الهجوم على "توساش" عملاق الصناعة في تركيا.. لماذا غير "بي كا كا" الإرهابي وجهته؟
"شركة توساش كأيقونة ترمز إلى قدرات تركيا في مجال تقنيات الدفاع المتقدمة"
الهجوم الذي استهدف منشأة شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (توساش) بالعاصمة أنقرة في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 ربطه أتراك بمحاربة بلادهم للإرهاب.
ونشرت وكالة "الأناضول" التركية مقالا للباحث في مركز أبحاث "تي آر تي ورلد" براق إيلمالي، قال فيه إنه "كان هناك هدفان للهجوم الإرهابي على منشأة توساش؛ أولهما تقويض مبادرات تعزيز الوحدة الوطنية في تركيا، وثانيهما إضعاف صناعة الدفاع التركية في خطوة إستراتيجية".
وأضاف أن "هذا العمل الدنيء يكشف طابع الإرهاب الموجه على نقاط ذات قيمة رمزية عالية، والذي غالبا ما نُفِّذ بأيدي حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) الإرهابي بحسب المصادر الرسمية".
خيار إستراتيجي
ويرى إيلمالي أن استهداف "توساش" يسلط الضوء على الطبيعة المتغيرة للتكتيكات الإرهابية.
ولفت إلى أن "الجماعات الإرهابية لما تكبدت خسائر فادحة في تركيا وفقدت القدرة على مهاجمة أهداف محمية ومحصنة كالمنشآت العسكرية، باتت هذه الجماعات تستهدف الأماكن ذات الأهمية الرمزية".
وقال إن “فهم أهمية التوقيت والرمزية والمنطق الإستراتيجي لهذه الهجمات يساعد على قراءة الرسائل خلف هذا العمل الإرهابي وأهدافه على نطاق واسع، وكل هذا من شأنه أن يمكننا من إجراء تقييم أكثر فعالية للتهديدات الإرهابية وسياقها”.
وذكر أن "تركيا تملك شركات رائدة في صناعة الدفاع، حيث توفر فرص عمل لحوالي 90 ألف عامل، وتبرز بينها شركة توساش كأيقونة ترمز إلى قدرات أنقرة في مجال تقنيات الدفاع المتقدمة والاكتفاء الذاتي في الصناعة".
أما الطائرة القتالية الوطنية "كآن" التي تعد أحد أهم المشاريع الدفاعية لشركة "توساش"، فتمثل خطوة حاسمة اتخذتها تركيا لتصبح واحدة من الدول القليلة التي يمكنها أن تصمم وتصنع وتنتج الطائرات المقاتلة.
ولدى اكتمال مشروع "كآن"، ستصبح تركيا في مصاف نخبة الدول التي تستطيع صناعة وإنتاج طائرات من الجيل الخامس، الأمر الذي يخلق ردود فعل تجاه تركيا عند عدد من القوى الأجنبية.
على الناحية الأخرى، تقوم شركة "توساش" بتطوير طائرات متقدمة أخرى مثل "حرجيت" و"حركوش" ومروحية "غوكباي" ومروحية "T129 أتاك" الهجومية وطائرات "أكصنغور" والطائرة المسيرة "عنقاء"، إضافة لإنتاج العديد من منتجات الدفاع الجوي المهمة.
ولفت الكاتب الانتباه إلى أن "أنظمة الدفاع التابعة لتوساش تسهم بنشاط في عمليات مكافحة الإرهاب في شمال سوريا وشمال العراق وأن هذه الأنظمة معروفة عالميا".
ووفقا لبيانات عام 2023 الصادرة عن مجلس المصدرين الأتراك، احتلت توساش المرتبة الـ23 بين أكبر 1000 مصدّر في تركيا، فيما احتلت المرتبة الثانية في قطاعها مباشرة بعد شركة "بايكار" (الرائدة في صناعة الطائرات المسيرة مثل بيرقدار التي اشتهرت في الحرب الروسية الأوكرانية).
وأكد إيلمالي أن قائمة عملاء شركة "توساش" تتضمن بلدانا مثل ماليزيا وباكستان وإندونيسيا وتشاد والجزائر وتونس وكازاخستان.
وأضاف: "بناء على ما سبق يمكن القول إن هذا الهجوم لم يكن عشوائيا، بل كان استهدافا متعمدا لعنصر حاسم في البنية التحتية الدفاعية التركية، وقد أُريد به الإضرار بالدور الإستراتيجي لتوساش في صناعة الدفاع الوطني، والرمزية التي تمثلها عن التقدم التكنولوجي في تركيا".
محاربة الإرهاب
قبل يوم واحد من الهجوم، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "نتوقع من الجميع أن يدركوا أنه لا مكان للإرهاب في مستقبل تركيا، لا نريد أن تذهب هذه النافذة التاريخية التي فُتحَت، ضحية لحسابات شخصية، نريد أن نبني معا تركيا بدون إرهاب".
كما دعا أردوغان المؤسسات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وجميع شرائح المجتمع إلى العمل معا لبناء مستقبل "طاهر من الإرهاب".
وقال إيلمالي: “وعليه فإن اختيار تنفيذ الهجوم في مثل هذا التوقيت، يبدو بمثابة رد مباشر على الجهود المذكورة آنفا، ويكشف عن الدوافع السياسية خلف مثل هذه الأعمال الإرهابية”.
واستطرد: "من الواضح أن الداعمين لحزب العمال الكردستاني الإرهابي يشعرون بقلق بالغ إزاء الاكتفاء الذاتي المتزايد لتركيا في مجال صناعة الدفاع، خاصة الأطراف التي سهلت تشكيل منظمة واي بي جي (YPG) الإرهابية في سوريا بحجة القتال ضد تنظيم الدولة".
ويطلق العمال الكردستاني على “واي بي جي” اسم "الأكراد السوريين"، ويسمونها "قوات سوريا الديمقراطية"، بل ويحاولون إضفاء الشرعية على دعم هذه الجماعات بحجة القتال ضد "تنظيم الدولة" عبر تصويرهم الإرهاب على أنه واقع اجتماعي لا مفر منه في المنطقة، وفق الكاتب.
ونوه قائلا إن "الهدف الأساسي لهذا هو استدامة وجود الإرهاب على الحدود التركية، وجرّ بلادنا إلى حرب لا نهاية لها في المنطقة وحبسها في هذه الدوامة وتركها فيها".
بالإضافة إلى "عرقلة الجهود الرامية إلى تعزيز الوحدة الوطنية عبر إشغال المسرح السياسي والمجتمع التركي بمثل هذه المشكلات، وإضعاف الروابط المجتمعية من خلال خلق الانطباع بوجود انقسامات عرقية في البنية الاجتماعية".
وشدد إيلمالي على أنه "رغم أن الهجوم الأخير على شركة توساش هو محاولة تم التخطيط لها وتنفيذها لتقويض التقدم الدفاعي لتركيا وإضعاف الوحدة الوطنية، إلا أن مثل هذه الأعمال الإرهابية تزيد من إصرار وعزيمة أنقرة في هذا المجال".
وتعبيرا عن إصرارها في محاربة الإرهاب، أعلنت وزارة الدفاع التركية عن استهداف وتدمير 34 نقطة تابعة لحزب العمال الكردستاني الإرهابي في شمال سوريا وشمال العراق عبر عمليات استُخدِمَت فيها ذخائر مصنعة محلياً في غالبها.
وختم إيلمالي مقاله بالقول: بينما تتحد تركيا أمام مثل هذه الاستفزازات، يتعين عليها أن تواصل تعزيز مقاومتها للتحديات والصعوبات في المراحل القادمة".