مع قرب تنفيذ الترحيل لرواندا.. هكذا يبدو حال المهاجرين المحتجزين ببريطانيا
"سأقتل نفسي فور ترحيلي إلى رواندا"
ماتزال المملكة المتحدة تضغط أكثر فأكثر لتنفيذ نموذجها المثير للجدل عبر إرسال المهاجرين غير النظاميين إلى رواندا وهي دولة خطرة، وفق مراقبين، تقع شرق إفريقيا.
ويرفض اللاجئون غير النظاميين خطة الإبعاد من بريطانيا إلى رواندا، ويواصلون حربهم القانونية لإبطال القرار قبل إقلاع أول رحلة نحو تلك الدولة الإفريقية المجهولة بالنسبة لهم.
وأبلغت الحكومة البريطانية المحكمة العليا في لندن بأنها تتوقع أن تقلع رحلات الترحيل الأولى إلى رواندا بين الأول من يوليو/ تموز 2024 و15 من الشهر ذاته.
قرب الترحيل
وكشف القاضي مارتن تشامبرلين في 3 مايو 2024 عن التواريخ لدى تحديده موعدا لجلسة الاستماع لطعن قانوني في الخطة المثيرة للجدل تقدم به الاتحاد النقابي "إف دي إيه" الذي يمثل موظفي الخدمة العامة والموظفين العموميين.
وكان رئيس الوزراء ريشي سوناك قد أعلن في 22 أبريل/ نيسان 2024 أنه يتوقع أن تغادر الرحلات الأولى في غضون "10 إلى 12 أسبوعا" لكنه لم يعطِ موعدا محددا.
وتقع المواعيد المقترحة للرحلات الأولى في فترة الحملات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية في رواندا المقررة في 15 يوليو 2024.
ويطالب الاتحاد النقابي بمراجعة قضائية لقانون صدر حديثا يصنف رواندا الواقعة في شرق إفريقيا دولة آمنة على الرغم من أن المحكمة العليا في المملكة المتحدة خلصت إلى أن عمليات الترحيل غير قانونية.
وكذلك يطالب الاتحاد النقابي بتوضيح إذا ما القانون يتوافق مع قانون الخدمة المدنية؟
وفي وقت يلزم القانون موظفي الخدمة المدنية، المحايدين سياسيا في المملكة المتحدة، بتنفيذه، فإن القانون الجديد يسمح لوزراء بتجاهل فقرات من القانون المحلي والدولي لحقوق الإنسان عند اتخاذ قرار بشأن عمليات الترحيل، وكذلك أي أوامر "بموجب القاعدة 39" للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
ويتواصل تدفق المهاجرين الذين يصلون بشكل غير نظامي إلى المملكة المتحدة عبر عبور المانش، إذ سجلت هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر ارتفاعا ملحوظا منذ بداية عام 2024 بواقع "9000" مهاجر.
ويبدو المحافظون الذين يتولون السلطة منذ 14 عاما في المملكة المتحدة، منهكين ومنقسمين فيما يواجهون صعوبات في الوفاء ببعض الوعود التي قطعوها قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، خصوصا فيما يتعلق بمكافحة الهجرة غير النظامية.
إذ ترمي خطة الحكومة الحالية، المحافظة ترحيل نحو ألفي من طالبي اللجوء، إلى رواندا لردع المهاجرين الذين يحاولون عبور المانش إلى المملكة المتحدة من شمال فرنسا على متن قوارب صغيرة.
وقالت الحكومة البريطانية في نهاية إبريل 2024 إنها بدأت احتجاز طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم بهدف ترحيلهم إلى رواندا، ما أثار احتجاجات واسعة.
اضطهاد بريطاني
ويقول خالد وهو طالب لجوء سوري الجنسية موقوف في مركز احتجاز بانتظار ترحيله إلى رواندا، إنه سيقتل نفسه لدى وصوله إلى الدولة الإفريقية لأنه لا يعتقد أن هذا سيكون بلدا آمنا بالنسبة له.
وتحدث خالد، الذي تم تغيير اسمه لحماية هويته، حصريا لصحيفة الغارديان من زنزانته في مركز ترحيل المهاجرين في كولنبروك، أنه وصل إلى بريطانيا في يونيو 2022، وله تاريخ في معاناة التعذيب والسجن داخل سجون نظام الأسد الذي قمع ثورة السوريين عام 2011 بالحديد والنار.
وقال خالد للصحيفة في 5 مايو 2024 إنه وطالبي اللجوء الآخرين "من جنسيات عديدة" المحتجز معهم لا يستطيعون التأقلم مع الحبس بسبب الاضطهاد الذي يتعرضون له.
وأضاف أن "الجميع هنا متوترون للغاية بسبب رواندا. لا نستطيع أن نأكل ولا نستطيع النوم. لقد نزحت في سوريا لمدة تسع سنوات وسُجنت هناك، كما تم اعتقالي وتعذيبي في ليبيا" في إشارة إلى اتخاذه ليبيا كمنصة للعبور نحو أوروبا ثم إلى عبر المانش إلى المملكة المتحدة.
ومضى يقول إن "الوجود في الاحتجاز أمر مثير للغاية بالنسبة لي. ما يهم طالبو اللجوء هو أن يكونوا آمنين. لن أكون آمنا في رواندا. إذا تمكنوا من إرسالي إلى هناك فسوف أقتل نفسي عند وصولي إلى ذلك البلد".
وراح يقول: "كنت سأكون سعيدا بطلب اللجوء في إيطاليا، لكن المسؤولين الإيطاليين لم يأخذوا بصماتي وطلبوا مني الانتقال إلى فرنسا. وهناك قيل لي إن الأمر سيستغرق أربع سنوات قبل أن يتمكنوا من النظر في طلب اللجوء الخاص بي، لذلك انتظرت في الغابة في كاليه للعبور إلى المملكة المتحدة. كان عبور القناة في قارب مكتظ أكثر رعبا من عبور البحر المتوسط".
وينظر كثير من المنظمات الحقوقية وبرلمانيين في المملكة المتحدة على أنه من "العار تنفيذ خطة ترحيل اللاجئين إلى رواندا".
فقد أكد زعيم حزب العمال المعارض كير ستارمر، في مايو 2024 أنه سيتخلى عن خطة الحكومة لترحيل المهاجرين إلى رواندا التي يعدها مكلفة وغير فعالة، قائلا إن "الحكومة فقدت السيطرة على حدودنا".
اختيار عشوائي
من جانبه، يقول اللاجئ السوري في بريطانيا صهيب الجابر: إنه "لا يوجد تمييز بين جنسيات اللاجئين ممن وقع عليهم الاختيار العشوائي والمجهول سواء قدموا من بلدان آمنة أو فيها حرب مثل سوريا لترحيلهم إلى رواندا والمقدر عددهم بألفي طالب لجوء من جنسيات مختلفة بينهم نحو 500 لاجئ سوري من أصل نحو خمسين ألف طلب لجوء في بريطانيا".
وأضاف الجابر لـ"الاستقلال"، وهو من طالبي اللجوء المهدد بالترحيل إلى رواندا: " إلى هذه اللحظات لم يتم ترحيل أي شخص إلى رواندا من بريطانيا بينما سيتم عرض البقية على القضاء في وقت يؤكد فيه المحامون أن طالبي اللجوء من الجنسية السورية لن يتم ترحيلهم رغم اختيار هذا العدد للترحيل إلى رواندا لأسباب رئيسة كون بلدهم غير آمنة".
فضلا "عن اندماج السوريين في المجتمع البريطاني وهو بند مهم يبطل الترحيل ولكون لديهم طلبات لجوء معلقة كما أن اتفاقية جنيف تتيح لهم تقديم اللجوء في أي مكان حتى لو مروا ببلدان آمنة وهي الذريعة التي يتمسك بها مكتب الإبعاد في المملكة المتحدة التي ترغب في إعادتهم إن تمكنوا إلى تلك البلدان أو في نهاية المطاف إلى رواندا وهو خيار لن يتم تنفيذه بل الهدف منه هو عرقلة إجراءات اللجوء من قبل الحكومة البريطانية وجعل طلباتهم مهملة"، وفق الجابر.
وأشار الجابر وهو ناشط تعرض للسجن والتعذيب داخل سجون نظام الأسد على خلفية الثورة، إلى أن "طلب اللجوء لديه معلق منذ أكثر من عام ونصف ولا يوجد مدة محددة تحدد الزمان للبت في طلب اللجوء وبالتالي الفترة غير محدودة وقد تستمر لسنوات".
واستدرك: "لكن في الوقت الراهن يتم تقديم مستلزمات طالبي اللجوء وحمايتهم وتأمين السكن والدراسة إذا رغب بها أو تكليف محام لمتابعة ملفه فضلا عن منحه مبلغا ماليا رمزيا، لكن يمنع اللاجئ من العمل خلال هذه الفترة إلا بعد انقضاء عام من تقديمه طلب اللجوء".
وأضاف: "بعد عام من عدم البت بطلب اللجوء يحق لطالب اللجوء التقدم للحصول على إذن عمل في حال لم يكن الخطأ متعلقا بطالب اللجوء بمعنى أن العرقلة الحاصلة الآن من الحكومة أو ضغط طلبات الهجرة".
ولفت إلى أن "طالبي اللجوء هؤلاء الذين أبلغوا رسميا عبر إيميلاتهم بأنه سيتم ترحيلهم إلى رواندا يقومون كل 14 يوما بمراجعة مراكز تابعة لوزارة الداخلية ويتفقدهم الضابط وهذا بسبب وجود 17 ألف طلب لجوء ليسوا موجودين على الأراضي البريطانية ويتلقون مساعدات مالية عبر البطاقات الممنوحة لهم".
وختم الجابر بالقول: "يبدو أن الحكومة البريطانية المحافظة تتملص من فشلها في الخدمات والقطاع الصحي والإضرابات وغيره عبر طالبي اللجوء".
رعب رواندا
وفي 14 أبريل 2022، أعلن رئيس الوزراء آنذاك، بوريس جونسون، عن خطط لترحيل أولئك الذين يصلون إلى المملكة المتحدة على متن قوارب صغيرة إلى رواندا لمعالجة مطالباتهم.
وأصر حينها على أن هذا المخطط "سيشكل رادعا كبيرا للغاية"، ورواندا هي "واحدة من أكثر البلدان أمانا في العالم" مع " القدرة على إعادة توطين عشرات الآلاف من الأشخاص في السنوات المقبلة" . وستشمل التكاليف دفعة أولية قدرها 120 مليون جنيه إسترليني.
وفي 14 يونيو 2022 تم إلغاء أول رحلة تقل طالبي اللجوء من المملكة المتحدة إلى رواندا قبل دقائق من إقلاعها بعد أن أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ أوامر قضائية في اللحظة الأخيرة بإيقافها. ويعتقد أن سبعة أفراد كانوا على متن الطائرة.
وعقب ذلك تنقل نموذج رواندا في الحكومات البريطانية اللاحقة، حتى جرى في 5 ديسمبر 2023 توقيع بريطانيا ورواندا معاهدة جديدة بشأن اللجوء في محاولة لمعالجة مخاوف المحكمة العليا.
وسافر حينها جيمس كليفرلي إلى كيغالي للتوقيع عليه، ليصبح ثالث وزير داخلية يسافر إلى رواندا، على خطى برافرمان وبريتي باتل.
وتقول الحكومة البريطانية إن المعاهدة الجديدة تضمن عدم تعرض الأشخاص الذين تم نقلهم إلى رواندا لخطر إعادتهم إلى بلد تكون فيه حياتهم أو حريتهم مهددة.
وفي 6 ديسمبر بعد يوم واحد، قدمت الحكومة البريطانية مشروع قانون سلامة رواندا (اللجوء والهجرة) لتجاوز حكم المحكمة العليا. ويهدف مشروع القانون، الذي يعلن أن رواندا بلد آمن، إلى منع ستراسبورغ من وقف ترحيل طالبي اللجوء إلى شرق إفريقيا.
وفي مطلع مارس 2024 قال مكتب التدقيق الوطني، وهو هيئة مراقبة الإنفاق الرسمية، إن خطط إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا ستكلف دافعي الضرائب 1.8 مليون جنيه إسترليني لأول 300 شخص تقوم الحكومة بترحيلهم.
وتبلغ التكلفة الإجمالية للمخطط أكثر من نصف مليار جنيه، بحسب الأرقام الصادرة لديوان المحاسبة.
حتى لو لم ترسل المملكة المتحدة أحدا إلى الدولة الإفريقية، فقد وقع سوناك على دفع 370 مليون جنيه إسترليني من الخزانة العامة خلال الصفقة التي مدتها خمس سنوات.
وفي 22 أبريل 2024 تم إقرار مشروع قانون سلامة رواندا (اللجوء والهجرة) بعد أسابيع من الجدل البرلماني حيث قام أقرانهم بمنع التشريع مرارا وتكرارا بسلسلة من التعديلات. لكن أقرانهم يتراجعون في نهاية المطاف، مما يعني أن مشروع القانون المثير للجدل سيصبح قانونا.
وقد أعلنت الحكومة البريطانية إمكانية ترحيل مجموعة محدّدة من طالبي اللجوء إلى رواندا تضمّ 5700 شخص "بحلول نهاية عام 2024.
واختير هؤلاء من بين 57 ألف شخص وصلوا عبر المانش إلى المملكة المتحدة بطريقة غير قانونية، بين بداية يناير ونهاية يونيو 2023، وفقا لتعداد أجرته وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية.
ومنتصف نوفمبر 2023، قضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة بأن ترحيل طالبي اللجوء الى رواندا يخالف القانون الدولي، موجهة صفعة لرئيس الوزراء ريشي سوناك.
ورأت المحكمة أن المهاجرين معرّضون لخطر الطرد من رواندا إلى بلدهم الأصلي حيث قد يتعرضون لمضايقات وهو ما يتعارض مع المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المتعلقة بالتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، والتي تُعد المملكة المتحدة طرفا فيها.
وتعد رواندا التي تضم 13 مليون نسمة نفسها من بين البلدان الإفريقية الأكثر استقرارا. إلا أن مجموعات حقوقية تتهم رئيسها بول كاغامي بالحكم في ظل مناخ من الترهيب وقمع المعارضة وحرية التعبير.
وقد قُتل أكثر من 800 ألف رجل وامرأة وطفل، معظمهم من عرقية التوتسي لكن أيضا من الهوتو المعتدلين، في المجازر التي انقلب فيها أفراد العائلة الواحدة والأصدقاء واحدهم على الآخر، في أحد فصول التاريخ الأكثر قتامة في أواخر القرن العشرين.
ومن هنا فإن كثيرا من المنظمات الحقوقية تنظر إلى أن رواندا بلد غير آمن بالنسبة إلى اللاجئين وذلك لعدة أسباب.
أولها، سجل البلاد السيئ في مجال حقوق الإنسان، فقد حرضت رواندا سابقا على قتل الأشخاص الذين ينتقدون حكومتها، مما دفع الشرطة البريطانية إلى تحذير المواطنين الروانديين الذين يعيشون في المملكة المتحدة من "خطط موثوقة" من قبل الدولة الرواندية لقتلهم.
كما أن هناك مخاوف لمسؤولين حكوميين في المملكة المتحدة بشأن القيود المفروضة على الحرية السياسية والإعلامية هناك.
ولطالما استذكرت في هذا الإطار حادثة وقعت في عام 2018 حينما أطلقت فيها الشرطة الرواندية النار على اللاجئين الذين كانوا يحتجون على تخفيض الحصص الغذائية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن اثني عشر شخصا.