بعد العدوان المفاجئ على إيران.. هل باتت تركيا الهدف التالي لإسرائيل؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

"هزمنا حماس في ربع النهائي، وهزمنا إيران في نصف النهائي، وفي النهائي، هناك تركيا".. يبدو أن هذه النكتة التي ألقاها صحفي عبر قناة عبرية لم تكن إلا تعبيرا عن حقيقة ما يدور في أذهان المسؤولين الإسرائيليين بشأن حرب محتملة في المستقبل مع تركيا.

وفي هذا السياق، فسرت صحيفة "تاز" الألمانية التحركات المكثفة التي تجريها أنقرة لوقف الحرب الإسرائيلية الإيرانية.

فبحسب الصحيفة، لا يكف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن الاتصال هاتفيا بنظيره الأميركي دونالد ترامب، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في محاولة للتوصل إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل وإيران.

واستدركت: "لكن الشخص الذي لا يتحدث إليه الرئيس التركي هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فكلاهما يُظهر للعلن عداء شديدا للآخر؛ حيث يتبادلان نعوتا مثل (هتلر)، و(إرهابي)، و(قاتل)، (مجنون)".

أبعاد اقتصادية

ووفق الصحيفة، تهدف التحركات الدبلوماسية التركية إلى "دفع الولايات المتحدة وإيران إلى التوصل بسرعة لاتفاق نووي جديد ينهي الحرب".

بالإضافة إلى هذه المحادثات، أدان أردوغان عبر بيان الهجوم الإسرائيلي قائلا: "على المجتمع الدولي أن يضع حدا لسلوك قطاع الطرق الإسرائيلين الذين يستهدفون الاستقرار الإقليمي والدولي".

وأضاف أن "الحكومة الإسرائيلية تحاول بسلوكها المتهور والعدواني، الذي لا يعترف بالقانون، جرّ منطقتنا والعالم بأسره نحو كارثة".

وطالب بـ"كبح الهجمات التي تشنها شبكة القتل بقيادة نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، التي تشعل النيران في منطقتنا بأكملها".

كما عقد أردوغان اجتماعا أمنيا طارئا مع قادة المؤسسات الأمنية في القصر الرئاسي بأنقرة، وذلك عقب اجتماع موسع شارك فيه وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، ورئيس الأركان العامة متين غوراك.

من جهة التأثيرات المحتملة على الداخل التركي إثر التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، أشارت الصحيفة الألمانية إلى أن الحرب لها "تداعيات اقتصادية سلبية على تركيا".

وأوضحت قائلة: "فاندلاع حرب طويلة الأمد بين إسرائيل وإيران قد يطيح سريعا بثمار سنوات من جهود إصلاح الاقتصاد التركي".

وتابعت: "ارتفاع أسعار النفط سيكون كارثة بالنسبة لتركيا، كما أن موجات اللاجئين الإيرانيين، الذين بدأوا بالفعل في التوجه نحو الحدود التركية، قد تعيق جهود أنقرة في إعادة اللاجئين السوريين، وتُبقى عدد اللاجئين في البلاد مرتفعا".

فمن الناحية الأمنية، تبرز معضلة القواعد الأميركية في تركيا، فمع تحميل طهران المسؤولية لواشنطن عما تعرضت له من هجمات، صار استهداف إيران للقواعد الأميركية في المنطقة واحدا من المسائل المقلقة لأنقرة، وفق مصادر تركية.

ومع وجود عسكري أميركي متمثل في قاعدة "إنجرليك" الجوية الواقعة قرب مدينة أضنة جنوبي تركيا، تتعزز حالة الحذر لدى أنقرة، حسب الصحيفة.

وأضافت: "كما أن الوجود العسكري الأميركي في تركيا لا يقتصر على تلك القاعدة الجوية، فثمة قواعد عسكرية تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، تنشط فيها قوات أميركية بحكم التحالف".

الهدف التالي

وتقدر الصحيفة أنه "رغم رفض تركيا كغيرها من دول الشرق الأوسط؛ لأن تصبح إيران قوة نووية؛ إلا أن أردوغان لا يرغب في أن يتحقق هذا الهدف عبر نصر عسكري إسرائيلي على إيران".

وأشارت إلى أن "هذا ما يفسر الضغط المستمر من أردوغان على ترامب من أجل إنهاء الحرب سريعا، عبر صفقة مع إيران".

وأردفت الصحيفة بأن "أنقرة تخشى أنه إذا حققت إسرائيل نصرا عسكريا في إيران، فقد يتعاظم غرور نتنياهو، وربما تصبح تركيا هدفه التالي".

من جانبها، ترى "تاز" الألمانية أن "أردوغان نفسه أثار القلق بين مواطنيه خلال خطاب ألقاه في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2024، حين حذر من وجوب استعداد تركيا لمواجهة هجوم إسرائيلي محتمل".

ولفتت إلى أن "الخطاب الناري لأردوغان تزامن مع شن إسرائيل هجوما واسعا على حزب الله في لبنان خلال سبتمبر/ أيلول 2024".

وقال حينها نصا: "الحكومة الإسرائيلية التي فقدت عقلها في الأرض المقدسة قد تصوّب جنونها نحو فلسطين ولبنان، وربما نحو وطننا".

وعقبت قائلة: "ما كان يُقابل وقتها بالسخرية، قد لا يبدو بعيد الاحتمال بعد هزيمة عسكرية كاملة لإيران".

واستطردت: "فحينها، ستبقى تركيا القوة العسكرية الوحيدة في الشرق الأوسط القادرة على الوقوف في وجه إسرائيل".

وقالت الصحيفة: إن "تقديرات تركية تؤمن أن العدوان الإسرائيلي المتواصل، منذ بدء الهجوم على غزة ثم سوريا، يمثل تهديدا مباشرا لأنقرة أيضا".

وأوضحت أن "هذا أمر جعل مراكز الفكر والأبحاث في البلاد، إلى جانب الأكاديميين والمحللين السياسيين، يسلطون الضوء بشكل متزايد على طبيعة التهديد الذي تمثله إسرائيل لأنقرة".

تغييرات عميقة

وقال رئيس قسم الدراسات الأمنية في مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (سيتا)، مراد يشيل طاش: إن إسرائيل "تحولت إلى مصدر تهديد مباشر لتركيا؛ وذلك بسبب زعزعة الاستقرار وسلوكها العدواني بالمنطقة، وأنها تضر بمصالح أنقرة وأمنها القومي، خاصة من خلال الفوضى والعدوانية التي تمارسها في سوريا وسائر دول المنطقة".

وأكد على وجوب اتخاذ تركيا مواقف جديدة أمام هذا الواقع، مضيفا: "نحرز تقدما ملحوظا في الصناعات الدفاعية، لكننا بحاجة إلى تحولات ثورية في مجال أنظمة الدفاع الجوي".

في غضون ذلك، ترى مصادر تركية رفيعة المستوى أن "الهجوم الإسرائيلي على إيران زاد من خطورة التهديدات"، مؤكدين أن أنقرة "تدرس بجدية إجراء تغييرات عميقة في عقيدتها الدفاعية والأمنية".

وأشاروا إلى أن "العالم كله يتابع عن كثب نجاحات تركيا في مجال الصناعات الدفاعية".

وشدَّدوا على أن أنقرة "تبذل كل ما بوسعها لحماية الأمن القومي للبلاد بالإمكانات الذاتية، دون الاعتماد على أي طرف خارجي". 

وبعد الضربات الإسرائيلية ضد إيران، تعتقد تلك المصادر أنه "بات من الضروري تسريع وتيرة العمل على عدة ملفات لتعزيز أنظمة الدفاع الجوي، ودعم قدرات الجيش بشكل أكبر".

وفي هذا السياق، أكدت المصادر أن تركيا "تعمل حاليا على الإسراع في تقوية البنية الأمنية والدفاعية في مواجهة هذه التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة".

ويبدو أن طهران تدرك أهمية أنقرة ومكانتها في الإقليم؛ إذ أفادت الصحيفة الألمانية عبر مصادر تركية أن "إيران قبل فترة قصيرة من الهجوم الإسرائيلي، بدأت محاولات تقارب مع تركيا عبر قنوات متعددة".

وأضافت المصادر: "بادر الإيرانيون بالاتصال بنا، وأوضحنا منذ اللحظة الأولى أن شرطنا الأساسي هو قطع علاقاتهم بتنظيم حزب العمال الكردستاني، الذي يشكل تهديدا مباشرا لأمن تركيا".