وسط ارتكاب إبادة في غزة.. لماذا يطالب إسرائيليون بخفض العلاقة مع أذربيجان؟
تبيع إسرائيل لأذربيجان أسلحة متقدمة بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ
على الرغم من شنها إبادة جماعية في غزة منذ أكثر من عام، تبرز دعوات في إسرائيل لإعادة تقييم العلاقات مع أذربيجان بسبب ملف باكو الحقوقي!.
ويشدد “ناداف تامير” وهو دبلوماسي إسرائيلي سابق في الولايات المتحدة على أهمية إعادة تقييم علاقات إسرائيل القوية بأذربيجان.
وقال في مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية إن "الإشادة بأذربيجان بصفتها نموذجا للفضيلة يتطلب فحصا أكثر دقة".
ويحاول المقال تصوير إسرائيل على أنها واحة من الديمقراطية والحرية لا ينبغي لها إقامة علاقات مع دول يرى أنها ديكتاتورية وسلطوية مثل أذربيجان، في وقت يتغافل فيه عن الجرائم التي ترتكبها تل أبيب في قطاع غزة.
وترتكب إسرائيل في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية، خلّفت أكثر من 155 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
وجاء رأي تامير ردا على مقال آخر نشرته الصحيفة نفسها للمستشرق الإسرائيلي، مردخاي كيدار، حمل عنوان: “لماذا يحتاج اليهود أذربيجان؟”
وانتقد تامير وهو أيضا عضو مجلس إدارة المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية "ميتفيم"، ومستشار الرئيس الأسبق، شمعون بيريز، الصورة الوردية التي رسمها كيدار عن أذربيجان.
ففي مقاله، أشاد "كيدار" بأذربيجان، عادًّا إياها رمزا ومنارة للصداقة مع إسرائيل، ونموذجا للتسامح، وسط إقليم معادي.
وذكر "كيدار" أن أكثر من 40 بالمئة من نفط إسرائيل يأتي من أذربيجان، وأن أكثر من 120 شركة إسرائيلية تعمل داخل الدولة التي تقع جنوب القوقاز، والعديد منها تستكشف إمكانية الانتقال إلى هناك.
وفي معرض تعليقه على هذا التوجه، قال "تامير": "كدبلوماسي سابق، لا أغفل تقديرات الواقعية السياسية، وأدرك أن التحالف الإستراتيجي بين إسرائيل وأذربيجان يخدم بلا شك مصالح جيوسياسية واقتصادية معينة، لا سيما النفط، والقرب الجغرافي من إيران".
قبضة حديدية
لكنه أضاف: “تحت القبضة الحديدية للرئيس إلهام علييف، تقف أذربيجان كواحدة من أكثر الأنظمة استبدادا في العالم”.
فعلى سبيل المثال، نجد منظمة "فريدوم هاوس" المرموقة، تعطي أذربيجان تقييما بائسا قدره 9 من 100 ضمن تصنيف "الحرية في العالم"، ما يضعها بوضوح في فئة "الدول غير الحرة".
ويرى "تامير" أن "الانتخابات في أذربيجان هزلية، حيث يفوز علييف بانتظام بأكثر من 80 بالمئة من الأصوات، في عملية تفتقر حتى إلى أدنى درجات الشرعية".
"كما يُقمع المعارضون بوحشية ممنهجة، ويعد سجن الصحفيين والمعارضين والناشطين أمرا روتينيا، وهناك سيطرة شبه كاملة للدولة على وسائل الإعلام والمجتمع المدني"، وفق الدبلوماسي الإسرائيلي السابق.
وهو أمر بات يحدث أخيرا في إسرائيل نفسها، حيث تقمع شرطة الاحتلال المطالبين بعقد صفقة تبادل أسرى مع حركة المقاومة الإسلامية حماس وتعتقل العديد منهم.
في وقت يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يحاكم بتهم فساد، الذهاب نحو الصفقة حفاظا على ائتلافه من الانهيار، حيث يتشكل الأخير من أكثر حكومة يمنية متطرفة في تاريخ إسرائيل.
وقال الكاتب: "غالبا ما يُبرر التحالف بين إسرائيل وأذربيجان على أساس أن الأخيرة توفر للأولى جزءا كبيرا من احتياجاتها النفطية وتمنحها موطئ قدم إستراتيجيا بالقرب من إيران".
وفي المقابل، تبيع إسرائيل لأذربيجان أسلحة متقدمة، بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ التي استخدمتها ضد أرمينيا.
واستدرك: "دعونا لا نخدع أنفسنا، هذه صفقة فاوستية، فقد جعل منا الدعم العسكري لأذربيجان شركاء في حكم استبدادي وكارثة إنسانية في إقليم قره باغ"، في إشارة إلى الحرب الأخيرة التي شنتها هذه الدولة لاستعادة أراضيها المحتلة من قبل أرمينيا.
والصفقة الفاوستية، تشير إلى اتفاق يضحي فيه طرف بمبادئه الأخلاقية أو قيمه التأسيسية، مقابل حصوله على مصلحة ما، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى عواقب سلبية.
ويستمد المصطلح جذوره من أسطورة فاوست، الشخصية التي يُزعم أنها أبرمت اتفاقا مع الشيطان، عبر مقايضة روحها بالمكاسب الدنيوية.
وبيّن الكاتب أن "هذه ليست المرة الأولى التي تتحالف فيها إسرائيل مع أنظمة بغيضة؛ من أجل مكاسب إستراتيجية متصورة"، وفق تعبيره.
واستطرد: "فمن نظام الفصل العنصري (السابق) في جنوب إفريقيا إلى العديد من الديكتاتوريات في أميركا اللاتينية، تمتلك إسرائيل تاريخا طويلا من الدخول في شراكات تثير تساؤلات أخلاقية".
وأشار إلى أن "هذه التحالفات غالبا ما تُبرر بأنها ضرورية من أجل البقاء في عالم معادٍ، ومع ذلك، تُظهر التجارب التاريخية أن مثل هذه الصفقات تحمل تكاليف طويلة الأمد على مكانة إسرائيل وسمعتها الدولية".
وتدهورت سمعة إسرائيل بالفعل، بعد تصنيفها من قبل منظمات عديدة على أنها دولة إبادة جماعية وفصل عنصري.
يهود أذربيجان
ويرى "تامير" أن تركيز كيدار على تسامح أذربيجان تجاه الطائفة اليهودية لديها -على الرغم من أهميته- "لا يعفي النظام الأذري من المسؤولية".
وتابع: "نعم، لدى أذربيجان أقلية يهودية صغيرة تُعامَل بشكل جيد نسبيا، وعلاقاتها مع إسرائيل دافئة، لكن التسامح التكتيكي مع أقلية واحدة لا يبرر القمع الإستراتيجي لأقليات أخرى".
وأضاف أن "تمجيد أذربيجان كنموذج للتعايش، في الوقت الذي نتجاهل فيه اضطهادها للأرمن وقمعها للمعارضة الداخلية، هو نوع خطير من تلميع صورتها".
علاوة على ذلك، فإن الحُجة التي يقدمها "كيدار" تتجاهل الانتقادات الدولية المتزايدة لتصرفات أذربيجان وفق الكاتب.
فقد أدان البرلمان الأوروبي أذربيجان جراء أفعالها في إقليم قره باغ، بينما دعا المشرّعون الأميركيون إلى فرض عقوبات على نظام علييف.
وعلى هذا، يرى الدبلوماسي الإسرائيلي السابق أنه "من خلال الانحياز الوثيق إلى أذربيجان، تخاطر إسرائيل بتنفير حلفائها الرئيسين وتقويض مصداقيتها كديمقراطية تحترم حقوق الإنسان"، وفق زعمه.
وأكد أنه "يجب إعادة تقييم علاقة إسرائيل بأذربيجان في ضوء هذه الحقائق، على الرغم من أن التحالفات الإستراتيجية تشكل جانبا ضروريا في العلاقات الدولية".
وأضاف أن "استمرار إسرائيل في تسليح ودعم نظام يمارس التطهير العرقي والمحو الثقافي والقمع السياسي، يعني المساومة على قيمها وتشويه صورتها على الساحة العالمية"، وفق تعبيره.
وتهمة التطهير العرقي موجهة إلى إسرائيل نفسها التي عملت منذ أكتوبر 2023 على ترحيل السكان من شمال قطاع غزة إلى جنوبه وبدأت بحرق وتدمير السكان ممن لم يستجيبوا لهذه الخطة.
وتابع الكاتب: "أفهم تعقيدات فن إدارة الدول، فغالبا ما تقتضي البراغماتية اتخاذ قرارات صعبة، ومع ذلك، يجب أن يكون هناك توازن عبر الالتزام بالأخلاقيات والتفكير على المدى البعيد".
وأوضح أن "كيدار يعكس ميلا مقلقا لدى بعض الأوساط في إسرائيل لترجيح المصلحة الآنية على المبادئ".
وأردف أنه "إذا كانت إسرائيل ترغب في أن تُؤخذ على محمل الجد كفاعل أخلاقي على الساحة العالمية، يجب أن تلتزم بمعايير عالية وتطالب شركاءها بالمساءلة"، وفق وصفه.