مباحثات التطبيع بين نظام الأسد وتركيا.. هل وصلت لطريق مسدود؟

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من انفتاح تركيا على تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد، لا يزال الأخير متمسكا بشرط انسحاب القوات التركية من سوريا.

وشكل إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة في يوليو/ تموز 2024 أنه على استعداد للقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد في بلد ثالث تسارعا في مسار التطبيع.

الأسد وتركيا

غير أن هذا الانفتاح التركي قوبل بحالة فتور من قبل النظام، قبل أن يخرج الأسد ويستغل تصويته في الانتخابات البرلمانية بمناطقه ليضع مجددا شرط انسحاب القوات التركية من سوريا لعقد اللقاء مع أردوغان.

وقال الأسد في منتصف يوليو/تموز 2024، إنه يرحب بلقاء الرئيس التركي حال كان "يحقق مصلحة البلد".

وتساءل الأسد أمام الصحفيين: "هل سيكون مرجعية اللقاء مع أردوغان إلغاء أو إنهاء دعم الإرهاب والانسحاب من الأراضي السورية؟، هذا هو جوهر المشكلة.. لا يوجد سبب آخر".

وأمام ذلك، بدا واضحا أن شرط انسحاب القوات التركية من سوريا التي يصفها الأسد بقوة "احتلال"، ما هو إلا بوابة لجملة من الشروط التي تريد دمشق من أنقرة تطبيقها ضمن مسار إعادة ترميم العلاقات التي انقطعت منذ عام 2011 عقب دعم تركيا ثورة السوريين.

بالمقابل وفي ظل تمسك النظام السوري بشروطه، بدأت أنقرة مجددا في رفع صوت مطالبها بوجهه والتي هي في صلب القرارات الدولية المتعلقة بالحل في سوريا وبما تنادي به المعارضة السورية.

فخرج وزير الدفاع التركي يشار غولر ليقول خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "خبر ترك" المحلية في 14 أغسطس 2024:"يمكننا بدء مفاوضات سلام مع النظام السوري، ولكن لدينا شروط لذلك".

وأضاف غولر: "يقول النظام السوري: إذا أبلغتمونا بتاريخ انسحاب القوات التركية من سوريا سنتفاوض، ونحن نفهم هذا الأمر على أنه لا يريد العودة إلى السلام".

وتوجه في خطابه إلى الأسد قائلا: "اقبلْ بدستور شامل، وأجرِ انتخابات حرة، وفي النهاية، من يصل إلى السلطة فنحن مستعدون للعمل معه'".

وبهذا الشكل، رسم وزير الدفاع التركي الخطوط العريضة التي تقود بنهاية المطاف أنقرة لسحب قواتها المتمركزة في الشمال السوري إلى جانب فصائل الجيش الوطني السوري المعارض.

كما أن مطالبة أنقرة نظام الأسد بقبول "دستور شامل" لسوريا، يعد تمسكا بما تسعى له الأمم المتحدة في هذا الشأن منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019 حينما رعت جلسات اللجنة الدستورية السورية والتي تضم وفدا من النظام والمعارضة والمجتمع المدني، لصياغة دستور جديد للبلاد.

إلا أن نظام بشار الأسد وحلفاءه عطلوا أعمال تلك اللجنة في جنيف السويسرية، وقد عرقل وفد النظام إنجاز ولو مادة دستورية واحدة حتى الآن.

وتوقفت أعمال اللجنة عند آخر جولة لها في يونيو/حزيران 2022 بجنيف، عقب رفض روسيا، حليفة الأسد، استكمال المباحثات بسويسرا بعد اعتراض البلد الأخير على الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

ورأت موسكو حينها أن جنيف مكان "غير محايد" وهي حجة وفق المراقبين للمماطلة في تطبيق الحل السياسي بسوريا طبقا لقرار مجلس الأمن 2254 الصادر عام 2015، عبر عملية سياسية تنطلق من أربع سلال تتمثل بالترتيب، بتهيئة الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

"جس نبض"

وتشير المعطيات إلى أن ما يريده نظام الأسد في هذه المرحلة، هو القفز إلى سلة مكافحة الإرهاب والتي يجد فيها نقطة التقاء مع تركيا في مسألة محاربة فروع حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" في سوريا.

بينما تخالف أنقرة الأسد في وصف فصائل المعارضة بأنها "تنظيمات إرهابية" يجب القضاء عليها ويرفض التحاور معها.

ولهذا فإن النظام السوري الذي يجتهد في تأهيل نفسه سياسيا بعدما أعطته الجامعة العربية دفعة قوية إلى الأمام حينما أعادته لشغل مقعد سوريا فيها خلال مايو/أيار 2023 يتمترس خلف شروطه مما يشي بوجود انتكاسة في مسار التطبيع مع أنقرة.

ويرى بعض المراقبين أن هذا المسار يسير في طريق مسدود، طالما أن الأسد يكسب الوقت ولا يتعرض لضغوط دولية لتقديم تنازلات للمعارضة السورية.

ومن هنا فإن من يقرأ التصريحات التركية المتكررة حول العلاقة مع دمشق يضعها في إطار "جس النبض".

وهذا ما أشار إليه الكاتب والمحلل السياسي التركي هشام جوناي بقوله لـ "الاستقلال": "القرار النهائي في مسألة التطبيع بين تركيا ونظام الأسد يعود إلى الرئيس أردوغان والذي هو من يبت في استمرار المفاوضات أو إعلان فشلها".

وأردف جوناي: "طالما لم تخرج تصريحات على لسان الرئيس أردوغان حول هذا المسار، فإن ما يتحدث به وزير الدفاع التركي يأتي في إطار جس النبض والنظر في موقف نظام الأسد في حال لم تنسحب القوات التركية من سوريا وهو الشرط الأساسي الذي يرفضه النظام لبدء المفاوضات". 

وفي ظل عدم تخفيف نظام الأسد شرطه المرتبط باستئناف العلاقات التركية، كثفت أنقرة من لقاءاتها مع المعارضة السورية.

وقد التقى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في 8 أغسطس 2024 قادة المعارضة السورية في العاصمة أنقرة أبرزهم رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة هادي البحرة، ورئيس هيئة التفاوض بدر جاموس، ورئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى.

وقالت وزارة الخارجية التركية في منشور عبر منصة إكس إنه جرى خلال اللقاء تبادل وجهات النظر بشأن التطورات الراهنة في سوريا.

وجددت أنقرة دعمها لجهود الحوار والتفاوض الهادف والواقعي الذي من شأنه تمهيد الطريق لحل سياسي شامل في سوريا على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

كما أكدت مواقع سورية معارضة في 17 يوليو 2024 أن الجانب التركي أجرى لقاء مع فصائل الجيش الوطني ووزير الدفاع التابع للحكومة السورية المؤقتة، وحضره من الطرف التركي رئيس الاستخبارات إبراهيم كالين، ومستشارون أمنيون مسؤولون عن الملف السوري.

وأكد الجانب التركي، للوفد السوري بحسب تلك المواقع، أن تركيا مستمرة في محادثتها مع النظام السوري من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعدم السماح بتفكيكها نتيجة المشاريع الانفصالية، بالإضافة إلى حرصها على تفعيل الحل السياسي بما يسمح بعودة الاستقرار في سوريا.

لكن يبدو أن هذا المسار منفصل بشكل كامل عن علاقة تركيا مع المعارضة السورية التي ما تزال تتمسك أنقرة بها.

وخلال مقابلة له مع قناة سكاي نيوز عربية بثت في 24 يوليو 2024 قال فيدان إن "وجهة نظر وتفضيلات المعارضة السورية الشرعية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي والنظام الدولي هي الأساس".

وأشار إلى أن المعارضة السورية شاركت النظام السوري في أعمال صياغة دستور جديد للبلاد في جنيف.

وأضاف: "يجب أن تسير هذه الأعمال بشكل صحيح، في الواقع، قدم مجلس الأمن الدولي من خلال القرار 2254 خارطة طريق مختصرة وواضحة للتوافق الداخلي".

وتابع أن "هناك خارطة طريق واضحة للغاية وضعتها المنظومة الدولية تتعلق بما يجب أن تفعله المعارضة والنظام معا، ونحن ندعم عمل الطرفين في إطار هذه الخارطة".

وقال كذلك إن "هناك خطوات يجب أن نتخذها في تركيا بالتعاون مع الدولة السورية، تشمل أمن الحدود، ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى عودة اللاجئين بشكل آمن وحر".

"موقف قوي"

وحول هذه الجزئية يرى الباحث في مركز جسور للدراسات، رشيد حوراني، أن “تركيا تتعامل في مسار التطبيع من موقف قوي على الرغم من رفع وتيرة وخطوات التصعيد من قبل أنقرة”.

وأضاف حوراني لـ "الاستقلال" قائلا: “إن اجتماع فيدان بقادة المعارضة بشكل رسمي كان رسالة واضحة أن تركيا قادرة على أن تنزل النظام المنزلة التي تقدرها وفقا لمصالحها”.

وأردف: “وما شروط النظام بالانسحاب التركي من سوريا إلا تنفيذا لضغوطات خارجية تأتي طهران على رأسها وهو ما عكسه تصريح أردوغان بقوله إن أميركا وإيران يجب أن تكونا راضيتين عن الخطوات التركية في سوريا”.

ورأى حوراني أن "تركيا لا تريد أن تمنح النظام أي مكسب ما لم تحقق مصالحها فهي تدخلت عسكريا في سوريا بناء على ثلاث عمليات عسكرية.

وهي "درع الفرات ضد تنظيم الدولة في 24 أغسطس 2016 وعمليتا غصن الزيتون في يناير/كانون الثاني 2018 ونبع السلام في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد فروع بي كا كا".

وأردف حوراني: "ولهذا لو أرادت تركيا الاعتراف بنظام الأسد منذ بدء عملياتها لتدخلت في سوريا بموجب اتفاقية أضنة التي أبرمتها معه أواخر تسعينيات القرن العشرين".

لذلك "أنقرة اليوم تناور مع النظام وبدفع من روسيا لتعديل الاتفاقية عبر تدخلها بعمق 35 كم في الأراضي السورية على طول شريطها الحدودي، ودون ذلك سيفشل أي مسار للتطبيع".

وختم بالقول: "ولكن فشل التطبيع لا يعني انعدام بعض خطوات بناء الثقة بين الطرفين خلال محاولات التقارب".

ولهذا لخص الباحث الأميركي المهتم بالشأن السوري "تشارلز ليستر" تطورات العلاقة بين أنقرة ودمشق في مقال له نشر في 19 يوليو 2024 تحت عنوان "سوريا تتصدر المشهد في رقصة التطبيع التركي".

وقال ليستر، إنه مما يجعل فرصة التطبيع الحقيقي ضعيفة رغم كل الانفتاح التركي، أنه لم يتم تقديم شيء جوهري من النظام السوري أو حتى من الوسطاء مثل العراق وإيران وروسيا لمعالجة أي من المشاكل الأساسية التي تتطلب تحركا فعليا.

وسواء كان ذلك في إعادة اللاجئين السوريين في تركيا البالغ عددهم أكثر من 3 ملايين، أو تحريك العملية السياسية، وفق ليستر.

وأضاف: "قد يكون سيناريو منتصف الطريق الذي يركز بشكل رئيس على الرمزية والشكليات كافيا لجميع الأطراف المعنية في عملية التطبيع بين تركيا والنظام". 

واستدرك: "لكن العودة الحقيقية إلى العلاقات قبل عام 2011 تبدو وكأنها ستتعطل بسبب الحقائق المرة التي نشأت في سوريا على مدى 13 عاما".