تكساس تقف ضد بايدن وسط أحاديث عن قرب حرب أهلية.. ما السيناريوهات المحتملة؟
تزايدت الدعوات لإعلان استقلال ولاية تكساس عن الولايات المتحدة الأميركية بعد قرار المحكمة العليا في 22 يناير/ كانون الثاني 2024 بالانحياز إلى إدارة الرئيس جو بايدن بشأن نزاع حول جدار حدودي سلكي، يرفضه بايدن وتصر عليه الولاية لمنع المهاجرين من التدفق عليها.
القصة بدأت بوضع تكساس أسلاكا شائكة على طول 30 ميلا من الحدود مع المكسيك لمكافحة الهجرة غير النظامية، وهو ما اعترضت عليه إدارة بايدن ولجأت للمحكمة العليا التي أمرت بإزالة الأسلاك الشائكة، لكن تكساس رفضت التنفيذ.
وأصدرت إدارة بايدن إنذارا لحاكم ولاية تكساس، غريغ أبوت، انتهى في 26 يناير، بعدم عرقلة قيام القوات الفيدرالية بإزالة السور الشائك، لكنه حشد الحرس الوطني للولاية ضد القوات الفيدرالية ومنعها من تنفيذ القرار الرئاسي وحكم المحكمة.
أهالي تكساس يقولون إنهم يتضررون من الهجرة غير النظامية عبر الحدود مع المكسيك ويريدون منعها، لكن برنامج حكومة بايدن يسمح بهذه الهجرة، لهذا قرروا التصدي للحكومة الفيدرالية "ولو بالقوة" وحشدوا الحرس الوطني.
تفاقمت الأزمة أكبر، وتضامن حكام 25 ولاية أخرى مع تكساس، وقرروا إرسال قوات الحرس الوطني لكل ولاية لدعمها، ما يهدد ليس فقط بانفصال تكساس ولكن بحرب أهلية تعيد أميركا إلى عصورها القديمة.
تطورات الأزمة
ولأن ولاية تكساس كانت جزءا من المكسيك (من عام 1821 حتى 1836) ثم استقلت وانضمت للولايات المتحدة، فقد تحملت استقبال ملايين المهاجرين غير النظاميين القادمين من المكسيك ودول لاتينية أخرى بفعل الفقر والحرب.
ومع تزايد الأوضاع سوء في أميركا اللاتينية وتزايد تدفق اللاجئين، كشف حاكم ولاية تكساس أن 6 ملايين عبروا حدود الولاية بطريقة غير قانونية خلال السنوات الـ3 الماضية، وسعى لبناء جدار من الأسلاك الشائكة.
وكان الرئيس السابق دونالد ترامب، دخل في مشاكل مع الكونغرس الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون، حين كان في السلطة، للحصول على تمويل لبناء جدار في تكساس، وفشل وغادر الحكم.
لكن حاكم تكساس استمر في بناء أسوار شائكة حول الأنهار التي يتدفق منها المهاجرون خاصة منطقة "إيغل باس"، بعد أقل من شهرين من تنصيب بايدن (مارس/ آذار 2021) بحجة مكافحة "تهريب الأشخاص والمخدرات" إلى ولايته.
وعقب هزيمة ترامب، وفوز بايدن في انتخابات الرئاسة 2020، ولأن برنامج الأخير يرفض هذا الجدار الحدودي، دخل في مشكلات مع حاكم تكساس، وهو من الحزب الجمهوري.
واستمر حاكم تكساس في مارس 2023 في نشر 60 ميلا من الأسلاك الشائكة على طول الحدود، كما وضع عوامات كحواجز لمنع المهاجرين من دخول الولاية عبر النهر، لكن بايدن أصدر أوامره للقوات الفيدرالية بإزالة أجزاء من السور.
ووفق شبكة "سي إن إن" الأميركية في 27 يناير 2024 يتمحور الخلاف بين حاكم تكساس وإدارة بايدن حول من له السلطة على هذا الجزء من الحدود مع المكسيك.
المدعي العام في تكساس، كين باكستون، رفع دعوى قضائية ضد إدارة بايدن في أكتوبر 2023 بسبب إزالة العملاء الفيدراليون السلك الشائك لإنقاذ المهاجرين المعرضين للخطر.
وقال في دعواه القضائية، إن ذلك يعد تدميرا لممتلكات الدولة، مقابل مساعدة المهاجرين في العبور للولاية، ما يقوض الأمن.
محكمة الاستئناف الاتحادية أمرت في ديسمبر/ كانون الأول 2023 عملاء حرس الحدود بوقف قطع الأسلاك الشائكة، أثناء سير إجراءات المحكمة، وقدمت وزارة العدل طلبا طارئا، تطلب فيه من المحكمة العليا إلغاء هذا القرار.
استعداد للحرب
تصاعد الخلاف في 10 يناير 2024 حين منعت سلطات تكساس حرس الحدود الفيدراليين من الوصول إلى منطقة "إيغل باس"، والتي شهدت ارتفاعا في عبور المهاجرين، وغرق فيها طفلان وامرأة من المهاجرين بسبب هذه الأسلاك.
No Border Patrol in this video cutting wire. Hmmm….looks like just State trooper and Texas Army National Guard. pic.twitter.com/Rf9HfqXSLS
— Randy Clark (@RandyClarkBBTX) January 20, 2024
تدخلت السلطات الفيدرالية وبدأت تقص أو تزيل أجزاء من هذه الحواجز باعتبار أنها أقيمت بشكل غير قانوني، وهي المسؤولة عن الحدود لا تكساس.
لكن في 25 يناير 2024 قررت المحكمة الفيدرالية العليا بأغلبية 5 مقابل 4، السماح للمسؤولين الفيدراليين بقطع أو إزالة أجزاء من حاجز الأسلاك الشائكة الذي أقامته ولاية تكساس على طول الحدود مع المكسيك.
رفض حاكم تكساس الامتثال لقرار المحكمة العليا، وأصدر بيانا أعلن فيه عن نيته تحدي أمر المحكمة، مشيرا إلى "حق ولايته في الدفاع عن النفس" ضد المهاجرين الذين يعبرون الحدود.
وبدأ يصف الرئيس بايدن بأنه "غير شرعي" ويقول إن "ولايته تحت الاحتلال"، واعتبر أن من حق تكساس "الدفاع عن نفسها" بما تمتلكه من قوات، واتهم الحكومة الفيدرالية بـ"انتهاك الاتفاق بين الولايات المتحدة والولاية".
وقال أبوت: "مستعدون للحرب مع إدراة بايدن، بدعم الحرس الوطني من 10 ولايات أخرى".
فيما وجهت وزارة الأمن القومي إنذارا لولاية تكساس بمنحها "الوصول الكامل" إلى الحدود في مهلة تنتهي في 26 يناير، لكن تكساس رفضت وقالت إنها ستستمر في منع القوات الفدرالية من الوصول للحدود.
وقامت بنشر قوات الحرس الوطني على الحدود لتمنع المهاجرين والقوات الفيدرالية على حد سواء من الوصول إلى منطقة الحدود.
وكتب حاكم ولاية تكساس، عبر منصة "إكس" في 27 يناير، يقول إنه سيواصل "ممارسة حق تكساس الدستوري في حماية حدودنا الجنوبية والدفاع عنها".
Texas will continue to exercise its constitutional right to protect and defend our southern border.
In President Biden's absence, we will hold the line to keep Texans—and Americans—safe.https://t.co/OKLN3Ql1Qk— Greg Abbott (@GregAbbott_TX) January 26, 2024
وحرض ضد بايدن، قائلا إنه "في غياب الرئيس سنتمكن من الحفاظ على سلامة سكان تكساس والأميركيين".
انفصال أم حرب
مع تصاعد الصراع بين حاكم تكساس وإدارة بايدن، وتهديد بعض المنظمات المحلية في تكساس بالانفصال عن الولايات المتحدة، أثيرت مخاوف من احتمالات ليس فقط سعى الولاية للانفصال معتمدة على ثروتها النفطية الكبيرة.
ولكن أيضا عودة الولايات المتحدة الأميركية إلى مرحلة الحرب الأهلية، وتكرار لهذه الحرب الذي اندلعت بين الشمال (الاتحاديين) والجنوب (الانفصاليين) قبل نحو 164 سنة.
آنذاك، قررت 11 ولاية جنوبية، الانفصال عن الولايات المتحدة وتشكيل الولايات الكونفدرالية (كارولاينا الجنوبية والشمالية ومسسبي وفلوريدا وألاباما وجورجيا ولويزيانا وتكساس وفرجينيا وأركنساس وتينيسي).
وزاد من توقعات اتساع الأزمة من مجرد انفصال محتمل، إلى حرب أهلية جراء تضامن حكام 25 ولاية أخرى يحكمها "جمهوريون" بالتوقيع على خطاب يعربون فيه عن دعمهم لتكساس ضد حكم المحكمة الفيدرالية والرئيس بايدن.
وهو ما أثار مخاوف لدى الكثيرين بشأن حرب أهلية أميركية جديدة، تحدث عنها العديد من الشخصيات الإعلامية من اليمين المحافظ، أمثال تيرينس ويليامز، وكارمين سابيا، وغراهام ألين.
وقالوا إن "حربا أهلية قد تكون جارية"، لكنهم ألقوا باللوم على بايدن.
FREEDOM FOR TEXAS
Viva Free Texas Army - FTA ✌️✌️✌️#texasbordercrisis #Texas #TexasNationalGuard #texasbordercrisis pic.twitter.com/OOvsd4oHAj— MICHAIL KLIN (@artemis_klin) January 26, 2024
إلا أن تحليلات أميركية أخرى ترى أن تصاعد الخلاف بين ولاية تكساس وإدارة بايدن بخصوص الهجرة غير النظامية من أميركا اللاتينية قد لا يرقى لمستوى انفصال تكساس أو حرب أهلية قادمة.
وقالت إن كل ما يجري ليس سوى خلاف بين رئيس "ديمقراطي" وحاكم تكساس "الجمهوري"، شارك فيه 25 حاكم ولاية من الحزب الجمهوري، وربما أوعز لهم ترامب بإثارة المشكلات لإدارة بايدن.
وتقول مجلة "نيوزويك" الأميركية في 26 يناير أن ولاية تكساس "تريد الانفصال عن الولايات المتحدة بسبب معارضتها للهجرة غير النظامية والتي يعتبرونها (غزوا)".
وذكرت المجلة أن "أهل تكساس دشنوا وسم باسم TEXIT يدعون فيه بشكل مكثف للانفصال حتى أصبح ترندا على مواقع التواصل الاجتماعي".
واعتبرت أن "إمكانية انفصال تكساس غير مستبعد، لأنه أمر منصوص عليه في دستور الولاية، وقد تنضم معها بعض الولايات التي تؤيدها مثل (فلوريدا، أوكلاهوما، أركنسا، مونتانا) لتكوين اتحاد سياسي منفصل مكون من 5 ولايات مع تكساس".
إرهاصات تاريخية
فيما تقول صحيفة "تكساس ترابيون" في 15 نوفمبر 2023 إن الحركة من أجل استقلال تكساس "ليست جديدة".
ففي تسعينيات القرن العشرين، زعمت مجموعة تدعى "جمهورية تكساس" أن الولاية لم يتم قبولها بشكل قانوني في الولايات المتحدة، وبالتالي فهي لا تزال "أمة خاصة بذاتها" أي منفصلة.
وبلغت هذه الحركة ذروتها عام 1997 حين دخلت في مواجهة استمرت أسبوعا بين الشرطة وزعيم انفصالي، هو ريتشارد ماكلارين، زعم أن ولاية تكساس قد تم ضمها بشكل غير قانوني من قبل الحكومة الفيدرالية، وقام باحتجاز رهائن.
وفي عام 2005، أنشأ دانييل ميلر، وهو مستشار تقني مقيم في هولندا ومن الجيل السادس من تكساس، "حركة تكساس القومية"، بهدف تعزيز القضية الانفصالية عبر وسائل أكثر سلمية.
ومنذ ذلك الحين، أصبح وجها للحركة، مجادلا بأن ولاية تكساس "يجب أن تتحرر من القبضة الخانقة التي تفرضها عليها الحكومة الفيدرالية وأنصار العولمة الذين نكرههم".
ويقول ميلر إن تكساس هي "أمة بلا دولة"، لا تختلف عن الأكراد، المجموعة العرقية التي موطنها الأصلي سوريا وتركيا والعراق في العصر الحديث والتي سعت لسنوات إلى إقامة دولة مستقلة.
واستمرت هذه الحركة في اكتساب المزيد من الزخم وسط تزايد الاستقطاب السياسي وانعدام الثقة في المؤسسات الأميركية.
وتضم صفحة "حركة تكساس القومية" على فيسبوك حاليا 210 آلاف متابع، كما أن قائمة طويلة من شخصيات الحزب الجمهوري في تكساس إما أيدت الحركة أو غازلت أفكارها.
ترامب يشعلها
وبعد إعلان حكام 25 ولاية، دعمهم تكساس، أشعل ترامب الموقف بتوجيه نداء عبر منصته للتواصل الاجتماعي إلى جميع الولايات بإرسال حرسها الوطني لحدود تكساس لـ"حمايتها من قوات بايدن".
وقال إنه حين يعود رئيسا سيرسل لتكساس "تعزيزات لمنع المهاجرين من دخول البلاد لا الجيش الفيدرالي كما يفعل بايدن ليفتح الحدود".
وزاد الأمر اشتعالا إصدار حكام 10 ولايات بيانات حول عزمهم إرسال قوات لدعم تكساس، التي تحدى حاكمها الرئيس بايدن حال اندلعت حرب بين القوات الاتحادية وقوات الدولة على الحدود بالقول إنهم "مستعدون وينشرون قواتهم".
Several other red states, such as Florida and Oklahoma, have said they will stand by Texas in fighting against Biden's border policies.
Federal mandates are enforced by the US Army, BUT the National Guard serves the State.
Things are getting concerning... pic.twitter.com/SOoKc6CleM— Truthwins (@ultrafreedom777) January 25, 2024
وحذر أستاذ القانون في جامعة جورج ماسون، إيليا سومين، في تصريح لصحيفة "واشنطن بوست"، من أن منع الولاية، السلطات الفيدرالية من دخول المنطقة "يزيد من خطر حدوث مواجهة مسلحة"، وسط أنباء عن تدفق معدات عسكرية للمنطقة.
واتهم المتحدث باسم البيت الأبيض، أنجيلو فرنانديز هيرنانديز، حاكم الولاية، "باستخدام حركات سياسية متطرفة تجعل من الصعب على عملاء حرس الحدود القيام بعملهم، وأنه يسعى فقط إلى تسييس الحدود".
ومع تصاعد الأزمة بين حاكم تكساس وإدارة بايدن، بدأ أعضاء الحزب الجمهوري يحتشدون للدفاع عن أبوت في المواجهة الحدودية مع البيت الأبيض، بحسب صحيفة "تكساس ترابيون" في 25 يناير 2024.
وأيد جميع حكام الولايات الجمهوريين، باستثناء حاكم واحد، وهو فيل سكوت من ولاية فيرمونت، علنا خطوة حاكم تكساس بتحدي بايدن والمحكمة الفيدرالية.
وقالت جمعية الحكام الجمهوريين عبر بيان إنها تدعم أساليب أبوت "في استخدام كل أداة وإستراتيجية، بما في ذلك الأسوار الشائكة، لتأمين الحدود".
ومع قيام ترامب والحكام الجمهوريين بالتصعيد في مواجهة إدارة بايدن، تزايدت المخاوف من نشوب حرب أهلية تعصف بالبلاد.
وتواجه المدن الأميركية على الحدود مع المكسيك والتي يبلغ طولها 3100 كيلومتر، تدفقا كبيرا لمجموعات المهاجرين.
وقالت شرطة الحدود إن عدد المهاجرين بلغ في الأشهر الأخيرة من عام 2023 نحو 10 آلاف يوميا.
ويستخدم الجمهوريون قضية الهجرة باستمرار لمهاجمة خصومهم من الحزب الديمقراطي، ومن المتوقع أن تزداد حدة هذه الانتقادات مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.