اتفاقية الرياض وإسلام أباد.. تترنح بين ردع إسرائيل والمجاملة الدبلوماسية

شدوى الصلاح | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في خطوة تمهد لاحتمالية ميلاد محور ردع جديد في المنطقة وتفتح الباب أمام تعاون إستراتيجي غير مسبوق في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وقع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، اتفاق دفاع إستراتيجيا مشتركا بين البلدين.

وأفاد بيان مشترك للبلدين نقلته وكالة الأنباء السعودية "واس" في 17 سبتمبر/أيلول 2025، بأن الاتفاقية "تأتي في إطار سعي البلدين لتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم، والتي تهدف إلى تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء".

وتنص الاتفاقية على أن "أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما". وفق البيان.

وأكد أن الاتفاقية "تأتي انطلاقا من الشراكة التاريخية الممتدة لنحو 8 عقود، بين السعودية وباكستان، وبناء على روابط الأخوة والتضامن الإسلامي، واستنادا إلى المصالح الإستراتيجية المشتركة، والتعاون الدفاعي الوثيق بين البلدين".

وصرّح وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف، بأن قدرات بلاده النووية يمكن أن تُستخدم في إطار اتفاقية الدفاع الإستراتيجي المشترك التي أبرمتها إسلام آباد مع الرياض، قائلا: إن القدرات النووية المتوفرة لدى باكستان "يمكن أن تستخدم بالتأكيد في إطار هذه الاتفاقية".

وحول احتمال انضمام دول عربية أخرى إلى الاتفاق، قال آصف في تصريحات لقناة "جيو نيوز" الباكستانية: “لا أستطيع أن أقول شيئا مؤكدا الآن، لكن يجب أن أؤكد أن الأبواب مفتوحة”. مؤكدا أن دفاع الدول الإسلامية المشترك عن أراضيها وشعوبها هو "حق أساسي".

وشدد على أن الاتفاقية المبرمة مع السعودية "لا تستهدف أية دولة، وإنما هي لأغراض دفاعية، بحيث يتم الرد بشكل مشترك على أي اعتداء محتمل على البلدين".

وتجدر الإشارة إلى أن توقيع الاتفاقية بين إسلام أباد والرياض، جاء بعد نحو أسبوع من هجوم إسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة، في 9 سبتمبر/أيلول 2025، استهدف اجتماعا لقادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، خلال مناقشة مقترح لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

واحتفت وسائل إعلام سعودية بالاتفاقية وذهبت إلى أنها تمثل "مظلة ردع" تسمح للبلدين باستخدام إمكاناتهما العسكرية دون استثناء وتدخل العلاقات بين البلدين مرحلة أكثر عمقا وتماسكا، وبرز الحديث عن الثقل النووي لإسلام آباد وما تمثله الاتفاقية من إعادة صياغة معادلة الردع الإقليمي.

فيما قال الإعلام العبري: إن الاتفاقية تأتي في الوقت الذي تُشكك فيه دول الخليج في قدرة الولايات المتحدة على توفير ضامن أمني مستقر في المنطقة.

وأعرب ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي عن سعادتهم بالإعلان عن اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان، وفتح الأخيرة مظلتها النووية للمملكة، مؤكدين أن الخطوة "قد تغير معادلات الأمن الإقليمي، وتمنح البلدين ثقلا إضافيا في مواجهة أي تحديات مستقبلية".

وأشادوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي "إكس" و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #السعودية، #باكستان، #الرياض، #إسلام آباد، وغيرها بتصريحات وزير الدفاع الباكستاني، مثنين على انتقال التعاون بين إسلام آباد والرياض إلى مستوى أعمق من الشراكة الإستراتيجية.

وتباينت ردود فعل ناشطين حول الاتفاقية وجدواها، بين من رأى أن مثل هذه التحالفات كافية لردع التهديدات الخارجية وخطوة جيدة وذكية بعد انكشاف الأجواء العربية للعدوان الإسرائيلي وفضح وهم الحماية الأميركية، فيما شكك آخرون في جدواها وعدوا تصريحات باكستان "ذكاء سياسيا". 

السعودية نووية 

وتفاعلا مع التطورات، قال الباحث لقاء مكي، إن الاتفاق مع باكستان يمكن أن يوفر للمملكة قدرة ردع كبيرة بوجه إسرائيل، وهو قطاف استثمار إستراتيجي ناجح في دعم باكستان وبرنامجها النووي.

وتوقع أن تكون هناك تحديات تتعلق بموقف الهند، وعلاقاتها الوثيقة مع إسرائيل، وتغلغلها الكبير في الخليج، سواء بعلاقاتها الأمنية مع بعض الأطراف، أو بالعدد الضخم من عمالتها.

وأشار مكاوي الملك إلى أن السعودية تخطو خطوة جديدة وترتيبات نحو تحالف إستراتيجي مع دولة صديقة لروسيا، وذلك بعد اتفاق الدفاع مع باكستان وفتح منفذ للتسليح الصيني. 

وتساءل: "فكرك ما هي الدولة؟"، مؤكدا نهاية الاعتماد الأحادي على أميركا وبداية عهد متعدد الأقطاب في الخليج والشرق الأوسط.

وقال حيدر الموسوي، إن توقيع ابن سلمان مع باكستان (اتفاقية دفاع مشترك) يعني أن أي عدوان خارجي على إحدى الدولتين ستنضم الدولة الثانية للدفاع عنها.

وأشار إلى أن باكستان تملك قنبلة نووية طورتها بمساعدة السعودية سابقا، هذه القنبلة تحمي الرياض بأياد باكستانية، قائلا: "هذا شغل الدول، ليس الحدائق الخلفية البائسة".

وأشار عبد السميع الداشو إلى أن باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي، وهو ما يمنح اتفاقية الدفاع المشترك بينها وبين السعودية بُعدا إستراتيجيا خاصا.

ولفت إلى أن أبرز بنود الاتفاقية تنص على أن "أي اعتداء على أحد البلدين يُعد اعتداء على كليهما"، مما يعكس التزام الطرفين بالوقوف معا في مواجهة أي تهديد يطال أمنهما المشترك.

وقال محمد موني: إن الاتفاق الذي وقعته السعودية مع باكستان يعني بكل بساطة أن باكستان نشرت أسلحة نووية على أرض المملكة لضمان أمنها، مضيفا: "بعبارة أخرى السعودية اشترت القنبلة النووية".

ورأى ماجد ضيف الله، أن المملكة باتفاقها مع باكستان حول الدفاع المشترك ستقلب الخارطة الجيوستراتيجية، قائلا: "أضف ذلك اتفاقية الدفاع المصري التركي المشترك". 

وتوقع أن الاتفاق السعودي الباكستاني سيجعل أميركا تراجع حساباتها جيدا في تعاملاتها مع الدول العربية وتغيير النظرة الاستعلائية.

تحليلات وقراءات

وفي تحليلات وقراءات للاتفاقية، قال معين الكسواني: إذا كانت المظلة النووية التي حصلت عليها السعودية من الباكستان من خلال اتفاقية الدفاع المشترك تحسبا من امتلاك إيران سلاحا نوويا في القريب العاجل فهذا يعني عدم الثقة بأميركا وحمايتها.

وأضاف أن الاتفاقية إذا كانت نتيجة لسماح أميركا لإسرائيل بقصف قطر فكذلك الأمر يعني انهيار ثقة السعودية بأميركا، مؤكدا أن في كل الحالات هذه الاتفاقية ممتازة فالسعودية هي مجلس التعاون الخليجي وربما تستطيع سحب أعضاء منه لهذا الاتفاق وربما أطراف عربية أخرى.

وأشار الكسواني إلى أن “السعودية في كل الأحوال دولة حقيقية وهي أهم دولة في المشرق العربي والوحيدة التي تملك القدرة على المناورة وعلى اتخاذ سياسة مستقلة، حتى إن السعودية تستطيع شراء قنبلة نووية من باكستان بمعنى أنها تمتلك مظلة نووية سعودية هذا ممكن”. 

وتوقع أن "التعاطي الأميركي مع المنطقة إذا لم يستدرك، ربما تخرج دول عربية من تحت عباءة أميركا، فمن غير المعقول عدم مراعاة الحلفاء العرب والاهتمام فقط بإرضاء إسرائيل والتماهي معها بسياسات تهدد أنظمة حكم عربية تحالفت مع أميركا من أجل الحماية".

وبشر أحمد جنداوي، بأن التوجه نحو باكستان سيعلن ميلاد حلف جديد قريبا بين (الدول الإسلامية والعربية) و(باكستان)، مشيرا إلى أن كل الأنظار كانت تتجه إلى الصين وروسيا، ولكن الأحقية ستكون لباكستان الإسلامية النووية، والجميع سيشكل حلفا كبيرا تقوده (الصين وروسيا) بديلا للهيمنة الأميركية في المنطقة.

وعد أستاذ العلوم السياسية عبدالله الشايجي، الاتفاقية المشتركة "ضربة معلم تغير قواعد اللعبة" وتفرض توازن ردع في المنطقة- وتضعها تحت مظلة القدرات والسلاح النووي الباكستاني وتكسر احتكار النووي الإسرائيلي، وترسل رسائل لمن يعنيهم الأمر في المنطقة والشرق والغرب.

وتحدث محمد وزان عن الانعكاسات الإقليمية للاتفاقية المشتركة بين إسلام أباد والرياض، مؤكدا أن الخطوة تعد "رسالة قوية في وجه أي تهديد خارجي"، خصوصا في ظل الاعتقاد إن "إسرائيل" هي القوة النووية الوحيدة في المنطقة.

وتوقع أن الخطوة يمكن أن تشكل بداية لتحالف أوسع لو انضمت دول عربية أو إسلامية، مما يفتح الباب أمام محور ردع جديد، مؤكدا أن الاتفاقية ترسخ فكرة أن الخليج وآسيا الجنوبية يتحركون لإعادة صياغة أمنهم بعيدا عن المظلة الأميركية.

وأوضح وزان أن المشهد الراهن يظهر أن السعودية لأول مرة تحت حماية نووية معلنة، وباكستان تلوّح بخيار يغيّر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.

خطاب ذكي

وإشادة بتصريح وزير الدفاع الباكستاني بأن البرنامج النووي سيكون متاحا للسعودية إذا دعت الحاجة بموجب اتفاق الدفاع الجديد، قال حسن فضل الله حميدان، إن التصريح الباكستاني خطاب ذكي، يفتح الباب أمام إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة.

وأضاف أن التصريح يقرأ على أنه ورقة ردع ورسالة سياسية متعددة الأبعاد ملوحة لإيران وإسرائيل بأن السعودية ستعتمد على المظلة النووية الباكستانية، ورسالة ضغط على الغرب خاصة أميركا بأن أمن السعودية قد يجد بدائلا خارج الغطاء الأميركي.

وأكد حميدان، أن التصريح يعني توظيف باكستان لقدراتها النووية لتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية.

وعرض عبدالله بن سالم، تصريح وزير الدفاع الباكستانيين قائلا إنها خطوة تاريخية تعكس قوة التحالف وترسم ملامح توازن جديد في المنطقة.

وأكد أحمد العبدلي، أن تصريح وزير الدفاع الباكستاني "ليس مجرد جملة عابرة، بل رسالة إستراتيجية للعالم بأسره، أن السعودية ليست وحدها، وأن أمنها القومي محمي بتحالفات صلبة تمتد من عمق الخليج إلى قلب باكستان النووية".

وأشار إلى أن تحالف السعودية وباكستان "ليس وليد اللحظة، بل جذور من الثقة والدم، واليوم يتأكد أنه قادر على إعادة رسم ميزان القوى الإقليمي والعالمي".

ورأى محمد العنتبلي، أن توقيع اتفاق دفاع مشترك بين السعودية وباكستان وما تبعه من تصريحات لوزير الدفاع الباكستاني، "خبر هز الخريطة السياسية والعسكرية في المنطقة"، مؤكدا أن "هذا الكلام ليس مزحة ولا غرض انتخابي وإنما قفلة لعبة ورفع رهان معنوي وسياسي".

وقال: "لو حصل إسناد نووي محتمل تحولت أي مواجهة من أزمة إقليمية لصدام عالمي بمخاطر لا حد يقدر يتحملها"، موضحا أن وجود سلاح نووي تحت مظلة تحالف إسلامي معناه ردع أقوى، لكنه يعني أيضا تصعيد كبير في الخطوط الحمراء أمام أميركا والغرب والدول الإقليمية الأخرى.

وأضاف العنتبلي: "القيود الواقعية تفصل بين الكلام والتنفيذ لأن في قواعد أميركية في الخليج وده عنصر ضغط جبار، بمعنى أن التحالف ممكن يشتغل كقوة ردع معنوية وإستراتيجية تخلي إسرائيل وأميركا يعيدوا حساباتهم قبل أي خطوة، لكن المواجهة المفتوحة ستكون لها ثمنا باهظا جدا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا".

وخلص إلى أن "هذا التحول يقلق القوى العالمية ويمكن أن يعيد رسم موازين القوة ولكن ليس بين يوم وليلة"، مشيرا إلى أن الخريطة العسكرية والسياسية في المنطقة "أصبحت أخطر وأعلى لهيبا من أي وقت سبق".

ونصح العنتبلي، بمتابعة الأوضاع وتقوية القدرات و"فهم أن الردع هو الذي يحمي وليس التصعيد، وأن هذا وقت حسابات كبيرة جدا ولا يوجد مكان للاندفاع السريع".

مجاملة سياسية

في المقابل، شكك ناشطون في جدوى الاتفاقية المشتركة بين الرياض وإسلام آباد، وتساءل خالد الفيصل، عن ضمانات التزام الطرفين "السعودية وباكستان" بالاتفاقية الأخيرة تجاه الآخر.

وأكد أن باكستان لا تخرج عن الصورة التي ترسمها لها أميركا التي "إسرائيل" هي إحدى ولاياتها، متسائلا: "ألم يرفض برلمان باكستان إرسال جنود إلى السعودية أثناء عاصفة الحزم!".

وقال حازم خاطر، إن الكلام الذي قاله وزير الدفاع الباكستاني عن أن سلاحهم النووي سيبقى متاحا للسعودية "شكله حلو على الورق لكن الواقع غير كده تماما". 

وأشار إلى أن "أميركا ذاتها لم تستخدم القنبلة النووية إلا حين ضربت في عقر دارها في بيرل هاربر رغم أن هتلر كان مولع أوروبا كلها، ورغم ذلك لم يفكر أحد أن يضرب نووي غير حين مس الأمن القومي الأميركي مباشرة".

وأضاف: "باكستان منذ أول يوم وهي تقول إنها عملت السلاح النووي حتى تواجه الهند مش علشان تدخل معارك بالوكالة ولا تحرر فلسطين وافتكروا مقولة زعيمهم ذو الفقار على بوتو قال إنهم مستعدين ياكلوا العشب مقابل أن يبقى عندهم سلاح يردع الهند".

وتابع خاطر: "القوى الكبرى ساعتها سكتت على نووي باكستان حتى يوازنوا قوة الهند لكن عمرهم ما كانوا هيسمحوا أن هذا السلاح يتوجه لإسرائيل أو يتسلم لدولة عربية".

وخلص إلى أن "الحديث عن أن باكستان ممكن تستخدم سلاحها النووي لحماية السعودية مجرد رسائل دبلوماسية ومجاملة سياسية، لكن على أرض الواقع النووي الباكستاني سيفتح ضد الهند فقط".

ووصف محمود علي، اتفاقية الدفاع المشترك بأنها "اتفاقية الكلام الفارع"، قائلا: "بالذمة وبهدوء كده فيه حد عاقل يمكن أن يتصور لو قامت إسرائيل بقصف السعودية مثلما قصفت قطر أن باكستان سترد بقصف إسرائيل نوويا".

وأضاف: "لو كانت السعودية متخيلة أن فيه دوله تورط نفسها في حرب دفاعا عن دولة أخرى باستخدام النووي فدي كارثة ولازم تراجع نفسها 100 مرة، خاصة لما يكون العدو دولة مجرمة مثل إسرائيل تدعمها أكبر دولة مجرمة فى التاريخ وهى أميركا، واللي بتحتل قواعدها طول الخليج وعرضه وتتحكم في مقدراتهم بكبسة زر".