خسارة 1.5 مليون ناخب.. لماذا سيعاقب مسلمو بريطانيا حزبي العمال والمحافظين؟
على غرار إعلان مسلمي أميركا ودول غربية عقاب ساستهم وأحزابهم التي دعمت الإبادة الصهيونية في قطاع غزة، قرر مسلمو بريطانيا مقاطعة وعقاب أحزاب دعمت عدوان إسرائيل على غزة، في الانتخابات العامة المقررة في النصف الثاني من عام 2024.
وفي الانتخابات السابقة عام 2019 صوت مسلمو بريطانيا عقابيا ضد حزب "المحافظين" الحاكم بسبب سياساته الداعمة للإسلاموفوبيا، وعلاقة أعضائه مع الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذه المرة ينوون عقاب حزب "العمال" المعارض أيضا بسبب دعمه العدوان على غزة.
وقررت حملة انتخابية جديدة تُسمى "صوت المسلمين" أو "الصوت المسلم" تضم أغلب المنظمات الإسلامية، دعم المرشحين "المستقلين" لخوض الانتخابات العامة، ما أثار قلق حزب "العمال" بشأن فقدان دعم المسلمين.
"صوت المسلمين"
ووفقا لآخر أرقام معلنة من جانب موقع الحسابات الانتخابية "Electoral Calculus" (إلكتورال كالكيليس) في فبراير/شباط 2024 يتوقع هزيمة كبيرة لحزب "المحافظين" بزعامة الهندي الأصل، الداعم لإسرائيل، ريشي سوناك، وأن يفوز بـ126 مقعدا فقط، بعدما كان له 367 مقعدا في انتخابات 2019.
ويخشى كل من حزبي "العمال" و"المحافظين" انصراف المسلمين والمعادين للعدوان الصهيوني على غزة عنهما في انتخابات منتصف 2024، وخسارتهما مقاعد لصالح المستقلين الذين يؤيدون حقوق مسلمي بريطانيا، وحق الفلسطينيين في دولة مستقلة.
وزادت ضغوط حكومة حزب المحافظين الحالية على معارضي العدوان الإسرائيلي، وكشفت وكالة "رويترز" البريطانية في 4 فبراير 2024 عن خطط حكومية لاستحداث "جريمة جنائية جديدة" تستهدف المشاركين بالمظاهرات الداعمة للفلسطينيين.
وقالت إن وزير الداخلية جيمس كليفرلي، الذي انتقد تسلق المحتجين النصب التذكارية في بريطانيا، طرح خطة لعقاب من يفعلون ذلك بالسجن ثلاثة أشهر وغرامة مالية قدرها 1000 جنيه إسترليني (1260 دولارا).
وأواخر يناير/ كانون الثاني 2024 أعرب حزب العمال عن مخاوفه من مجموعة شعبية تسمى "صوت المسلمين"، بدأت تدعو المسلمين لعدم انتخاب المنتمين لهذا الحزب، واختيار مرشحين "مستقلين".
وسخرت حملة "صوت المسلمين"، من ذلك، مؤكدة أن "حزب العمال أعرب عن قلقه متأخرا بعدما قتل 30 ألف فلسطيني في غزة"، بحسب تقرير لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 31 يناير 2024.
وظهرت "صوت المسلمين" في بريطانيا، على غرار "الصوت الأسود" في أميركا، وهدفها زيادة نسبة المشاركة بين المسلمين البريطانيين في الانتخابات، مع توجيههم لانتخاب من يهتم بمصالح المسلمين.
وتؤيد مجموعة "صوت المسلمين" كلا من "رابطة مسلمي بريطانيا"، و"المجلس الإسلامي في إسكتلندا"، و"مجلس مسلمي ويلز"، ومنظمة "مشاركة المسلمين في التنمية"، ومنظمات مدنية أخرى.
وتقول هذه المجموعة إن لديها "الآلاف" من المتطوعين المستعدين لدعم الحملات السياسية المحلية المستقلة في الدوائر الانتخابية التي تضم عددا كبيرا من الناخبين المسلمين.
كما تؤكد عبر موقعها على الإنترنت، أنها "ستُمكن البريطانيين من دعم مرشح مؤيد لفلسطين ومؤيد للسلام" في الانتخابات، ولن تدعم أي نائب رفض التصويت مع وقف إطلاق النار في غزة في مجلس العموم.
The Labour Party leadership believes that they can pretend they have supported the Palestinians.
Unfortunately for them we will remember how they behaved and we will not support any MP who failed to vote for a ceasefire#NoCeasefireNoVote https://t.co/UwNNjpm0ba— The Muslim Vote (@themuslimvoteuk) January 31, 2024
وتفاقم قلق حزب العمال مع إطلاق هذه المجموعة الشعبية الجديدة، لأنها تنظم حملات للناخبين وحملات طرق الأبواب في ثماني دوائر انتخابية بهدف معلن هو "مكافأة" النواب الذين يصوتون لصالح وقف إطلاق النار و"معاقبة" أولئك الذين لا يفعلون ذلك.
ونقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن متحدث باسم المجموعة (لم تسمه) قوله إنه "من الواضح أن حزب العمال يعتبر تصويت المسلمين أمرا مفروغا منه، وأن المحافظين لا يهتمون حتى بتصويت المسلمين"، ملمحا لعقابهم بسبب ذلك.
وأضاف: "لقد قللوا باستمرار من قيمة الناخبين المسلمين، وكانت إستراتيجية حزب العمال بشأن غزة تتمثل في التهديد بإقالة أي عضو في حكومة الظل يصوت لصالح وقف إطلاق النار".
أسباب العقاب
وحين سألت قناة "إل بي سي" البريطانية في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023 زعيم حزب العمال كير ستارمر، عما إذا كان يرى أن "إسرائيل على حق في قطع المياه والكهرباء عن غزة"، قال: "أعتقد أن إسرائيل لديها هذا الحق"، ما أثار انتقادات شديدة ضده.
“I think that Israel does have that right.”
Sir Keir Starmer tells @NickFerrariLBC that it is acceptable for Israel to withhold power and water from citizens in Gaza. pic.twitter.com/S1L5nftyG5— LBC (@LBC) October 11, 2023
ومع أنه تراجع عن هذا الموقف في وقت لاحق، فقد أثار غضب العديد من نوابه ومؤيديه والمسلمين مرة أخرى عندما رفض دعم الدعوات لوقف إطلاق النار والعدوان الإسرائيلي على غزة.
وتصاعدت التوترات داخل حزبه أكثر بسبب ذلك، وتحدى 56 نائبا من حزب العمال أوامر الحزب وصوتوا لصالح اقتراح الحزب الوطني الأسكتلندي في مجلس العموم الذي يدعو صراحة إلى وقف العدوان الإسرائيلي في غزة.
وذكرت صحيفة "الغارديان" في 30 يناير 2024، أن هذا التحول من جانب المسلمين عن الحزب، أزعج مكتب زعيم حزب العمال، فبدأ يجري استطلاعات رأي، ويعقد اجتماعات مُركزة مع المسلمين البريطانيين في جميع أنحاء البلاد.
ويأتي ذلك خوفا من رفض العديد من المسلمين الذين دعموا حزب العمال سابقا التصويت له في الانتخابات المقبلة بسبب دعمه لإسرائيل.
وأكدت الصحيفة أن "الثقة مفقودة، والناخبين المسلمين غير راضين عن موقف حزب العمال بشأن حرب غزة".
واستقال 23 عضوا مسلما من مجلس مستشاري حزب العمال بسبب موقف "ستارمر" من إسرائيل، ووقع 250 عضوا من المسلمين على رسالة تطالب الحزب بدعم وقف إطلاق النار في غزة.
ونقلت "الغارديان" عن أحد قادة الحزب: "نعلم أننا فقدنا أصوات المسلمين، وعلى الأقل فقدنا ثقتهم، ولم تعد الجالية المسلمة قاعدة ناخبين آمنة بالنسبة لنا بسبب دعمنا في البداية لحرب غزة، لذلك نحن نركز على السيطرة على الضرر".
من جهته، ذكر موقع "أوروبيون كونسرفاتيف" في 31 يناير 2024 أن "حزب العمال تحت ضغط هائل من المسلمين البريطانيين بشأن موقفه من غزة، فبعد التصويت لحزب العمال لسنوات، يدير المسلمون الآن ظهورهم للحزب".
وأكد أن "استطلاعات الرأي تشير تاريخيا إلى أن ما يقرب من ثلاثة أرباع السكان المسلمين في بريطانيا يشعرون بأنهم أكثر ارتباطا انتخابيا بحزب العمال، لكن هذا يتغير حاليا بسبب حرب غزة ودعم رئيس الحزب لقطع المياه والكهرباء عنها".
وأظهر استطلاع للرأي نشرته منظمة "إحصاء المسلمين" في 17 أكتوبر 2023 انخفاضا بنسبة 66 بالمئة في دعم المسلمين لحزب العمال، وهو ما قد يعني خسارة محتملة لـ 1.5 مليون ناخب للحزب.
وكشف الاستطلاع أنه في الانتخابات العامة عام 2019، صوت 71 بالمئة من المسلمين البريطانيين لصالح حزب العمال، بينما في الوقت الراهن يقول خمسة بالمئة فقط إنهم سيصوتون لحزب العمال مرة أخرى.
وأكد 98 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع أن قرارهم تأثر بموقف حزب العمال من العدوان الإسرائيلي على غزة.
المحافظون أيضا
ليس حزب "العمال" فقط هو من سيخسر أصوات المسلمين في انتخابات البرلمان المقبلة، ولكن حزب "المحافظين" الحاكم أيضا، وفق موقع "مسلم جينيوس" في 26 أكتوبر 2023.
وأوضح الموقع أن نسبة تصويت المسلمين لحزب "المحافظين" في الانتخابات المقبلة من 9 بالمئة في انتخابات 2019 إلى 0.6 بالمئة فقط بين المشاركين في الاستطلاع.
وذكر أن غالبية المشاركين في الاستطلاع أكدوا أن أصواتهم لن تكون من نصيب حزب العمال أو المحافظين، وغالبا ستذهب إلى المرشحين المستقلين، وحزب الخضر.
وقال الموقع إن "استطلاعنا وجد أن جميع المسلمين تقريبا (98 بالمئة) لديهم وجهة نظر سلبية حول كيفية تعامل حزبي العمال والمحافظين مع أحداث غزة".
ووفقا لاستطلاع "مسلم جينيوس" لآراء 30 ألف مسلم بريطاني، قال 40 بالمئة إنهم قد لا يشاركون في التصويت غضبا من الحزبين الكبيرين، فيما أكد 21 بالمئة أنهم سيختارون حزب الخضر، و10 بالمئة "الديمقراطيون الليبراليون".
وسيختار 4.9 بالمئة منهم الحزب الوطني الإسكتلندي، فيما سيختار 4.8 بالمئة فقط حزب العمال، و0.6 حزب المحافظين.
وأشار الموقع التابع لمسلمين بريطانيين إلى أن "السياسيين في حزبي المحافظين والعمال مرروا رسائل مقلقة للبريطانيين المسلمين بزعمهم أن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها والإفلات من العقاب، رغم مخالفتها القانون الدولي".
وأعرب رئيس الوزراء سوناك عن "دعمه المطلق" لإسرائيل وقام بزيارة المجتمعات اليهودية في المملكة المتحدة للتعبير عن تعاطفه مع الاحتلال دون النظر لجرائم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
ومنذ سنوات، يحذر المسلمون من تصاعد "إسلاموفوبيا المحافظين" حيث تتصاعد الكراهية بشكل غير عادي داخل الحزب الحاكم مقابل التعاطف مع الكيان الصهيوني.
وأظهرت مراجعة سابقة داخل الحزب أنه كانت هناك 212 شكوى مرتبطة بـ137 حادثة في الأشهر الثلاثة السابقة ليونيو/ حزيران 2023 داخل الحزب أغلبها ضد مسلمين.
وذكرت صحيفة "ذا ناشيونال نيوز" في 27 يوليو/ تموز 2022، أن "استطلاعات الرأي أظهرت أن أكثر من نصف أعضاء حزب المحافظين يعتقدون أن الإسلام يشكل تهديدا على القيم البريطانية"
فيما علق المحلل السياسي بيتر أوبورون على فشل المحافظين في مواجهة مشكلة معاداة الإسلام أو إسلاموفوبيا، قائلا "إن الحزب أصبح مجموعة من المتعصبين".
وشدد أوبورون في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي" في 25 يوليو 2023 على أنه "حزب يحتقر حكم القانون، وشعبوي يغازل اليمين المتطرف، ولا يأبه في العادة للأقليات وبخاصة المسلمين المعادي لهم بعمق، وباختصار، أصبح حزب المتعصبين".