عبر مواصلة الصمت.. كيف يستفيد نظام الأسد من العدوان على غزة؟
هدوء الجبهة السورية تجاه إسرائيل "لم يكن دون ثمن"
ما يزال يتهكم السوريون من نظافة البدلة العسكرية لعناصر وضباط نظام بشار الأسد التي لم تتغبّر منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
إذ التزم نظام الأسد الصمت ولم يطلق صاروخا واحدا تجاه إسرائيل "نصرة لغزة"، بل أبقى جبهة الجولان المحتل منذ عام 1967 جنوب سوريا هادئة وعزلها عما جرى في فلسطين.
صمت الأسد
كما لم يسمح النظام السوري بأي مظاهر احتجاجية داخل مناطق سيطرته أو في العاصمة دمشق للتنديد بحرب الإبادة الجماعية بحق أهالي غزة.
واتضح أن النظام السوري وقف عند زاوية تمكنه من تقييم مجريات الأحداث الجارية في غزة، وتوظيفها لصالحه في محاولة للاستفادة من العدوان للانفتاح أكثر على الغرب الذي يأمل في أن يعيد التطبيع معه أسوة بالدول العربية.
ولا سيما أن نظام الأسد الذي ينتمي إلى "محور المقاومة" بقيادة حليفته إيران، امتنع على وجه التحديد عن أي شكل من أشكال المشاركة في دعم غزة من بين جميع أذرع طهران.
حتى إن النظام السوري لم يشارك بإصدار بيانات داعمة لحركة المقاومة الإسلامية حماس ضد إسرائيل.
ويرجع هذا الانتقاد الشديد لنظام الأسد، لكونه بقي لعقود يتبنى الخطاب الداعم لفلسطين ويزعم أنها "قضية سوريا المركزية التي تدافع عنها بكل قوة".
بل تعدى ذلك، عندما قال رئيس برلمان النظام حمود الصباغ، في كلمة له بالعاصمة الإيرانية طهران إن ما شهدته سوريا منذ عام 2011 "من حروب ظالمة وما رافقها من إجراءات اقتصادية جائرة كان من جراء وقوفها مع فلسطين وشعبها".
وأمام هذه المعطيات، يمكن النظر بعين فاحصة إلى جملة الأسباب والتكتيكات التي دفعت نظام الأسد إلى التركيز على استثمار أحداث غزة لتحقيق مكتسبات ومكافآت سياسية.
وبدا واضحا أن هدوء الجبهة السورية تجاه إسرائيل دون مشاغلتها أو الضغط عليها لم "يكن دون ثمن" وفق المراقبين.
فمنذ البداية حذرت الإمارات نظام الأسد من التدخل في المعركة بين حماس وتل أبيب أو السماح بشن هجمات على إسرائيل من الأراضي السورية، وفقا لمصدرين مطلعين على الجهود الدبلوماسية الإماراتية، تحدثا لموقع "أكسيوس" الأميركي في 9 أكتوبر 2023.
ووجه المسؤولون الإماراتيون رسائلهم إلى آخرين سوريين رفيعي المستوى وأطلعوا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على اتصالاتهم مع السوريين، بحسب المصدرين.
وتتمتع الإمارات التي طبعت علاقتها مع النظام السوري منذ عام 2018 بنفوذ أكبر معه من معظم الدول العربية في المنطقة.
كما أن العلاقات الإماراتية الإسرائيلية وثيقة للغاية منذ تطبيع العلاقات بينهما عام 2020، خاصة مع أجهزة الأمن الإسرائيلية.
وبحسب مسؤولين في الإدارة الأميركية، فإن أحد الأهداف الرئيسة للسياسة الأميركية منذ العدوان الإسرائيلي على غزة الذي خلف أكثر من 34 ألف شهيد، هو منع التصعيد في المنطقة وتوسيع الحرب إلى جبهات أخرى.
وفي هذا الصدد غرد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قائلا في 9 أكتوبر 2023: "إننا نعمل مع شركاء إقليميين لتحذير أي شخص قد يسعى للاستفادة من هذا الوضع".
ويرى الخبراء أن نظام الأسد خشي من تأثيرات إشعال الجبهة السورية في هذا التوقيت على قوة نظامه.
فمن المحتمل أن تؤدي أي ضربات تستهدف مؤسسات النظام العسكرية حال تصادمه مع إسرائيل، لإضعاف الأسد نفسه، مما يشكل تهديدا مباشرا لمستقبله في الحكم.
ونجح بشار الأسد في إبقاء جبهة الجولان هادئة منذ تسلمه السلطة وراثة عن أبيه حافظ حين وفاته عام 2000.
وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، اعترف الأسد، بوجود "لقاءات تجرى بين الحين والآخر مع الولايات المتحدة دون الوصول إلى شيء"، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية "سانا" عنه في 21 أبريل/نيسان 2024.
وردا على سؤال حول ما إذا هناك فرصة ولو بعيدة المدى لإعادة الحوار مع الغرب، قال الأسد: "الأمل موجود دوما، علينا أن نحاول حتى عندما نعرف أنه لن يكون هناك نتيجة، فالسياسة هي فن الممكن".
وقد وضع كثير من المراقبين تصريحات الأسد تلك في خانة مساعيه إلى إعادة تعويم نظامه بعد أكثر من عقد من العزلة الدبلوماسية التي نجح في فك أولى عقدها عبر منحه مقعد سوريا في الجامعة العربية في مايو 2023.
وجرى سحب هذا المقعد من الأسد في نوفمبر 2011 لقمعه ثورة السوريين التي أدت سقوط أكثر من نصف مليون قتيل وتهجير أكثر من 15 مليون سوري داخليا وخارجيا من أصل 25 مليون نسمة، فضلا عن تدمير المدن السورية بقصف الطائرات والبراميل المتفجرة.
ولهذا ربط كثير من المراقبين صمت الأسد تجاه غزة بسعيه للاستفادة من الحرب الحالية كفرصة لتأمين مكاسب إستراتيجية وحصد بعض المكافآت.
استثمار سياسي
وضمن هذا السياق، يرى المحلل والخبير العسكري والإستراتيجي، العقيد أحمد حمادة، أن "نظام الأسد يستفيد من الأزمات مثلما حدث في كورونا عبر تلقي المساعدات الدولية ثم حينما وقع الزلزال عام 2023 جرى تجميد بعض العقوبات الغربية عليه بشكل مؤقت لإغاثة المتضررين".
وأضاف حمادة لـ “الاستقلال”: "اليوم في حرب غزة يتكرر ذات السيناريو حيث يحاول نظام الأسد الاستفادة سياسيا مما يجرى، فعدم تدخله وعدم السماح لأي جهة باستخدام الأراضي السورية كمنطلق ضد إسرائيل يسعى من ورائه لتحقيق المكاسب".
ونوه إلى أن "نظام الأسد يبرر صمته بأنه يطبق اتفاق فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل المتعلقة بهضبة الجولان عام 1974".
والاتفاقية الموقعة في 31 أيار/مايو 1974 هي المشهد الأخير بعد حرب استنزاف استؤنفت فيها العمليات القتالية بين قوات النظام وإسرائيل في الجولان المحتل.
وعقدت مفاوضات من أجل الانفصال وفك الارتباط بين الطرفين بمبادرة أميركية في عهد وزير الخارجية آنذاك، هنري كيسنجر، وجرى التوقيع على الوثيقة في جنيف.
ولفت حمادة، إلى أن "هناك ضمانات روسية في جنوب سوريا وقد نشرت روسيا 14 نقطة على الحدود مع إسرائيل".
وكان أفاد نائب رئيس "المركز الروسي للمصالحة في سوريا"، اللواء يوري بوبوف، مطلع أبريل 2024 بأن روسيا أنشأت مركزا إضافيا للشرطة العسكرية في منطقة مرتفعات الجولان، مشيرا إلى أنه "سيراقب مدى ملاءمة إنهاء الخلافات بين الطرفين".
وذهب حمادة للقول: "إن النظام الذي نشر اللواءين 90 و61 لحماية وقف إطلاق النار عند الجولان ستتم مكافأته إسرائيليا وأميركيا لذلك لم توقع إدارة بايدن أخيرا على قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري وبالتالي يعكس ما قاله الأسد بأننا نتواصل مع الولايات المتحدة".
واعترض البيت الأبيض على إدراج مشروع قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري ضمن حزمة داعمة مكملة من القوانين التي أقرها الكونغرس ووقع عليها الرئيس جو بايدن نهاية أبريل 2024
وكان أقر مجلس النواب الأميركي منتصف فبراير/ شباط 2024 مشروع "قانون مناهضة التطبيع مع نظام بشار الأسد"، بتأييد كبير من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
ويقضي مشروع القانون بأن "سياسة الولايات المتحدة تحظر أي إجراء رسمي للاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة سورية يقودها بشار الأسد".
والتشريع يحمل نظام بشار الأسد مسؤولية دعم الإرهاب والقتل الجماعي للشعب السوري، ويؤكد أن الولايات المتحدة مستعدة لفرض تكاليف على الحكومات التي تسعى إلى التطبيع أو إبرام اتفاقيات تجارية معه.
"جائزة كبرى"
وعلى الفور وصف كثيرون ما أقدم عليه البيت الأبيض بـ “الفضيحة” بتدخله في اللحظة الأخيرة من أجل سحب مشروع مناهضة التطبيع مع نظام الأسد كان مجلس الشيوخ سيقرها ضمن حزمة من القوانين المستعجلة.
وقد رأى البعض أنها “جائزة كبرى” منحت للأسد لقاء صمته على ما يجرى في غزة، على تقدير أن القانون كان بمثابة ضربة قاضية للنظام ما يعني أنه ما يزال يتنفس.
وفي 30 أبريل 2024، قالت صحيفة واشنطن بوست إن “سياسة إدارة بايدن تتمثل بمعارضة التطبيع مع الأسد، خاصة عبر العقوبات حتى يتوقف عن المذبحة، لكنها وراء الكواليس تخفف هذا الضغط بهدوء وعن عمد، وفقا للمشرعين في كلا الحزبين والجماعات السورية الأميركية".
وقال كاتب العمود بصحيفة “واشنطن بوست” جوش روغين إن العالم يعلّم حاليا جميع الدكتاتوريين درسا حول كيفية ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، والهروب من المساءلة، وقبولهم في النهاية بالمجتمع الدولي.
وأوضح الكاتب أن "إدارة الرئيس جو بايدن تساعد في كتابة هذا الدليل، بسماحها ضمنيا بالتطبيع مع بشار الأسد".
وأشار إلى أنه "بعد 13 عاما من بدء الثورة السورية، يواصل الأسد ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك قصف وسجن وتعذيب آلاف المدنيين، بينما يعمل بنشاط على زيادة زعزعة استقرار الشرق الأوسط بالشراكة مع روسيا وإيران".
بدوره، رأى مسؤول السياسات في التحالف الأميركي من أجل سوريا محمد علاء غانم، أن "إدارة بايدن تحاول تجميد الملف السوري -كما فعلت إدارة (الرئيس الأميركي الأسبق باراك) أوباما من قبل- ولا ترغب في العمل على أي انتقال سياسي في دمشق حاليا".
وأضاف في تصريحات صحفية، أن "هناك معارضة قديمة من قبل الحكومة الإسرائيلية لأي محاولة لاستبدال الأسد، لأنها تفضل التعامل معه، ومن الصعب عليها تخمين ما يمكن أن يفعله أي نظام مستقبلي في سوريا".
ومضى يقول: “هناك دول عربية وغير عربية سعت لتطبيع علاقاتها مع النظام السوري، واستثمرت زلزال 2023 لتنشيط هذه المحاولات، وهذه الدول نفذت جهودا لدى الإدارة الأميركية من أجل عرقلة هذا القانون”.
ونوه غانم إلى أن "الدول المطبعة -سواء كانت عربية أو غير عربية- تطرح نفسها على أنها وسيط بين إدارة بايدن والنظام السوري، وتسوّق لذلك بوصف التطبيع الوسيلة الأفضل لحل الأزمة السورية".
ورأى أن “هذه الدول نقلت أخيرا رسائل للنظام السوري بأن لا يحرك ساكنا فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة، كما قالت الصحف الغربية، ومقابل ذلك سيكافأ على ذلك، وربما تكون عرقلة مشروع قانون مناهضة التطبيع جزءا من هذه المكافأة”، وفق قوله.