استثمارات إماراتية بمليارات الدولارات في البرازيل.. ما سر الاهتمام المفاجئ؟

"التحدي الأكثر أهمية في تنفيذ هذه المشاريع وتحويل الوعود إلى واقع"
كشف تقرير ألماني أن الإمارات تعتزم ضخ استثمارات ضخمة في البرازيل، ولا يقتصر الأمر على الاستثمار في المواد الخام فحسب، بل يشمل أيضا مشاريع بنية تحتية ملموسة.
وفي هذا السياق، استعرض موقع "دويتشه فيله" الألماني أبرز مظاهر التعاون بين الإمارات والبرازيل خلال السنوات السابقة، موضحا دوافع أبوظبي لطرح المبادرات التنموية الأخيرة.
وتطرق أيضا إلى واقعية تنفيذ الوعود الإماراتية في البرازيل، خاصة مع فضائح الفساد التي انتشرت في الماضي، ووجود معوقات سياسية وبيروقراطية.
مبالغ ضخمة
واستهل "دويتشه فيله" تقريره مشيرا إلى أن استثمارات أبوظبي في برازيليا تأتي بهدف "تعزيز مشاركتها في البرازيل مستقبلا".
ويرى أن القيمة الإجمالية للاستثمارات المطروحة تُعد "جديرة بالملاحظة؛ حيث من المقرر ضخ حوالي 16 مليار يورو".
جدير بالذكر أن هذا الاستثمار سيضخ في مشاريع تشمل استصلاح الأراضي الرعوية والتطوير الصناعي وتصدير المنتجات الزراعية ومشاريع البنية التحتية وقطاع الدفاع.
وبحسبه، فإن المستثمر الرئيس في هذه الخطة هو "صندوق أبوظبي للاستثمار" (رسمي).
ومن المتوقع -وفق الموقع- أن يتركز جانب من هذه الاستثمارات في تحديث المنطقة الحضرية منخفضة الدخل "بايكسادا فلومينينسي"، الواقعة على مشارف ريو دي جانيرو؛ حيث حظيت هذه الفكرة بـ"اهتمام إعلامي خاص".
ويعيش هناك نحو ثلاثة ملايين شخص في أحياء فقيرة، غالبا في ظروف معيشية صعبة وبقدرة محدودة على الوصول إلى وسط المدينة.
وأوضح الموقع أن "المناقشات، خلال المحادثات بين المستثمرين والحكومة البرازيلية وإدارة ولاية ريو دي جانيرو، تمحورت حول إنشاء وحدات سكنية جديدة في هذه الأحياء الفقيرة وربطها بشكل أفضل بوسط المدينة من خلال تمديد خطوط المترو وإنشاء قطارات فائقة السرعة".
ويرى "دويتشه فيله"، أن هذه المبادرة الإماراتية تأتي "بدوافع اقتصادية أيضا، إذ يمكن أن تحقق مبيعات التذاكر من ملايين الركاب في المترو أو القطارات فائقة السرعة عائدات مالية على المدى الطويل".
وعلق الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي للاستثمار، زايد بن عويدة، قائلا: "من الممكن إعادة تشكيل المدن القريبة من عاصمة ولاية ريو دي جانيرو وربطها من خلال الطرق والمترو والقطارات فائقة السرعة".
تعزيز العلاقات
وأشار الموقع إلى أن اجتماعا عُقد بين ابن عويدة والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، نهاية عام 2024، لمناقشة العديد من المشاريع التنموية.
وبحسبه، فإن "خطط الاستثمار هذه تتماشى مع اتجاه واضح تشهده العلاقات بين البلدين منذ عدة سنوات".
وأوضح الخبير الاقتصادي في معهد "فونداسوا جيتوليو فارغاس"، فيليبي رودريغيز، في حديثه مع "دويتشه فيله"، أن "نحو 2,5 مليار دولار ضُخت أخيرا في الاقتصاد البرازيلي".
وأوضح أن "هذه الاستثمارات تركزت بشكل خاص في مجالي البحث العلمي والتحول في قطاع الطاقة".
وشدد رودريغيز على أن "البرازيل دولة تعد محورية في التطبيق العملي لعملية التحول في قطاع الطاقة، ونشهد اليوم نضوجا في العلاقة بين البرازيل والدول العربية".
ورأى أن "هذا التطور أدى إلى تعزيز التعاون بين الجانبين بشكل أكبر"، مشيرا إلى أن "البرازيل نجحت في الحفاظ على شركائها الإستراتيجيين واستقطاب شركاء جدد".
وأردف الخبير الاقتصادي: "وعلى هذا الأساس، تدعم البرازيل اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وتكتل ميركوسور (البرازيل، الأرجنتين، أورغواي، وباراغواي)، لكنها وسعت في الوقت نفسه علاقاتها الاقتصادية مع الهند في الفترة الأخيرة".
واقعية الوعود
وفيما يتعلق بالتعاون الثنائي بين البرازيل والإمارات، أشار الموقع إلى أن الطرفين وقعا نهاية عام 2024، على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو، مذكرتي تفاهم تهدفان إلى وضع الاستثمارات بين البلدين على أسس مشتركة.
وفقا للحكومة البرازيلية، من المقرر أن تُوجه هذه الاستثمارات إلى مشاريع إستراتيجية داخل البلاد، لا سيما في مجالي البنية التحتية والطاقة.
وفي هذا السياق، قال الأمين العام للغرفة التجارية العربية البرازيلية، محمد مراد، لـ"دويتشه فيله": إن "هناك فرصا كبيرة في البرازيل".
وأشار مراد إلى أن "قطاعات اقتصادية رئيسة، مثل البنية التحتية، وتراخيص تشغيل الموانئ والمطارات، والطاقة المتجددة، والصناعات الزراعية، والعقارات، والدفاع، وغيرها، توفر فرصا استثمارية واعدة لصندوق أبوظبي للاستثمار".
مع ذلك، شكك الموقع في واقعية هذه الوعود، فرغم أن المشروع المتعلق بتحديث الأحياء الفقيرة ورفعها إلى مستوى تنموي جديد يثير آمالا كبيرة، إلا أنه لفت إلى أن "تجارب الماضي تُظهر أن مثل هذه الوعود غالبا ما تبقى حبيسة الأدراج".
وتابع: "في السابق، كانت هناك تطلعات لأن يستفيد سكان هذه الأحياء من مشاريع البنية التحتية المرتبطة بأولمبياد 2016 وكأس العالم لكرة القدم 2014، لكن تلك الآمال لم تتحقق إلى حد كبير".
وعزا ذلك إلى فضائح الفساد، مثل قضية الفساد المتعلقة بشركة "أودبريشت" للإنشاءات التي "لا تزال حاضرة في الأذهان؛ حيث دُفعت رِشا بملايين الدولارات مقابل تنفيذ مشاريع البنية التحتية".
وقد أدى ذلك، وفق الموقع، إلى "إضعاف ثقة المواطنين في السياسة البرازيلية بشكل دائم".
وأردف بأن "تنفيذ المشاريع الكبرى يتطلب دعم السكان، غير أن فضيحة الفساد لم تُكشف ملابساتها بالكامل حتى اليوم من قبل القضاء البرازيلي، كما أن حكومة الرئيس لولا دا سيلفا الحالية لا تُبدي اهتماما كبيرا بمتابعة القضية".
عقبات بيروقراطية
ولكي تتحول مذكرات التفاهم بين الإمارات والبرازيل إلى واقع ملموس، شدد الخبير الاقتصادي فيليبي رودريغيز على ضرورة "إزالة الغموض وتذليل العقبات البيروقراطية والسياسية".
كما أن البرازيل بحاجة إلى التفكير على المدى الطويل في واقعية تنفيذ هذه المشاريع؛ حيث أوضح قائلا: "المشاريع بهذا الحجم تحتاج إلى ضمانات لكي تتجاوز مرحلة الإعلان، فنحن نتحدث عن مشاريع تمتد لفترة تتراوح بين 15 إلى 20 عاما، وعلى الأقل لعشر سنوات".
واستطرد: "إن أكبر العوائق حاليا تكمن في البيروقراطية، والتي يجب التغلب عليها لتحقيق التقدم".
واستدرك الموقع: "لكن فيما يتعلق بمشاريع التعدين المشتركة، فقد قطعت الدولتان خطوة إلى الأمام، حيث وقّعت حكومتا البلدين في يناير/ كانون الثاني 2025 اتفاقية تعاون بشأن (مشاريع استكشاف واستخراج ومعالجة وتكرير وتسويق المعادن، بالإضافة إلى نقل التكنولوجيا العربية)".
ووفقا له “تُعد هذه الاتفاقية خطوة واعدة لكلا الطرفين”.
وقال وزير التعدين والطاقة البرازيلي، ألكسندر سيلفيرا: "يسهم الاتفاق في تعزيز الابتكار والقدرة التنافسية في قطاع المواد الخام، لا سيما بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر استدامة واندماجا على المستوى العالمي".
واختتم الموقع الألماني قائلا: "على الأقل من الناحية النظرية، تبدو الأمور مهيأة للتقارب، لكن يبقى التحدي الأكثر أهمية في تنفيذ هذه المشاريع وتحويل الوعود إلى واقع".