بذريعة تعليم الفنون.. كيف تسهم "مدارس الريادة" في نشر الرذيلة بالمغرب؟
"هذا البرنامج يضرب المنظومة التربوية القيمية الأخلاقية بعرض الحائط"
وجدت وزارة التربية والتعليم في المغرب نفسها محل انتقادات واسعة من خبراء ومختصين؛ وذلك بسبب شروعها في فرض نهج منافٍ للأخلاق والقيم الدينية على تلاميذ "مدارس الريادة" تحت ذريعة "تعليم الفنون".
برنامج "مدارس الريادة" أحد البرامج الرئيسة ضمن "خارطة الطريق 2022-2026" التي تهدف إلى معالجة هذه التحديات والنهوض بالتعليم العمومي في المغرب، وفق وزارة التعليم.
مشروع الريادة
وقال كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، خالد الصمدي، إن العديد من الأساتذة الذين تم استدعاؤهم لدورات تدريبية ضمن مشروع "مدارس الريادة" أعلنوا أنهم تلقوا توجيهات ووثائق تَفرض عليهم عَرض أفلام تجارية على التلاميذ القاصرين في المؤسسات التعليمية الإعدادية.
وأوضح الصمدي لموقع "العدالة والتنمية" في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أن "هذه الأفلام تضم مجموعة من المشاهد الخليعة والمائعة والمنافية للأخلاق والقيم".
وأضاف أن "هذه المشاهد من مؤسسة (علي زاوا) المعروفة بإنتاج أفلام لا تراعي قيم المجتمع وتدمج مشاهد غير أخلاقية في إنتاجاتها، تندرج في إطار برنامج وزارة التربية الذي أعدته عام 2023 تحت عنوان تعليم الفنون في المدارس الحكومية".
ورأى الصمدي أن "هذا يُنذر بتوترات مع عدد من الأساتذة على الصعيد الوطني، والذين أعلنوا رفضهم الانخراط في هذه الأنشطة المنافية والمتعارضة مع الأسس التربوية".
وشدد على أن ما يقع يندرج في نهج مناف للأخلاق والقيم الدينية تحت ذريعة "تعليم الفنون"، داعيا إلى وقف هذا التوجه "الخطير جدا" على الناشئة.
وتساءل الصمدي، “هل هي صفقة تجارية بين الوزير السابق شكيب بنموسى وهذه المؤسسة يُراد تمريرها تحت غطاء تنمية الحس الفني للتلاميذ ولو على حساب أخلاقهم وقيمهم؟ وما رأي الوزارة الحالية في هذا المساس الخطير بالرسالة التربوية للمؤسسات التعليمية بشهادة الأساتذة الرافضين؟”
ونبه إلى أن “الدور الأساسي في هذه العملية يقوم على اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج التي أوكل إليها القانون صلاحية الرقابة والإقرار”.
ولمواجهة كل اختلال، دعا الصمدي جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ لـ"إبداء موقف قوي تجاه ما سيُعرض على أبنائهم وبناتهم القاصرين في هذه المؤسسات التعليمية إن قَبِل بعض الأساتذة القيام بهذه المهمة غير النبيلة".
كما أبرز دور النقابات التعليمية “في مجابهة مثل هذه البرامج التي تقحم إقحاما في مدارس الريادة، مما يُنذر بأن تتحول بفعل هذا الاختراق التجاري إلى مدارس لإبادة الأخلاق والقيم، والعبث بالمؤسسات التربوية وحرمتها ورسالتها”.
ونقل حساب "ثقة تيفي" عبر فيسبوك، في 31 أكتوبر 2024، شهادةُ تربويةٍ حول الأنشطة الموازية التي برمجتها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بالمؤسسات التعليمية المصنفة "المدارس الرائدة" (الإعدادي).
وتهم تلك الأنشطة 4 مجالات، وهي التفتح العلمي، والثقافة المقاولاتية، والمسرح، والسمعي البصري.
وتؤكد التربوية في شهادتها أن المؤطرين التربويين اكتشفوا من خلال التدريب الذين خضعوا له في أنشطة "السمعي البصري" أن هذا المجال بأكمله اختزل في ورشة السينما بشراكة مع مؤسسة "علي زاوا" التي أسسها المخرج نبيل عيوش.
وأضافت المؤطرة أنه "أثناء التكوين وزعوا علينا مجموعة من الدلائل، من بينها دليل يضم مجموعة من الأفلام التي ستعرض بالمؤسسات التعليمية، وهي أفلام لا تربوية وغير هادفة، وتضم مجموعة من المشاهد الخليعة والمائعة التي تخدش الحياء".
وأكدت أنها "لن تعرض حثالة الأفلام في المؤسسة التربوية وأنها قاطعت التكوين"، مطالبة بـ"إيقاف هذا البرنامج الذي يضرب المنظومة التربوية القيمية الأخلاقية بعرض الحائط".
انزلاق خطير
بدوره، ذكر موقع “أشكاين” (ماذا وقع)، في 31 أكتوبر 2024، أن التكوين الذي أعدته الوزارة شهد "نقاشا حادا بين الأساتذة، بعد اطلاعهم على الأفلام المقترحة".
وأضاف أنهم "عبروا عن رفضهم وصدمتهم مما تضمنته تلك الأفلام من مشاهد خادشة للحياء، ما دفع بعض المشاركين إلى تنبيه مسؤول بأن هذه الافلام تضم لقطات إباحية وخادشة للحياء مثل القبلة وغيرها".
في المقابل "رد المسؤول على انتقادات الحاضرين بأنه لا مشكلة في عرض مثل هذه المشاهد، وأن القُبلة شيء عادي ويجب محاربة الطابوهات، ودافع عن الأفلام المقترحة، ما دفع بعض المشاركين للانسحاب".
وأبرز الموقع أن "بعض المكونين خلطوا بين التكوين وتمرير أفكارهم الخاصة بعيدا عن التربية، مؤكدين على أنهم (المكوِّنين) لا يؤمنون بشيء اسمه الفيلم التربوي، ولا يؤمنون بممارسة الرقابة على السينما، ما يعني أنهم لم يستحضروا المجال المدرسي الذي تحكمه قيم وضوابط ويضم أطفالا قاصرين".
وأردف أن اليوم الأخير من التكوين شهد "حضور ممثلة الوزارة التي صُدمت من مواجهتها من طرف الأساتذة برفضهم لمحتوى الأفلام، حيث أكدت لهم أن لجنة وزارية هي من أشرت عليها، ليتدخل مسؤول آخر ويواجه الأساتذة بالتهديد، وأن هذا المحتوى سيتم تنزيله رغم الرفض وحذرهم من استبدال الأفلام المقترحة".
وتساءل الأساتذة "عما إن كانت هذه اللجنة الوزارية التي أشرت على هذه الأفلام نسيت منظومة القيم والتربية التي تحكم المجال المدرسي، وأن المدرسة يجب أن تتضمن أفلاما تربوية هادفة، علما أن هناك أفلاما بديلة يمكن الاستعانة بها بدل هذه الأفلام التي تتضمن مشاهد إباحية".
من جانبها، ترى الناشطة السياسية والقيادية بالجامعة الوطنية لموظفي التعليم، حليمة الشويكة، أن “وزارة التربية تتحمل كامل المسؤولية فيما يتعلق بإدراج بعض الأفلام الخادشة للحياء، من قبيل أفلام علي زاوا (يتناول الطفولة) وأفلام المخرج نبيل عيوش، في مدارس الريادة”.
وشددت الشويكة لـ"الاستقلال"، على أن هذه الأفلام "لا تليق أن تُعرض على التلاميذ عموما، خاصة في هذه المرحلة العمرية الحساسة".
وأوضحت أن “الخبر بشأن هذا التوجه الحكومي لم يأت بالطرق القانونية داخل الوزارة، وإنما عبر تصريح مجموعة من الأطر المستفيدة من تدريب همَّ الأنشطة الموازية والنوادي الفنية المتعلقة بمدارس الريادة”.
وأضافت الشويكة، أن الأفلام المقصودة أثارت ضجة كبيرة في المغرب منذ 20 سنة، بسبب تضمنها لمشاهد مخلة بالحياء.
وأردفت أن "تلك المشاهد لم يعتدها المجتمع ولا تليق بأعرافه الجامعة وقيمه ومنظوماته القانونية".
وقالت الشويكة إن "مؤسسة الريادة إن كانت ستعمل على الرفع من الذوق الفني للتلاميذ، فإن هذا يجب أن يتم بمراعاة كل مؤسسة ومنطقة وخصوصياتها".
وخلصت إلى أن على الوزارة أن تتحمل مسؤوليتها “في هذا الخلل المسجل، والذي يخالف القانون الإطار، ويتعارض مع الثوابت القيمية والأخلاقية للمجتمع المغربي”.
ودعت الشويكة، مختلف المهتمين بالقطاع وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ، إلى التصدي للحكومة في هذه النازلة الغربية على المنظومة التربوية للمغرب.
البلاد في خطر
من جانبه، يرى أستاذ علوم التربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، عبد الجليل أميم، أن “ما يقع بمدارس الريادة ومضامينها، يحتاج من المسؤولين إلى توضيح خاص بالمضامين المخلة بالحياء الواردة في مضامين فيلم أو أفلام تُعرض على أبناء المغاربة القاصرين في مؤسسات تابعة لدولة مسلمة”.
وأضاف أميم لـ"الاستقلال" متسائلا، “عمن أشرف على هذه الكتب؟ ومن درس مضامينها؟ وهل هي موافقة للدستور والميثاق والرؤية والقانون الإطار؟ من كلف من بالتأليف؟ وبأية معايير؟”
وشدد الأستاذ الجامعي أن “على المسؤولين والمؤطرين التربويين أن يتحملوا مسؤولياتهم الكاملة أمام الأسر المغربية والمؤسسات الاجتماعية والقانونية”.
ورأى أن "الأمر يحتاج إلى يقظة من طرف كل مكونات الجسم التربوي، ليست مدارس الريادة بوابة من لا بوابة له ليمرر بها وفيها ما يشاء".
ودعا أميم المسؤولين وعموم المواطنين للانتباه إلى أن “التعليم مسؤولية جميع المستويات والأعمار، وله منطق علمي يراعي مجمل خصائص مراحل النمو”، منبها إلى أن "المجال لا يدخله جاهل...".
فيما تساءل رئيس الحكومة الأسبق، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، عمن يقف وراء مثل هذا التوجه.
وأضاف بنكيران خلال لقاء حزبي بالرباط، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مخاطبا الحكومة: “إن تعرضت بلادكم لخطر، فهل بمثل من نشأ على هذا التعليم والأفكار يمكن أن ندافع عنها؟”
وخلص إلى أن “الدفاع عن الوطن والقيم والمبادئ يقوم على القرآن والثوابت الوطنية”، مقدرا أن “ناشئة بمثل هذا الذي يراد تعميمه في التعليم لن تصلح لا لنفسها ولا للوطن”.