"أوكرانيا الإفريقية".. ما سر انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من إيكواس؟
في خطوة عدها مراقبون "غير مفاجئة"، أعلنت مالي وبوركينا فاسو والنيجر، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، مقدرة في بيان مشترك أن المجموعة الاقتصادية "تشكل تهديدا لها".
وفي 28 يناير/كانون الثاني 2024، أوضح البيان المشترك، أن الدول الثلاث ستنسحب من "إيكواس"، المكونة من 15 عضوا "في أقرب وقت ممكن".
والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والتي تعرف اختصارا بالفرنسية بـ"سيدياو" وبالإنجليزية "إيكواس" هي منظمة سياسية واتحاد اقتصادي إقليمي يتكون من 15 دولة تقع في منطقة غرب إفريقيا، وتأسست في 25 مايو/أيار 1975.
أسباب الانسحاب
وسجل البيان المشترك، أن "إيكواس" لم تساعد البلدان الثلاثة في حربها ضد الإرهاب، مشيرا إلى أنه "عندما أرادت البلدان المعنية اتخاذ خطوات بشأن مكافحة الإرهاب، تعرضت لعقوبات لا يمكن تصورها، وغير قانونية".
وتابع "قررنا بسيادة كاملة الانسحاب الفوري لبوركينا فاسو ومالي والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا".
وجاء في البيان "أصبحت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، تحت تأثير قوى أجنبية، لقد خانوا مبادئ الكتلة التأسيسية، وهذا يشكل تهديدا للدول الأعضاء وسكانها الذين من المفترض أن تضمن الحكومات سعادتهم".
وترى الأنظمة العسكرية الحاكمة في البلدان الثلاثة أن لفرنسا تأثيرا كبيرا على المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وأن الانسحاب يعد أحدث خطوة في القطيعة مع الحلفاء التقليديين للدول الثلاث.
وفي ردها على بيان انسحاب الدول الثلاث، انتقدت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، قرار الانسحاب، مبينة أن مفوضية "إيكواس" لم تتلق بعد إخطارا رسميا مباشرا من الدول الأعضاء الثلاث بشأن عزمها الانسحاب من المجموعة.
وفي 29 يناير 2024، أوضحت المجموعة في بيان، أن مفوضية "إيكواس" تعمل بشكل مكثف مع هذه البلدان لاستعادة النظام الدستوري، وفقا لتوجيهات قادة الدول والحكومات.
وأكد البيان، أن بوركينا فاسو والنيجر ومالي تظل أعضاء مهمة في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، مشيرا إلى أن "إيكواس" تتابع التطورات عن كثب وستدلي بمزيد من البيانات بالتوازي مع تطور الوضع.
بدوره، عبر الاتحاد الإفريقي، عن أسفه لقرار مالي وبوركينا فاسو والنيجر، الانسحاب من "إيكواس"، داعيا زعماء المنطقة لتكثيف الحوار بينهم.
وفي 30 يناير 2024، قال الاتحاد الإفريقي، في بيان، إن "رئيس مفوضية الاتحاد، موسى فقي محمد، علم بكل أسف بقرار مالي وبوركينا فاسو والنيجر، الانسحاب من إيكواس".
ودعا المسؤول الإفريقي، إلى "تضافر الجهود من أجل الحفاظ على وحدة إيكواس، وتعزيز التضامن الإفريقي، وتكثيف زعماء المنطقة الحوار بين قادة المجموعة والدول الثلاث المنسحبة".
وأعرب عن استعداد مفوضية الاتحاد الإفريقي لتقديم كل ما بوسعها للمساعدة في إنجاح "حوار أخوي بعيدا عن التدخلات الخارجية أينما جاءت".
كما دخلت على خط انسحاب الدول الثلاث، الولايات المتحدة الأميركية التي دعت مالي والنيجر وبوركينافاسو إلى معاودة العمل مع "إيكواس".
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، خلال مؤتمر صحفي بمقر الوزارة في 30 يناير، "نراقب هذه التطورات عن كثب وإننا على اتصال وثيق مع إيكواس نفسها ومع الدول الأعضاء فيها".
وتابع: "سنستمر في الانخراط مع (إيكواس) وتشجيع جميع الأطراف في المنطقة على الدخول في حوار بناء من أجل إيجاد أرضية مشتركة".
وأشار ميلر، إلى أن "هناك عددا من الخطوات التي ندعو هذه البلدان الثلاثة إلى القيام بها"، مضيفا "نحن ندعوهم جميعا إلى العودة إلى طريق الديمقراطية".
أجندة فرنسية
ويُرجع مراقبون قرار انسحاب الدول الثلاث إلى توتر العلاقة بينها ومنظمة "إيكواس" جراء أزمات الانقلاب التي عرفتها مالي عام 2020، وبوركينا فاسو عام 2022 والنيجر عام 2023.
فبعد انقلاب النيجر، هددت "إيكواس" بأنها ستتدخل عسكريا من أجل استعادة السلطة، وفرضت حصارا اقتصاديا موسعا على نيامي.
وفي المقابل، أعلنت مالي وبوركينا فاسو، أن أي تدخل عسكري في النيجر يعد عدوانا عليهما وسيدفعهما لخوض الحرب ضد القوة المشتركة لـ"إيكواس".
وفي تعليقه على قرار الانسحاب، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو، محمد أغ إسماعيل، إن القرار كان متوقعا منذ أشهر، خصوصا بعد تأسيس تحالف دول الساحل الثلاث، في أعقاب أزمة النيجر وإيكواس.
ففي 17 سبتمبر/ أيلول 2023، وقعت الدول الثلاث "ميثاق ليبتاكو-غورما"، المؤسس لتحالف دول الساحل الثلاثة، والذي يهدف إلى إنشاء "هيكلية للدفاع المشترك، والمساعدة (الاقتصادية) المتبادلة".
ورأى إسماعيل، في حديث لموقع "الحرة" في 29 يناير 2024، أن أسباب هذه الخطوة "متعددة، ومن بينها رؤية أنظمة تلك الدول أن إيكواس لم تعد ذات سيادة في قراراتها"، إضافة إلى "العقوبات الاقتصادية والسياسية التي سبق أن فرضتها المنظمة على تلك الدول".
ورأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو، أن "إيكواس فشلت في مكافحة الإرهاب، ولا تنتظر هذه الدول جديدا منها".
وخلص إسماعيل، إلى أن "منطقة الساحل أصبحت أوكرانيا الإفريقية، ولها علاقة مباشرة في صراع النفوذ الدولي وإعادة بلورة نظام عالمي جديد، تسعى موسكو إلى أن تكون لها الكلمة العليا فيه".
من جهته، أرجع الباحث السنغالي في العلوم السياسية هارون با، أسباب هذا الانسحاب إلى كون الثلاثي المحكوم من طرف السلطات العسكرية "أصبح متضايقا من وجوده في بيئة جيوسياسية ضاغطة عليه ومطالبة بانتهاء حكمه في الآجال المحددة أي عودة النظام الدستوري".
وأضاف هارون با، في حديث لـ"الاستقلال"، أن الدول الانقلابية الثلاث ترى أن المجموعة "لم تعد سوى آلية لتمرير سياسة الغرب".
وتابع أن هذه الدول ترى أنه لم تعد هناك فائدة من البقاء في هذه المنظمة التي لم تعد منسجمة مع أهدافها التي سطرتها، خاصة أن هذه الدول كثيرا ما عزفت على وتر محاربة "الاستعمار الجديد" والإمبريالية الغربية.
أما الخبير في العلاقات الدولية أحمد نورالدين، فقال إن الأسباب المعلنة لهذا الانسحاب هي "تهديد" المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، لدول الساحل الثلاثة، و"خيانة مبادئها وخضوعها لإملاءات أجنبية".
وأضاف نورالدين، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه "إذا فككنا طلاسم هذه الجمل سنجد أن فرنسا بعد فشلها في إرغام الحكام الجدد على تسليم السلطة بدعوى الانقلاب العسكري، حاولت توظيف مجموعة إيكواس لتمارس ضغوطا على الدول الثلاث".
وتابع أن هذه الضغوط تحولت إلى شبه حصار سياسي واقتصادي فرضته المنظمة على الدول الثلاث إلى درجة منع وصول الدواء إلى النيجر مثلا، أو محاولة منع ممثلي "إيكواس" من الذهاب إلى النيجر.
وسجل أن "هذا انحراف عن الأهداف التي أنشئت من أجلها إيكواس ويجعلها أداة طيعة لتنفيذ أجندة فرنسية خالصة، هدفها الأول هو الهيمنة على الذهب واليورانيوم والثروات الطبيعية لهذه البلدان".
أما الهدف الثاني، حسب نورالدين، فهو "تصفية الحسابات مع روسيا والحيلولة دون تعزيز نفوذها في المنطقة".
خسارة كبيرة
وأمام انسحاب الدول الثلاث من "إيكواس"، يرجح متتبعون أن يؤدي هذا القرار إلى تداعيات سياسية واقتصادية سواء بالنسبة للمنظمة أو على مستوى المنطقة، خاصة في ظل الوضع الأمني السيئ والأوضاع الاجتماعية الصعبة.
الأستاذ الباحث المختص في الشؤون الإفريقية إسماعيل محمد طاهر، عد انسحاب الدول الثلاث من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "خسارة كبيرة لإيكواس".
ورأى الأكاديمي التشادي في حديثه لموقع قناة "تي آر تي عربي" في 30 يناير 2024، ، أن هذا الانسحاب "عزز تأكيد فرضية أن هذه المجموعة ليست قوية، لا على المستوى العسكري ولا على مستوى قدرتها على إنهاء الموجة الانقلابية".
وأضاف أن النيجر وبوركينا فاسو ومالي بقرارهم "يتحدَّون قرارات المجموعة وأعضائها المتشددين ضد الوضع السياسي الجديد في الدول الثلاث".
وتابع أن قرار انسحاب الدول الثلاث تأكيد "لمواجهتهم كل الضغوط وأنهم ماضون قُدما في استقلاليتهم عن القوى الغربية المتمثلة في فرنسا".
بدوره، أكد الخبير في العلاقات الدولية أحمد نور الدين، أنه "إذا لم تتراجع منظمة إيكواس عن قراراتها تجاه الدول الثلاث، فإن التحالف الثلاثي الناشئ في الساحل ستكون له آثار وخيمة على زعزعة الاستقرار المؤسساتي للمنظمة وعلى توازنها الاقتصادي والمالي".
ورأى نورالدين، في حديثه لـ"الاستقلال"، أن انسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية سيفقد إيكواس أسواقا تضم أزيد من 70 مليون مستهلك وحوالي نصف مساحتها الإجمالية.
وأضاف أن "الدول الثلاث تتعامل بفرنك غرب إفريقيا إلى جانب كلّ من البنين وكوت ديفوار وغينيا بيساو والسنغال وتوغو".
ورأى أنه من "المؤكد أن الدول المتمردة على الهيمنة الفرنسية ستضطر عاجلا أم آجلا إلى إيجاد بديل للفرنك الذي يتحكم فيه البنك المركزي الفرنسي وبشروط قاسية، وقد تنشئ عملة مشتركة وبنكا مركزيا مشتركا".
وهو ما قد يؤدي، حسب نورالدين، إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية التي فرضها المستعمر الأوربي منذ ستة عقود على دول المنطقة.
وأوضح أن هذا التغيير ستكون له تداعيات أمنية من حيث تراجع التنسيق بين الدول المعنية في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة.
وتابع أنه ستكون له أيضا تداعيات "من حيث الصراع بالوكالة بين الدول الأوربية من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى"، إضافة إلى "انعكاسات اقتصادية ومالية مرشحة لتشمل جوانب كثيرة منها الطاقة والبنيات التحتية والتحالفات العسكرية وغيرها كثير".
ومقابل تحذير كل من الأكاديمي إسماعيل محمد طاهر والخبير في العلاقات الدولية أحمد نور الدين من التداعيات السلبية لانسحاب الدول الثلاث، قلل الباحث في العلوم السياسية هارون با، من التأثيرات السلبية لهذا الانسحاب.
وقال با، في حديث لـ"الاستقلال"، “لا أعتقد أن خروج هذه الدول سيؤثر كثيرا على المجموعة بحكم أنها ليست من الأقطاب الرائدة داخل المجموعة وكونها أيضا تعيش تحديات متشابهة على الأصعدة كافة”.
وأكد أن المجموعة بحاجة إلى أعضائها كافة في المنطقة لأن ذلك فيه مصلحة للجميع، وعليه فإنها تريد حل إشكالاتها عبر الحوار.
أما عن تأثيرات الانسحاب على دول غرب إفريقيا، فرأى با، أن انسحاب هذه الدول الثلاث "لن يظهر تأثيره بصفة مباشرة مع دول الجوار".
وأوضح أن العلاقات التي تحكم دول الجوار "هي علاقات ثنائية، وبالتالي قد لا يكون هناك أي تأثير للانسحاب على هذه العلاقات".
ونبه با، إلى أنه "ستظهر تأثيرات سواء عاجلا أم آجلا، على علاقات الدول الثلاث المنسحبة مع باقي الدول التي لا تربطها علاقات تعاون ثنائية داخل المجموعة".