لماذا التزم المغرب الصمت "الرسمي" تجاه حادثة اغتيال إسماعيل هنية؟

12

طباعة

مشاركة

“صمت رسمي” مستغرب من المغرب بشأن جريمة اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إسماعيل هنية، بالعاصمة الإيرانية طهران نهاية يوليو/ تموز 2024.

ووسط مخاوف من تداعيات الحادث، توالت إدانات من دول وهيئات عربية لعملية اغتيال هنية الذي زار المغرب عام 2021 وحظي باستقبال كبير لافت واحتفاء رسمي.

صمت القبور

وفجر 31 يوليو 2024، أعلنت حركة "حماس" اغتيال هنية (62 عاما) إثر "غارة صهيونية غادرة" على مقر إقامته في طهران، غداة مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.

بعدها عبرت عواصم وهيئات عربية عن مواقفها المنددة بالحادث الصادم، وفي وقت انتظرت فيه أطياف من الشعب المغربي بيانا في السياق لم يصدر عن المملكة أي موقف يستنكر اغتيال شخصية عربية إسلامية مسؤولة.

وقال موقع “المنار” الفلسطيني إن "هناك دولا لم تصدر عنها أي مواقف تذكر بشأن تلك الجريمة التي هزت المنطقة بأسرها، رغم ما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات ربما تقلب الطاولة على الجميع وتُدخل الكل في حرب مفتوحة لن ينجو منها أحد".

وأضاف الموقع في مقال نشره مطلع أغسطس/ آب 2024، أن "هذا القسم يمثله مطبعون وعلى أعتاب التطبيع مع الكيان المحتل، في مقدمتهم السعودية التي لم يصدر عنها أي بيان أو تصريح أو موقف يتعلق بالجريمة، ومنها الإدانة الدبلوماسية التي التزم بها الجميع، بما فيها حلفاء إسرائيل".

واستطرد: "كذلك المغرب، الدولة المنخرطة في حظيرة التطبيع رسميا، إذ التزم هو الآخر الصمت، فيما أدان الحزبان المعارضان، العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية الجريمة، واصفين إياها في بيانين منفصلين بـ(العملية الإرهابية)".

من جانبه، قال المغربي علي تيسير، إن "قائدا ورئيس حكومة فلسطينية سابقا وشخصية دولية (هنية)، زار المغرب رسميا وبشكل خاص واستقبله رجال الدولة...".

وفي تدوينة عبر "فيسبوك" في 2 أغسطس، أضاف تيسير مستنكرا: “لماذا لا تعبر الدولة عن إدانتها لاغتياله ولا تعزية ولم تعبر عن أي موقف؟ أم أن من بنود التطبيع الانسلاخ حتى عن الأوصاف الإنسانية؟”

ومن أبرز الدول العربية التي تجاهلت عملية الاغتيال ولم تعلق عليها إلى جانب المغرب، السعودية وتونس، حيث لم تصدر تلك البلدان أي بيان أو تصريح يتعلق بالحادثة.

فيما لم تدن كل من الإمارات والبحرين ونظام مصر الجريمة، واكتفت ببيانات تعرب عن قلقها من “تصاعد التوتر في المنطقة”.

وفي تعليقه على ذلك، قال الباحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، حسن حمورو، إن “المغرب من حيث المبدأ لا يمكن إلا أن يكون ضد اغتيال  هنية، بالنظر لمواقفه الثابتة الداعمة للقضية الفلسطينية، وجهوده في إيجاد حل دائما لها، وبالنظر كذلك لاعترافه الضمني بحركة حماس”.

وأوضح حمورو لـ"الاستقلال" أن “المغرب سبق واحتضن جولات من المصالحة الفلسطينية وشاركت فيها قيادات حماس، بالإضافة إلى زيارات قياداتها المتعددة إلى المغرب، منها رئيس حماس في الخارج  خالد مشعل مرتين، والقيادي في الحركة أسامة حمدان، وهنية نفسه سنة 2021، أي بعد توقيع المغرب الاتفاق الثلاثي المعلوم الذي تم بموجبه استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل”.

واستطرد: "في التقدير، وبالنظر إلى إحدى أهم قواعد السياسة الخارجية للمغرب، وهي التريث في إصدار المواقف إزاء الأحداث المعقدة والتي تتداخل فيها مصالح متشابكة وتتطلب الاصطفاف، فإن المغرب تأخر أو تردد في الإدانة الصريحة والرسمية لاغتيال هنية، لمعطيات قد تفيد بالنسبة إليه أن العملية معقدة وأن ما بعدها لم تتضح معالمه، وقد يكون وراء ذلك نوع من الترجيح الذي يتطلب التأخير فقط".

واستدرك حمورو قائلا: “لكن السماح بخروج عشرات الوقفات والمسيرات المنددة باغتيال هنية في كل جهات البلاد، وكذا مشاركة رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران المعروف بولائه للملك وللدولة، في تشييع هنية، يؤكد أن المغرب ضد هذا الاغتيال حتى لو لم يتم التعبير رسميا عن ذلك”.

من جهته، قال الأكاديمي إسماعيل حمودي: "يجب التمييز في الموقف المغربي بين ثلاثة مستويات، الأول، يتعلق بالموقف الشعبي، فالمغرب على خلاف دول عربية يسمح بالتظاهر الشعبي، في المدن كافة، بما في ذلك التظاهر أمام قنصليات غربية (الأميركية والفرنسية في الدار البيضاء) بعد اغتيال هنية، وهذا موقف ثابت لم يتغير منذ بداية العدوان...".

وأضاف حمودي في تدوينة عبر "فيسبوك" في 4  أغسطس أن "المستوى الثاني، موقف شبه رسمي، ففي تقديري يندرج لقاء رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني مع قيادة حماس في الدوحة في مايو 2023، ثم حضور رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران في جنازة هنية ، ضمن المسموح به رسميا...".

ورأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، أن "المستوى الثالث، موقف الدولة الذي تعبر عنه وزارة الخارجية والخطب أو الرسائل الملكية، والتي تتفاعل حسب تطورات الأحداث، ويلاحظ أن الموقف الرسمي المغربي تطور في اتجاه إدانة العدوان الصهيوني المستمر على غزة..".

وأشار إلى أنه "في ضوء تلك التطورات السلبية، أي التصعيد نحو الحرب الإقليمية، يبدو امتناع المغرب عن إدانة اغتيال هنية، جزءا من موقف عربي (السعودية، الإمارات، البحرين..)، مفاده الدعوة إلى التهدئة وعدم التصعيد، بمعنى رفض الحرب الشاملة في المنطقة". 

وتابع: "لأنها تدرك أن تلك الحرب ستكون ساحتها الدول العربية، خصوصا الأردن ولبنان، وربما تمتد إلى دول خليجية كذلك، وقد يؤدي ذلك إلى تفكيك تلك الدول من جديد".

صرخة شعبية

الصمت الرسمي قابله خروج مسيرات حاشدة في عدة مدن مغربية منددة باغتيال هنية، رفعت خلالها شعارات تطالب بإسقاط التطبيع بين المغرب وإسرائيل.

كما عبرت عدة أحزاب وهيئات سياسية مغربية عن إدانتها الجريمة التي استهدفت هنية الذي تربطه علاقات صداقة مع زعماء أحزاب مغربية.

وأعربت جماعة "العدل والإحسان" عن إدانتها الشديدة لجريمة اغتيال هنية.

وقالت الجماعة في نعيها لهنية إنه "انضم لكوكبة الشهداء الذين سقوا ثرى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدمائهم الطاهرة، فلحق بركب الشيخ أحمد ياسين والقائد عبد العزيز الرنتيسي، والشيخ صالح العاروري وغيرهم رحمهم الله".

وأضافت "نتقدم إزاء هذا المصاب الجلل بتعازينا الأخوية الخالصة للإخوة والأخوات في حركة المقاومة الإسلامية حماس، وللشعب الفلسطيني الصابر المجاهد المحتسب، وللأمة العربية والإسلامية جميعا".

ورأت أن "دم القائد  هنية رحمه الله سيكون، بإذن الله وتوفيقه وقوته، وقودا متجددا للجهاد والمقاومة والفداء".

وأشارت إلى أن "الاغتيالات الجبانة للشرفاء وسيلة للتنفيس عن مغتصبي الأرض، وتغطية على فشلهم الذريع في أرض المعركة، وهي إيذان بنهايتهم القريبة".

أيضا أكد حزب "النهج الديمقراطي العمالي" أن "الاغتيال الجبان لهنية وهو أحد القادة السياسيين لأهم فصائل المقاومة، لا ينفصل عن مسلسل عمليات الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني، ومسلسل الاغتيالات الإرهابية التي يباشرها الكيان النازي ضد قادة المقاومة".

ورأى الحزب في بيان، أن هذا الاغتيال "من أبشع الجرائم التي تنضاف إلى سجل الكيان الصهيوني وطبيعته الفاشية والإرهابية، والتي لا يتورع في الإعلان عنها عبر قادته الإرهابيين، والتي تحظى بتحالف ودعم وتصفيقات قادة الإمبريالية الأميركية والغرب الإمبريالي الاستعماري".

الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، ندد بجريمة اغتيال هنية بـ"أيادي الغدر الجبانة للكيان الصهيوني، في جريمة سياسية جديدة".

وقال بنعبد الله في تغريدة عبر منصة “إكس” إن “هذه الجريمة النكراء تؤكد، مرة أخرى، على الطبيعة الإجرامية لإسرائيل، وعلى ممارستها المُمنهجة لإرهاب الدولة، وعلى عدم نيتها في السلام”.

وأضاف أن "ما يؤكد غطرسة الكيان الصهيوني المارق أن جريمة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، على غرار معظم الاغتيالات الإرهابية السابقة في حق القادة الفلسطينيين، تتم فوق تراب دول أخرى، بما يُشكِّلُ انتهاكا خطيرا لسيادة هذه الدول وللشرعية الدولية وللقانون الدولي.

صمت مؤسف

وشارك الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، في 2 أغسطس، في العاصمة القطرية الدوحة في مراسم هنية.

وفي تعليق على ذلك، قال الصحفي يونس مسكين في تدوينة عبر فيسبوك: "حضور بنكيران جنازة هنية، سواء كانت بتكليف ضمني من الدولة أو بدونه، بإذن مسبق أو بشكل تلقائي، هو إنقاذ لماء وجه المغرب في ظل الصمت المؤسف على جريمة الاغتيال".

وبعدما أثار حضور بنكيران جنازة هنية في الدوحة، أنظار المراقبين، قال مصدر مقرب من رئيس الحكومة المغربي السابق، إن هذه المشاركة "كانت بمبادرة شخصية محضة".

وأوضح المصدر لموقع "صوت المغرب" في أغسطس، أن "بنكيران وبمجرد علمه بتنظيم جنازة الراحل هنية في الدوحة، قام بالترتيبات اللازمة للسفر، رفقة كل من مسؤول العلاقات الخارجية في حزب العدالة والتنمية، محمد رضا بنخلدون".

وذكر أن "الأمر يتعلق بمشاركة شخصية، لا تتطلب اتخاذ إجراءات معينة، وإن كان الإخبار يبقى ضروريا في مثل هذه المبادرات".

وكانت آخر زيارة لهنية إلى المغرب قد جرت عام 2021، وجاءت بعد أشهر من توقيع المغرب اتفاقات التطبيع مع الكيان المحتل.

وتمت زيارة هنية للمغرب، بوصفه رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" على رأس وفد من 12 شخصية قيادية بينها موسى أبو مرزوق وعزت الرشق، بدعوة من حزب "العدالة والتنمية" الذي كان يقود الائتلاف الحكومي عام 2021.

وقيل آنذاك إن زيارة هنية تندرج "في إطار العلاقات بين المملكة وفلسطين ومساهمة في دعم القضية الفلسطينية والتشاور وتبادل الأفكار وسبل الدعم"، وتضمن برنامج الزيارات لقاءات مع بعض الأحزاب السياسية المغربية.

وخلال تلك الزيارة، غير المسبوقة لقيادي “حماس” إلى المغرب، أقام الملك محمد السادس، مأدبة عشاء على شرف وفد المكتب السياسي لحماس، برئاسة هنية، وأقيم الحفل في قصر الضيافة بالعاصمة الرباط، الذي يخصص عادة لاستضافة حفلات عشاء ضيوف المغرب الكبار.

وحضر الحفل رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وعدد من ممثلي الأحزاب والنقابات المغربية.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020، استأنف المغرب وإسرائيل علاقتهما الدبلوماسية بوساطة أميركية، مقابل اعتراف كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بسيادة المملكة على إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة "البوليساريو".

وأثار استئناف العلاقات مع إسرائيل رفضا في قطاعات شعبية وقوى سياسية في المملكة، وزار مسؤولون إسرائيليون الرباط، لكن الزيارات توقفت مع بدء العدوان على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وتواصل إسرائيل حربها على غزة متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح (جنوب)، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري بالقطاع.

كما تتحدى تل أبيب طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير دفاعها يوآف غالانت؛ لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" في غزة.