بعدما عشمت الأسد.. لماذا أبقت السعودية ملف الحج والعمرة بيد المعارضة السورية؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

عادت السعودية لإعطاء إشارات دالة على أن قطار التطبيع مع النظام السوري المنطلق منذ مطلع 2023 بعد عقد من القطيعة، يسير ببطء، وليس بالشكل الذي أراده النظام في رحلة البحث عن إعادة تأهيله السياسي.

وفي خطوة مخيبة لآمال حكومة الأسد عقب عودة العلاقات منذ نهاية مارس/آذار 2023 مع الرياض، أبقت الأخيرة ملف تنظيم الحج والعمرة للسوريين بيد الائتلاف السوري المعارض.

حج السوريين

وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت لجنة "الحج السورية العليا" التابعة للائتلاف السوري، عن شروط ومواعيد التقدم بطلبات للصفات الإدارية لموسم 2024.

لتنهي بذلك الجدل الذي أثاره نظام بشار الأسد عن محاولاته لاستلامه ملف الحج والعمرة من يد المعارضة، بعد تطبيع العلاقات مع المملكة.

وحددت اللجنة الشروط العامة والخاصة والتعليمات ومواعيد التقدم بطلبات للصفات الإدارية التالية: (رئيس مجموعة - موجه ديني – معاون – منسق) لموسم الحج 2024.

ويأتي هذا الإعلان بعد إعلان وزارة الأوقاف في حكومة النظام السوري، في 28 أغسطس/آب 2023، عن عقد ورشة عمل بدمشق، بالتعاون بين كل من "وزارة السياحة" والأوقاف والصحة ومصرف سوريا المركزي، وحضور أكثر من 80 مكتبا للحج والعمرة.

وزعمت حينها أن الورشة عقدت "مع عودة خدمات الحج والعمرة بعد غياب طويل جدا، بهدف وضع الضوابط والاشتراطات والآليات الإجرائية لتأطير نشاط الحج والعمرة".

كما توازى ذلك، مع إيقاف السعودية خلال أكتوبر/ تشرين الأول 2023 منح تأشيرة دخول السوريين القادمين من العاصمة دمشق، لأجل أداء مناسك العمرة، بعد أن فتحت باب التسجيل عليها لشهر واحد.

وبحسب موقع "أثر برس" المقرب من النظام السوري، فإن عددا ممن كانوا يتواصلون مع مكاتب سياحية في دمشق "أكدوا توقف منح تأشيرات الدخول إلى السعودية للسوريين" المقيمين داخل مناطق النظام السوري.

ونقل الموقع شهادة مواطنين سوريين حاولوا التواصل مع مكاتب سياحية لحجز مقعد بقصد الذهاب إلى العمرة، إلا أنهم "واجهوا مشكلة في عدم إيجاد حجوزات، مع أنباء تفيد بتوقف إصدار التأشيرة".

وتبلغ كلفة برنامج العمرة لمدة 12 يوما للمقيمين في مناطق النظام السوري (ألف دولار)، إضافة إلى 475 دولارا للحصول تأشيرة عمرة حرة لمدة 3 أشهر بكفالة المكتب السياحي.

بينما تبلغ كلفة برنامج الحج عبر لجنة "الحج السورية العليا" التابعة للائتلاف المعارض نحو 5 آلاف دولار.

وملف تسيير حملات للحجاج السوريين سحبته الرياض من نظام الأسد كدلالة على عدم اعترافها بشرعيته عقب قمع الثورة في مارس 2011، وسلمته منذ عام 2013 إلى "لجنة الحج العليا" التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض.

وتحول ملف الحج إلى يد المعارضة السورية، عندما بدأت "رابطة علماء الشام" بكتابة "مشروع الحج" في مقرها بالقاهرة، وتقديمه من قبل رئيسه آنذاك، أحمد معاذ الخطيب.

لتتم الموافقة عليه من قبل السعودية موسم 2013، وتبدأ مراحل تشكيل "لجنة الحج العليا السورية"، وهي مؤسسة خدمية غير ربحية ومستقلة إداريا، بحسب "الائتلاف".

كما وقعت آنذاك وزارة الحج السعودية اتفاقية مع الائتلاف الوطني السوري لتشكيل لجنة عليا معنية بمهام تيسير إجراءات الحج وإعداد الترتيبات اللازمة لخدمة ورعاية حجاج بيت الله الحرام من السوريين الذين سيؤدون فريضة الحج.

وشملت هذه المهام عمليات التسجيل وتقديم الطلبات من أمناء الأفواج والمرشدين والمساعدين، وإصدار التأشيرات اللازمة والنظامية عبر سفارات المملكة.

فضلا عن فتح مكاتب لها في مناطق شمال غربي سوريا الخارجة عن سيطرة الأسد، وفي الدول العربية التالية العراق، والكويت والإمارات وقطر ولبنان ومصر والأردن، إضافة إلى تركيا.

اللافت أنه في موسم الحج لعام 2023 سمحت المملكة لشخصيات دينية تتبع النظام السوري بالسفر من دمشق لأداء فريضة الحج لأول مرة منذ عام 2013.

وكانت هذه الرحلة لتلك الشخصيات التي انتهجت تغيير الخطاب الديني لصالح الولاء لنظام الأسد رغم الدماء التي سالت على يد قواته وأجهزت مخابراته وآلته العسكرية، مؤشرا مبدئيا على إمكانية إعادة ملف الحج للنظام السوري عقب تطبيع العلاقات مع الرياض.

التوجه السعودي

إلا أن "مرحلة اختبار حسن النوايا" التي أعطتها السعودية لنظام الأسد، كشفت بُعد المسافة بين ترميم العلاقات من جديد كما كانت بالسابق؛ نظرا لعدم تلبية النظام الكثير من شروط المملكة.

ولهذا يشير المراقبون إلى أن الرياض أخيرا خففت من حركة سيرها باتجاه إعادة العلاقة مع النظام السوري، وأبقتها في دائرة قرار وزراء الخارجية العرب في 7 مايو/أيار 2023، بإعادة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية بعد تجميد عضويتها عام 2011، ثم حضور رأس النظام بشار الأسد القمة العربية بمدينة جدة في 19 من الشهر المذكور بدعوة من السعودية.

ورغم أنه جرى افتتاح سفارة النظام السوري في الرياض، مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد أكثر من عقد على إغلاقها، وذلك تنفيذا لقرار البلدين استئناف بعثتيهما الدبلوماسيتين في البلدين، حسبما نقلته وسائل إعلام سورية، إلا أن ملف الحج للسوريين بقي خارج صلاحيات حكومة الأسد.

وأفادت حينها صحيفة "الوطن" الموالية للأسد، بوصول القنصل السوري، إحسان رمان، إلى مقر السفارة السورية في الرياض في حي السفارات بالعاصمة السعودية لاستئناف العمل الدبلوماسي.

إذ حاولت أوقاف النظام السوري الترويج على أنها ستتسلم ملف الحج لعام 2024، وذلك تتويجا لعودة العلاقات مع السعودية.

فقد قال مدير الحج في وزارة الأوقاف التابعة لنظام الأسد، حسان نصر الله، إن الحج سيكون بدءا من عام 2024 بيدهم، وفق ما نقلت عنه صحيفة "الوطن" الموالية في 24 مايو 2023.

وأرجع نصر الله ذلك، "لأن عودة العلاقات مع السعودية كانت قبل وقت حج عام 2023 بفترة وجيزة، وهي غير كافية لمثل هذه الترتيبات التي تحتاج إلى تحضير واجتماعات مسبقة مع الجانب السعودي".

لكن إبقاء الرياض ملف حج السوريين بيد تنظيم المعارضة السورية، يعيد السعودية وفق الخبراء إلى الوقوف بالمنتصف من الملف السوري.

وفي هذا الإطار، أكد الباحث السوري يونس الكريم، لـ"الاستقلال"، أن "فشل تطبيع النظام السوري مع السعودية نتيجة لعدم التزامه بالشروط التي وضعتها المملكة".

وأضاف الكريم قائلا: "لقد لجأت السعودية نتيجة الضغط الصيني والإيراني حول العلاقة مع النظام السوري جرى افتتاح سفارة النظام السوري بالرياض".

وأوضح أن "سحب تنظيم الحج للسوريين من يد المعارضة السورية كان أحد مطالب نظام الأسد من السعودية، لكن بالمقابل إبقاء تنظيم هذا الملف بيد المعارضة يعني إبقاء الباب مواربا من المملكة أمام نظام الأسد".

بمعنى عدم إغلاق الباب بوجهه بشكل كامل وإبقاء قناة للتواصل مع الرياض في حال استعداد النظام لتطبيق شروط السياسة العامة للسعودية نتيجة التغيرات والمعطيات الدولية التي حدثت أخيرا، يتابع الكريم.

ومضى يقول: "تهدف السعودية للضغط على النظام من أجل مساهمته في تصحيح أوراق السوريين المخالفين المقيمين في المملكة عقب عام 2011 وذلك عبر مساهمة قنصليته في منح جوازات السفر لهؤلاء وخاصة من قبل الذين لا يشكلون خطرا على نظام الأسد".

ودخل عشرات الآلاف من السوريين عقب عام 2011 إلى السعودية عبر دعوات زيارة لأقارب لهم يقيمون بشكل قانوني بالمملكة أو ممن دخلوا عبر تأشيرات الحج والعمرة ولم يغادروا الأراضي السعودية بل مكثوا فيها وأصبحوا يقيمون بشكل غير قانوني، إلا أن السلطات السعودية لم تقم بملاحقتهم حتى الآن.

وألمح الكريم: "إلى أن إبقاء تنظيم الحج بيد المعارضة السورية تريد عبره السعودية البقاء في الملف السوري وبالتالي هذا نوع من المزاحمة مع دولة الإمارات التي باتت تعد عربيا ودوليا أحد الأقطاب الراعية للنظام السوري".

وراح يقول: "إن السعودية تريد من النظام السوري مزيدا من الضغط على تواجد الحوثيين في سوريا لقطع العلاقات معهم وتطبيق حل سياسي كامل في اليمن".

واستدرك قائلا: "هناك جملة من المطالب السعودية من النظام السوري التي ما يزال يماطل فيها ومنها ما يتعلق بتهريب المخدرات، وأخرى ذات أهمية للرياض تتعلق بالمعتقلين السعوديين من الجهاديين الذين دخلوا سوريا عقب عام 2011 وجرى اعتقالهم وهم الآن في سجون الأسد حيث تريد الرياض من النظام تسليمهم لها".

الأسد يناور

ويؤوي شمال غربي سوريا نحو خمسة ملايين نسمة، غالبيتهم نازحون داخليا من مختلف المدن الذين هجرتهم آلة قتل نظام الأسد عن ديارهم.

ويخرج هؤلاء لأداء الحج إلى تركيا المحاذية، كونها المنفذ الوحيد لهم للسفر جوا.

كما يحق للسوريين المقيمين في دول العالم التسجيل على الحج ضمن نظام القرعة الذي تفتحه لجنة الحج العليا والمخصص لكل دولة.

وسنويا تنال لجنة الحج العليا جوائز وتكريمات من وزارة الحج السعودية للخدمة المميزة والتنظيم الذي يحصل خلال فترة الحج من كل عام.

وبحسب "لجنة الحج العليا" السورية، فإن الأعداد المسجلة لعام 2023 زاد على الحصة المقررة وهي (22 ألفا و500 حاج)، المسموح بها من قبل وزارة الحج والعمرة السعودية.

ويؤكد مراقبون أن السعودية عملت جاهدة على عدم تسييس ملف الحج السوري، كما لمسوا تطورا كبيرا للحج السوري خلال الأعوام الماضية بعد تسلمه من قبل المعارضة.

لكن عقب تطبيع العلاقات بين الرياض ودمشق، خشي السوريون المعارضون من أن يصبح ملف الحج الذي هو "تعبدي بامتياز" وهو فريضة لمن استطاع إليه سبيلا، إلى ملف "ابتزاز مالي وسياسي" بيد مخابرات الأسد.

إذ يؤكد المختصون أن النظام سيحرم أهالي الشمال الخارج عن سيطرته من الحج تحت حجج كثيرة على رأسها تهم الإرهاب والمطلوبين لأجهزة مخابراته الأمنية على خلفية الثورة.

ولهذا حتى أن التكهنات التي دارت حول تقسيم حصة السوريين من الحج بين المعارضة والنظام السوري، كخيار قد تلجأ إليه السعودية بعد التطبيع مع الأسد لم تذهب باتجاهه الرياض.

وهذا ما أعطى انطباعا عاما بأن النظام السوري ما يزال "يناور" ويريد أن يحصل على مكاسب جديدة من السعودية دون تقديم أي شيء من طرفه.

الأمر الذي يشير إلى أن امتناع الرياض عن تسليم ملف سيادي كملف الحج لنظام الأسد في هذا التوقيت، لعدم جهوزية الأخير للانخراط في الحل السياسي بسوريا طبقا لقرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015 والذي لم يطبق منه النظام خطوة واحدة.

إذ إنه عند صدور قرار وزراء الخارجية العرب بإعادة مقعد سوريا للجامعة العربية في 7 مايو 2023، جرى التوصل كذلك إلى اتفاق لتشكيل لجنة اتصال وزارية مكونة من "الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام".

ومهمة هذه اللجنة متابعة تنفيذ "بيان عمّان"، والاستمرار في الحوار المباشر مع النظام للتوصل لحل شامل "للأزمة السورية" يعالج جميع تبعاتها، وفق منهجية الخطوة مقابل خطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، على أن تقدم اللجنة تقارير دورية لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري.

ومطلع مايو 2023، طرح الأردن مبادرة سلام تقوم على دور عربي مباشر ينخرط مع النظام السوري في حوار سياسي يستهدف حل الملف ومعالجة تداعياته الإنسانية والأمنية والسياسية، وفق مبدأ "خطوة مقابل خطوة".

وكان قد توقع عضو الهيئة العامة في الائتلاف الوطني السوري المعارض يحيى مكتبي، أن يكون هناك إعلان عربي عن فشل الاتصالات مع نظام بشار الأسد، وذلك في حوار أجرته معه "الاستقلال".