اتفاقية دفاع مشترك بين مليشيات إيران والعراق.. ما تأثير ذلك على ملف اليمن؟

فهد سلطان | منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

أثار تصريح حديث للناطق باسم جماعة الحوثي "يحيى سريع" أسئلة كثيرة حول طبيعة وحقيقة التنسيق العسكري مع مكونات مسلحة في العراق موالية لإيران وتأثيرها على الأوضاع التي يشهدها اليمن والمنطقة. 

ففي الثامن من يوليو/تموز 2024، نشر حساب "يحيى سريع" على منصة إكس بيانا بشأن تنفيذ عملية عسكرية مشتركة مع المقاومة الإسلامية العراقية بعدد من الطائرات المسيرة استهدفت هدفا حيويا في "أم الرشراش" جنوبي فلسطين المحتلة".

وقبلها بأربعة أيام،  أظهر فيديو مسجل القيادي الحوثي "أبوإدريس الشرفي"، والذي يعمل ممثلا للجماعة في العراق، في ضيافة قيادة عمليات حزام بغداد، مشيرا إلى أن هناك جهودا مكثفة وجنبا إلى جنب، ضمن تسيق كامل بين الطرفين". 

فهل دخل التعاون القائم بين الجماعات المدعومة من إيران، مرحلة جديدة بهدف التنسيق العسكري المشترك، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؟ أم أنه سيتجاوز ذلك مستقبلا نحو ترتيبات أخرى؟

وكما يبدو فإن الحوثيين يسعون من وراء هذا الإعلان وفي هذا التوقيت بالذات للتأكيد على أنهم ليسوا الوحيدين الذين يعملون في مواجهة إسرائيل وأميركا وبريطانيا كما يدعون، وأن التنسيق الجديد انتقل بهم من الدعم السياسي للطرف الآخر نحو العمل العسكري المشترك. 

بداية التنسيق

في 13 يوليو/ تموز 2024م، قال العميد عزيز راشد، الضابط بدائرة التوجيه المعنوي، التي تتبع وزارة دفاع الحوثيين، إن العمليات المشتركة بنيهم وبين المقاومة العراقية يأتي في سياق التنسيق والعمل المشترك ضمن دعم المقاومة الفلسطينية في غزة

وأشار في تصريح نشرته "الجزيرة نت" بأن "عمليات الإسناد المشتركة العراقية/ اليمنية" يتم تنسيقها عبر غرف العمليات العسكرية، وتتم وفق اختيار الأهداف والزمن المناسبين لوصول الطائرات المسيرة والصواريخ إلى عمق الأهداف الإسرائيلية، وأن العسكريين يعلمون تفاصيل ودقة هذه العمليات".

وتأتي التحالفات الجديدة بين المنظمات المسلحة الموالية لإيران في اليمن والعراق باتجاه رفع مستوى التنسيق والجاهزية للسير نحو الأهداف الكبيرة التي وضعتها طهران ضمن ما يعرف بالهلال الشيعي في منطقة الجزيرة العربية.

وتحمل هذه التنسيقات بين مليشيات تابعة لطهران، أبعادا سياسية خطرة؛ كونها ستجر المنطقة إلى العنف واستمرارية الحروب في ظل إنهاك كامل للدول التي توجد فيها هذه الميليشيات، كما هو حاصل في العراق ولبنان وسوريا واليمن. 

وخطورة هذه المليشيات أنها تعتمد أساسا على مبدأ العنف في الوصول إلى أهدافها، وهذا سبب رئيس في تفجر الصراعات والحروب الأهلية داخل الدول بعد أن تعمل على إضعافها وإنهاكها من الداخل قبل أن تسعى للسيطرة عليها بعد ذلك. 

البحث عن شرعية 

تسعى جماعة الحوثي منذ الانقلاب على السلطة والسيطرة على العاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014م، إلى تقديم نفسها كطرف سياسي شرعي، لكنها اصطدمت بمشروعية دولية للحكومة الشرعية، ورفض مجتمعي واسع ما دفعها للتورط في سيل من الانتهاكات إضافة إلى إطالة أمد الحرب في اليمن أعاقها عن الوصول إلى أهدافه النهائية. 

وفي سبيل ذلك سعت الجماعة إلى فتح مكاتب تمثيل لها في عدد من الدول، بهدف تعزيز وجودها الدبلوماسي والتواصل مع الحكومات والمنظمات الدولية، علاوة على المشاركة في جولات عديدة من المفاوضات، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء، بهدف الحصول على اعتراف دولي بوجودها كطرف في الصراع.

ولم يقتصر الأمر على ذلك بل اشتغلت على البعد الإعلامي بما في ذلك التلفزيون والإذاعة ومواقع التواصل الاجتماعي؛ وذلك لنشر روايتهم للأحداث وتوجيه الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي بصفتهم مدافعين اليمن.

كما عملت الجماعة أيضا على تعزيز قدراتها العسكرية، من خلال الحصول على الأسلحة والعتاد، بهدف فرض سيطرتها على الأرض وتعزيز موقفها التفاوضي، ونسج تحالفات مع قوى إقليمية تدعمها إيران، ومحاولة الاستفادة من الصراع العربي-الإسرائيلي كوسيلة لكسب الدعم العربي والدولي.

الهلال الشيعي 

في سبتمبر/ أيلول 2021م، نقلت وكالة "مهر نيوز" الإيرانية، تصريحات قائد "مقر خاتم الأنبياء المركزي" اللواء غلام علي رشيد، بأن قائد فيلق القدس السابق "قاسم سليماني"، أنشأ 6 جيوش خارج الأراضي الإيرانية بدعم من قيادة الحرس الثوري وقوات الجيش وهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة

ووفقا لما قاله رشيد، فإن مهمة الجيوش التي وصفها بأنها "جيوش شعبية وعقائدية خارج حدود إيران"، هي الردع والتصدي "لأي عدو يريد محاربة النظام الإسلامي في إيران".

وكان هذا أول تصريح رسمي من مسؤول إيراني رفيع   بدعم إيران وتمويلها للمجموعات الشيعية المسلحة في العراق، و"حزب الله" اللبناني، إضافة إلى قوات النظام السوري، وجماعة الحوثي في اليمن التي ظلت إيران تنكر تقديمها أي دعم مالي أو تسليحي لها طيلة سنوات.

وتحدث عن ارتباط هذه المليشيات وسلاحها بعدد من الدول وولائها الكامل لطهران، ما يعزز من حقيقة مخاوف الهلال الشيعي الذي بات يطوق المنطقة ويتحول إلى واقع يوما بعد آخر. 

وشهدت الأسابيع الماضية في العراق حديثا كثيفا عن اختفاء نحو 50 ألف باكستاني شيعي، في ظاهرة أثارت العديد من التساؤلات حول مصير هؤلاء الأفراد.

ومن المحتمل أن المجموعة تشكل جزءا من إستراتيجية إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة بالتزامن مع مقتل ضابط يمني بارز في جنوب بغداد يدعى "العميد حسين عبدالله مستور الشعبل".

ضغوط جديدة

في السياق، قال الدكتور "محمد أبو كمال" إن إعلان التنسيق بين الفصائل الموالية لإيران، بما في ذلك الحوثية والعراقية، تحت لافتة الاستنفار والتصعيد في مواجهة التحديات الصهيونية، يمثل مؤشرا واضحا على مركزية القرار الإيراني وتحكمه في توجيه المسار الأمني والعسكري لهذه الأذرع لخدمة المشروع الإيراني في المنطقة.

وأشار "أبو كمال" في تصريح خاص للاستقلال، إلى أن هذا الإعلان يعد نقلة مهمة على طريق العمل المشترك لهذه الفصائل والمليشيات، وتبني قضايا مشتركة وتوحيد جهودها لزيادة الضغوط السياسية والعسكرية على خصوم إيران في المنطقة، وفي مقدمتهم السعودية ودول الخليج العربي وحلفاؤهم الغربيون.

وأشار "أبو كمال" إلى أن هذا التنسيق يخدم المشروع الحوثي الذي يهدف إلى إسناد موقفه العسكري في اليمن، وبناء دولته وشرعيته السياسية من خلال امتلاك المزيد من القوة وتوسيع التحالفات وفرض سياسة الأمر الواقع.

وأضاف "أبو كمال" أن التنسيق بين مليشيات الحوثي ونظيرتها العراقية سيمثل ضغوطا إضافية، عسكرية وأمنية، على المملكة العربية السعودية، مما سيضطرها مستقبلا إلى تقديم المزيد من التنازلات السياسية والعسكرية لجماعة الحوثي على حساب الحكومة اليمنية الشرعية. 

وأكد أن الشرعية ستجد نفسها تتراجع خطوات إلى الوراء عند كل تفاهم يجرى بين الحوثيين والسعودية، في الوقت الذي يجد فيه الحوثيون حلفاء يعززون موقفهم السياسي والعسكري بينما لا تجد الشرعية حليفا يمكن الوثوق به لتعزيز موقفها على الأرض وتثبيت وجودها كحامل للمشروع الوطني اليمني.

وأشار "أبو كمال" إلى أن المملكة العربية السعودية ودول المنطقة ستجد نفسها مع الوقت محاطة بتحالفات قوية معادية لها ومتحكم بها من إيران، قادرة على قلب الموازين، في الوقت الذي تضعف فيه الروابط وقواعد العمل المشترك بين دول المنطقة وتزداد حدة العداوة بينها، مما يجعلها أمام تحديات وجودية حقيقية على المدى المنظور.

تنسيق عالٍ

في هذا السياق، أشار المحلل السياسي "أحمد نعمان اليفرسي" إلى أن إيران تسعى لبناء جيش إمبراطوري موحد في عدة دول عربية تتبع ولاية الفقيه مباشرة، بهدف محاصرة الجزيرة العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. 

وقال "اليفرسي" في تصريح خاص إلى “الاستقلال”، إن نفوذ إيران المستمر منذ قرابة عشرين عاما بات يمتد من العراق إلى اليمن ولبنان وسوريا، إضافة إلى خلاياه النائمة في بقية الدول العربية وخاصة في دول الخليج، ضمن إستراتيجية بطيئة لكنها تسير نحو الأهداف الكبيرة في المنطقة. 

وأضاف "اليفرسي" أن من بين هذه الأهداف تنفيذ تعزيز التنسيق المشترك بين المليشيات الموالية كما حصل أخيرا بين جماعة الحوثي في اليمن والمقاومة العراقية (مكونات مسلحة)، بحيث تتعدى الدعم السياسي نحو الدفاع المشترك العسكري.

وأكد "اليفرسي" أن إعلان أبوعلي العسكري، المسؤول الأمني لكتائب حزب الله بالعراق ومليشيا الحشد الشعبي، حملة تبرعات لصالح مليشيا الحوثي في عام 2022، بالإضافة إلى دعم حركات مقربة من إيران مثل حركة النجباء وكتائب سيد الشهداء والعصائب ومنظمة بدر للحوثي، يُظهر التنسيق المالي والاقتصادي الكبير بين مكونات مليشياوية تابعة لإيران في المنطقة.

وأبرز "اليفرسي" أن هناك تقارير تشير لوجود 80 شخصية حوثية في العراق، تحديدا في معسكر للحشد الشعبي في ناحية جرف الصخر ببابل، وكذلك وجود مكاتب إعلامية تمثل الحوثيين في العراق ومواقع إخبارية يديرها صحفيون يمنيون في بغداد ممولة من المليشيات العراقية.

الكلمات المفتاحية