أزمة قيادة وانقسامات داخلية.. إلى أين يتجه مستقبل حزب أتاتورك في تركيا؟

منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تشهد الساحة السياسية داخل حزب الشعب الجمهوري التركي توترات متزايدة نتيجة النقاشات حول الترشح لرئاسة الجمهورية، والتي تعكس في جوهرها بنية القيادة داخل الحزب.

ووفق مقال نشرته صحيفة يني شفق التركية للكاتب التركي "فاروق أونالان" فإنّ هذه النقاشات لم تقتصر على التنافس بين رئيسي بلديتي إسطنبول وأنقرة، أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، بل امتدت لتؤثر على استقرار الحزب وإدارته للشؤون المحلية. وعلى الرغم من إنكار إمام أوغلو تأثير ذلك على عمله في بلدية إسطنبول، فإن الواقع يُظهِر عكس ذلك.

صراع متجدد

يُعد حزب الشعب الجمهوري من أعرق الأحزاب في تركيا، لكنه يعاني في السنوات الأخيرة من صراعات داخلية حادة، خاصةً فيما يتعلق بترشيح رئاسة الجمهورية وأزمة القيادة. ولعل أبرز تعبير عن هذه الأزمة كان الجدل حول "الخنجر"، الذي أصبح رمزا للانقسامات الحادة داخل الحزب. 

وقد استغل الرئيس رجب طيب أردوغان هذه الفوضى الداخلية، مشيرا إلى ضعف الثقة بين أعضائه من خلال تساؤله: "الخنجر الآن بيد من؟"، في إشارة إلى الخيانات السياسية والتوترات المتصاعدة.

وأضاف الكاتب التركي: ظهر مصطلح "الخنجر" لأول مرة في المؤتمر العام الثامن والثلاثين للحزب، وذلك عندما تحدث كمال كليتشدار أوغلو عن خوضه انتخابات 2023 مع وجود "خناجر في ظهره"، وقد أشار بهذه العبارة إلى المعارضة الداخلية التي واجهها. 

وقد لقِيَ هذا التصريح صدى واسعا معبّرا عن الخلافات بين جناح الإصلاحيين والقيادة التقليدية للحزب. 

وتابع: لقد دافع كليتشدار أوغلو عن سياساته، ولكن رأى معارضوه أنه فشل في إيصال الحزب إلى السلطة خلال 13 عاما من رئاسته.

وفي المؤتمر العام الثامن والثلاثين الذي فاز فيه أوزغور أوزيل برئاسة الحزب ضد كليتشدار أوغلو، تم التطرق إلى قضية "الخنجر" بشكل غير مباشر؛ حيث صرح أوزيل في خطابه قائلا: "لا يوجد خناجر في حزب الشعب الجمهوري"، وذلك في محاولة منه لإضفاء طابع بنّاء على النقاشات الداخلية. رغم ذلك، كان من الواضح أن الجروح التي خلفها هذا الجدل لا يمكن تجاوزها بسهولة. 

وأضاف أونالان: دخل الحزب انتخابات 2023 بقيادة كليتشدار أوغلو ضد أردوغان، لكنه خرج مهزوما، مما أثار نقاشات حول فاعلية قيادة الحزب وقدرته على تقديم بديل حقيقي للحكم. 

فعلى الرغم من فوز أوزغور أوزيل برئاسة الحزب، استمرت الخلافات حول إستراتيجيات الحزب ومكانته المستقبلية؛ حيث كانت هناك مخاوف من تأثير سياسة التحالفات على هوية الحزب. ومع اقتراب انتخابات 2025، أصبح اختيار المرشح الرئاسي المقبل مسألة حاسمة داخل الحزب، خاصة بعد اقتراح أوزيل بتنظيم انتخابات تمهيدية. 

لقد قوبل هذا الاقتراح بردود فعل متباينة؛ حيث عدّه البعض خطوة ديمقراطية، بينما حذر آخرون من تأثيره على وحدة الحزب، خاصة بعد إعلان منصور يافاش رفضه الترشح.

مرشح الرئاسة

واستدرك الكاتب التركي: أثار مقترح الانتخابات التمهيدية جدلا واسعا؛ حيث يخشى البعض من أن يؤدي إلى انقسامات داخل الحزب ويؤثر على انسجامه الداخلي. 

كما أن هذه الانتخابات قد تغير موازين القوى؛ إذ تمنح الشخصيات الأكثر شعبية ميزة تنافسية على غيرهم. وفي هذا السياق، فقد رفض رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش فكرة الانتخابات التمهيدية، ويرى أنها قد تضر بفرص اختيار مرشح يحظى بقبول واسع على مستوى البلاد وليس فقط داخل الحزب. 

ويرى يافاش أن الحزب بحاجة إلى آلية أكثر شمولا لضمان ترشيح شخصية قادرة على استقطاب مختلف الفئات الناخبة.

على النقيض، بدا رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أكثر انفتاحا على الفكرة، رغم أنه لم يحسم موقفه من الترشح حتى الآن. في هذا السياق، فقد عزز هذا الوضع التوقعات بوجود منافسة محتدمة بين الرجلين داخل الحزب. ورغم أن استطلاعات الرأي تشير إلى أنهما من أبرز المرشحين المحتملين، فإن الانتخابات التمهيدية قد تمنح أحدهما أفضلية على الآخر. خاصة أن إسطنبول، وهي معقل إمام أوغلو، تضم عددا أكبر من أعضاء الحزب مقارنة بأنقرة.

من جانبه، يرى يافاش أن الإعلان عن المرشح قبل وقت طويل من موعد الانتخابات قد يؤدي إلى استنزافه سياسيا، مشيرا إلى أن الظروف قد تتغير في تركيا خلال السنوات المقبلة.

ومع استمرار هذا الجدل تبقى أزمة القيادة في حزب الشعب الجمهوري قائمة؛ حيث لا تزال معركة الزعامة مفتوحة على جميع الاحتمالات.

التشكيك في القدرات

تمرّ القيادة داخل حزب الشعب الجمهوري بمرحلة حرجة؛ إذ لم يعد النقاش يقتصر على اختيار المرشحين للانتخابات المقبلة، بل بات يشمل أيضا أداء رئيس الحزب أوزغور أوزيل وقدرته على توحيد صفوف الحزب. 

وقد انتُخب أوزيل رئيسا للحزب في مؤتمر 2023 بعد حملة انتخابية وعد فيها بإحداث تغيير جذري، مما أكسبه دعما كبيرا من القاعدة الحزبية. ومع ذلك لم يكن طريقه سهلا؛ حيث واجه صعوبات في إدارة التنافس الداخلي، خاصة بين أبرز قيادات البلديات الكبرى، مثل أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش. وقد دفع هذا الوضع الكثيرين إلى التشكيك في قدرته على فرض رؤية موحدة للحزب وقيادته نحو النجاح السياسي.

على صعيد آخر، لم تخلُ الساحة السياسية من انتقادات وُجّهت إلى إمام أوغلو بسبب طموحاته في السياسة الوطنية؛ إذ يرى البعض أنه أهمل مسؤولياته كرئيس لبلدية إسطنبول؛ حيث تزايدت المشكلات المتعلقة بالبنية التحتية، والازدحام المروري، وإدارة الكوارث، مما دفع بعض المراقبين إلى التشكيك في قدرته على تولي منصب رئاسي بينما يواجه تحديات في مدينته.

أما يافاش، فقد اتخذ موقفا أكثر تحفظا تجاه الترشح للرئاسة؛ حيث عبّر عن رفضه للانتخابات التمهيدية داخل الحزب، مفضلا إستراتيجية تستهدف جمهورا أوسع بدلا من التركيز على القاعدة الحزبية فقط. لكنّ هذا الموقف قوبل بانتقادات من داخل الحزب؛ حيث عُدّ انحرافا عن هويته التقليدية. 

وفي الوقت ذاته لا تزال أنقرة تواجه تحديات كبرى، مثل أزمة المرور المتفاقمة، مما يزيد من المخاوف بشأن مدى تأثير السباق السياسي على أداء البلديات.

وأشار الكاتب إلى أنّ الخلافات داخل الحزب لم تعد مجرد مسألة داخلية، بل باتت تؤثر بشكل مباشر على الخدمات البلدية التي يديرها الحزب. فمع انشغال شخصيات بارزة مثل إمام أوغلو ويافاش بالسياسة الوطنية، قد يؤدي تراجع جودة الخدمات إلى فقدان ثقة الناخبين، خاصة في المدن الكبرى. 

وإذا استمر الأمر بهذا الاتجاه، فقد يجد الحزب نفسه في موقف ضعيف قبل الانتخابات المقبلة، مما يجعل أزمة القيادة أكثر تعقيدا ويهدد مستقبله السياسي.

المؤتمر المشبوه

في خطوة مثيرة للجدل، أكد الرئيس السابق لحزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، أن المؤتمر العام الثامن والثلاثين للحزب كان "مشبوها" وأنه سيقوم بنقل القضية إلى القضاء. 

وذكر الكاتب التركي أن هذه التصريحات تشير إلى أن الحزب قد يدخل في مرحلة من التوتر السياسي المتصاعد في الأيام المقبلة، مع احتمال إلغاء المؤتمر بقرار قضائي. ومثل هذا القرار قد يؤدي إلى تحولات جذرية في نقاشات الحزب الداخلي، مما يرفع درجة عدم اليقين بشأن مستقبله.

فإن الاستمرار في الصراعات الداخلية والمناقشات العقيمة داخل حزب الشعب الجمهوري قد يسهم في نتائج سلبية على المدى الطويل. 

في هذا السياق، عبّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن قلقه بشكل صريح، قائلا:

"الآن، لا نعلم من يحمل الخنجر ومن سيتعرض للطعن، هذه مشكلتهم، لا علاقة لي بهم، وليس لدي أي اهتمام بذلك؛ فمشكلتهم لم تكن يوما خدمة الشعب، بل كانوا دائما منشغلين بحفر الحفر لبعضهم البعض. صدقوني، لقد حمى الله هذا الشعب من حزب الشعب الجمهوري. تخيلوا لو أنهم لم يسيطروا فقط على بعض الإدارات المحلية، بل تولوا حكم البلاد، كيف سيكون حالنا؟"

إن هذه التصريحات تشير إلى خطورة الوضع داخل الحزب، حيث يمكن أن يؤدي الصراع الداخلي إلى مزيد من التفكك، مما يؤثر على قدرة الحزب على تقديم نفسه كبديل جدي للحكومة.