في ظل تخاذل الأسد عن نصرة غزة.. لماذا هاجم نصر الله المعارضة السورية؟
"ما حدث ضد الشعب السوري كان ومازال جريمة كبرى، لا تقل أبدا عن الجريمة ضد غزة"
فجأة وخارج سياق التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط، هاجم زعيم “حزب الله” اللبناني حسن نصر الله المعارضة السورية، خلال كلمة ألقاها في 6 أغسطس/ آب 2024 بحفل تأبين القيادي في الحزب فؤاد شكر، الذي اغتالته إسرائيل بغارة جوية على ضاحية بيروت الجنوبية.
وقال نصر الله، إن مخاطر هزيمة "محور المقاومة" على سوريا تكمن في انعدام الأمل باستعادة الجولان السوري المحتل، وأن ذلك سيؤدي إلى عمل إسرائيل على مشروع يكون فيه من يحكم سوريا صديقاً لها، وأداة من أدواتها وعميلاً من عملائها"، على حد قوله.
وأضاف: "وهذا ما رأيناه في بعض المعارضة العلمانية السورية، لأن الإسلاميين سيقولون لم نكن كذلك، الفرق أن تكون عميلاً لدى إسرائيل أو الأميركيين".
اللافت أنه بينما اتهم نصر الله المعارضة السورية ضمنا بـ“العمالة لإسرائيل”، يواصل نظام بشار الأسد الصمت المطبق إزاء ما يجري للفلسطينيين في قطاع غزة من إبادة جماعية.
"عمالة ظاهرة"
ويأتي هجوم نصر الله على المعارضة السورية، في وقت ما يزال فيه "حزب الله" ينشر قواته في سوريا ويسيطر على مدن وبلدات غالبيتها تقع على الحدود السورية اللبنانية بعدما طرد أهلها منها على مدى العقد الأخير.
وتدخل حزب الله بقوة إلى جانب قوات الأسد في سوريا بأمر مباشر من المرشد الإيراني علي خامنئي منذ عام 2012، مرسلا عناصره لمنع سقوط الأسد عقب اندلاع الثورة في مارس/ آذار 2011 ومساعدته على قلب المعادلة العسكرية لصالحه.
وسعي نصر الله إلى تشويه المعارضة السورية في هذا التوقيت، يراه البعض محاولة لتلميع صورة حليفه الأسد ولتبرير صمت الأخير عما يجري في غزة.
لا سيما أن الأسد منهمك في الوقت الراهن في محاولات تأهيل نفسه عبر كسر العزلة الدولية عنه، ويخشى أي محاولة لخلط الأوراق في سوريا.
وسبق أن ظهر نصر الله بخطابات داعمة للأسد، إذ انتقد في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2011 المعارضة السورية واتهمها بالخضوع للولايات المتحدة وإسرائيل.
وحينما زج حزب الله بمقاتليه في معارك ضد المعارضة السورية، انتقدت وزارة الخزانة الأميركية في 10 أغسطس/ آب 2012 "دوره المركزي" في عمليات القمع بسوريا واتهمته بـ"تأمين التدريب والدعم اللوجستي" لحكومة الأسد من أجل مساعدتها في قمع التظاهرات.
واليوم مع تواصل العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 والتي خلفت قرابة 40 ألف شهيد، ما يزال نظام الأسد يتبع سياسة "النأي بالنفس" عما يجري.
فعلى الرغم من أن نظام الأسد قبل السابع من أكتوبر كان يتغنى بأنه أهم أعمدة ما يُعرف باسم "محور المقاومة" في المنطقة، إلا أن إبقاء الجبهة مع إسرائيل هادئة وعزلها عما جرى في فلسطين دون إطلاق رصاصة واحدة يعني أنه "غير معني" بالتصعيد، وفق مراقبين.
من جانبه، رد المجلس الإسلامي السوري المعارض على تصريحات نصر الله، بالقول إن “تصريحات زعيم المليشيا بخصوص الشعب السوري الحر والثورة السورية، وعمالتها للكيان الصهيوني: فهو كما يقول المثل: رمتني بدائها وانسلت”.
وأضاف في بيان له صدر في 8 أغسطس 2024، أن "عمالة من يملك الصواريخ التي تصل إلى ما بعد حيفا، وله حدود مشتركة طويلة مع العدو يمنع غيره من اقتحامها: عمالة ظاهرة، وما دعم إيران الذي تدعيه لغزة إلا خدمة لمشروعها التوسعي الخبيث".
وأردف أنه "بات واضحا لكل ذي بصيرة أن دور نظام الملالي يهدف إلى التغيير الديمغرافي للمنطقة، كما يسعى إلى إيجاد الولاء لتلك الدولة بالقوة والمال وغيرهما من الوسائل الخبيثة، وهو يخدم بشكل مباشر المخططات الصهيونية في المنطقة، بإبقاء أكثر الحكام الظلمة ولاء لإسرائيل والحفاظ عليها، وهو بشار الأسد وأجهزته القمعية".
وشدد على أن “محاولات نظام الملالي في طهران وأذياله غسل عارهم بإظهار دعمهم للقضية الفلسطينية، والتظاهر بأنهم يقفون مع الفلسطينيين، بتهديدات جوفاء متكررة باتت أضحوكة للأطفال كلما صرخت إيران بالرد، ثم يكون الرد مخجلا مخزيا بتنسيق مع العدو”.
وختم المجلس قائلا: "كل تلك المحاولات لن تغسل عار بقرهم لبطون الحوامل وفقئهم للعيون وتنكيلهم بالجرحى وتمثيلهم بالشهداء تحت شعارات ثأرية جاهلية طائفية".
"شيطنة جديدة للمعارضة"
وامتنع نظام الأسد على وجه التحديد عن أي شكل من أشكال المشاركة في دعم غزة من بين جميع أذرع طهران منذ السابع من أكتوبر.
حتى إن النظام السوري لم يشارك بإصدار بيانات داعمة لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” ضد إسرائيل.
كما لم يصدر النظام السوري أي بيان بشأن جريمة اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، بالعاصمة الإيرانية طهران نهاية يوليو/ تموز 2024.
وما هو لافت أن البيانات الصادرة عن "محور المقاومة" لم تعد تذكر سوريا "كجبهة إسناد لغزة" بل فقط تكتفي بذكر لبنان واليمن والعراق.
لكن تبقى الفرضيات والتساؤلات مطروحة حول محاولة نصر الله زيادة أسهم بشار الأسد في هذا المرحلة، على الرغم من أن التسوية السياسية في سوريا بعيدة المنال؛ بسبب رفض النظام تطبيق الحل السياسي وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي الصادر عام 2015 المتضمن أربع سلال: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.
وتعليقا على هذا المشهد، قال رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد: "سابقا كان النظام السوري وإعلامه يتهمون المعارضة السورية بالانتماء إلى الإخوان المسلمين ووصفهم بأنهم معارضة متشددة ويحسبون تلك المعارضة على تركيا".
وأضاف لـ"الاستقلال": "الآن يبدو هناك تغيير لشكل الاتهام إلى اتجاه آخر وهو العمالة لإسرائيل كما يزعم نصر الله وهو اتجاه بعيد عن تركيا كون تجري هناك مفاوضات دبلوماسية وأمور ربما تحصل بين الفينة والأخرى بين نظام الأسد وتركيا".
وأردف الأسعد بالقول: "ما يقوم به نظام الأسد وحلفاؤه من أذرع إيران هي محاولة جديدة لشيطنة للمعارضة السورية في هذا التوقيت".
ولفت إلى أن "نظام الأسد هو صديق إسرائيل وهو نهج قديم سار عليه الأسد الأب ومن بعده بشار ولهذا لا يمكن أن يحصل تغيير في العلاقة بين هذا النظام وإسرائيل حتى بعد السابع من أكتوبر 2023 وما جرى بغزة كون مشروع هذا النظام وحتى حزب الله هو لخدمة إسرائيل والشرق الأوسط الكبير".
ولهذا "فإن العدو الأول لهذا النظام هو الشعب السوري ذو الصبغة المسلمة السنيّة ومن هنا تأتي محاولات التشويه الجديدة"، وفق الأسعد.
من جانبه، علق الناشط فراس طلاس على تصريحات نصر الله بقوله: “أثناء جولات وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في الشرق الأوسط في سبعينيات القرن العشرين، اتفق مع حافظ الأسد على الدعم السري الكامل له مقابل التنسيق الكامل في المصالح الأميركية”.
وأضاف فراس وهو نجل وزير الدفاع السوري الأسبق، مصطفى طلاس، في منشور عبر فيسبوك: "وتم اعتبار إسرائيل من أهم المصالح الاميركية، والجولان تضبط تماما والجنوب اللبناني يتم السيطرة عليه عبر أطراف رديفة للأسد وتلتزم بكلامه".
وتابع: "وبقي هذا الاتفاق مصونا من كيسنجر وكل تلاميذه في الإدارات المتعاقبة، وفي التسعينيات تسلم هذا الملف رجل الأعمال رونالد لودر، وهو رجل أعمال أميركي مهم جدا وحاز على ثقة وارتياح الأسد الأب له وأيضا هو قريب جدا من بنيامين نتنياهو".
ورأى طلاس الذي يقيم خارج سوريا أنه "مع كل التقارب الإيراني والروسي مازالت العلاقات الأسدية الإسرائيلية، منضبطة ويتم التشاور في كل حدث، ورونالد لودر الوحيد ما عدا كيسنجر الذي تطير طائرته بين دمشق وتل أبيب مباشرة، والرجل له ثقله الذي وضعه الآن ليكون بشار الأسد صامتا ومبتعدا عن حدث غزة وما يجرى بسببه".
وعند وفاة رئيس سوريا السابق حافظ الأسد عام 2000 لم يدفن حتى حضرت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك مادلين أولبرايت وجلست مع بشار بعيدا عن مراسم الدفن.
وقيل حينها إن بشار الأسد وافق على شروط الولايات المتحدة لتسهيل توليه الحكم.
وفي 10 يونيو 2000، وهو اليوم الذي توفي فيه حافظ الأسد، أقدم البرلمان السوري على تعديل الدستور حيث خفض بموجبه الحد الأدنى لسن الترشح للرئاسة في سوريا من 40 إلى 34 عاما، ليصبح القانون موافقا لسن بشار المولود عام 1965 ليتسلم السلطة وراثة عن أبيه في سابقة لم تحدث بتاريخ سوريا.
"الأسد حامي إسرائيل"
ورد سوريون عبر منصات التواصل الاجتماعي على كلام نصر الله، بالتأكيد أن العميل هو من قتل أكثر من نصف مليون من الشعب السوري بأنواع الأسلحة كافة بما فيها الكيماوية واعتقل عشرات الآلاف منهم ودمر مدنهم وهجر نصف الشعب ليبقى على كرسيه فوق جماجم الشعب.
وضمن هذه الجزئية سبق أن نقلت صحيفة هآرتس العبرية في 27 إبريل 2021 عن الخبير الاستشاري في المخابرات الإسرائيلية زيفي بار إيل، قوله إن رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد عن السلطة في سوريا، "سيترك بلاده في مواجهة أسئلة صعبة، في ظل تخوّف من البديل الذي سيتولى الحكم بعده".
وأضاف بار إيل: "من المستحيل معرفة النظام الذي سينشأ بعد ذلك، وما الدول التي ستؤثر في النظام الجديد، وما إستراتيجية مثل هذا النظام تجاه إسرائيل".
وأرجع الخبير ذلك إلى عدة أسباب، منها "القدرات العسكرية المحدودة لسوريا” من جهة، و"تعزيز العلاقات السورية- الإسرائيلية من خلال التفاهمات بين إسرائيل وروسيا وعدد من دول الخليج العربي، كالإمارات والبحرين، نظرا إلى علاقاتها المتجددة مع النظام"، من جهة ثانية.
وبما أن نصر الله كان أول المساندين للأسد في قتل السوريين وتشريدهم، فهناك من قرأ في تصريحاته “نكأً لجراح السوريين بشكل مستفز”.
وطرح الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي تساؤلا بقوله ما الذي دفع نصر الله لمهاجمة المعارضين في سوريا، وهو في خضم حرب مع إسرائيل؟
وقال مكي عبر "إكس": "صحيح أن المرء لن يستطيع تجاوز طبعه، لكن مسؤولا مثله، كان أدعى إلى حشد الناس لحربه، لا مهاجمة من هم بالأصل ضحاياه، ليذكرنا بما فعلت يد محوره الإيراني بسوريا وسواها، ويعيدنا للمربع الذي كانت عليه المنطقة عشية السابع من أكتوبر، وما زالت تكتوي به أو سكتت عنه إكراما لغزة".
وأضاف مكي قائلا: "إذا كان نصر الله قد رضي بتوزيع الاتهامات ظلما وبهتانا بهذا الشكل، فهل من عتب على الضحايا بعد اليوم أن يصرخوا من ألمهم الحقيقي بعد طول كتمان؟".
وذهب مكي للقول: "ما حدث ضد الشعب السوري كان ومازال جريمة كبرى، لا تقل أبدا عن الجريمة ضد غزة، وما فعله بفتح جراحها دون سبب، كان مستفزا وغير مقبول بالمطلق".