إغلاق الأردن قناة “اليرموك”.. لردع مظاهرات غزة أم تمهيد للانتخابات؟
"بعض التظاهرات التي يقودها الإخوان المسلمون تخالف الموقف الرسمي"
بالتزامن مع غلق إسرائيل مكتب قناة "الجزيرة" في الأراضي المحتلة، بحجة انحيازها ضد جيشها، أغلقت السلطات الأردنية مكاتب قناة "اليرموك" الفضائية الإسلامية، وهي التي تخصص أغلب برامجها لتسليط الضوء على العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة.
ففي خطوة مثيرة للقلق، قامت السلطات الأمنية الأردنية في 7 مايو/أيار 2024 بمداهمة وإغلاق ومصادرة معدات قناة "اليرموك" التابعة لحزب “جبهة العمل الإسلامي” (الإخوان المسلمين).
هذا القرار طرح تساؤلات عن أسباب إغلاق "اليرموك" والتي تمارس عملها بشكل شرعي، بحجة عدم امتلاكها التراخيص الرسمية ومصادرة الأجهزة التي تستخدم، وهل للأمر علاقة بدور القناة في الحشد الشعبي ضد العدوان الإسرائيلي، ورد الفعل العنيف للشعب بمحاصرة سفارة إسرائيل.
أم أن السبب “شد أذن” جماعة الإخوان المسلمين التي تشرف على القناة لأنها شجعت الأردنيين على التظاهر ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهل الغلق له علاقة بالانتخابات البرلمانية المقررة في يونيو/ حزيران 2024 ورغبة السلطات في تقييد إعلام الجماعة وحرمانها من منبر إعلامي مهم.
رسائل الغلق
إغلاق مكاتب قناة "اليرموك" المحسوبة على التيار الإسلامي، وإحالة القائمين عليها إلى المدعي العام بتهمة البث من المملكة دون ترخيص رسمي ربما له علاقة بأمرين، وفق محللين.
الأول، غضب السلطات من تسخينها الشارع الأردني ضد العدوان الإسرائيلي على غزة وبثها المظاهرات الضخمة أمام سفارة إسرائيل، بصورة عدتها السلطات "تحريضا على الخروج على النظام الذي يُطبع العلاقات مع دولة الاحتلال".
وربما لتبنيها إعادة بث "قناة الأقصى" التابعة لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بعد قرار القمر الصناعي إيقاف بثها، فبعدما أغلقت الأقمار الصناعية تردد قناة "الأقصى" بعد عملية 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تضامنت قناة "اليرموك" معها وتبنت بث "الأقصى" على ترددها منذ 26 أكتوبر 2023.
والثاني، ربما تكون رسالة لجماعة الإخوان المسلمين نفسها، بتحجيم دورها إعلاميا.
وتعد فضائية "اليرموك" الشاشة الوحيدة التي تدار وتمول وتنطق باسم التيار الإسلامي الأردني، وترعاها الجماعة، وتزامن غلقها مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في 10 يونيو 2024.
لذا لا يبدو سر توقيت الغلق مفاجئا، خاصة أنه يأتي في سياق تصاعد الأزمة بين الإخوان والسلطات على خلفيات سياسية داخلية وخارجية.
وله علاقة بقيادة جماعة الإخوان المظاهرات ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي أدى إلى حالة هيجان في الشارع، وخشية السلطات من التصعيد الشعبي الذي يقوده الإخوان، ولعبت "اليرموك" دورا في ذلك.
وربما يكون انتخاب المشرف عليها، وهو الإعلامي "خضر مشايخ" عضوا في مجلس الشورى التابع لجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الداخلية الحالية، أحد الأسباب، بحسب مصدر من الجماعة لصحيفة "القدس العربي" في 8 مايو.
وتجري جماعة الإخوان المسلمين انتخابات داخلية منذ أواخر أبريل/نيسان 2024 قد تستمر حتى منتصف مايو 2024، لإكمال نصاب مجلس الشورى الجديد (56 عضوا)، وذلك تمهيدا لاختيار مكتب تنفيذي للجماعة ومراقب عام جديد خلفا للشيخ عبد الحميد الذنيبات، الذي أنهى ولايته.
ويقول محللون أردنيون إن السلطات أغضبها “تسخين” القناة للشارع، وبثها خطاب رئيس حركة حماس في الخارج، خالد مشعل، لنزول الأردنيين إلى الشارع لدعم غزة، الذي عدته سلطات المملكة دعوة إلى “التمرد وإثارة الفوضى”.
وأفاد المحللون بأن ما أقلق قيادات المملكة أن “معظم القبائل الأردنية مسلحة، وبعضها ملاصق للحدود وغالبيتها تعادي الاحتلال الإسرائيلي”.
وفي 27 مارس/آذار 2024، وفي خطابه عبر تقنية الفيديو، خلال فعالية في عمان، دعا خالد مشعل إلى نزول ملايين الأردنيين للشارع "بشكل وصفه بالمستدام".
وقال إن الأردن "هو الذي يرتجى منه أكثر من غيره... الحشد والرباط"، و"نزول الملايين من أجل فلسطين إلى الشوارع نريده أن يكون مستداما وهذا يحتاج إلى تنظيم وتحفيز وإدارة ومأسسة".
أيضا تحدثت مصادر حكومية أردنية في عدة مناسبات عن أن بعض التظاهرات التي يقودها الإخوان المسلمون "تخالف" الموقف الرسمي وتحرض ليس فقط ضد سفارة إسرائيل بل وضد سفارات مصر وفرنسا التي خرجت ضدها مظاهرات، ما أغضب السلطات.
قصة التضييق
هذا ثاني غلق لقناة "اليرموك"، التي تعمل في البلاد منذ 2011، ففي مطلع سبتمبر/أيلول 2015، أغلقت هيئة الإعلام الأردنية استوديوهات بث القناة، ما تسبب في تعطيلها دون سابق إنذار، حسب ما أعلنت القناة في بيان صحفي.
حينها، قالت الحكومة الأردنية إن القرار "جاء بسبب عدم حصول القناة على الترخيص"، لكن إدارة القناة قالت في بيان إن ما حدث "في سياق التضييق على حرية الإعلام".
وعبر البيان عن استغراب الإدارة من الإجراء "المفاجئ"، مؤكدة أنها ومنذ بدأت عملها قبل ثلاثة أعوام "استوفت جميع الظروف الموضوعية والقانونية للبث من خلال هيئة الإعلام".
وجاء الغلق الثاني حين فوجئ العاملون بالقناة في 7 مايو 2024 بمداهمة قوة أمنية مقرها في منطقة جبل الحسين وسط عمان، بأمر من الادعاء العام لتنفيذ قرار بوقف نشاطها وبثها.
وتستخدم السلطات الأردنية ورقة "التراخيص" للضغط على القناة وجعل رأسها تحت سكين السلطة في أي وقت ترغب في غلقها بنفس الحجة وهي أنها "بلا تراخيص"، بحيث تضمن انصياع وسير القناة وفق رغبات السلطة.
وشرح ذلك خالد وليد الجهني، مدير مكتب كتلة الإصلاح النيابية (الإخوان) بقوله: "12 عاما على استيفاء جميع الشروط الموضوعية والقانونية لترخيص قناة اليرموك، ولا تزال أوراقها في أدراج مكاتب هيئة الإعلام دون جدوى".
وقال في تغريدة عبر “إكس” في 11 مايو، إنه تم اتهام القناة عدة مرات بـ"البث بدون ترخيص"، وفي كل مرة تم الحكم ببراءتها، لعدم قيامها بأي مخالفة للقانون، ومع هذا تقدم "هيئة الإعلام" الحكومية نفس الشكوى في كل مرة.
بجانب تحجيم إعلام الإخوان، ودورها في تأجيج الاحتجاجات ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، يبدو أن هناك سببا ثالثا لغلقها مرتبطا بالانتخابات العامة التي ستجرى في يونيو 2024.
صحيفة "القدس العربي" رجحت في 8 مايو 2024 أن يكون توقيت غلق القناة "إجراء لإسكات الشاشة التلفزيونية الوحيدة التي يوجهها ويديرها الإخوان المسلمون في الأردن، عشية التحضيرات للانتخابات النيابية في 10 يونيو".
وأوضحت في تقرير لها أن إجراء غلق اليرموك "أمني بامتياز وحظي بغطاء سياسي وآخر قضائي لأن الخلاف قديم وعمره عدة سنوات بين تلك الفضائية وهيئة الإعلام المختصة".
وأكدت أن بيان الهيئة الإعلامية الحكومية "لا يجيب على سؤال سر التوقيت ولا على طبيعة الإجراء المتأخر 12 عاما منذ تدشين القناة".
وأوضحت الصحيفة أنه سبق أن "قُدمت أربع مرات شكوى رسمية ضد القناة أمام القضاء وأغلقت القناة عدة مرات وأصدر القضاء أكثر من مرة توصية ببراءتها".
ردود الأفعال
وأعربت جماعة الإخوان المسلمين عن استغرابها من غلق القناة وطالبت بتوضيحات من السلطات حول أسباب ومبررات ذلك.
وألمحت الجماعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومؤسساتها الإعلامية، أن الحكومة أغلقت قناة اليرموك "لأسباب سياسية".
وخرجت مظاهرات تنتقد غلق السلطات للقناة في هذا التوقيت، "ما يؤدي لخنق الحريات".
ودعت إدارة القناة للمشاركة في "عاصفة إلكترونية" لرفض الإجراءات المقيدة لحرية الإعلام بإغلاق مكاتب القناة في الأردن.
وقالت عبر بيان في 9 مايو إن الحملة ستكون من خلال النشر والتغريد على وسم #لا_لإغلاق_اليرموك.
وعبر النائب عبد السلام فريحات عن أسفه لمداهمة الأجهزة الأمنية مكاتب "اليرموك" في عمان، و"كأنها تشكل خطرا داهما على المجتمع، مع أنها عنوان للإعلام الهادف المحافظ".
وأضاف عبر حسابه على فيسبوك في 7 مايو أن "إغلاقها تزامن مع بدء الهجوم على رفح حيث تخصص بثها لآخر المستجدات في القطاع"، عادا ذلك "إساءة للوطن وللدين ولقيم المجتمع وأخلاقه".
وانتقد أردنيون إغلاق السلطات قناة اليرموك والقيام باعتقالات، بدل خلق أجواء إيجابية قبيل الانتخابات النيابية لإقناع الشارع بجدية الإصلاحات السياسية والاقتصادية، ويرون أن ذلك "ينبئ عن مسعى لإجهاض هذه الإصلاحات".
والأردن في المرتبة 132 في ترتيب مؤشر الحريات الصحفية من بين 180 دولة، وتصنف تحت "إشكالي" بحسب منظمة مراسلون بلا حدود، بسبب الممارسات والإجراءات المقيدة لحرية الصحافة.
خلفيات سياسية
خلال الغلق الأول، نشرت قناة "الجزيرة" الفضائية في 2 سبتمبر 2015 وثيقة تثبت استيفاء قناة "اليرموك" الفضائية جميع الشروط القانونية والموضوعية قدمتها هيئة الإعلام المرئي والمسموع لوزير الدولة لشؤون الإعلام في 21 أبريل 2013.
وجاء في الوثيقة ما يفيد بأن "شركة اليرموك للبث الفضائي" والمسجلة في سجل الشركات ذات المسؤولية المحدودة في وزارة الصناعة والتجارة تقدمت لهيئة الإعلام المرئي والمسموع بطلب للحصول على رخصة بث البرامج التليفزيونية بأنواعها كافة بواسطة الأقمار الصناعية "السواتل".
وحينها خاطبت هيئة الإعلام المرئي والمسموع وزير الإعلام بأن "الشركة مقدمة الطلب قد استوفت جميع الشروط القانونية والموضوعية للترخيص طبقا لأحكام قانون الإعلام المرئي والمسموع المؤقت رقم (71) لسنة 2002 وفق الوثائق والبيانات المرفقة".
وقالت إنها مطابقة لتلك الشروط بعد التنسيق مع هيئة تنظيم قطاع الاتصالات عملا بأحكام المادتين (5) و(19) من القانون.
وحينها أصدرت الهيئة خطاب توصية للوزير لاتخاذ القرار المناسب بخصوص منح الشركة المذكورة الرخصة المطلوبة وفق أحكام المادة (3/ب) من نظام رخص البث الإذاعي والتلفزيوني والرسوم المستوفاة عنها رقم (163) لسنة 2003 وتعديلاته لمدة خمس سنوات على أن يتم تنظيم اتفاقية الترخيص مع الهيئة.
الأكثر غرابة أن هيئة الإعلام المرئي والمسموع قالت في 30 يوليو 2015، أي قبل شهر من إغلاق استوديوهاتها لأول مرة، إن “القناة مرخصة ومستوفية لجميع الشروط التي تؤهلها للبث”.
وفي الحالة الأخيرة، تداول عدد من الصحف أنباء إغلاق قناة “اليرموك” الفضائية، وهو ما أثار تساؤلات حول أسباب سياسية وراء الغلق.
لكن المدير العام لهيئة الإعلام بشير المومني، قال لموقع صحيفة "العين" الإماراتية في 8 مايو 2024 إن "القرار ليس له خلفيات سياسية".
وأفاد بأنه لا علاقة للإجراءات القانونية والقضائية التي اتبعت في حالة قناة (اليرموك) "بأي أبعاد سياسية" لأن الذي أصدر القرار هو النيابة العمومية بموجب شكوى منه أن القناة "ترتكب جريمة البث بدون ترخيص".
وأوضح أن الهيئة تقدمت، بشكوى للمدعي العام لعمان في مواجهة شركة قناة "اليرموك" لقيامها بمخالفة قانون الإعلام المرئي والمسموع المتمثل بالبث دون ترخيص، فقرر مصادرة الأجهزة التي تستخدم "في جريمة البث دون ترخيص بوصفها جزءا من الأدلة في الدعوى".
وردت عليه "اليرموك" على لسان رئيس مجلس إدارة القناة، وائل السقا، بأنها "شركة مسجلة لدى وزارة الصناعة والتجارة بشكل أصولي وقانوني وحاصلة على رخصة مهن سارية المفعول من أمانة عمان، وتملك علامة تجارية مسجلة بالإضافة إلى أنها مسجلة بشكل رسمي في لندن".
وقال إن "هذا الإجراء المستغرب يأتي في ظرف دقيق وحساس (إبادة غزة) من استهداف الأمة وقضاياها المركزية والذي يستحوذ على معظم برامج القناة وتغطياتها في هذه الفترة ويشكل إساءة لصورة الحريات الصحفية والإعلامية في وطننا".
وشدد السقا على أنه "صدر العديد من الأحكام القضائية في فترات سابقة ببراءة القناة وعدم مسؤوليتها عن تهمة البث بدون ترخيص وعن أي مخالفة للقانون، وبالتالي رأى القضاء أن الإجراءات التي تقوم بها القناة قانونية وسليمة".