بعد غياب لأكثر من 35 عاما.. ما دلالات ظهور علي ناصر "الرئيس الأسبق لليمن"؟
“الخطاب يحمل أكثر من دلالة في مقدمتها الرغبة في لعب دور سياسي قادم”
بعد غياب في الظل لأكثر من 35 عاما منفيا خارج الوطن، ظهر علي ناصر محمد، الرئيس الأسبق لليمن الديمقراطية (جنوب اليمن سابقا).
وفي ذكرى الوحدة الـ34 والذي يصادف الثاني والعشرين من مايو/ أيار 2024، قال ناصر محمد إن "قيام الوحدة اليمنية هي بمثابة ثورة حقيقية، وبداية الصياغة لليمن الجديد وطنا وشعبا، حاضرا ومستقبلا".
وأشار في حديث مسجل بث في قناته عبر "يوتيوب" وتناولته وسائل إعلام يمنية، إلى أننا "اليوم بحاجة إلى مشروع وطني جامع، تشترك في صياغته كل القوى الوطنية والاجتماعية في اليمن دون إقصاء لأحد، مطالبا في الوقت ذاته "بتجاوز الماضي بكل أحداثه وصراعاته".
كلفة الصراع
ويأتي هذا الظهور في ظل سيطرة شبه كاملة على العاصمة عدن ومحافظات أخرى جنوبية من قبل "المجلس الانتقالي" المطالب بالانفصال والمدعوم إماراتيا.
وانتقد الرئيس الأسبق بعض السياسيين –في الأزمة الراهنة- من “الذين لم يستشعروا الأهمية الإستراتيجية للوحدة، ولا قدرة الناس في تحمل كلفة صراعاتهم وحروبهم العبثية والنتائج الكارثية جراء ذلك”.
وأشار إلى أن "الأولوية اليوم لوقف الحرب كمطلب أولي ومُلِحّ، واستعادة الدولة برئيس واحد وحكومة واحدة وجيش موحد، وتشكيل حكومة انتقالية اتحادية، والتحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية، والاتفاق على الدستور النهائي للبلاد".
وتعيش العاصمة عدن ومعظم محافظات جنوب اليمن الواقعة تحت سيطرة المجلس الانتقالي وضعا سيئا بسبب غياب الخدمات وانفلات أمني تغذيه الصراعات البينية وتسنده دول إقليمية مشاركة في التحالف السعودي الإماراتي.
وتشهد اليمن حربا أهلية منذ انقلاب مليشيا "الحوثي" على الدولة في سبتمبر/ أيلول 2014 خلفت أكثر من 300 ألف قتيل، حسب تقديرات الأمم المتحدة.
وولد علي ناصر محمد عام 1940 بمحافظة أبين إلى الشرق من مدينة عدن، من ذات المنطقة التي ينحدر منها الرئيس السابق عبدربه منصور هادي.
وانضم إلى حركة القوميين العرب عام 1964، وشارك في النضال ضد الاستعمار البريطاني في اليمن الجنوبي، وكان له إسهام في تأسيس الجبهة القومية عام 1966، التي لعبت دورا رئيسا في طرد الاستعمار البريطاني من اليمن الجنوبي عام 1967.
وتقلد عددا من المناصب الإدارية والتنفيذية بينها محافظ للجزر ثم محافظ لمحافظة لحج حتى تم تعيينه وزيرا للدفاع (1969–1977)، ثم رئيسا للوزراء (1977-1980) ورئيسا لمجلس الرئاسة.
وفي أبريل/ نيسان 1980 أرغم الرئيس عبدالفتاح إسماعيل على تقديم استقالته من رئاسة الجمهورية إلى اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، وتسلم السلطة بدلا عنه علي ناصر محمد، والذي استمر في المنصب حتى عام 1985.
كما لعب دورا بارزا أثناء توليه السلطة في جنوب اليمن في التمهيد لتوحيد شطري اليمن، حيث اتبع سياسات تصالحية مع جمهورية اليمن العربية (شمال اليمن) بقيادة الرئيس علي عبد الله صالح، وكانت هذه السياسات تهدف إلى تخفيف التوترات وتعزيز مجالات التعاون بين البلدين.
الخروج من عدن
مع اندحار الاستعمار من العاصمة عدن والجنوب عموما بعد احتلال دام قرابة 127 عاما، غادر آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967، حيث أعلن عقب ذلك عن قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
ورغم قصر تجربة الشطر الجنوبي في تبنّي الماركسية كأيديولوجية ونظام سياسي إلا أن تلك التجربة كانت ثرية بأحداثها وتفاعلاتها في منطقة شديدة الحساسية على صعيد الإستراتيجية الدولية، حسب ما يذكر الكاتب عبدالسلام قائد في مقال نشره عبر موقع “بلقيس” اليمني في 14 يناير 2023.
ولم يستمر الأمر طويلا فقد بدأ الخلاف يدب بين رفاق السلاح في الحزب الاشتراكي اليمني بعد انقسام حاد حول هوية الدولة وطبيعة النظام الاقتصادي.
في 13 يناير/ كانون الثاني 1986، عقد اجتماع للجنة المركزية للحزب في مقر اللجنة بالعاصمة عدن، وذلك بهدف تسوية الخلافات بين الفصائل المتناحرة، لكنه تحول إلى مأساة.
وفي الاجتماع قتل عدد من القادة البارزين ما أدى إلى اندلاع أعمال عنف واسعة في العاصمة عدن وانتشار الصراع إلى مناطق أخرى من البلاد، من بين القتلى الزعيم الفتاح إسماعيل وغيره من أعضاء القيادة العليا للحزب.
وبعد أسبوعين من احتدام الصراع الدامي العنيف اضطر علي ناصر محمد لمغادرة العاصمة عدن ليتوجه إلى اليمن الشمالي ومعه أكثر من 100 ألف شخص من أقربائه وأنصاره من عسكريين ومدنيين، حسب مذكرات ناصر محمد بعنوان “ذاكرة وطن.. عدن من الاحتلال إلى الاستقلال”.
وتمكن الفصيل المعارض بقيادة علي سالم البيض من السيطرة على مقاليد السلطة في عدن وبقية المناطق في الجنوب، حيث تم تعيين علي سالم البيض رئيسا جديدا للحزب والدولة.
وقد أدت أحداث 86 إلى إضعاف الحزب الاشتراكي اليمني، وأسهم ذلك في التمهيد لتوحيد اليمن الشمالي والجنوبي في 22 مايو 1990، فقد كان للأزمة السياسية والاقتصادية ضغط شديد على الحزب في الذهاب نحو الوحدة الاندماجية مع جمهورية اليمن العربية في الشمال.
وضمن تفاهمات سياسية جرت بين الرئيسين علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض قبيل الإعلان عن الوحدة اليمنية عام 1990 تم الاتفاق على نفي علي ناصر محمد خارج الوطن، فغادر صنعاء متوجها إلى دمشق منفاه الأخير.
توقيت الظهور
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحديدة، فيصل الحذيفي، أن كلمة الرئيس علي ناصر محمد في ذكرى الوحدة لهذا العام، تستهدف القوى الوطنية الوحدوية غير المرتهنة للخارج، والرافضة للمساس بوحدة واستقلال اليمن وسلامة أراضيه.
ويضيف لـ"الاستقلال" أن "مثل هذا الخطاب الوحدوي يمثل إعلان انتماء للخيارات الوطنية المنسجمة مع خيارات الشعب اليمني والمناوئة لاستعادة التشطير".
أما عن دلالة التوقيت في الظهور وبهذا الوضوح فهو حسب الحذيفي متعلق بالفراغ السياسي المتسع الذي يبتلع الجميع دون أفق أو مخرج واضح، بعد قرابة تسع سنوات من الحرب والتدخل الإقليمي في اليمن.
وأشار إلى أن قراءة الخطاب ودلالته “تحمل أكثر من هدف في وقت واحد، ابتداء من الرغبة في لعب دور سياسي قادم، والمساهمة في إخراج البلد من ذروة الصراع الطويل”.
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي، ياسين التميمي، إن كلمة علي ناصر محمد، “تمثل أهمية كبيرة، لأنها تأتي من رئيس يتمتع بثقل تاريخي بالنسبة لدوره في السياسة اليمنية وفي الحكم وكذا التمهيد لصناعة الوحدة”.
وأشار إلى أن موقفه "المبدئي والقوي المنحاز للوحدة اليمنية يكسر ولا شك ما يحاول أن يظهره المجلس الانتقالي من موقف جنوبي موحد حول رفض الوحدة والسعي نحو الانفصال".
وأضاف التميمي لـ"الاستقلال" أن "علي ناصر محمد، عمل ما بوسعه لتجاوز آثار الصراعات الجنوبية الذي كان طرفا فيها خلال العقود الماضية أثناء نفيه، لكن التركيبة المهيمنة اليوم في عدن وبعض المحافظات الجنوبية تعيد إحياء أسباب تلك الصراعات من جديد وبالتالي يجب مواجهتها قبل أن تتحول إلى مآسٍ دامية".
وخلص إلى أن "علي ناصر وبظهوره بعد غياب طويل عن الساحة السياسية يحاول أن يضع الوحدة بقالب وطني يتجاوز الوقائع الهشة على الأرض التي تحاول تيارات جديدة صنعت مرتبطة بالخارج في إعادة إنتاج جنوب مثقل بالأمراض والعاهات".
أما عن الطموح السياسي، فيرى التميمي أن مبادرته للحل "قد لا تعكس طموحا سياسيا بالعودة إلى السلطة، ولكنها بالمقابل تحاول أن تفكك المشهد العبثي الذي يحاول أن يضع نهاية غير منطقية لتضحيات الشعب ونضاله الطويل، من خلال تثبت وشرعنة المشاريع السياسية المعادية واللاعبين الجهويين من ذوي النظرة السياسية القاصرة".