تطهير عرقي.. هكذا يواجه غرب دارفور إبادة جماعية على يد قوات الدعم السريع
"أكثر من نصف مليون شخص بالفعل هربوا من غرب دارفور إلى تشاد"
خلصت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية إلى أن "هناك جرائم تطهير عرقي ترتكبها مليشيات حميدتي، وفق شهادات عينية وصور ومقاطع فيديو ودلائل أخرى".
يأتي ذلك بناء على اتهامات حقوقية دولية لمليشيا "الدعم السريع" السودانية بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، بـ"التطهير العرقي" في منطقة غرب دارفور، وبناء على تقرير نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش” الدولية في 9 مايو/ أيار 2024.
الإبادة الأكبر
في تقرير من 186 صفحة، وثقت المنظمة الحقوقية استهداف الدعم السريع ومليشيات داعمة له أحياء في مدينة الجنينة (عاصمة ولاية غرب دارفور) التي تقطنها أغلبية من المساليت.
و"المساليت" مجموعة عرقية من أصول إفريقية تسكن إقليم دارفور غرب السودان وشمال تشاد.
وبحسب الصحيفة الألمانية، أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش” كذلك على أن سكان المدينة تعرضوا لموجات متواصلة من الهجمات بين أبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران 2023.
ونقلت الصحيفة عن المديرة التنفيذية للمنظمة، تيرانا حسن، قولها إن "السياق الخاص الذي وقعت فيه عمليات القتل واسعة النطاق يثير أيضا احتمال أن تكون لدى الدعم السريع وحلفائها نية تدمير المساليت كليا أو جزئيا غرب دارفور على الأقل، مما قد يشير إلى أن إبادة جماعية حدثت أو تحدث هناك".
وجاء في التقرير -الذي نُشر بعنوان "المساليت لن يعودوا إلى ديارهم.. التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية في الجنينة"- أن "الهجمات التي شنتها الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها في الجنينة أدت إلى مقتل آلاف الأشخاص على الأقل وأدت لنزوح مئات الآلاف".
وأشارت الصحيفة إلى أن أكثر من نصف مليون شخص بالفعل خرجوا من غرب دارفور إلى تشاد في الفترة بين أبريل/ نيسان وأكتوبر/ تشرين الأول 2023، مؤكدة أن 75 بالمئة من هؤلاء النازحين فروا من الجنينة.
جدير بالإشارة إلى أن الدعم السريع تقاتل ضد القوات الحكومية في السودان منذ أكثر من عام وتحديدا منتصف أبريل/ نيسان 2023.
ويخوض قائدهم حميدتي "صراعا دمويا" على السلطة مع الحاكم الفعلي للسودان عبد الفتاح البرهان.
وعلى حد وصف الصحيفة الألمانية، فقد أثار هذا الصراع ما يعد حاليا "أكبر أزمة لاجئين في العالم خلال الأشهر الاثني عشر الماضية".
مأساة إنسانية
وبالعودة إلى وقت بدء الأزمة، قالت "دير شبيغل" إنه "بعد وقت قصير من بدء الصراع، استهدفت الدعم السريع، مع المليشيات المتحالفة معها، قرى جماعة المساليت العرقية في الجنينة في الفترة من أبريل/ نيسان إلى يونيو/ حزيران 2023".
ثم في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، اندلعت موجة أخرى من أعمال العنف، بما في ذلك الاغتصاب والتعذيب والنهب.
وفي تقريرها، أشارت "هيومن رايتس ووتش"، من بين أمور أخرى، إلى المذبحة التي وقعت في 15 يونيو 2023 ضد المساليت الفارين، والتي أطلقت فيها الدعم السريع النار على قافلة من المدنيين يبلغ طولها كيلومترا.
وذكر التقرير أن "الدعم السريع طاردت وأطلقت النار على الرجال والنساء والأطفال الذين ركضوا في الشوارع أو حاولوا السباحة عبر نهر كاجا سريع التدفق".
وفي هذه النقطة، سلطت الصحيفة الألمانية الضوء على حقيقة أن "الكثير غرق، لدرجة أن كبار السن والجرحى لم يسلموا من هذه المأساة".
وكأحد شهود العيان الذين تحدثت إليهم المنظمة الحقوقية، يصف فتى يبلغ من العمر 17 عاما "مقتل 12 طفلا وخمسة بالغين ينتمون إلى عائلات مختلفة".
وفي حديثه إلى المنظمة، قال الفتى: "فصل مقاتلو الدعم السريع الآباء عن أطفالهم وأطلقوا النار عليهم عندما بدأوا بالصراخ، ثم أطلقوا النار بعد ذلك على الأطفال وألقوا جثثهم وممتلكاتهم في النهر".
حمام دم محتمل
وأبرزت الصحيفة أن "المعارك حاليا تتكثف حول الفاشر، وهي عاصمة شمال دارفور".
جدير بالذكر أن هذه المدينة "هي آخر مدينة كبيرة في دارفور لا تزال تحت سيطرة القوات الحكومية".
وبحسب صور الأقمار الصناعية والصور الحرارية، دُمرت أكثر من 24 قرية في المنطقة المحيطة خلال الأسابيع الماضية في القتال.
وبناء على المؤشرات، لفتت الصحيفة إلى أن الخبراء والدبلوماسيين ومنظمات الإغاثة يحذرون من احتمال حدوث معركة شديدة للسيطرة على المدينة.
ويقول آخر، يخشى المراقبون الدوليون حدوث "حمام دم" بمقتل عشرات الآلاف من الأشخاص.
ونقلت الصحيفة عن "هالة الكاريب"، من مبادرة المرأة في منظمة "القرن الإفريقي"، تحذيرها من "احتمالية سيطرة الدعم السريع على الفاشر، حيث ستقع مذبحة أخرى في حال حدوث ذلك".
وبحسب الصحيفة، فإن الكاريب ترى أن "الأشخاص في مخيم زمزم للاجئين، ثاني أكبر مخيم في دارفور والذي يقع على بعد حوالي 12 كيلومترا من الفاشر، مهددون".
ونظرا لأعمال العنف في غرب دارفور، تعتقد "دير شبيغل" أن هناك حاجة ماسة إلى إرسال بعثة جديدة للأمم المتحدة لحماية المدنيين وفرض العقوبات.
وبهذا الشأن، قالت المديرة التنفيذية للمنظمة الحقوقية، تيرانا حسن، إن "التقاعس العالمي في مواجهة الفظائع بهذا الحجم أمر لا يُغتفر".
وفي السياق، طالبت "هيومن رايتس ووتش" المجتمع الدولي بـ"دعم التحقيقات التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المرتكبة بدارفور".
جدير بالإشارة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أطلقت في 14 يوليو/ تموز 2023، تحقيقا في جرائم الحرب المحتملة في دارفور، خاصة في ما يتعلق بجرائم الاغتصاب واستهداف المدنيين على خلفية انتمائهم العرقي.