روسيا و"تنظيم الدولة" وأميركا.. مثلث من العلاقات السامة يدفع ثمنه الأبرياء
"أميركا هي المستفيد الحقيقي من زعزعة الأوضاع في روسيا"
تشهد روسيا في الآونة الأخيرة مجموعة من الأحداث الحرجة، تزامنا مع تقدم قوات أوكرانية داخل مناطق روسية حدودية، أهمها منطقة "كورسك" الإستراتيجية.
وفوجئت موسكو في 23 أغسطس/ آب 2024، بقيام مجموعة من السجناء المسلحين المنتمين لتنظيم الدولة بشن هجوم دموي، على حراس سجن روسي بمنطقة فولغوغراد جنوبي البلاد واحتجزوا مجموعة من الرهائن.
وذلك قبل أن يعلن الحرس الوطني الروسي تحرير الرهائن، والسيطرة على المحتجزين. لكن بحسب بيان أندريه بوتشاروف، حاكم فولغوغراد، قتل بعض الرهائن خلال عملية الاحتجاز.
وهو ما دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعقد اجتماع لمجلس الأمن الروسي تم خلاله بحث عملية احتجاز الرهائن، وطلب تقريرا مفصلا من وزير الداخلية فلاديمير كولوكولتسيف.
خاصة أن السجن يخضع لنظام احتجاز صارم، ويضم 1229 سجينا، بعضهم ينتمي لتنظيم الدولة.
وعلى الرغم من أن نفوذ التنظيم المصنف "إرهابيا" محدود في البلاد، لكن روسيا تعرضت مرارا لهجماته، وبعضها كان موجعا.
وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها حوادث كهذه، ففي يونيو/ حزيران 2024، أسر 6 سجناء بايعوا تنظيم الدولة، حارسين في مركز احتجاز في منطقة روستوف.
وقتها لقي 5 سجناء حتفهم، وحكم على أحدهم لاحقا بالسجن لمدة 20 عاما.
معركة مفتوحة
ومنذ عام 2017 وتنظيم الدولة في حالة حرب مع روسيا، وتوعدها بشن هجمات قاسية، بسبب دعمها رئيس النظام السوري بشار الأسد.
ولم تنس روسيا أحد أسوأ العمليات التي ارتكبها التنظيم داخل أراضيها، والمعروف بهجوم "قاعة كروكوس سيتي" في كراسنوغورسك، وهي مدينة تقع على الطرف الغربي لموسكو.
ففي يوم 22 مارس/ آذار 2024، وبينما كان المواطنون يأخذون مقاعدهم لحضور عرض لفرقة "بيكنيك" وهي فرقة روك شهيرة من الحقبة السوفيتية.
دخل مجموعة رجال يرتدون زيا عسكريا إلى قاعة الحفلات وفتحوا النار على من بداخلها. وأعلن الكرملين أن 143 شخصا على الأقل قتلوا وأصيب أكثر من 152 آخرين.
بعدها أعلن تنظيم الدولة في ولاية خراسان (فرع أفغاني تابع للتنظيم)، مسؤوليته عن الهجوم في بيان نشرته وكالة أعماق للأنباء التابعة له.
حيث قالت: "إن مقاتليها فعلوا ذلك وهاجموا ضواحي موسكو وقتلوا وجرحوا المئات وأحدثوا دمارا كبيرا في المكان قبل أن ينسحبوا إلى قواعدهم سالمين".
أما الرئيس الروسي بوتين فقال إن "منفذي الهجوم حاولوا الهروب إلى أوكرانيا"، وتوعد بمعاقبة كل المسؤولين عن الهجوم الذي وصفه بـ "الوحشي".
وأضاف: "حاولوا الاختباء والتوجه صوب أوكرانيا؛ حيث كانت ثمة نافذة مجهزة لهم على الجانب الأوكراني لعبور حدود الدولة"، في اتهام ضمني بضلوع كييف بطريقة أو بأخرى في التخطيط للهجوم.
ووصل الأمر إلى تأكيد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، عبر قناته على تليغرام، أن تنظيم الدولة داخل روسيا لهم امتداد في أوكرانيا.
بعدها ذكر جهاز الأمن الاتحادي الروسي أن المسلحين الذين ارتكبوا المجزرة اعتقلوا أثناء توجههم إلى الحدود الأوكرانية وأنهم "على صلة بأشخاص متنفذين في أوكرانيا".
داعش خراسان
لكن السؤال الذي طرح نفسه بعد هجوم "كروكوس سيتي"، ما هو تنظيم الدولة خراسان؟ وكيف تطور؟ ولماذا استهدف روسيا؟ وكيف توغل بداخلها؟
يرجع تاريخ ظهور تنظيم الدولة لأول مرة في خراسان (إقليم بأفغانستان، ويتقاطع مع إيران وبعض مناطق آسيا الوسطى) إلى عام 2015.
وجرى تأسيسه من خلال تجنيد المسلحين الذين تركوا حركة طالبان الباكستانية، ويتكون الهيكل المسلح له من الأفراد الذين استطاعوا الفرار أو سمح لهم بالهروب من سوريا والعراق إلى أفغانستان.
إضافة إلى القادمين من طاجيكستان، وأوزبكستان، والشيشان، والآخرون تحديدا لعبوا دورا كبيرا داخل روسيا.
وعن تطور التنظيم وعلاقته بالقوى الغربية، سلط الأكاديمي التركي بجامعة بورصة، علي "بوراك دارجيلي"، الضوء على ما أسماه “اتفاق سري” أبرمته قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ومسلحي تنظيم الدولة في الرقة بسوريا عام 2017.
وأضاف في مقال بوكالة “الأناضول” في 29 مارس/ آذار 2024: “في عام 2017 تم بسلام، إجلاء 250 من مقاتلي التنظيم وعائلاتهم الموجودين في مدينة الرقة، بعملية مشتركة قام بها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وبريطانيا، والذي تأسس تحت ستار القتال ضد التنظيم في سوريا”.
وتابع: "من بين العناصر الذين تم إجلاؤهم قياديون بارزون في تنظيم الدولة، بالإضافة إلى العديد من المقاتلين الأجانب، حيث غادر المدينة 250 من مقاتليه ضمن قافلة مكونة من مئات المركبات، و10 شاحنات محملة بالأسلحة والذخائر".
وتساء الكاتب التركي: "بعد هذا الإجلاء السلمي لعناصر التنظيم برز سؤال: أين ذهب هؤلاء المسلحون؟"
وأجاب: "ذهب جزء إلى دول الساحل الإفريقي، لكن جزءا كبيرا ذهب إلى خراسان، وهو أمر يتعلق بموقع خراسان الإستراتيجي ومحيطها، أي أفغانستان، وروسيا، والصين".
ومضى يقول: "يمكن تقييم هذا الموقف الإستراتيجي من وجهات نظر مختلفة فيما يتعلق بالنظام الدولي، وقد يكون لصعود تنظيم الدولة في خراسان علاقة في المنافسة العالمية بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى".
ضربات في العمق
ومع ذلك لابد من الإشارة أن هجمات اختطاف الرهائن واستهداف روسيا، تعود إلى عقود سابقة، حيث وجه لهم التنظيم ضربات قوية في عمق البلاد.
ففي أكتوبر/تشرين الأول 2002، اقتحم مقاتلون شيشان أحد المسارح في موسكو وأخذوا نحو 800 شخص كرهائن في القاعة.
حينها شنت القوات الخاصة الروسية عملية لإنقاذ الأسرى، من خلال إخضاع المهاجمين بالغاز المخدر.
وهو ما أدى إلى فشل ذريع لتلك القوات، فرغم أنها قتلت 41 شيشانيا، لكن قتل أيضا 129 رهينة، معظمهم من آثار الغاز.
ومن الحوادث التي زلزت الكرملين تلك التي وقعت في سبتمبر/ أيلول 2004، عندما استولى 30 مقاتلا شيشانيا على مدرسة في بيسلان بجنوب روسيا واحتجزوا مئات الأشخاص كرهائن.
وانتهى الحصار بعد يومين بحمام دم، إذ قتل أكثر من 330 شخصا.
ومع ذلك يفسر كثير من الباحثين الروس أن تنظيم الدولة مرتبط بشكل وثيق بالمؤامرة الغربية ضد روسيا.
وفي 24 مارس 2024، أكد الباحث الروسي المختص بالشؤون الأمنية، فاسيلي جورافلوف، أن هجوم تنظيم الدولة قد يكون مقدمة لنوع جديد من الاستفزاز ضد روسيا في حربها مع أوكرانيا.
وتابع: "من المستحيل عدم ملاحظة كيف تحاول وسائل الإعلام الغربية أن تضع في أذهان مواطنيها فكرة بسيطة مفادها أن الهجوم في قاعة كروكوس كان من عمل تنظيم الدولة فقط".
وأرجع الأمر إلى "تشتيت الانتباه عن تورط أوكرانيا ودول غربية في هذه العملية، قائلا: "هؤلاء وقبلهم واشنطن هم المستفيدون الحقيقيون من زعزعة الأوضاع في روسيا".