"عام على الطوفان".. كيف نجحت المقاومة في "زلزلة" جيش الاحتلال؟
"حماس فكرة مصطلح صار متداولا بقوة داخل أروقة صناعة القرار لدولة الاحتلال"
عندما تأسست دولة الاحتلال الإسرائيلية عام 1948، أرسى أول رئيس وزراء لها وأحد مؤسسيها دافيد بن غوريون، ما يعرف بمبادئ الأمن القومي.
وارتكزت على مجموعة من القواعد الأساسية، وهي الردع المؤثر، والإنذار المبكر، والدفاع القوي، والحسم السريع، ونقل المعركة إلى أرض العدو، بحيث لا تدور معركة على أرض إسرائيل المزعومة.
وأضاف لها مؤسس الحركة الصهيونية التصحيحية، زئيف جابوتنسكي، مبدأ "الجدار الحديدي" أي لا بد أن يدرك أعداء إسرائيل أن مساعيهم غير فعالة، وتؤدي إلى زيادة معاناتهم الخاصة.
وفي ذكرى مرور عام على معركة "طوفان الأقصى" التي بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، نجحت المقاومة الفلسطينية بقيادة “كتائب القسام” الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في “زلزلة" ما يسمى بـ"مبادئ الأمن القومي الإسرائيلي".
خرق الجدار
وقتها استطاعت “كتائب القسام” خلال الهجوم على دولة الاحتلال خرق الجدار الفاصل في أكثر من موقع وفي آن واحد.
كان أهمها المعبر الموجود بين حانون وقاعدتي ناحل ورعيم حيث تتمركز قيادة “فرقة غزة” العسكرية التي سحقتها حماس في الساعات الأولى للطوفان.
وهو الأمر الذي شل الدفاعات الإسرائيلية وسمح للمقاومة الفلسطينية بدخول الأراضي المحتلة لأول مرة منذ العام 1948، والقتال بداخلها لنحو ثلاثة أيام متتالية.
وكانت أعظم انتصارات المقاومة في تلك المعركة الحاسمة، ففي 7 أكتوبر أعلنت كتائب القسام أن فرقة غزة سقطت بكاملها، مع اقتحام السياج الفاصل مع غزة، واجتياح قاعدة "رعيم" مقر الفرقة.
وقتل عدد من أبرز وأهم قادة الجيش التابعين لفرقة غزة ولواء الجنوب بداخلها، على رأسهم العقيد يوناتان شتاينبرغ (42 عاما) قائد لواء ناحل، أحد ألوية المشاة الخمسة بالجيش والمنضوي في الفرقة.
الضابط الثاني البارز من فرقة غزة الذي سقط في العملية، هو العقيد روي يوسف ليفي (44 عاما) قائد الوحدة المتعددة الأبعاد (وحدة الشبح).
وقد قتل ليفي في اشتباكات مع مقاتلي القسام داخل قاعدة رعيم، وسبق أن أصيب في حرب الفرقان عام 2014.
وبحسب الصحافة العبرية، فإن ليفي ومعه شتاينبرغ من أعلى الضباط رتبة الذين فقدتهم إسرائيل في معاركها خلال سنوات طويلة.
كما قتل المقدم سهار مخلوف قائد كتيبة الاتصالات 481 خلال اشتباكات مع المقاومة في قاعدة رعيم أيضا.
وفي 16 أكتوبر 2023، أعلن الجيش الإسرائيلي أن 291 بين جندي وضابط قتلوا في عملية طوفان الأقصى، في حين بلغ العدد الكلي للقتلى الإسرائيليين أزيد من 1400، فيما بلغ عدد الأسرى 251 (يتبقى منهم 101 أسير بعد أن أفرج عن بعضهم في صفقات أو قتل البعض خلال العدوان على القطاع).
وهذا أكبر رقم على الإطلاق تفقده إسرائيل خلال حروبها المستمرة ضد المقاومة الفلسطينية، وهو ما ترك آثارا لن تمحى بسهولة.
حماس فكرة
الانتصار الثاني لحماس وفصائل المقاومة يتمثل في قدرتهم على الصمود في وجه آلة الحرب الإسرائيلية الشرسة المدعومة عالميا، تحديدا من الولايات المتحدة.
وفي 23 أبريل/ نيسان 2024، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لها أن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق الهدفين الأساسيين للعدوان، وهما تدمير حركة “حماس” تماما وإعادة الأسرى، بينما أدت معاناة الفلسطينيين إلى تآكل الدعم الدبلوماسي لها حتى بين حلفائها.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن عسكريين إسرائيليين أن حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى لا يزال لديها قوات عديدة فوق الأرض وتحتها.
كما استشهد التقرير بتصريح مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، اتفقوا جميعا أن الأنفاق في غزة ستسمح لحماس بالبقاء وإعادة تشكيل نفسها فور توقف القصف.
لكن الذي أكد مدى قوة حماس وبراعة خططها لأجل البقاء والاستمرار هو تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين، الذين أقروا باستحالة القضاء على “حركة المقاومة”.
ففي 25 يونيو/ حزيران 2024، أعلن الوزير المستقيل من مجلس الحرب وزعيم حزب معسكر الدولة، بيني غانتس، أن "حماس فكرة لا يمكن تدميرها، وإن كان من الممكن إضعافها".
وصرح بذلك الأمر من قبل رفيقه في الجيش وفي العمل السياسي، غادي آيزنكوت، عندما قال إن "حماس فكرة ستقاتلها إسرائيل لسنوات عديدة قادمة".
لكن المثير أن مصطلح "حماس فكرة" صار متداولا بقوة داخل أروقة صناعة القرار لدولة الاحتلال.
فمثلا صرح المتحدث باسم جيش الاحتلال، دانيال هاغاري، خلال مقابلة مع “القناة 13” العبرية التي تعد قناة معارضة لنتنياهو وأقرب لليسار، مشددا على استحالة تدمير حماس، وذكر في حديثه أن "حماس فكرة لا يمكن تدميرها".
ثم عقب هاغاري بأن "الحديث عن تدمير حماس هو بمثابة ذر للرماد في أعين الجمهور، وذلك لأنها مغروسة في قلوب الفلسطينيين".
تكتيكات المقاومة
كان قادة الحرب الإسرائيليون يعلمون جيدا قبل العدوان أن لدى حماس شبكة أنفاق واسعة النطاق ومعقدة، ولكن مع توغلهم في غزة ثبت أنها أكثر تطورا واتساعا مما كانوا يعتقدون.
وفي وقت مبكر من العدوان الحالي، قدروا أنها تمتد على قرابة 250 ميلا، وحاليا يعتقدون أن الأمر يصل إلى الضعف.
وفي 3 سبتمبر/ أيلول 2024، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها أن "المسؤولين في إسرائيل ظلوا لسنوات يبحثون كيفية الوصول للأنفاق وتفكيكها".
وذكرت أن حماس “استخدمت تكتيكات فريدة، لولاها لما استطاعوا مجابهة الجيش الإسرائيلي ووحداته المتطورة”.
وأوردت أنه قبل عام واحد فقط من مهاجمة إسرائيل، وافق رئيس حماس في غزة حينها، يحيى السنوار، على إنفاق 225 ألف دولار لتركيب أبواب ضد الانفجار لحماية شبكة أنفاق الكتائب من الغارات الجوية والاعتداءات البرية.
كما أن قادة كتائب القسام أعدوا أنفسهم جيدا عن كيفية القتال داخل الأنفاق واستخدامها في إلحاق خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي.
وعثرت قوات الاحتلال على وثائق تتضمن تفصيلا دقيقا عن كيفية الإبحار في ظلام الأنفاق، والتحرك خلسة تحت غزة، وكيفية إطلاق الأسلحة الآلية في أماكن ضيقة لتحقيق أقصى قدر من الفتك بالعدو.
حتى إن قادة ساحة المعركة من حماس تلقوا "بالثانية" كم من الوقت يستغرقه مقاتلوهم للتنقل بين نقاط مختلفة تحت الأرض.
وورد في أحد الوثائق أن قادة ألوية حماس قاموا بمراجعة الأنفاق أسفل غزة، وحددوا الأماكن الحيوية تحت الأرض وعلى السطح التي تحتاج إلى تحصين.
تلك الحالة مثلت تفسيرا وراء معاناة إسرائيل، بعد مرور عام على عدوانهم، لتحقيق هدفها المتمثل في تفكيك حماس.
بينما صرح الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، تامير هايمان، لوسائل الإعلام العبرية بأن إستراتيجية حماس القتالية "تعتمد على التكتيكات السرية".
وعقب بأن هذا هو أحد الأسباب الرئيسة التي جعلتهم قادرين على الصمود أمام الجيش الإسرائيلي، واصفا الأمر بـ"المعجزة العسكرية" التي ستدرس لسنوات في الكليات والمعاهد العسكرية حول العالم.
رعب الحركة
ولا ينفصل بقاء حماس وفصائل المقاومة وصمودهم عن الثمن الباهظ الذي دفعته إسرائيل في الحرب الطويلة.
وبلغت حصيلة قتلى جيش الاحتلال بحسب تقديرات مختلفة بأن 690 جنديا وضابطا قتلوا منذ بداية العملية، بينهم 330 بالمعارك البرية في قطاع غزة.
وفي 14 أغسطس/ آب 2024، كشف الجيش الإسرائيلي في تقرير رسمي عن أرقام بشأن الخسائر البشرية التي لحقت به في غزة، تضمنت أعداد القتلى والجرحى والمصابين بالصدمات النفسية.
ووفق معطيات رسمية، فإن قسم إعادة التأهيل في وزارة دفاع الاحتلال استقبل 10 آلاف و56 جنديا جريحا منذ 7 أكتوبر، بمعدل أكثر من ألف جريح جديد كل شهر.
وبحسب بيان الوزارة ، يعاني أكثر من 3700 من إصابات في الأطراف، بما في ذلك 192 إصابة في الرأس، و168 مصابا بجروح في العين، و690 بجروح في الحبل الشوكي، و50 مصابا من مبتوري الأطراف يعالجون في قسم إعادة التأهيل.
وقالت إن 35 بالمئة من الجرحى الجنود يعانون القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.
ولم تنل الضربات القاسية للمقاومة الفلسطينية في غزة جيش الاحتلال فقط، بل وصلت إلى المجتمع الإسرائيلي نفسه.
ففي 3 فبراير/ شباط 2024، أطلق موقع "ذا ماركر" العبري، تعبير "تسونامي" لوصف الأعداد الكبيرة من المستوطنين الذين يتوجهون لعيادات الطب النفسي، وانتشار أعراض مثل اضطراب الأكل، منذ بداية العدوان على غزة.
كما تحدثت صحيفة “إسرائيل هيوم” عن ارتفاع في عدد الأعراض النفسية لدى الإسرائيليين.
وبينت أن منظومة الصحة النفسية “غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من المراجعين”.
ونشرت أن التقديرات تفيد بأن ما بين 20 إلى 30 بالمئة من الإسرائيليين سيعيشون مع هذه الصدمة النفسية طوال حياتهم، وأنهم لن ينجحوا في التخلص من أعراضها.
ومطلع يناير/ كانون الثاني 2024، طلبت مجموعة من مديري مستشفيات الصحة العقلية في تل أبيب، في رسالة خاصة بعثوها إلى "هيئة التفتيش"، بضرورة إعلان حالة الطوارئ جراء تدهور كبير في الصحة العقلية للإسرائيليين، على وقع انتشار الأمراض النفسية.
وجاء في الرسالة أن أحداث 7 أكتوبر ستضيف لمن يحتاجون إلى العلاج النفسي 300 ألف شخص جديد.
المصادر
- "حماس فكرة".. هل أدركت إسرائيل أخيرا أنها لا تستطيع القضاء عليها؟
- حرب غزة: هل حققت إسرائيل أهدافها بعد مرور 200 يوم على اندلاعها؟
- نيويورك تايمز تستعرض وثائق لحماس تشرح تكتيكات القتال بأنفاق غزة
- مصادر عسكرية إسرائيلية: جيش حماس لا ينتهي.. والحديث عن قرب تدميره منفصم عن الواقع ووهم
- أرقام تفصيلية جديدة عن خسائر الجيش الإسرائيلي في غزة
- هل اقترب الجيش الإسرائيلي فعلا من تدمير حماس؟