"عمان والسعودية الهدف القادم".. ما خيارات الخليج للاحتماء من إسرائيل؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تحت عنوان: "العدو الجديد لدول الخليج"، توقع “سيباستيان سونز” مؤلف كتاب "حكام الخليج الجدد وسعيهم نحو النفوذ العالمي"، أن تعيد الضربة الإسرائيلية على قطر تشكيل المشهد الجيوسياسي للمنطقة، على تقدير أن إسرائيل أصبحت تمثل حاليا "تهديدا أمنيا واضحا".

ويرى سونز في مقاله بموقع "زينيت" الألماني أن "هجوم الدوحة شكل صدمة عميقة لحكام الخليج. فبينما لا يُبدي الأمراء العرب اهتماما يُذكر بحرب غزة الكارثية أو بمحاولات إسرائيل تصفية حركة حماس، فإن انتقال ساحة المعركة إلى حدودهم يعد تهديدا وجوديا لبقائهم واستقرار أنظمتهم". 

سقطت الأقنعة

استهل سونز مقاله مشيرا إلى دور قطر المحوري خلال السنوات الماضية، حيث "استطاعت الدوحة تقديم نفسها كوسيط موثوق في النزاعات الإقليمية".

ولفت إلى أن "قطر لم تكتف باستضافة قيادة حركة حماس لفترة طويلة، بل لعبت دورا محوريا في تنسيق مفاوضات وقف إطلاق النار خلال حرب غزة".

ويقدر سونز أن الدوحة "استغلت هذا الدور كوسيط لتعزيز موقعها السياسي وحماية نفسها من التهديدات الخارجية".

وتابع: "من خلال ما يُعرف بـ (دبلوماسية الـ360 درجة)، حافظت قطر على قنوات اتصال مفتوحة مع أطراف مثيرة للجدل مثل حركة حماس وطالبان وإيران، إلى جانب علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وأوروبا".

هذا النهج، بحسبه، لم يكن مجرد سياسة خارجية مرنة، بل محاولة مدروسة لتكبير حجم الدور القطري في المنطقة بما يتجاوز قدراتها الفعلية.

وعزا ذلك الطموح القطري إلى ما وصفه بـ "الحصار السياسي من الرياض وطهران".

وتابع موضحا: "فالدولة الصغيرة، التي لا يزيد حجمها عن مساحة ولاية سارلاند الألمانية، ويبلغ عدد مواطنيها نحو 300 ألف فقط؛ تجد نفسها عالقة في مأزق جيوسياسي، محصورة بين قوتين متنافستين في الخليج: السعودية وإيران".

واستشهد ببعض التهديدات الخارجية التي تعرضت لها قطر، مثل الأزمة الخليجية التي حدثت في الفترة بين عامي 2017 و2021، حين فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارا جويا وبحريا وبريا على الدوحة.

لكنه يرى أن قطر "استطاعت احتواء مثل هذه التهديدات بفضل شراكتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، التي تحتفظ بقاعدة عسكرية كبرى في منطقة العديد، وبفضل تصنيف الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لها كـ (حليف رئيس من خارج الناتو)".

وأردف: "وهكذا، وظفت الدوحة الدبلوماسية وبناء شبكات النفوذ، كوسيلة للدفاع عن النفس وتحصين أمنها في وجه أي محاولات لعزلها أو تهديدها".

ضربة قاسية

لكن بعد الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة، يرى سونز أن هذا الحدث لم يزعزع هذا التصور فحسب، لكنه أيضا وجه أيضا ضربة قاسية إلى ثقة قطر بنفسها".

وأوضح مقصده قائلا: "فـ (نموذج الدوحة) الذي قامت فكرته على لعب دور المنصة والشريك وصانع الحلول، بات مهددا بالانهيار، وبالتزامن معه يواجه النموذج الاقتصادي والسياسي الخليجي بأكمله خطر التفكك".

في هذا الصدد، يؤكد سونز أن "دول الخليج القوية، لا سيما الإمارات والسعودية وقطر، ورغم تنافسها على النفوذ الاقتصادي والسياسي، لكن يجمعها هدف واحد: ضمان البقاء بأي ثمن".

وفي سبيل ذلك، يعتمدون على مزيج متشابه من سياسات التحديث الاقتصادي وبناء شبكات النفوذ وإقامة شراكات متنوعة، وفق سونز.

ويقدر أنه "بهذه الأدوات فقط يمكنهم الصمود في نظام عالمي هش، والظهور كمراكز تجارية جذابة، ومنصات للابتكار التكنولوجي، ومضيفين موثوقين للفعاليات الكبرى مثل كأس العالم لكرة القدم".

غير أن هذا الطموح يتطلب أولا -بحسب سونز- استقرارا نسبيا في المنطقة، وأمنا مستتبا داخل أراضيهم.

وتابع: "وإذا كان الشرط الأول قد تلاشى فعليا منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ما أثار قلق دول الخليج دون أن يدفعها إلى الذعر، فإن الشرط الثاني بات مهددا على نحو جوهري بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر".

حيث يعتقد سونز أنه "بالنسبة للرياض وأبوظبي ومسقط، إذا كانت إسرائيل تجرؤ على مهاجمة قطر، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، من دون أن تواجه أي عقوبات أميركية، فلن يكون بمقدور أي دولة خليجية أن تشعر بالأمان بعد الآن".

ووفق هذا المنطق، لم يستبعد أن "تصبح سلطنة عُمان -التي تجري محادثات مع الحوثيين في اليمن والذين يشنون هجمات متكررة على إسرائيل- هدفا محتملا للجيش الإسرائيلي في أي وقت".

وذهب سونز إلى أبعد من ذلك قائلا: "بل حتى السعودية، التي عملت خلال العامين الماضيين على تطبيع علاقاتها مع خصم إسرائيل اللدود، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، قد تجد نفسها في مرمى الرد الإسرائيلي".

ويعتقد أنه "لهذا السبب، أعربت دول الخليج عن تضامنها الكامل مع قطر، ليس فقط بسبب استهدافها، بل لأن مصيرا مشابها قد يهدد أيا منها، مما يعرض نموذجها التجاري وبقاءها السياسي للخطر".

"ومن هنا، تراهن دول الخليج على الوحدة الإقليمية، مدركة أن المواجهة مع العدو الجديد إسرائيل، لا يمكن خوضها إلا بشكل جماعي"، وفق قوله.

ثقة مفقودة

وأرجع سونز ذلك إلى أن "الثقة في الولايات المتحدة، التي كانت في السابق الضامن الأساسي لأمن الخليج، تآكلت بشكل كبير، حيث أعاد الهجوم الإسرائيلي على الدوحة تأكيد هذه الحقيقة".

وأضاف: "رغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يؤكد علمه المسبق بالهجوم، فإن دول الخليج ترى أن إسرائيل لم تكن لتتجرأ على تنفيذ مثل هذه العملية لو كانت تخشى عقوبات جدية من إدارة ترامب".

واستطرد: "وهكذا، تضررت سمعة الولايات المتحدة في الخليج مرة أخرى، ففي عام 2019، خلال ولاية ترامب الأولى، لم تقدم واشنطن أي دعم للسعودية بعد الهجمات الصاروخية التي استهدفت منشأتين نفطيتين سعوديتين، والتي نُسبت لإيران".

ووفقا له، عد هذا الموقف في الرياض بمثابة فقدان للثقة في الحليف الأميركي.

"وهو ما أدى بالسعودية إلى إعادة توجيه سياستها الخارجية تدريجيا نحو إيران، وتوسيع علاقاتها مع الصين وروسيا، في محاولة لتقليص اعتمادها على الولايات المتحدة"، بحسب ما ذكره.

وفيما يتعلق بالخطوات القادمة لدول الخليج، يرى سونز أنه "بعد الهجوم على قطر، سيتعين على جميع دول الخليج أن تعيد التفكير بجدية في قيمة الولاءات والعلاقات التجارية الوثيقة التي تربطها بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، خاصة إذا لم تكن هذه العلاقات قادرة على حمايتها من الهجمات الإسرائيلية".

وبناء على ذلك، يتوقع سونز أن “هذه الدول ستتجه أكثر من أي وقت مضى نحو المطالبة بفرض عقوبات على إسرائيل، وتكثيف جهود الردع، والسعي إلى بناء شراكات جديدة تضمن لها الأمن والاستقرار”. على حد قوله.

وأشار إلى أنه "من بين هذه الخيارات، قد تبرز فكرة تعزيز التحالف مع إيران، التي باتت تُعد -مقارنة بإسرائيل- أقل شرا وأكثر قابلية للتنبؤ في سلوكها داخل منطقة الخليج".

وبحسب تقييمه، فقد يؤدي هذا التحول إلى نشوء جبهات جديدة، تُصنف فيها إسرائيل كـ "عدو جديد".

في هذا السياق، يعتقد سونز أن "وتيرة النقاشات قد تزداد داخل الإمارات والبحرين -الدولتين الموقعتين على اتفاقيات إبراهام مع إسرائيل- حول تقليص العلاقات أو حتى قطعها بالكامل".

أما فكرة تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، فيرى أنها "أصبحت وهما سياسيا في ظل الظروف الراهنة".

وعزا ذلك بالقول: "فالمملكة، التي تُقدم نفسها كمدافع صريح عن القضية الفلسطينية ووحدة الصف الخليجي، لن تخاطر بفقدان مكانتها أو تعريض أمنها للخطر، خاصة أن حكومة نتنياهو ينظر إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى على أنها طرف غير موثوق ومثير للاضطرابات".

"في نهاية المطاف، تتعامل السعودية وباقي دول الخليج بمنطق البراغماتية الاقتصادية، حيث تقيم أي صفقة وفقا لحسابات دقيقة للمصالح والمخاطر"، يقول سونز.

ويتابع: "ووفق هذه الحسابات، فإن إسرائيل -بعد هجومها على الدوحة- باتت تُعد خصما اقتصاديا ضارا وعدوا جديدا في المنطقة".