لجان السيسي غاضبة.. لماذا منحت السعودية المصري عمرو أديب جنسيتها؟
في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، فاجأ الإعلامي المصري عمرو أديب الجميع، حينما أعلن حصوله على الجنسية السعودية إلى جانب جنسيته المصرية، موجها شكره للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
وقال أديب في برنامج "الحكاية" الذي يقدمه على قناة "إم بي سي مصر": "أخيرا ومنذ فترة تم منحي الجنسية السعودية.. الآن أنا مواطن عندي جنسية مصرية وسعودية".
وأضاف: "لا أعرف أعدادا كبيرة من المصريين حصلوا على هذا التكريم، ولكن أنا سعيد به جدا.. أنا قضيت 30 عاما من حياتي الإعلامية في مؤسسات سعودية".
ما هي إلا أيام قليلة من هذا الإعلان، حتى اندلعت حرب إعلامية شرسة ضد عمرو أديب، شارك فيها غالبية الأذرع الإعلامية بمدينة الإنتاج الإعلامي في القاهرة.
الحرب كانت في صورة حملة منظمة وممنهجة، بدأت على مواقع التواصل الاجتماعي، عن طريق اللجان الإلكترونية، وصولا إلى برامج التوك شو الرئيسة، وغالبية الصحف والمواقع الإخبارية المحلية. فكيف بدأت هذه الحملة؟ وما مبرراتها؟ وما علاقة السعودية بها؟
استضافة غطاس
البداية كانت في 5 ديسمبر 2023، عندما استضاف أديب عبر برنامجه "الحكاية"، النائب المصري السابق سمير غطاس.
فجّر غطاس مفاجأة صادمة عندما صرح بأن جوازات السفر المصرية ترسل إلى السفارة المصرية في رام الله، التي ترسلها بدورها إلى سلطات الاحتلال للتأكد من عدم انتمائهم لفصائل المقاومة.
وهو الأمر الذي استدعى وزارة الخارجية المصرية للرد في نفس اليوم عبر بيان أكدت خلاله أن السلطات فقط هي التي تتولى إجراءات عودة المصريين من قطاع غزة إلى أرض الوطن.
ورغم أن أديب تبنى الرأي الرسمي للدولة المصرية، ونشر بيان وزارة الخارجية وأشاد به، وقال: "إن مصر لا تستأذن من أحد"، لكن ذلك لم يكن كافيا لمنع الحملة الإعلامية ضده.
فسرعان ما أعلن نقيب الإعلاميين المصريين طارق سعدة، أن النقابة تدرس اتخاذ الإجراءات القانونية كافة ضد مخالفات عمرو أديب.
أما الهجوم الأشرس فجاء من قِبل أحمد الطاهري، رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة، التابعة لجهاز المخابرات العامة، ومن أقرب الإعلاميين لرئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل.
وصف الطاهري في تغريدة عبر حسابه على موقع "فيسبوك" أديب بـ "المزدوج" في إشارة إلى جنسيتيه "المصرية والسعودية". وقال: "يتنطع (يبالغ في النقد) على المشهد المصري".
وكذلك فعل الإعلامي المقرب من السلطة يوسف الحسيني، الذي خرج عبر القناة الأولى المصرية الرسمية، خلال برنامجه "التاسعة"، وعقد حلقة خاصة للنيل من أديب، واستدعى تاريخه وتناقضاته من زمن الرئيس الأسبق حسني مبارك.
لكنه تحدث بشكل مباشر عن حصول أديب على الجنسية السعودية، وأنه أصبح "مسنودا" أي لا يستطيع أحد المساس به، على حد قول الحسيني.
رد أديب
تلك الحالة استنفرت عمرو أديب للرد ومقارعة الأذرع الإعلامية، فكتب تغريدة لاذعة على حسابه بموقع "إكس"، قال فيها: "انتشر في الساحة الإعلامية أخيرا عدد من أنصاف الموهوبين لا يفقهون شيئا ويفشلون بشكل مستمر".
وتابع: "النصف موهوب يا سادة لا يتحول إلى موهوب بالعمل أو بالاجتهاد، سيستمر بليدا عاجزا مثلما خرج من أقسام الإعلام والصحافة وهو معتم عاجز، وفى الغالب يحاول أن يكون مخبرا بالإضافة للوظيفة الأصلية".
ثم أتبع تلك التغريدة بأخرى أشد ضراوة عندما دوّن: "إلى السادة الذين يهاجمونني على موضوع المصريين فى غزة: اعرفوا الأول مين اللي قال وقال إيه (ماذا) هو إيه يا ربي مستوى اللجان اتنيل (تدهور) ليه".
وتابع: "أما تكون لجنة اقرأ وبعدين اكتب لكن لا أنت عارف أنا اللي قولت ولا مين اللي قال والا الراجل اللي هناك ده هو اللي قال تبقى عامل زي يونس شلبي في مدرسة المشاغبين (مسرحية كوميدية قديمة)".
وكانت مجموعة من الصحف المحلية الموالية للأجهزة السيادية مثل "الوطن" و"اليوم السابع" و"صدى البلد" قد شاركت في الحملة.
ووصفت صحيفة الوطن أديب بالقول "مش (ليس) مننا"، وهي إشارة أخرى إلى جنسيته الجديدة السعودية، التي ربما أغضبت الأجهزة السيادية المصرية.
حملة سابقة
وليست هذه أول مرة يثير قرب أديب من النظام السعودي حفيظة السلطات في مصر، كما أنها ليست الأولى التي يشهد فيها أديب حملة إعلامية قاسية لهذا السبب.
بالعودة إلى 22 يناير/ كانون الثاني 2023، استعرت هجمة من إعلاميي النظام ضد أديب، جرى فيها استخدام أربعة أوصاف صادمة.
تلك الأوصاف استخدمها الإعلامي المصري التابع للنظام العسكري الحاكم محمد الباز، في هجومه الضاري على زميله عمرو أديب، الذي ينتمي إلى نفس المعسكر.
وهي "الكفيل السعودي، أجندة سعودية، عميل السعودية، خدام السعودية"، وهي كلمات لم تكن الآلة الإعلامية للنظام المصري تستخدمها إلا مع دولة معها خلافات عميقة مثل تركيا أو قطر.
الباز الذي يترأس مجلس إدارة صحيفة "الدستور"، قال في فيديو نشره عبر صفحته على "فيسبوك"، في 11 يناير 2023، "إن عمرو أديب يبث الرعب والذعر في نفوس المصريين، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي".
وتابع: "لو في مشكلة ضخمة، فعمرو أديب لن يتأثر لا هو ولا عائلته، آخرها يأخذ نفسه إلى السعودية كونه عنده كفيل سعودي، وهو يخدم المشروع السعودي الذي لا يتناسب مع المشروع المصري".
وأضاف الباز متحدثا عن عمرو أديب: "ومعاه فلوس كتير تكفيه لبعد يوم القيامة بسنتين"، وفق وصفه.
واستطرد: "السعودية من حقها يكون عندها مشروع سواء في الإعلام أو في أي مجال، ومن حقها تجند ناس في كل المجالات، وتجندهم هنا يعني يشتغلوا لمصلحتها.. وعمرو أديب بيعمل ده، بيشتغل لمشروع (المملكة)، فهو عميل سعودي".
كما عقب موجها له الحديث: "أنت اخترت تخدم المشروع السعودي وتكون خدام عند السعودية، وعمرو أديب عارف هو بيعمل ايه لكن متسودش عيشة الناس هنا"
واشترك الصحفي محمد عبد الرحمن، المذيع في قناة القاهرة الإخبارية في الهجوم، واستخدم مصطلح "الأجندة السعودية" أيضا.
وأكد عبد الرحمن على عمق المشكلة، وغرد على حسابه بموقع "تويتر" في 11 يناير 2023، قائلا: "المصريون الذين يعملون لدى جهاز بروباغندا تابع لدولة صديقة، هم مصريون يعملون خدما لجهاز بروباغندا ينفذ أجندة الدولة الصديقة، وإن تضادت مع أجندة مصر".
حماية الأمير
تعليقا على هذا الأمر، قال عضو نقابة الصحفيين المصريين محمد مجدي: "بلا شك حصول عمرو أديب على الجنسية السعودية أغاظ الجهات السيادية في الدولة لمجموعة من الأسباب".
أولها فكرة خروج عنصر من عناصر الإعلاميين المخضرمين عن السيطرة تماما، وإضعاف القبضة عليه، وفق ما أوضح لـ"الاستقلال".
الأمر الثاني يكمن في تحول هذا الصوت إلى اتجاه مضاد للسياسات والنظام بطريقة أو بأخرى.
واستطرد مجدي: "لاحظنا خلال الاشتباك الأخير بين الإعلاميين وأديب، استخدام فكرة الولاء والانتماء، في إشارة واضحة أن كل معارضة سيظهرها أديب بشكل أو بآخر ستوضع في خانة (الخيانة) وأنه لم يعد مصريا وصار سعوديا".
وأتبع: "كذلك لا يخفى علينا أن هناك تباينات قوية بين النظامين في القاهرة والرياض حول الإصلاحات الاقتصادية وملف الخصخصة وملكية الجيش في الاقتصاد".
وهو ما أشار إليه من قبل وزير المالية السعودي محمد الجدعان، وتبناه أديب نفسه في حلقات برنامجه.
وكان الجدعان قال في يناير، في اجتماع سنوي للنخبة السياسية والاقتصادية بالعالم في دافوس بسويسرا،: "اعتدنا تقديم منح وودائع مباشرة دون قيود ونحن نغير ذلك. نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول إننا بحاجة إلى رؤية الإصلاحات على أرض الواقع".
وأوضحت صحيفة نيويورك تايمز مطلع أبريل/نيسان أن تصريحات الجدعان أدت إلى اندلاع حرب كلامية بين خبراء سعوديين ومصريين، يغذيها قلق مصر من اعتمادها المتزايد على دول الخليج الأكثر ثراءً، مثل السعودية والإمارات.
وبالتالي فنستطيع القول إن عمرو أديب هو سلاح إعلامي قوي في يد الرياض، وفي حال الخلاف سيستخدم ضد القاهرة، بحسب تقديره.
وأشار إلي أن حدة تلك الخلافات وإن خفتت ظاهريا، فقد جعلت السعودية تمنح رجلا مثل أديب جنسيتها وهو أمر نادر وربما غير مسبوق إطلاقا تجاه إعلامي مصري.
وهي خطوة تشير إلى حجم التحولات في بنية الإدارة الحاكمة في المملكة، وإلى خطورة التماس مع مصر في تلك المرحلة، بحسب تقدير مجدي.
ورأى أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منح أديب بالجنسية الحماية المطلقة، فصار من الصعب إسكاته أو إخضاعه من قبل أجهزة الأمن أو المخابرات في مصر.
واختتم: "فكان الحل لديهم أن يشنوا حملة قوية عليه تنتزع منه مصريته، وتشكك في وطنيته، كحل لكبح جماحه واغتياله معنويا والتقليل من أثره على الجماهير".