نفوذ متزايد.. هكذا نجح اليمين المتطرف في دفع دول أوروبا لكبح الهجرة

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

بدأت تأثيرات صعود اليمين المتطرف بأوروبا في الانتخابات المحلية الأخيرة، في الظهور بعدد من دول الاتحاد فيما يتعلق بتشديد الإجراءات لكبح الهجرة وفرض قيود على حق اللجوء.

وقد بدا واضحا رضوخ بعض الحكومات الأوروبية لتنازلات بشأن الهجرة وهي واحدة من أكثر القضايا المتفجرة التي تواجه التكتل، خاصة في وقت يتزايد فيه الدعم للأحزاب المناهضة لها في أوروبا.

تشديد اللجوء

ورغم اعتماد ميثاق مشترك للهجرة واللجوء في منتصف مايو/ أيار 2024، كثف العديد من الدول الأوروبية الإجراءات لكبح الهجرة وفرض قيود على حق اللجوء، لتصطف بذلك خلف مواقف حركات من اليمين المتطرف تواصل تحقيق تقدم في أوروبا.

وبحجة التعامل مع حالات "طوارئ" أو أوضاع "أزمات"، تتزايد الاستثناءات أو الابتعاد عن القواعد المشتركة التي حددها الاتحاد الأوروبي.

يأتي ذلك مع إعادة فرض ضوابط على الحدود الألمانية، وإقامة إيطاليا مخيمات احتجاز خارج الاتحاد الأوروبي، وتعليق معالجة طلبات اللجوء المقدمة من سوريين في قبرص.

وكذلك قوانين تسمح بإعادة طالبي لجوء على الحدود في فنلندا وليتوانيا، أو تهديد هولندا بالانسحاب من الميثاق الأوروبي بشأن الهجرة واللجوء حتى قبل دخوله حيز التنفيذ عام 2026.

والميثاق الجديد للهجرة واللجوء، هو الإصلاح الواسع الذي أتمّه الاتحاد الأوروبي، بعد أربع سنوات تقريبا من المفاوضات الشاقة.

ويسمى الميثاق الجديد "التضامن الإلزامي"، والجديد فيه أنه سيعطي البلدان ثلاثة خيارات لإدارة طلبات طالبي اللجوء، وهي استيعاب عدد من طالبي اللجوء، ودفع مبلغ 20 ألف يورو عن كل طلب لجوء يرفضونه، أو تقديم الدعم المالي لهم.

بالمقابل، تقول المفوضية الأوروبية، إن جميع الدول الأعضاء ملزمة بالقواعد الحالية، وإن أي إعفاء يجب التفاوض عليه قبل الموافقة عليها، وليس بعد ذلك.

لهذا فقد طالبت الحكومة الهولندية بقيادة اليمين المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز المعادي للمهاجرين، في 18 سبتمبر/ أيلول 2024 بالانسحاب الرسمي من قواعد الهجرة في الاتحاد الأوروبي.

وكتبت وزيرة الهجرة الهولندية مارجولين فابر من حزب فيلدرز إلى المفوضية الأوروبية أن أمستردام تريد الخروج من القواعد التي تنظم قبول اللاجئين، زاعمة أنه بخلاف ذلك فإن واحدة من أغنى دول العالم ستواجه صعوبة في توفير الخدمات العامة.

وأمام البرلمان في 18 سبتمبر، قالت فابر: "لقد أبلغت للتو مفوضية الاتحاد الأوروبي أنني أريد استثناء هولندا من الهجرة إلى أوروبا.. نحن بحاجة إلى أن نتولى مسؤولية سياسة اللجوء الخاصة بنا مرة أخرى!".

وكانت فابر تسعى إلى تحقيق وعد انتخابي بتقليص عدد المهاجرين في البلاد بسرعة وبشكل جذري.

وخلال المناقشة في البرلمان في 18 سبتمبر، وصف فيلدرز هذه الخطوة بأنها "نوع من الخروج المصغر"، وهي عبارة عن مسرحية على "هولندا" و"الخروج"، وتشبه إلى حد كبير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2020. 

وفي رسالة إلى مفوضة الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي، إيلفا يوهانسون، أصرت فابر على أن الحكومة بحاجة إلى "تقليص حجم الهجرة إلى هولندا بشكل كبير، من أجل مواصلة الوفاء بواجباتنا الدستورية -توفير الإسكان العام والرعاية الصحية والتعليم-".

فيما دعا فيلدرز الذي يقود حزب الحرية (PVV) اليميني المتطرف، مرارا وتكرارا إلى خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي خلال مسيرته المهنية التي استمرت ثلاثة عقود، لكن هذه الخطوة ليست جزءا من أي خطط حكومية حاليا.

شروط صارمة

وأعلنت الحكومة الهولندية التي وصلت إلى السلطة في يوليو/تموز 2024، خلال سبتمبر، عن مخططها السياسي للعام المقبل، بما في ذلك سياسات أكثر صرامة لاحتواء أو طرد المهاجرين غير المؤهلين للحصول على اللجوء.

وتشير الأرقام الجديدة التي أصدرتها وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي في سبتمبر 2024 إلى أن 17 ألفا و376 شخصا تقدموا بطلبات للحصول على الحماية الدولية في هولندا، التي يبلغ عدد سكانها 17.7 مليون نسمة، في الأشهر الستة الأولى من عام 2024. 

وهو رقم ثابت إلى حد ما، ويمثل نحو 3 بالمئة من إجمالي الطلبات المقدمة في أوروبا، وكان معظمهم من السوريين أو العراقيين أو من تركيا.

وجاء ذلك بالتزامن مع فرض هولندا إجراءات جديدة تتعلق بخفض أعداد اللاجئين إليها، في منتصف سبتمبر 2024 بعد تعهد الائتلاف الحاكم في هولندا، المكون من أربعة أحزاب بقيادة رئيس الوزراء ديك شوف، بتطبيق "أشد نظام لجوء في تاريخ البلاد". 

ونشرت الحكومة الهولندية على موقعها الرسمي البرنامج الحكومي الذي ستعمل على تنفيذه خلال السنوات الأربع القادمة.

وبحسب البرنامج الحكومي يمكن للحكومة أن تُحيد قانون الأجانب، كما لم يعد بإمكان الآباء لم شمل أبنائهم البالغين فوق سن 18 ويتم تقييم الحقائق والظروف الجديدة في طلبات اللجوء المتكررة بشكل أكثر صرامة.

كما سيكون هناك أيضا خيار لرفض طالبي اللجوء الذين لا يحضرون جلسة الاستماع أو الموعد خلال إجراءات الحصول على تصريح الإقامة.

وبعد صدور "قانون أزمة اللجوء"، ستسحب الحكومة قانون توزيع طالبي اللجوء على البلديات، وسيتم تجميد القرار بشأن طلبات اللجوء لمدة عامين، ويتم تقليص الاستقبال كما سيتم ترحيل الأشخاص الذين ليس لديهم تصريح إقامة قسرا إذا لزم الأمر.

وفيما يخص "لم الشمل" ستكون هناك شروط صارمة، فلن يستطيع اللاجئ لم شمل أسرته ما لم يكن لديه منزل ودخل مناسب ومقيما منذ عامين على الأقل في البلاد.

كما لن يحصل طالبو اللجوء تلقائيا على تصريح لجوء لفترة غير محددة بعد 5 سنوات، وهذا يعني أنه يجب عليهم العودة إلى بلدهم الأصلي بمجرد أن يصبح الوضع آمنا هناك. 

وسيسمح بترحيل طالبي اللجوء الذين يرتكبون جرائم بسرعة أكبر، وفق البيان الحكومي.

وفي ألمانيا، شهدت ولايتا “تورينغن” و"ساكسونيا" انتخابات تاريخية مطلع سبتمبر 2024 أحدثت هزة في المشهد السياسي الداخلي والأوروبي بشكل عام، إذ حقق حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) اليميني المتطرف والمناهض للهجرة مكاسب كبيرة في انتخابات الأقاليم.

وسبق ذلك، فتح "هجوم زولينغن" الباب على مصراعيه أمام الحكومة الألمانية لفرض قوانين جديدة على سياسة اللجوء في هذا البلد الأوروبي الذي يحتضن أكبر عدد من المهاجرين غير النظاميين في العالم.

وقُتل ثلاثة أشخاص وأصيب ثمانية في 23 أغسطس/آب 2024 حينما هاجم طالب لجوء سوري (26 عاما) جرى رفض طلبه، بسكين مهرجانا بمناسبة ذكرى تأسيس مدينة زولينغن غرب ألمانيا.

"رسالة قوية"

وفي حالة ألمانيا، فالتأثر الناتج عن هجومين نفذهما أخيرا في البلاد أشخاص "اعتنقوا التطرف"، بالتزامن مع فوز “حزب البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف في انتخابات، دفع حكومة أولاف شولتس إلى طرد 28 أفغانيا إلى بلادهم.

وأيضا إعادة فرض رقابة على الحدود لستة أشهر بهدف مكافحة الهجرة غير النظامية، مما أثار القرار حفيظة عدد من الدول الأعضاء في فضاء شينغن لحرية التنقل في أوروبا والسفر بلا حدود في مختلف أنحاء الكتلة، من بولندا إلى البرتغال، وذلك ضمن خطة معلنة تقول برلين إن هدفها إعادة أي طالب لجوء سبق أن سعى إلى اللجوء في دولة أخرى في الاتحاد.

وبموجب القرار الذي طبقته برلين في 16 سبتمبر 2024، ستضاف عمليات تفتيش مؤقتة لمراقبة الحدود مع فرنسا ولوكسمبورغ وهولندا وبلجيكا والدنمارك مماثلة لتلك المطبقة على الحدود مع بولندا وتشيكيا والنمسا وسويسرا. 

من حيث المبدأ، يحظر فرض ضوابط داخلية مماثلة على الحدود في منطقة شينغن، لكن في حال وجود تهديدات للنظام العام أو الأمن، فهي ممكنة لمدة ستة أشهر مع تمديدها لفترات ستة أشهر ولا تتجاوز سنتين.

وضمن هذا السياق، قال المتخصص في شؤون الهجرة، فلوريان ترونر، لوكالة “فرانس بريس” في 19 سبتمبر 2024 إن "المواقف المناهضة للهجرة التي كانت من اختصاص اليمين المتطرف، باتت في طريقها الى أحزاب اليمين الوسط أو حتى اليسار الوسط".

وقال ترونر إن ألمانيا التي استقبلت أكثر من مليون لاجئ، معظمهم من السوريين، عامي 2015-2016، وأكثر من مليون من المنفيين الأوكرانيين منذ الغزو الروسي للبلاد، توجه هذه المرة "رسالة قوية" إلى رأيها العام وكذلك إلى شركائها الأوروبيين.

ولفت إلى أن ضغوط الهجرة "لا تزال كبيرة" مع تسجيل أكثر من 500 ألف طلب لجوء في الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2024. 

كما تنتقد ألمانيا التي تلقت وحدها حوالي ربع الطلبات، دول جنوب أوروبا لسماحها للمهاجرين بالتنقل بدون معالجة طلباتهم كما ينص عليه نظام دبلن الذي ينص على إمكانية إعادة أي دولة أوروبية اللاجئ على أراضيها إلى الدولة الأوروبية الأولى التي بصم فيها.

وشهدت أوروبا تحولا سياسيا في السنوات الأخيرة مع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، وخاصة في فرنسا.

وكان هذا واضحا خلال الانتخابات الأوروبية لعام 2024، مما يؤكد التحول الواسع النطاق في أوروبا نحو السياسة اليمينية استجابة للأحداث العالمية والقومية الصاعدة. 

ويأتي الزخم السياسي من المكاسب الانتخابية الأخيرة التي حققتها الأحزاب القومية اليمينية مثل التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان في فرنسا، وحزب البديل من أجل ألمانيا في ألمانيا، وحزب الحرية (PVV) اليميني المتطرف في هولندا بقيادة فيلدرز.

وقبل ذلك عدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وصول المهاجرين "اجتياحا مخططا له" و"استبدالا عرقيا" حين كانت نائبة في المعارضة عن حزب "فراتيلي ديتاليا" "أخوّة إيطاليا" اليميني المتشدد عام 2017.وقد أعلن “تنظيم الدولة” مسؤوليته عن الهجوم، كما أقر الشاب بأنه المسؤول عنه وبانتمائه إلى التنظيم.

وبعيدا عن المخاوف بشأن ما قد يعنيه هذا النهج المتشدد بالنسبة لحقوق الإنسان الخاصة بطالبي اللجوء، فإن التدابير الجديدة قد تؤدي إلى إجهاد وحدة الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة.

فمع تقدم سكان أوروبا في السن، أصبح العديد من البلدان بحاجة إلى العمال المهاجرين لتوفير القاعدة الضريبية اللازمة لدفع ثمن الخدمات الحكومية ودعم النمو.

لكن مع تعرض عشرات الآلاف من طالبي اللجوء كل عام لسبل عيشهم، وحتى حياتهم للخطر، من أجل الوصول إلى أوروبا، تعمل الأحزاب اليمينية المتطرفة على إثارة المخاوف من تكرار التدفق الأكبر بكثير الذي أعقب ترحيب المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عام 2015 بمئات الآلاف من الفارين من سوريا عقب قمع نظام بشار الأسد للثورة هناك عام 2011.

وضمن هذه الجزئية، يؤكد المحلل في معهد جاك دولور، جيروم فينيون، في حديث لوكالة “فرانس بريس” في 19 سبتمبر 2024 بالقول "نشهد استمرار ميل سياسات الهجرة إلى اليمين" ما يعكس صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في الاتحاد الأوروبي، متحدثا عن "توجه حمائي ومحافظ".

ولكن التحدي الأكثر صعوبة الذي يواجه الزعماء الأوروبيين ربما يتمثل في إيجاد طريقة للتحرك إلى ما هو أبعد من الضغوط السياسية اليمينية المتطرفة المباشرة والاتفاق على سياسات مستدامة طويلة الأجل بشأن الهجرة واللجوء.

إذ إنه في العديد من البلدان الأوروبية، فقد فشلت السلطات أيضا في دمج المهاجرين في المجتمع المحلي.

وقد ثبت أن هذا يشكل نقطة ضعف خطيرة عندما أدت حوادث مثل عملية الطعن الأخيرة التي نفذها طالب لجوء سوري شاب في ألمانيا إلى ردود فعل واسعة النطاق ضد المهاجرين عموما.

قلق متزايد

لذلك وفق الخبراء، فإن هناك حاجة للتوازنات بشأن سياسة الهجرة انطلاقا من حاجة الدول الأوروبية لطاقات بشرية جديدة دون الركون لسياسات اليمين المتطرف الصاعد في القارة.

إذ كان هناك صعود لممثلي اليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة التي جرت في يونيو/ حزيران 2024 (تعقد كل خمس سنوات)، للمواطنين في جميع أنحاء الدول الأعضاء في الاتحاد البالغ عددها 27 دولة والذي ينتخب أعضاء البرلمان الأوروبي المسؤولين عن الوظائف التشريعية التي تؤثر على المنطقة بأكملها.

ويصوت المواطنون من كل دولة للحزب السياسي الذي يرغبون في رؤيته ممثلا في الاتحاد الأوروبي، ويتم تخصيص أعضاء البرلمان بناء على حجم سكان كل دولة. 

على سبيل المثال، ألمانيا، بصفتها الدولة الأكثر سكانا في الاتحاد الأوروبي، لديها 96 عضوا في البرلمان الأوروبي، بينما فرنسا لديها 81 عضوا، وإيطاليا 76 عضوا.

وعلى العكس من ذلك، فإن الدول الأصغر مثل مالطا وقبرص لديها ستة أعضاء في البرلمان الأوروبي لكل منهما .

ولهذا فقد صدمت الانتخابات البرلمانية الأوروبية عام 2024، الكثيرين، حيث شهد البرلمان عددا قياسيا من المشرعين اليمينيين المتطرفين من العديد من الدول الأعضاء. 

في إيطاليا، فاز حزب "إخوان إيطاليا" ذو الجذور الفاشية الجديدة بنسبة 28.7 بالمئة من الأصوات، وجاء حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف، الذي تورط في فضائح مرتبطة بالدعاية النازية، في المركز الثاني بحصوله على 16 بالمئة. 

وفي فرنسا، فاز حزب التجمع الوطني بزعامة لوبان بنسبة 31 بالمئة من الأصوات، أي ضعف ما حصل عليه حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الوسطي.

وأمام ذلك، فإن "زيادة صعود اليمين المتطرف في أنحاء الاتحاد الأوروبي يتجلى تأثيره في السياسات التي يتبناها البرلمان الأوروبي، حيث تدفع الأحزاب اليمينية المتطرفة نحو فرض ضوابط أكثر صرامة على الهجرة، وفق الكاتبة مليكة لوغوسو، في مقال نشر في 16 سبتمبر 2024.

وقالت لوغوسو إن "النفوذ المتزايد للأيديولوجيات اليمينية المتطرفة في أوروبا أمر مثير للقلق، حيث تستمر هذه الأيديولوجيات في تعزيز المواقف المناهضة للهجرة المثيرة للانقسام وتفسير دور الإسلام والهجرة في القضايا المجتمعية بشكل خاطئ".