أقصى المعارضة وتحكم بالدستور.. هل يقدم سعيد على تأجيل الانتخابات؟

منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

مع بداية 2024، دخلت ولاية الرئيس التونسي قيس سعيد الأولى أشهرها الأخيرة، حيث يستكمل نهاية هذا العام 5 سنوات في قصر قرطاج منذ أدائه القسم لحكم البلاد في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وفي الوقت الذي أعلن فيه عدد من الشخصيات السياسية ترشحها للانتخابات الرئاسية، وتصاعد الحديث بين مختلف الفرقاء عن كيفية المشاركة في هذا الاستحقاق، أثارت دعوات مناصرين للرئيس التونسي قيس سعيد إلى تأجيلها جدلا كبيرا.

وتساءل كثيرون عما إذا كان سعيد سيتجه نحو هذه الخطوة في محاولة لتمهيد الطريق لتمديد ولايته الرئاسية حتى العام 2027.

دعوات مشبوهة 

عقدت بتونس العاصمة في 17 يناير/كانون الثاني 2024 ندوة صحفية لحزب "مسار 25 جويلية" (نسبة ليوم انقلاب سعيد على المسار الديمقراطي في 25 يوليو/تموز 2021) بعد حصوله رسميا على الموافقة القانونية كحزب سياسي.

وخلال الندوة دعا محمود بن مبروك الأمين العام للحزب المساند للرئيس التونسي قيس سعيد إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية التي يحل موعدها الدوري نهاية العام.

ورأى أن تنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها (خريف 2024) يعد اعترافا ضمنيا بدستور العام 2014 في ظل عمل البلاد بدستور 25 يوليو 2022 الجديد.

فبعد عام من تعطيل سعيد لعمل البرلمان التونسي وإغلاقه، ووقف العمل بالدستور أجرى استفتاء شعبيا من أجل وضع دستور جديد للبلاد، غير بموجبه النظام السياسي من نظام برلماني معدّل إلى آخر رئاسي يمنح صلاحيات واسعة لرئيس الدولة وحصانة خلال أدائه لمهام ويمنع أي رقابة برلمانية على حكمه.

وأضاف ابن مبروك أن الثورة الحقيقية وقعت في 25 يوليو 2021 حيث وقع القطع مع المنظومة السابقة بانتخاباتها وصناديقها، موضحا أن الرئاسيات المقبلة سيتم إجراؤها وفقا لدستور 25 يوليو وليس دستور 2014.

وأشار ابن مبروك إلى أن "المواطنين فهموا أن تونس تعيش مرحلة انتعاشة، مبينا أن الدستور الجديد لم ينص على تاريخ الانتخابات الرئاسية وتطرق في أحد فصوله إلى أنه يحق للرئيس الترشح لدورتين رئاسيتين.

هذه الدعوات لم تكن منفردة، حيث تحركت في وقت متزامن عدد من المنصات الإعلامية الداعمة للرئيس سعيد تستطلع آراء من وصفتهم بـ "المواطنين التونسيين".

وهؤلاء تراوحت آراؤهم بين مناشد له للترشح لولاية ثانية وبين الداعي لتأجيل الانتخابات الرئاسية بحجة أن ولايته الحقيقية لم تبدأ إلا بعد قرارات 25 يوليو 2021.

بهذا التصريح أخرج ما كان يروج سرا وتحذّر منه المعارضة إلى العلن لأول مرّة، وفاقم من التخوفات الجدية التي حملتها تصريحاتهم السابقة عن نية السلطة القائمة عدم الالتزام بموعد الانتخابات والتمديد لسعيد أو تصفير مدده الرئاسية بجعل عملية الاقتراع المقبلة هي الأولى له.

تحذيرات المعارضة

ففي ندوة صحفية عقدتها حركة النهضة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، رأى القيادي في الحركة نزار حبوبي أنه "من خلال استقراء لمسار سعيد وما فعله استنادا لحجة الخطر الداهم، وإقدامه في كل مرة على كتابة القوانين وتغييرها بنفسه، فإن هناك تخوفا من أن سنة 2024 التي تنتهي فيها العهدة القانونية للرئيس، لن تشهد انتخابات رئاسية".

من جهته  استبعد الحزب الدستوري الحر تنظيم هذه الانتخابات في موعدها، حيث قالت رئيسته عبير موسي في 8 أبريل/نيسان 2023 إن "بإمكان قيس سعيد بجرة قلم أن يقول إن البلاد ليست في حاجة إلى انتخابات بدعوى فزاعة أن اللاوطنيين يتربصون بتونس".

ويذكر أن العديد من مكونات المعارضة التونسية طالبت منذ انقلاب 25 يوليو 2021 بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة لإخراج البلاد من أزمتها السياسية والاحتكام إلى الشعب مجددا لحسم كل الخلافات المطروحة واستعادة الشرعية الدستورية لمؤسسات الدولة.

وفي حديث لـ "الاستقلال" أكّد الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري "أن الذين يتحدثون عن تأجيل الانتخابات الرئاسية ضربوا كل المرجعيات الدستورية والقانونية (عرض الحائط)".

وبين أنه "لم تعد تحكمهم بوصلة وهم خارج الإطار الدستوري. والتعليق الوحيد على مثل هذه الدعوات أنها نوع من تتفيه إرادة الشعب ومشاركته في صنع قراره واختيار من يحكمه".

وأضاف الخميري "لا يمكن الجزم بمدى علاقة الدعوات الحالية بالسلطة، إلا أن الثابت والمؤكد أن البلاد تدفع إلى مزالق انعدام الشرعية، فأي نظام لا يحترم المواعيد المضبوطة ولا يحتكم للقوانين التي جاءت به لسدة الحكم يعمق أزمة البلاد".

 بالإضافة إلى أن الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية تزيد الوضع سوءا منذ 25 يوليو 2021 وسيتم تعقيدها في صورة تأجيل الانتخابات الرئاسية، وفق تقديره.

وشدد القيادي في النهضة على أن "الساحة السياسية اليوم يتم إفراغها من كل المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية".

فمنذ تنظيم الانتخابات التشريعية وفق دستور 2022 وفشل السلطة في حشد مشاركة المواطنين فيها حيث قوبلت بمقاطعة واسعة، انطلقت سلطة منظومة 25 يوليو 2021 في اعتقال القادة السياسيين.

وتابع: "لعلّ المشهد السياسي اليوم في تونس يظهر عدم وجود أي شخصية معارضة لمنظومة 25 يوليو ويمكن لها أن تترشح لرئاسة الجمهورية إلا وجرى استهدافها عبر الملاحقة القضائية أو الزج بها في السجن، وهذا لا يمكن أن يفهم إلا في إطار إفراغ الساحة من كل المنافسين المحتملين لقيس سعيد". 

خيارات السلطة 

تذهب العديد من التحليلات إلى افتراض أن الورقة الأقوى التي يمتلكها قيس سعيد وساعدته في اتخاذ كل إجراءاته منذ 25 يوليو 2021 هي فوزه في انتخابات العام 2019 بنسبة تجاوزت 70 بالمئة من أصوات الناخبين التونسيين.

لذلك لا يغامر الرئيس التونسي بخسارة هذه الورقة وظهوره في صورة الهارب من المنافسة الانتخابية، خاصّة أن عددا من استطلاعات الرأي رغم التشكيك في مصداقيتها لا تزال تظهر تقدمه على بقية الشخصيات السياسية في أي استحقاق انتخابي مقبل.

في الوقت نفسه، لم تصدر السلطة إلى اليوم القانون الانتخابي الذي سيحدد شروط الترشح ويتوقع كثيرون أنه لن يخرج عن رؤية قيس سعيد وأفكاره، حيث تتالت التصريحات للبرلمانيين الجدد حول انتظارهم لتقديم مشروع القانون من قبل رئاسة الجمهورية.

كما أن القانون قد يفرض من خلاله سعيد شروطا تعجيزية للترشح للانتخابات، وهو ما يترجم تصريحاته مثيرة للجدل أطلقها خلال إحيائه ذكرى وفاة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بمدينة المنستير يوم 6 أبريل/نيسان 2023.

وقتها قال سعيد "لا أشعر بنفسي في منافسة أي كان، الشعب هو الحكم، القضية قضية مشروع وليست أشخاصا، الترشح لم يكن مطروحا، لا تهمني المناصب ولا القصور، يهمني وطني ولن أسلمه لمن لا وطنية له"، وفق تعبيره.

وما تخشاه المعارضة أكثر من تأجيل الانتخابات إلى موعد لاحق، هو تنظيمها دون وجود ضمانات حقيقية لنزاهتها وتحت إدارة هيئة عينها سعيد بنفسه وتدخّل في تركيبتها، كما قرر منع قدوم وفود أجنبية لمراقبتها تحت حجة الدفاع عن السيادة الوطنية.

ولا تمتلك المعارضة السياسية في البلاد، ولا منظمات المجتمع المدني أي أدوات للضغط على السلطة من أجل حماية الانتخابات من أي شكل من أشكال التزييف أو التلاعب بأصوات التونسيين.

كما أن ملاحقة عدد كبير من قادة المعارضة قضائيا واستمرار اعتقال آخرين يجعل من إمكانية وجود شخصيات ذات ثقل شعبي قادرة على منافسة  قيس سعيد أمرا صعبا.