العلاقات بين النيجر وبنين.. لهذا وصلت إلى حد القطيعة
النيجر لم تعلن رسميا عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع بنين
في أواخر يونيو/ حزيران 2024، زار رئيسا بنين السابقان، توماس بوني يايي ونيكيفور سوجلو، النيجر للقاء قائد المجلس العسكري الجنرال عبد الرحمن تشياني.
الزيارة جاءت بهدف حل أزمة حدودية تسببت أخيرا في توتر العلاقات بين البلدين إلى درجة الحديث عن قطيعة دبلوماسية، وفق ما ذكرت صحيفة "جون أفريك" الفرنسية مشيرة إلى جهود الوساطة الأخيرة بين البلدين والهدف من هذه الزيارة الدبلوماسية.
حافة القطيعة
وبعد زيارة يايي وسوجلو في الفترة من 24 إلى 27 يونيو 2024، اقترح تشياني إنشاء لجنة ثلاثية مكونة من ممثلين عن حكومتي البلدين لتسوية الخلافات، وهو أمر رحب به رئيس بنين، باتريس تالون.
إذ كان مستعدا بالفعل للتحدث مع رئيس نيجيريا بولا تينوبو، بعد رفع العقوبات الاقتصادية الثقيلة التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا الإيكواس في يوليو/ تموز 2023، في أعقاب الانقلاب الذي أطاح بسابقه محمد بازوم.
ولكن على الرغم من أن تحسن العلاقات بين البلدين أصبح ممكنا الآن، تشير الصحيفة الفرنسية إلى أن "كوتونو ونيامي لم تكونا قريبتين من الانقطاع الدبلوماسي كما كانتا في الأسابيع الأخيرة".
وفي هذا الصدد، توضح "جون أفريك" أنه فضلا عن أن باتريس تالون وعبد الرحمن تشياني لم يكونا يتحدثان، فإن هيئاتهما الدبلوماسية كانت قد قطعت تقريبا كل اتصال.
وبعد انقلاب 26 يوليو/تموز 2023 في النيجر بادرت إيكواس بفرض عقوبات اقتصادية على نيامي للضغط على المجلس العسكري، وكانت بنين إحدى الدول التي ساندت قرار العقوبات والتدخل العسكري لاستعادة الحكم المدني وإبعاد العسكر عن المشهد السياسي.
ورأى قادة الانقلاب أن مسايرة بنين لقرارات الكتلة الإفريقية خارج عن المألوف، ويناقض حسن الجوار والعلاقات التاريخية، ورأوا فيه إضرارا بشعب النيجر.
وفي سبتمبر/أيلول 2023 أعلن المجلس العسكري في نيامي تعليق الاتفاقيات العسكرية مع بنين، والتي كانت تتعلق بمحاربة الإرهاب وتأمين الحدود والتنسيق وتبادل المعلومات.
وعندما أعلنت إيكواس رفع عقوباتها واعترفت بالمجلس العسكري، أصدر الرئيس البنيني باتريس تالون مرسوما في فبراير/شباط 2024 يقضي بفتح الحدود واستعادة العلاقات مع الجارة الشمالية، بيد أن الحكومة في نيامي تحفظت على ذلك، واختارت الاستمرار في إغلاق الحدود.
وردا على قرار نيامي بإبقاء الحدود مغلقة في وجه البضائع القادمة من كوتونو، أمرت السلطات في بنين باعتراض تصدير شحنات النفط القادمة من حقل "أغادم" عبر مينائها.
محاولات الاستئناف
وقال مسؤول رفيع في الخارجية البنينية للصحيفة الفرنسية إن "النيجر لم تعلن رسميا عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع بنين، ولم تفعل الأخيرة كذلك أي شيء من هذا القبيل".
وتابع حديثه: "لذا، فإن القنوات الدبلوماسية ما زالت قائمة. لم يتغير شيء في آليات التواصل أو المعاملات الرسمية بين البلدين".
وفي المقابل، عندما حاولت "جون أفريك" التواصل مع الجانب النيجري، لم يفصح سيدي عبده عن أي معلومة.
وعند النظر إلى الجانب الآخر، تلفت الصحيفة إلى أن بنين لا تملك سفيرا في النيجر كذلك. فبعد توليه السلطة في عام 2016، اختار باتريس تالون إغلاق عدة سفارات حول العالم.
إذ أُغلقت السفارة في نيامي، عام 2020، ضد رغبة وزير الخارجية حينها أوريليان أغبينونسي.
وتقول الصحيفة إن "إلغاء هذا المنصب الدبلوماسي، الذي كان يعد إستراتيجيا بسبب حجم التبادل التجاري بين بنين والنيجر، أثار استياء بين الدبلوماسيين".
وفي هذا السياق، تساءل دبلوماسي بنيني معبرا عن غضبه: "كيف يمكن أن نتخذ قرار إغلاق سفارتنا في نيامي ونحن نعلم أننا سنكون لدينا خط أنابيب مع هذا البلد؟".
وأكمل موضحا: "من خلال هذه البنية التحتية، أصبح النيجر أهم شريك ثنائي لنا في الجوار، باستثناء روابطنا الطبيعية مع نيجيريا. كان يجب أن يدعم ذلك زيادة الموارد في المجال الدبلوماسي، لكن العكس هو ما حدث".
وبعد إلغاء المنصب الدبلوماسي، في يونيو/ حزيران 2023، قرر رئيس دولة بنين في النهاية تعيين سفير جديد، وهو النائب السابق جيلداس أغونكان.
ولكن -بحسب الصحيفة- لم يتمكن هذا الأخير من تولي مهامه أبدا، إذ وقع الانقلاب في النيجر بعد شهر من ذلك.
وفي هذا الصدد، تذكر أن الحاج حميدو بوريما، الأمين العام للمجلس الأعلى للنيجريين في بنين (HCNB)، التقى عدة شخصيات من السلطة النيجرية في نيامي.
ويشمل ذلك رئيس الوزراء علي محمد الأمين زين، ووزير الدولة المكلف بالداخلية محمد تومبا، وحاكم منطقة نيامي عبدو أسومانا هارونا.
تعاون هادئ
وبعد شهرين من المقابلة، التي جرت في أبريل/ نيسان 2024، أُسست جماعة المواطنين البنينيين للتعاون الهادئ بين بنين والنيجر (CRBCA).
دعت هذه المجموعة خلال مؤتمر صحفي، في 19 يونيو 2024، الدولتين إلى استئناف الحوار.
واقترحت أن يلعب الرئيس البنيني السابق، نيكيفور سوجلو، ونظيره النيجري السابق، محمد عثمان، دور الوساطة في هذه الأزمة.
وبالإضافة إلى ذلك، تلفت الصحيفة إلى أن المجموعة تتخذ بالتوازي خطوات تجاه توماس بوني يايي، عبر إريك هونديتي نائب رئيس حزب المعارضة "الديمقراطيون"، لاقتراح دور الوسيط عليه.
وفي النهاية، تسلط "جون أفريك" الأضواء على أن الرئيسين السابقين لدولة بنين، توماس بوني يايي ونيكيفور سوجلو، قد أخذا زمام المبادرة منذ عدة أسابيع.
ففي مايو/ أيار 2024، أرسل نيكيفور سوجلو، نائب رئيس منتدى الرؤساء الأفارقة السابقين، رسالة إلى الجنرال عبد الرحمن تشياني للتحدث معه بشأن تدهور العلاقات بين بنين والنيجر وعرض خدماته.
وكما ورد عن الصحيفة، فإن فكرة زيارة نيامي من قبل الرئيسين البنينيين السابقين قُبلت من قبل الرئاسة النيجرية.
وفي المقابل، عندما أُبلغ رئيس بنين، باتريس تالون، بنيتهم زيارة العاصمة النيجرية، لم يعط أي رد.
وفيما يخص الزيارة، تذكر الصحيفة أنه في 26 يونيو 2024، اجتمع توماس بوني يايي ونيكيفور سوجلو مع رئيسين نيجريين سابقين، الجنرال سالو جيبو (2010-2011) ومحمان عثمان (1993-1996).
ثم في صباح يوم 27 يونيو 2024، عاد الرؤساء السابقون لبنين إلى كوتونو، حيث استقبلهم باتريس تالون بعد أربعة أيام.
وفي مايو/أيار، توسطت الصين بوساطة لتجاوز الأزمة التي تضر بالمصالح المشتركة، وسمحت حكومة بنين بتصدير النفط مؤقتا عبر مينائها، على أن تفتح الحدود لاحقا ويتم تطبيع العلاقات بين البلدين.
وترتبط الصين بعلاقات اقتصادية متنوعة مع النيجر، وتتولى استغلال أكبر الحقول النفطية فيها.
ورغم الجهود التي بذلتها الصين، فإن السلطات السياسية في بنين قالت إن السماح بتصدير الشحنات البترولية القادمة من النيجر إجراء مؤقت هدفه إظهار النوايا الحسنة تجاه جارتها الحبيسة، ولن يكون دائما إلا إذا رجعت العلاقات إلى سالف عهدها.