقا أو لا مع آرائهم، يجب على المهتمين بالسياسة أن يبحثوا عن هؤلاء الناس".
وصف هارل حالة سعيد قائلاً: "بدت خيبة أمل على وجهه، ثم أغلق هاتفه وعاد إلى العمل، وتساءل عن السبب الذي جعل هؤلاء يتركون السعودية. يجب أن يكونوا هنا، واستاء من مغادرتهم البلاد، دون أن يعلم أنه سرعان ما سيتعين عليه الذهاب أيضا إلى المنفى".
خطأ سعيد
حكى صاحب "التحقيق" عن حياة ضيفه قائلا: "سعيد يتبع المذهب الشيعي، عاش في السعودية حتى وقت قريب؛ كونهم أقليات في المملكة، تمّ تهميش الشيعة لسنوات".
"من اليوم الأول في المدرسة، يقولون لك إنك لست مسلماً حقيقياً. نحن نتعرض للهجوم في وسائل الإعلام. لقد تعرضنا للتخويف على تويتر"، يوضح سعيد.
وعاد هارل ليقول، "سعيد لا يصف نفسه بأنه منشق. لكن منذ الربيع العربي عام 2011، أشار إلى أن الناس في منطقته يظهرون المزيد والمزيد من سخطهم تجاه الحكومة السعودية".
ثم أضاف، "على مر السنين، ازداد قمع النظام السعودي للشيعة، فألقى القبض على أحد أهم الزعماء الدينيين وأعدمه عام 2016، ما أثار سخط المجتمع الشيعي".
وقال معد البرنامج، إن "سعيد مرعوب بسبب ما يحدث في اليمن، إنه يستنكر دور المملكة العربية السعودية في هذا الصراع، إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم". ويروي الفار من بلده: "ما يحدث في اليمن هو كارثة... بدأت أتحدث عن ذلك في المكتب. كنت أتحدث أيضا عن ما كان يحدث في المجتمع بشكل عام".
"لم يكن سعيد يعتقد بأن زميله في العمل يهتم بشكل خاص بما يقوله، لكنه الآن مقتنع بأن الأخير قد أبلغ عنه السلطات السعودية"، يوضح هارل قبل أن يواصل سعيد الحكاية: "ظننت أنه بعد كل هذه المدة كزملاء، كان بإمكانه أن يصمت أو على الأقل يتغاضى، كنت واحداً من الآلاف الذين تحدثوا. كان خطئي التحدث في المكان الخطأ".
وعلّق هارل،: "يأسف هذا الشاب السعودي؛ فهذا الخطأ سيغير حياته".
ضابط المخابرات
وقال منتج "التحقيق": إن "سعيد فقد وظيفته بعد ذلك. ومن المؤكد أن ما قاله عن الصراع في اليمن هو السبب، وكانت هذه بداية مشاكله، ففي أحد الأيام، تلقى مكالمة من عميل استخباراتي للحكومة، استدعاه إلى اجتماع في مكان عام".
يتذكر سعيد، "بمجرد وصوله، أخبره: لقد ارتكبت خطأ. نحن نعرف ما قلته وأين قلته. الآن، عليك أن تعمل معنا حتى نسامحك".
وتسلّم سعيد خيط الحكاية وتابع السرد: "هل تعرف ماذا نفعل للخونة في كل بلد في العالم؟ يضيف العميل، ثم يدرك سعيد أنه معرض لخطر القتل، ولكسب الوقت، قال للعميل إنه سيتعاون معهم. مهمته هي التجسس على أشخاص من المجتمع الشيعي. العقاب لم يتوقف عند هذا الحد، بسببي، طلبوا من زوجتي أيضا العمل معهم".
وقال هارل، إنه "من دواعي السخرية أن سعيد يعتبر أن عدم الاستقرار السياسي في منطقته أنقذ حياته؛ فالسلطات السعودية بحاجة إلى جواسيس في المجتمع الشيعي. ويقول: "لم يقتلوني؛ لأنهم احتاجوا إلى شخص من قريتي".
وتابع المحقق: "فكرة التعاون مع النظام تطارد سعيد وزوجته. "كنت أعرف أنه إذا تجسست على هؤلاء الناس، فسأعرضهم للخطر، سيتم اعتقالهم وتعذيبهم أو ربما قتلهم"، ويوضح، كنت أنا وزوجتي أمام خيارين صعبين: إما أن نبقى ونتعاون أو نهرب".
ووصف سعيد وضعه قائلاً: "العمل مع الحكومة كأن يديك ملطخة بالدماء"؛ ولذلك قرروا الفرار من السعودية.
التجسس أو الهروب
"مع عائلته، سعى سعيد إلى اللجوء لكندا. لم يكن يفكر في مغادرة بلده ولو حتى لثانية"، يقول هارل.
ويتابع سعيد في مقابلة مع CBC: "لم أكن أوافق على كل ما يحدث في بلدي، لكنه بلدي. أنت تريد البقاء مع أصدقائك، أقاربك، في مجتمعك [...] لا يمكنك تخيل نفسك بعيداً عن أرضك، وأنت تعلم أنه سيكون من الصعب عليك العودة".
وعن اختياره لكندا، قال سعيد: "تشتهر البلاد بنهجها الإنساني، فهم يرحبون بالفارين من الخطر". وأوضح المحقق: "المزيد والمزيد من السعوديين يغادرون بلدهم. أولئك الذين طلبوا اللجوء لكندا ازدادت أعدادهم بشكل مستمر تقريبا منذ 10 سنوات".
ويضيف: "تؤكد البيانات المتاحة لعام 2018 أن كندا استقبلت 274 طلبًا للجوء من سعوديين في التسعة أشهر الأولى من العام الماضي".
وبحسب البرنامج، "وفقا لوكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كندا هي ثاني أكبر دولة مضيفة للاجئين من المملكة العربية السعودية، بعد الولايات المتحدة. كما تؤكد بيانات الأمم المتحدة الاتجاه التصاعدي في طلبات اللجوء الخاصة بهم حول العالم".
وقال جينو هارل: إن "الزيادة في عدد طلبات اللجوء من السعوديين لا تفاجئ سعيد، الذي قال: "منذ وصول محمد بن سلمان، أصبح من الصعب أكثر من ذي قبل العيش في هذا البلد".
يرى صاحب برنامج "التحقيق" أن "ولي العهد، الملقب بـ MBS، يبرز صورة المصلح الذي يريد دفع المملكة السعودية نحو الحداثة، ومع ذلك، فإن انتشار اعتقالات المدافعين عن حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة، واغتيال الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول قد وجّه ضربة للقناع الذي يرتديه الملك المستقبلي".
ووفقاً لسعيد، بحسب موقع الإذاعة: "هناك أيام مظلمة تنتظر بن سلمان؛ سيدفع ثمناً باهظاً، لا أظن أنه سيصبح الملك"، "معرباً عن أمله في أن تزيل العائلة المالكة ولي العهد من السلطة".
لكن هذا ليس ما يعتقده السفير الكندي السابق دنيس هوراك ويقول: "السعوديون لن يدعوا العالم يخبرهم كيف يديرون بلادهم".
وأضاف هارل: "هذا الدبلوماسي يعرف السعودية جيداً. تواجد في البلد ما بين 2015 و2018، حتى أُعلن أنه شخص غير مرغوب فيه خلال أغسطس/ آب 2018، في أعقاب خلاف دبلوماسي مع كندا حول سجن المدافعين عن حقوق الإنسان".
وأكد المحقق أن "طلبات التعليقات التي أرسلتها إذاعة كندا إلى وزارة الخارجية السعودية للرد بخصوص هذا التقرير ظلت دون إجابة".
"مملكة الصمت"
ووصف هارل أولى أيام سعيد في كندا قائلاً: "15 درجة تحت الصفر.. الرياح تأتي بالثلوج فوق كيبيك. فتح سعيد باب بيته مرتدياً حذاءاً يناسب حالة الطقس ومعطفاً سميكاً. في الداخل، جلس على طاولة المطبخ وأخرج هاتفه المحمول من جيبه. في هذه الليلة، سوف يقرأ تغريدات المنشقين السعوديين على تويتر، ويستمع إلى ما يقولونه على موقع يوتيوب دون قيود".
وتابع صحفي إذاعة "راديو كندا: "العديد منهم هم أنفسهم الذين ألقى سعيد باللوم عليهم، منذ فترة قصيرة، بسبب تركهم المملكة".
وقال سعيد: "عندما رأيت هؤلاء الناس يهربون، لم أكن أتخيل ما الذي دفعهم إلى ذلك، الآن، أنا في مكانهم". وأضاف: "على من يعيشون خارج المملكة أن يخبروا من يعيش في الداخل أن حقوق الإنسان والحقوق السياسية هي حق لهم".
وزاد هارل: "هذا الشخص الذي كان من الممكن أن يكون جاسوسًا للنظام، يريد أن يصبح السعوديون على دراية كافية ليتحدثوا عن حقوقهم".
وقال سعيد، الذي يطلق على بلاده "مملكة الصمت": إن وعي الناس هو ما يقلق الحكومة، هذا الوعي يمكن أن يصبح سلاحًا سلميًا مهمًا في أيدي الناس".