بتمويل ودعم إماراتي.. كيف يستعد دحلان لـ"اليوم التالي" في غزة؟

12

طباعة

مشاركة

بات القيادي المفصول من حركة “فتح” والشخصية الموالية للإمارات، محمد دحلان، الاسم الأكثر تداولا في وسائل الإعلام، كالشخص الأكثر ترشيحا لتولي زمام الأمور في قطاع غزة، “بعد نهاية الحرب أو حتى خلالها”، على افتراض تمكن الاحتلال الإسرائيلي من تدمير القدرات الحكومية لحركة "حماس" في غزة.

ونقل موقع "والا" العبري عن اجتماع أميركي إسرائيلي إماراتي، بالعاصمة أبو ظبي في 23 يوليو/ تموز 2024، بشأن "دور الإمارات في غزة بعد نهاية الحرب"، حيث طلبت إسرائيل نقل قوات مسلحة إلى القطاع لإدارته في اليوم التالي، وإعادة إعماره، وإحداث تغيير في المنهاج الفلسطيني بما يتوافق مع أهواء إسرائيل.

أوامر إسرائيلية

وأوضح الموقع أن رأس الحربة في تنفيذ هذا المخطط سيكون محمد دحلان، وما يملكه في غزة من مقدرات وأتباع.

وكشفت هيئة البث العبرية الرسمية في 14 يوليو 2024، أنه تم تحديد دحلان  بصفته الرئيس السابق للجهاز الأمني الأكثر تعاونا مع إسرائيل (الأمن الوقائي)، كمرشح محتمل بالنسبة لحكومة بنيامين نتنياهو.

وسبق أن أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الذي يقود حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، في 3 أبريل/ نيسان 2024، عن ترشيحه لدحلان وأنصاره في غزة، لتولي مسؤولية تسلم وتوزيع المساعدات في كامل مناطق القطاع، ما قرأه مراقبون على أنها أولى خطوات تولية دحلان زمام الأمور في غزة.

فيما أكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن دحلان هو الشخصية التي يرغب الكثير من المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين وبعض القادة العرب، أن تتولى إدارة غزة، ويضغطون لإتمام هذا الأمر.

وعرف دحلان في غزة، على أنه الشخصية الأكثر دموية وبطشا ضد المقاومة الفلسطينية، من خلال جهاز الأمن الوقائي الذي أسسه عام 1994، وكانت مهمته الواضحة وقف العمليات الفدائية، وقمع حركة "حماس" ومن يعارض السلطة حتى عام 2003، كما كان مسؤولا عن 10 فروع أمنية ضمن أجهزة الأمن الفلسطينية.

 واتهم بتأسيس مليشيا "فرقة الموت" التي تولت تصفية من يعارضه في غزة والضفة، من مسؤولين وصحفيين ونشطاء، وكان لها دور كبير في تعزيز حالة الفلتان الأمني في غزة منذ العام 2004 وحتى 2007. 

وعلى الأرض وفي ظل العدوان المستعر والمستمر منذ 10 أشهر من الإبادة، بات من الواضح أن دحلان يستعد فعلا لتولي زمام الأمور في غزة.

ويستعين دحلان بالمساعدات الإنسانية والخيام، المقدمة من الإمارات كوسيلة لتنظيف اسمه في نظر عيون سكان القطاع، والترويج لنفسه كقائد سينتشلهم من الدمار والجوع والفقر.

ويمثل ما يعرف باسم التيار الإصلاحي في حركة "فتح"، الذي أسسه دحلان وقادة فتحاويين منشقين عن رئيس السلطة محمود عباس، أداة ترويج للقائد الجديد.

كسب الولاء

ومنذ يناير / كانون الثاني 2024، لوحظ نشاط كبير للتيار في مجال الإغاثة وإخراج الطلبة العالقين للدراسة في الخارج، وبناء المخيمات في رفح ومنطقة المواصي، وملئها بالخيام الإماراتية، وتجهيزها بخدمات أولية، ونظام صرف صحي، ويكون المسؤول عن المخيم أحد الموالين لدحلان.

كما سعى التيار الإصلاحي لتدعيم صفوفه بأعداد كبيرة من الشبان، من المنتمين لحركة "فتح" والمحايدين، وعقد اجتماعات مكثفة في شمال القطاع وجنوبه. 

وكشفت مصادر لـ"الاستقلال" أن العضو المستجد في التيار الإصلاحي يحصل على راتب، يختلف حسب مكان الوجود، حيث يتقاضى المنتسب لدحلان في شمال القطاع أكثر مما يتقاضاه من يقيم في الجنوب.

ويتولى المسؤول عن المخيم إخراج فيديوهات مصورة للنازحين في المخيم وهم يوجهون رسائل شكر للإمارات ودحلان، وتنظيم المقابلات مع وسائل الإعلام الإماراتية، مقابل أن تحافظ العائلة على خيمتها في المخيم.

وتوكل مهمة توزيع المساعدات الإماراتية للتيار الإصلاحي، وبدل أن تقدم لعامة النازحين فإنها تستخدم في كسب ولاء أشخاص جدد للتيار، حسب نازحين في منطقة المواصي. 

من جانبه، يقول محمد الزر النازح من شمال القطاع، تجاه منطقة المواصي، إنه حرم من تسلم خيمة وتلقي المساعدات من مخيم يديره أنصار دحلان، بصفته موظفا في السلطة، ومن نشطاء حركة فتح في الشمال، وبالنهاية غادر المخيم بعد شهر من الإقامة فيه. 

وأضاف الزر لـ"الاستقلال" أن "المخيم مليء بأعلام الإمارات وصور دحلان وزوجته جليلة، وهناك خيمة تسمى الخيمة الثقافية تعرض فيها سيرة دحلان عبر فيلم وثائقي، وتعرض فيها خطابات له، وأيضا فيديوهات الأنشطة الإغاثية الإماراتية حول العالم". 

وأوضح أن "مسؤول المخيم كان يوجه الأوامر للرجال النازحين بالقيام بأعمال النظافة بالسخرة، مقابل وعود بوظائف بعد الحرب".

وتابع: "غير ذلك هناك فساد كبير في عمل التيار الإصلاحي، فبينما نحرم من المساعدات، كانت تباع صناديق المواد الغذائية وعليه علم الإمارات في الأسواق بالجملة، على شكل حاوية مغلفة بالكامل، وهذا يعني أنها تباع مباشرة فور وصولها، ولا يتم شراؤها من النازحين الذين استلموها".

قوة عسكرية

ومع تسهيل وصول المساعدات لأنصار دحلان، وتسهيل الترويج له داخل القطاع، يبدو أن إسرائيل معنية بوجود قوة عسكرية له داخل قطاع غزة، وأن يعيد مجموعاته المسلحة التي كانت في القطاع قبل سيطرة حماس في غزة عام 2007. 

وبحسب ما نشرته قناة "I24news" الإسرائيلية في 28 يوليو/ تموز 2024،  فإنه يجرى مناقشة تكوين دحلان قوة مسلحة قوامها بالبداية 2500 عنصر أمني، مهمتها التنسيق مع القوة الدولية التي ستدخل القطاع بعد الانسحاب الإسرائيلي، ويكون للولايات المتحدة وإسرائيل الحق بالتحقق من أعضاء القوة.

وبحسب القناة، فإن هذه القوة من الممكن أن تتوسع، وتزداد صلاحياتها، تحت إمرة دحلان، بحيث تكون منفصلة تماما عن السلطة الفلسطينية، وتكون نواة لإدارة في غزة بمعزل عن الضفة.

من جانبه، قال أحد مسؤولي الشرطة في دير البلح وطلب عدم ذكر اسمه تحسبا لاستهداف الاحتلال لكوادر الأمن، إن “القطاع غزة تظهر فيه حاليا العديد من القوى على الأرض وتحاول أن توجد لنفسها مكانا على الساحة، كحركة فتح والتيار الإصلاحي، والسلفيين، وتنظيمات أخرى، وعائلات كبيرة متنفذة، وبعضهم يخصص لنفسه منطقة معينة يكون له نفوذ فيها”.

وأوضح المسؤول الأمني لـ"الاستقلال" أن "التيار الإصلاحي كان موجودا قبل الحرب، وكان له مقار وجمعيات وأنصار، وكان مسموحا له أن يعمل في غزة، ولكن خلال الأشهر الأخيرة ، بدأ يعمل بشكل مختلف، بحيث شكل مجموعات مسلحة بدعوى تأمين المساعدات الاماراتية ومخيمات النزوح، وهذا أمر مشبوه".

وشدد على أن “استهداف الاحتلال المباشر لعناصر الشرطة ومنازلهم، أسهم في ظهور حالة المجموعات المسلحة، وتنامي ظاهرة سلاح العائلات، وتسبب في حالة من الفلتان الأمني، وكانت آخر جرائم الاحتلال بحقهم قصف سيارة فيها 11 شرطيا في 31 يوليو/ تموز 2024، كانوا في طريقهم لفك شجار بين عائلتين في بلدة الزوايدة وسط القطاع، ما أدى لاستشهاد جميع العناصر”.

وأضاف “لا نسعى حاليا للتحقيق حول أهداف تشكيل مجموعات مسلحة تابعة لهذا الفصيل السياسي أو تلك العائلة، بل نركز جهدنا لتوفير الأمن داخل القطاع، وقطع الطريق على الاحتلال الذي يقتلنا ليكرس الفوضى والفلتان الأمني”.

تعاون مصري

وقدم “التيار الإصلاحي” فرصة للطلبة العالقين في غزة لإخراجهم من القطاع مجانا، إذ تجاوز المبلغ الذي تطلبه شركة “هلا” المملوكة لنجل رئيس النظام المصري محمود السيسي ورجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني، 5 آلاف دولار لكل مسافر. 

ومنذ تأسيس التيار منح نظام السيسي دحلان صلاحيات واسعة في معبر رفح، كنوع من السلطة ذات التأثير على غزة، وزاد هذا الدعم بشكل واضح خلال العدوان الإسرائيلي على أهالي غزة.

وتصاحب مثل هذه الخطوات حملات إعلامية تسويقية لدحلان والدور الذي يؤديه في سبيل التخفيف عن سكان القطاع في ظل الإبادة.

كما وثقت القنوات الموالية لدحلان زيارات ومنح مالية وهدايا، من قادة التيار، للمصابين الذين يتلقون العلاج في مصر، وكذلك الأهالي الذين خرجوا من القطاع.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوات المصاحبة بتغطية إعلامية ضخمة على وسائل الإعلام التابعة لدحلان، وكذلك وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية والمصرية، وحملات تسويق عبر منصات التواصل الاجتماعي، تهدف لإظهاره بصورة القائد الوحيد الذي يرعى الغزيين.

ومنذ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل، بدعم الولايات المتحدة ودول أخرى، عدوانا على غزة، خلفت أكثر من 133 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط مجاعة ودمار شامل.

وتواصل إسرائيل هذا العدوان متجاهلة قرارا من مجلس الأمن يطالبها بوقف القتال فورا، وأوامر من محكمة العدل بوقف هجومها على رفح، واتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال "إبادة جماعية"، و"تحسين الوضع الإنساني" بغزة.