أسطول البحرية الصينية يتوسع كما ونوعا.. ما التداعيات على أميركا؟

حاملة الطائرات الصينية الجديدة من طراز تايب 003
تواصل قوات البحرية الصينية تعزيز أسطولها وقدراتها كما ونوعا، مما يشكل تهديدا ملموسا لنظيرتها الأميركية التي تعد الأقوى في العالم.
ورصد "معهد تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي تاريخ ومستوى تطور البحرية الصينية وكذلك توسعها وطموحاتها، منوها بالنمو الكمي والنوعي السريع للغاية في السنوات العشرين الماضية بفعل الاستمرار بتطوير قدراتها.
حاملة طائرات جديدة
كانت آخر النشاطات، مغادرة حاملة الطائرات الجديدة الصينية "فوجيان" حوض بناء السفن في جيانغنان في شنغهاي في الأول من مايو/أيار 2024، لبدء التجارب البحرية قبل تسليمها إلى بحرية جيش التحرير الشعبي.
وقال المعهد الإيطالي إن "حاملة الطائرات الجديدة من طراز تايب 003، تشكل قفزة نوعية في الجودة مقارنة بالحاملات السابقة لياونينغ تايب 001 التي دخلت الخدمة في عام 2012، وشاندونغ، طراز تايب 002 التي دخلت الخدمة في 2019".

وبطول 315 مترًا وعرض 73 مترا وإزاحة حمولة كاملة تقدر بما يتراوح بين 80 و90 ألف طن، تعد فوجيان أول حاملة طائرات صينية تستخدم نظام CATOBAR ومنجنيق الإطلاق الكهرومغناطيسي (EM).
وقال محللون في مركز الأبحاث CSIS ومقره واشنطن إنه يتوقع أن تتميز فوجيان بأنظمة إقلاع أكثر تقدما تسمح للقوات الجوية الصينية بنشر طائرات ذات حمولات أكبر وتتسع لمزيد من الوقود.
وأضافوا أن "السفينة معدة لتوفير أكبر مساحة قتالية في بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني والارتقاء بالقدرات البحرية الصينية على نحو كبير".
بدوره، أكد المعهد الإيطالي أن "فوجيان تجسد طموحات البحرية الصينية والبلد بأكمله من حيث القوة البحرية وإسقاط القوة".
وأشار إلى أن بحرية بكين كانت قد شرعت خلال السنوات العشرين الماضية في تعزيز القدرات نوعا وكما، مما أدى إلى منافستها للبحرية الأميركية قبل أن تتفوق عليها من الناحية العددية عام 2020.
ويعود تاريخ بداية صعود بحرية بكين إلى عام 1982 عندما عين الزعيم الإصلاحي الأسبق دنغ شياو بينغ، الأدميرال ليو هواكينغ في منصب قيادة القوات البحرية.
وكان الأخير قد روج في الخمسينيات لتعزيز البحرية الصينية لمواجهة تهديد نظيرتها التايوانية.
صعود لافت
وعلى مدى العقود الثلاثة التالية، اقتصرت مهام القوات البحرية على الدفاع الساحلي الخالص ودعم عمليات الجيش في مواجهة الغزو السوفيتي.
وفي عام 1985، لفت ليو انتباه دنغ إلى نظرية "الدفاع في أعالي البحار" الجديدة، مقترحا توسيع النفوذ الصيني على السواحل المطلة على البحار الثلاثة الكبرى المحيطة بالبلاد (بحر الصين الجنوبي والبحر الأصفر وبحر الصين الشرقي).
وذلك بغاية السيطرة عليها واستغلال الثروة السمكية وموارد الطاقة وجعلها ممرا آمنا لمبادلاتها التجارية.
كما خطط لتوسيع سيطرة البحرية الصينية إلى ما هو أبعد من "سلسلة الجزر الأولى" (جزر الكوريل واليابان وجزر ريوكيو والفلبين وإندونيسيا) لتشمل بحر الفلبين.
والذي يحد بدوره "السلسلة الثانية" التي تمتد من جزر الكوريل إلى إندونيسيا، مرورا باليابان وجزر بونين وماريانا وبالاو.
فيما انطوت الخطوة الأخيرة والتي أعلنت صعود الصين كقوة بحرية عالمية، على دفع النفوذ الصيني إلى مناطق بعيدة مثل هاواي وأستراليا وبالتالي بلوغ "سلسلة الجزر الثالثة".
لاحظ المعهد الإيطالي أن مفهوم "سلسلة الجزر" شكل الأساس للتفكير الإستراتيجي لبكين على مدى السنوات الأربعين الماضية، وأيضا الأساس الذي أعاد عليه القادة السياسيون العسكريون في بكين بناء القوات المسلحة الصينية.
وانطلاقا من عام 1993 تقرر عدم نشرها على الحدود الشمالية حيث لم يعد الجيش الصيني مضطرا لمواجهة أي تهديد حقيقي من روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي.
وجرى توجيهها إلى المناطق البحرية القريبة من الصين وحول تايوان التي اندلعت بسببها أزمة دبلوماسية بين الأميركيين والصينيين في الفترة 1995-1996 عرفت باسم أزمة مضيق تايوان الثالث.
نقاط الضعف التي لاحت على القدرات العسكرية الصينية في أشهر التوتر تلك، دفعت حكومة بكين إلى البدء في التعزيز الملموس للبحرية على أساس الأسس النظرية التي جرى تطويرها على مدى السنوات السابقة من خلال شراء السفن الحربية وجلب التقنيات الأجنبية، وفق المعهد.
وبالتزامن مع ذلك، شرعت في بناء السفن البحرية "التجريبية" الجديدة والتي جرى تحديث تصميمها باستمرار. وقد سمح ذلك للبحرية الصينية وأطقمها بتجميع خبرات تصميمية وتشغيلية.
أولويات الصين
وانتهت المرحلة الأولى من عملية تعزيز قدرات البحرية الصينية عام 2011 مع بدء التجارب البحرية لأول حاملة طائرات ترفع العلم الصيني، لياونينغ المذكورة آنفا.
وفي العام نفسه، تسبب اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا في حدوث "زلزال حقيقي" على مستوى القيادة السياسية العسكرية في بكين التي واجهت فجأة تحديا كبيرا تمثل في إجلاء 36 ألف مواطن صيني من بلد يقع على بعد آلاف الأميال.
لذلك ركز الكتاب الأبيض للدفاع الصيني الذي نُشر عام 2013 مباشرة بعد صعود الرئيس شي جين بينغ إلى السلطة على المصالح العالمية التي باتت تمتلكها البلاد ووجبت حمايتها وعدها أولوية للجيش الصيني وخاصة للبحرية.

وتتلخص الفكرة التي أوضحها الكتاب في منح الصين أداة قادرة على العمل في جميع أنحاء العالم من أجل حماية مصالحها ومواطنيها وبالتالي تجاوز الحواجز الجغرافية والحدود التي فرضتها "سلسلة الجزر".
ولهذا، سرعت البحرية الصينية خلال العقد الماضي عملية تعزيز أسطولها وقدراتها ومنحت أولوية خاصة لقدرات استعراض القوة (حاملات الطائرات والطيران البحري والقوات البرمائية) وبناء قواعد بحرية جديدة غرب مضيق ملقا، على غرار القاعدة في جيبوتي.
في الوقت نفسه، سرعت البحرية إدخال فئات جديدة من السفن الحربية جرى هذه المرة بناؤها بأعداد كبيرة بفضل الخبرة المتراكمة.
وبذلك حققت بحلول عام 2024 نموا كميا ونوعيا كبيرا وباتت تملك القدرة على تشكيل تهديد ملموس إلى حد ما لكل من القوات البحرية المجاورة ولأقوى بحرية في العالم أي تلك التي تمتلكها الولايات المتحدة الأميركية.
إلا أن الأخيرة لا تزال تحتفظ، بحسب المعهد الإيطالي، بتفوق كبير تستمده خاصة من المشاركة في العمليات الحربية في جميع أنحاء العالم ما يسمح لها بتراكم الخبرات والمعلومات ذات الأهمية الأساسية في الاستعداد لحروب المستقبل.
وعلى العكس من ذلك، يلاحظ المعهد البحثي أن نظيرتها الصينية تفتقد في الوقت الحالي إلى هذه القدرات لا سيما وأنها لم تُختبر قط خلال صراع حقيقي.
لذلك يستنتج "أن المستوى الحقيقي لكفاءتها وفعاليتها يظل مجهولا لا سيما أن التاريخ أكد أن بناء بحرية قوية لا يعني فقط إنشاء السفن الحربية بوتيرة سريعة".