أول سفير لأفغانستان في أبوظبي.. ماذا وراء فتح الإمارات أحضانها لطالبان؟
"التمثيل الدبلوماسي لحكومة طالبان بالإمارات سبقته زيارات كبار المسؤولين الأفغان"
على خلاف تعاطيها مع معظم الحكومات ذات التوجه الإسلامي، لا سيما التي كانت نتاجا لثورات الربيع العربي، تسعى الإمارات إلى توطيد علاقتها مع حكومة حركة "طالبان" الأفغانية، التي تولت السلطة بعد إنهاء الاحتلال الأميركي، والذي استمر 20 عاما.
وفي 30 أغسطس/ آب 2021، أنهت الولايات المتحدة عملية انسحاب قواتها العسكرية من أفغانستان، وذلك عقب احتلالها البلاد بعد وقت قصير من استهداف برجي التجارة العالمية بأميركا في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وزعمت واشنطن أن “طالبان” داعمة للإرهاب.
إنجاز كبير
"في أكبر إنجاز دبلوماسي لحكام أفغانستان منذ إرسال سفيرهم إلى الصين، قبلت الإمارات، أوراق اعتماد سفير حركة طالبان لدى الدولة الخليجية الغنية بالنفط"، حسبما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" في 21 أغسطس/آب 2024.
ورأت أن "خطوة أبوظبي بدت دليلا آخر على الانقسام الدولي بشأن كيفية التعامل مع طالبان، التي لا يُعترف بها رسميا كحكومة شرعية للبلاد"، في إشارة إلى عدم اعتراف الأمم المتحدة والدول الغربية بها.
ولا يرتبط السفير الجديد، بدر الدين حقاني، بعلاقة قربى بوزير الداخلية الأفغاني بالوكالة، سراج الدين حقاني، الزعيم الحالي لشبكة "حقاني"، وهو مطلوب من الولايات المتحدة لاتهامات تتعلق بتورطه في هجمات مميتة، إضافة إلى أنه مدرج على قوائم عقوبات عدة، وفقا للوكالة الأميركية.
من جهتها، أكدت وزارة الخارجية الأفغانية تسليم أوراق اعتماد بدر الدين حقاني إلى وكيل وزارة الخارجية المساعد سيف عبد الله الشامسي، حسب منشور على منصة "إكس" في 21 أغسطس 2024.
ووصف حقاني عبر بيان الوزارة العلاقات بين أفغانستان والإمارات بـ”التاريخية"، وأعرب عن امتنانه وارتياحه للتعاون والمساعدة المستمرّين من جانب ذلك البلد.
من جانبه، أكد الشامسي أن علاقات الإمارات مع أفغانستان "مهمة"، معربا عن أمله في أن يتم تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين بشكل أكبر مع تعيين سفير أفغانستان الجديد.
وذكرت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية "وام"، في 17 أغسطس، أن الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، زار رئيس الوزراء الأفغاني الملا محمد حسن أخوند الخاضع للعلاج في أحد مستشفيات أبوظبي للاطمئنان على صحته.
ويأتي التمثيل الدبلوماسي لحكومة طالبان الأفغانية في أبوظبي أيضا، بعد زيارة أجراها وزير الداخلية الأفغاني سراج الدين حقاني ولقائه برئيس الإمارات في 4 يونيو 2024.
وذكرت وكالة "وام" في حينها، أن ابن زايد وحقاني بحثا خلال اللقاء الذي جرى في قصر الشاطئ بأبوظبي "تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين وسبل تنميتها بما يحقق المصالح المشتركة ويسهم في استقرار المنطقة".
وتناولت المباحثات مجالات عدة "خاصة الاقتصادية والتنموية ودعم الإعمار والتنمية في أفغانستان".
وهذا اللقاء ليس الأول منه نوعه؛ إذ سبق أن استقبل الرئيس الإماراتي، في ديسمبر/كانون الأول 2022، وزير الدفاع في حكومة طالبان الملا محمد يعقوب في أبوظبي، وركزت المناقشات حينها على استعادة الأمان التشغيلي لمطارات أفغانستان.
أهداف متعددة
وبخصوص دوافع مساعي توطيد العلاقة مع حكومة طالبان، أوضح تقرير نشره مركز "كارنيغي" الأميركي للسلام الدولي، أن الإمارات تعاملت منذ أغسطس 2021، مع واقع أن "إمارة أفغانستان الإسلامية هي الحكومة الفعلية الوحيدة في البلاد".
وتابع التقرير المنشور في 24 يناير 2023 أن "أبوظبي رأت في هذا الوضع (تولي طالبان الحكم في أفغانستان) فرصة لتعزيز مكانتها كشريك ذي قيمة للقوى الغربية، بجانب دورها الإنساني".
وعلى الصعيد السياسي، اتبعت الإمارات نهجا متوازنا وحساسا، فبينما استضافت الرئيس الأفغاني المخلوع أشرف غني على أراضيها، أشارت في تصريحاتها الأولى عن سيطرة إمارة أفغانستان الإسلامية، في عام 2021، إلى "الشعب الأفغاني الشقيق"، بحسب المركز الأميركي.
وتجلى هذا السعي -وفقا للمركز- من خلال المساعدات التي قدمتها الإمارات لإجلاء الدبلوماسيين الأجانب، و28 ألف مواطن أفغاني عند استعادة طالبان السيطرة على البلاد، إضافة إلى إمدادات الغذاء والإغاثة.
وفي السياق ذاته، يقول المحلل السياسي الإماراتي، أمجد طه، أن "تعامُل أبوظبي مع طالبان يأتي من باب الواقعية السياسية والتعامل الصحيح في إيجاد حوار يوصل الجميع لهدف إيجاد الأمن والاستقرار والتنمية واحترام الإنسانية والحقوق".
وأضاف طه لقناة "بي بي سي" البريطانية في 14 يونيو 2024، أن "الإمارات تتعامل بواقعية مع حكومة طالبان كما تفعل الولايات المتحدة وحكومات أخرى في طهران أو سوريا أو الضفة الغربية لأجل مستقبل أفضل للشعوب".
ولفت إلى أن "أفغانستان تمتلك موقعا جيوسياسيا مهما، فهي جسرٌ يربط الشرق بغرب وجنوب ووسط آسيا، وبالتالي تشكّل مجالا للاستثمارات الاقتصادية بما يصبّ في صالح ازدهار الشعب الأفغاني".
وفازت الهيئة العامة للطيران المدني الإماراتية على منافسين من قطر وتركيا في سبتمبر/ أيلول 2022، بعقد تقديم خدمات للمسافرين بالإضافة إلى الخدمات الفنية لـ4 مطارات دولية في أفغانستان، بما في ذلك كابل.
وفي هذه النقطة تحديدا، نقلت وكالة "رويترز" في 5 ديسمبر 2022، عن مصادر دبلوماسية لم تسمها، أن “الإمارات حريصة على مواجهة النفوذ الدبلوماسي القطري في أفغانستان عبر إدارة المطارات الأفغانية”.
وتواجه طالبان التي عادت للحكم بعد 20 عاما من الإطاحة بنظامها السابق، أزمة مالية خانقة في الوقت الراهن، جزء منها بسبب تجميد أميركا أصولا وأموالا أفغانية كانت تحت تصرف الحكومة السابقة التي أطاحت بها الحركة.
وأمام تلك المعطيات، فإن الإمارات راغبة في تكرار التجربة السابقة لها مع النفوذ في أفغانستان؛ إذ تعد من الدول التي اعترفت بحكومة طالبان السابقة في تسعينيات القرن العشرين.
تنمية النفوذ
وفي دراسة نشرها "معهد دول الخليج العربية في واشنطن" في 31 يناير 2023، رأت أن انخراط الإمارات الحالي مع طالبان أمر ليس غريبا؛ إذ يبدو أن الإمارات ترغب في إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع طالبان وتنمية نفوذها خاصة مع أعضاء الحركة الشباب والصاعدين.
وأشارت الدراسة إلى الزيارة الرسمية الأولى للقائم بأعمال وزير الدفاع لدى طالبان، الملا يعقوب (وهو أيضا نجل زعيم طالبان السابق الملا عمر)، وأنس حقاني (الأخ الأصغر لوزير داخلية طالبان سراج الدين حقاني) إلى أبوظبي في ديسمبر/كانون الأول 2022.
وأوضحت أنه "نظرا لأن الملا يعقوب وفصيل حقاني داخل طالبان مسؤولان إلى حد كبير عن الأمن في البلد الذي مزقته الحرب، فإن المشاركة الخارجية معهم تعكس الحسابات القائمة على المصالح الإماراتية".
من وجهة نظر طالبان، فإن بناء الثقة مع السلطات الإماراتية سيمهد الطريق بشكل أكبر للتعامل مع طالبان ليس فقط على أنها أمر واقع، بل كحكام شرعيين للبلاد، لأن الاعتراف السياسي في نهاية المطاف يبقى هو الهدف الأسمى لهذا النظام الحاكم، وفقا للدراسة.
وتابعت: "إضافة إلى ذلك، يمكنها إقناع المغتربين ورجال الأعمال الأفغان المقيمين في الإمارات بالعودة والاستثمار في أفغانستان، إذ يعيش في الإمارات ما يقدر بنحو 150 ألف مواطن أفغاني، وقد استثمر أكثر من 500 رجل أعمال أفغاني ما مجموعه 4 مليارات دولار في الإمارات".
ولفتت الدراسة إلى أنه "يبدو أن إغراء بعض هؤلاء الأثرياء الأفغان بالعودة للاستثمار في أفغانستان هو الهدف الرئيس من الزيارة والاجتماعات التي عقدها الملا يعقوب وأنس حقاني مع المغتربين الأفغان".
وأشارت إلى أن "براغماتية الطرفين الإماراتي وطالبان هي التي تدفع نحو المشاركة بين الجانبين، ولكن هناك أيضا استعداد لدى الإماراتيين لجس نبض مختلف المسؤولين في الحركة، مع الاستفادة من القيمة الاقتصادية للمغتربين الأفغان المقيمين في الإمارات".
وخلصت الدراسة إلى أن "السلطات الإماراتية تدرك بالفعل أن هذا النفوذ يعد أمرا فريدا بالنسبة لها، وربما لم يعد نظراؤها القطريون يشاركونها فيه، وهذا ما يجعل الإماراتيين يحافظون بشكل خاص على التواصل السياسي مع أي حاكم في أفغانستان".
وتدير حركة “طالبان” منذ سنوات مكتبا سياسيا في قطر، إذ يلتقي كبار زعماء الحركة في كثير من الأحيان مع المسؤولين الأجانب، خاصة أن الدوحة هي التي رعت الملف الأفغاني منذ عام 2013 ولا تزال.
المصادر
- الإمارات تتسلم أوراق اعتماد بدر الدين حقاني سفيرا لأفغانستان
- طالبان في ضيافة الإمارات: ماذا يريد محمد بن زايد من سراج الدين حقاني؟
- الإمارات.. محمد بن زايد يستقبل سراج الدين حقاني المطلوب في أميركا
- مقاربة الإمارات تجاه طالبان
- بعد شهرين من لقاء محمد بن زايد.. طالبان تحقق "إنجازا كبيرا" من الإمارات
- البراجماتية تدفع نحو الانخراط بين طالبان والإمارات
- العين على قطر.. ماذا وراء لقاء وزير دفاع طالبان مع ابن زايد في أبوظبي؟
- زار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان رئيس الوزراء الأفغاني الملا محمد حسن أخوند الخاضع للعلاج في أحد مستشفيات أبو ظبي للاطمئنان على صحته.