قرار إسرائيل بـ"تمويل" اقتحام المستوطنين للحرم القدسي.. ما دلالاته؟

12

طباعة

مشاركة

في إطار الاستغلال الصهيوني لحالة الصمت والخنوع العربي والإسلامي عن دعم المقاومة الفلسطينية في غزة، بدأت إسرائيل تحركات "رسمية" لتهويد الحرم القدسي.

فبعد 24 ساعة من حديث وزير الأمن القومي المتطرف "إيتمار بن غفير" 26 أغسطس/آب 2024 حول بناء معبد يهودي في منطقة المسجد الأقصى، أصدرت وزارة التراث الإسرائيلية، قرارا رسميا هو الأول من نوعه بـ "تمويل" اقتحام المستوطنين للحرم القدسي.

هدف القرار، الذي اتخذه الوزير "عميحاي إلياهو"، عضو حزب بن غفير (القوة اليهودية)، هو الترويج "للتراث اليهودي بصيغة تاريخية خالية من السرديات الفلسطينية"، أي تهويدها.

ويعني ذلك بدء حكومة الاحتلال رسميا خطة تهويد الأقصى عبر "تزوير التاريخ"، وفق قيادات الأوقاف وصحف وفضائيات إسرائيلية.

هذه هي المرة الأولى التي تمول فيها الدولة اليهودية رسميا مثل هذه الأنشطة في الموقع المقدس" بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 27 أغسطس 2024.

هذا القرار، بجانب حديث بن غفير عن بناء معبد يهودي، وتزايد قيام المستوطنين، وبينهم وزراء ونواب كنيست (برلمان)، بما يسمى "السجود الملحمي" على أرض الأقصى، هو مؤشر خطير على خطط تجرى على قدم وساق لفرض أمر واقع وتغيير ما يسمى "الوضع القائم" في القدس منذ عام 1967.

و"الوضع القائم"، هو مادة في القانون الدولي تُشير إلى ضرورة ضمان القوة المحتلة بقاء كل شيء على ما هو عليه، وهو ما ينطبق على المسجد الأقصى المبارك الذي كان بيد الأردن قبل احتلال القدس عام 1967.

وعقب حرب 1967 ودخول الاحتلال القدس، اتفق وزير حرب الاحتلال آنذاك موشي ديان مع مسؤولي أوقاف الأقصى التابعين للأردن على بقاء "الوضع القائم".

تزوير التاريخ

وفي 27 أغسطس 2024، أكدت قناة كان العبرية أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، صادق، هو ومجلس الأمن القومي، على خطة لوزارة "التراث"، لتمويل اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، رسميا.

حسب قرار نتنياهو فإن اقتحامات المستوطنين ستكون برفقة مرشدين دينيين يروجون "للتراث اليهودي بصيغة تاريخية خالية من السرديات الفلسطينية"، وهو ما يعني بدء حكومة الاحتلال رسميا خطة تهويد الأقصى بتزوير التاريخ.

قناة "كان" ذكرت أن وزارة التراث ستمول جولات المستوطنين خلال اقتحامهم للحرم بمبلغ مليوني شيكل (1 دولار = 3,65 شيكل)، ويتوقع أن يبدأ تسيير هذه الجولات رسميا في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أي بالتزامن مع ذكرى عملية طوفان الأقصى.

ونقلت عن وزارة التراث تأكيدها أن "الغرض من هذه الزيارات هو ترسيخ وتدعيم البلدة القديمة" في القدس المحتلة.

وفي بيان صادر عنها قالت إنه "بناء على قرار الحكومة، تعتزم وزارة التراث تسيير جولات مع مرشدين، تسمح لأول مرة لعدد كبير من اليهود ومئات آلاف السائحين بالصعود إلى جبل الهيكل (الأقصى)".

وكذلك "الاستماع إلى التراث اليهودي للجبل بصيغة تاريخية دقيقة ونظيفة من حقائق بديلة عن السرديات الفلسطينية التي كُتبت من أجل دفع أجندة معادية لإسرائيل ولليهود".

وتسعى وزارة "التراث" إلى تزوير تاريخ القدس المحتلة والمسجد الأقصى والترويج للأساطير اليهودية، لترسيخ رواية الاحتلال حول الحرم القدسي.

وبحسب “قناة كان”، فإنه "بموجب هذا القرار لم تعد المجموعات اليهودية المتطرفة التي تعمل لهدم المسجد الأقصى هامشية".

إذ بات يؤيدها كثير من السياسيين والحاخامات، والمنظمات، وتحظى بدعم من داخل الكنيست، ولديها علاقات وقنوات اتصال مباشرة مع وزراء إسرائيليين.

لكن صحيفة "جيروزاليم بوست" أكدت في 26 أغسطس أن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، نفى ما أوردته قناة "كان" حول تمويل حكومة نتنياهو جولات إرشادية في الحرم القدسي لأول مرة، وتخصيص مليوني شيكل للمشروع.

وقال مجلس الأمن القومي، وفق الصحيفة: "لم نوافق ولم يُطلب منا الموافقة على جولات وزارة التراث في الحرم القدسي، وأي نشر بشأن تورطنا في الأمر لا أساس له من الصحة".

وزعم نتنياهو استمرار "الوضع القائم" بعد أن أثارت القضية جدلا وضجة في الداخل الإسرائيلي ورفضا من قبل المعارضة على تقدير أنها ستوتر الأوضاع المتدهورة أصلا بفعل العدوان على غزة.

كرر مكتبه الزعم بأنه "لا يوجد تغيير في الوضع الراهن في جبل الهيكل"، أي "زيارة" اليهود لساحة الأقصى دون "الصلاة" فيها وفق اتفاق عام 1967.

وذلك برغم أن "إيتمار بن غفير" قال علنا إن سياسته هي تغيير الوضع الراهن بالسماح لليهود الذين يقتحمون المسجد الأقصى بالصلاة فيه.

كما قال بن غفير في 25 أغسطس 2024 إنه "يريد بناء معبد يهودي في المسجد".

وفي كل مرة يسارع مكتب نتنياهو إلى الرد على بن غفير، ببيان يؤكد "أن سياسة إسرائيل في الحفاظ على الوضع الراهن في الحرم القدسي لم ولن تتغير"، مع أنه وافق على تمويل حكومته اقتحام المستوطنين للأقصى بشكل رسمي.

وقالت "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية"، التي تمثل فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948 إن "استفزازات وتهديدات بن غفير بالمسجد الأقصى تتم بالتنسيق مع نتنياهو".

وكتب المحلل الإسرائيلي عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس" 27 أغسطس أن "نتنياهو يتحفظ كعادته، لكن من الواضح أنه مع بن غفير يلعبان لعبة مركبة، تشمل تنسيقاً غير قليل من وراء الكواليس".

وأنه "في جهوده لإبقاء نظر وسائل الإعلام متجهة نحوه، يضر بن غفير بأمن شعب إسرائيل ويحاول إشعال الشرق الأوسط، بحيث إن ما تم كبحه على الحدود مع لبنان قد يشتعل في القدس".

الوضع القائم

وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها بن غفير، عن إقامة كنيس داخل المسجد الأقصى، بعد أن دعا مرات عديدة في الأشهر الماضية إلى السماح لليهود بالصلاة فيه.

كما أنها المرة الثانية خلال شهرين التي يقول فيها بن غفير، إن "السماح لليهود بالصلاة في الموقع هو سياسة رسمية"، بعد أن أدلى بادعاءات مماثلة في يونيو/حزيران 2024.

وتزامن الحديث عن بناء معبد يهودي في المسجد الأقصى، مع نشر مكتب عضو الكنيست المتطرف عن حزب الهوية "موشيه فيجلين" مقطع فيديو تحدث فيها عن أسس المعركة الحالية.

قال إن المعركة الحالية "تجري فعلياً في القدس والمسجد الأقصى"، وكشف عن قرب بناء معبد في الحرم القدسي، قائلا: "لم أشعر قط أننا أقرب من اليوم لبناء الهيكل".

وقال المحلل الإسرائيلي في صحيفة "جيروزاليم بوست"، هيرب كينون، في 27 أغسطس إن التصريحات الاستفزازية التي أطلقها بن غفير بشأن المسجد الأقصى "خطوة مدروسة للحفاظ على أهميته السياسية والنفوذ داخل ائتلافه".

أكد أنه عندما يتحدى بن غفير علناً نتنياهو ويقول إن اليهود لديهم الآن الحق في الصلاة وأنه يرغب في بناء كنيس هناك، والعلم الإسرائيلي يجب أن يرفرف على الأقصى، ووزارة التراث ستمول، تحت إشراف حزبه، جولات تعليمية يهودية في الحرم القدسي لأول مرة، "فإنه يعرف بالضبط ما يفعله".

أكد أن دوافع بن غفير من قوله ذلك هي "تأكيد السيادة اليهودية الكبرى على الحرم القدسي"، وأن من حق اليهود الصلاة بالمسجد مثل المسلمين، وتعزيز صورته بصفته السياسي الذي يناضل من أجل الحقوق اليهودية.

كما أن إثارة بين غفير لقضية الحرم القدسي بشكل مستمر مفيد له سياسياً، ويساعده في بناء قوته وشعبيته في أي انتخابات مقبلة بين اليهود المتدينين المتطرفين.

ويقول المحلل الإسرائيلي "إن ما يبدو للكثيرين سلوكاً غير مسؤول إلى حد كبير، هو في نظر بن غفير إستراتيجية سياسية مدروسة تهدف لمنحه نفوذاً داخل الحكومة، وتعزيز أجندته الأيديولوجية".

ويوم 24 يوليو 2024، أعلن "بن غفير" أنه كمسؤول عن الشرطة يسمح لليهود بالصلاة في كل مكان داخل حرم المسجد الأقصى.

قال: "أنا المستوى السياسي (أي الحكومة)، الذي يسمح بصلاة اليهود في جبل الهيكل"، في إشارة للحرم القدسي الذي يوجد بداخله المسجد الأقصى وقبة الصخرة.

ومنذ عام 1967 يحرم الكثير من الحاخامات اليهود زيارة ساحة الأقصى او الصلاة فيها لأسباب دينية.

إذ يرون أن اليهود لا يزالون أنجاسا منذ غضب الله عليهم ولا بد أن يتطهروا أولا برماد بقرة حمراء.

كما أنهم يخشون تدنيس "قدس الأقداس" أي مكان المعبد اليهودي الذي يزعمون أنه أسفل المسجد الأقصى، لو تم السماح لليهود بالسير في باحة الحرم القدسي.

كانت العناصر الرئيسة لـ "الوضع القائم أو الراهن" تتضمن عدم السماح لغير المسلمين بالصلاة في منطقة المسجد الأقصى.

لكن الاحتلال استولى على مفتاح باب المغاربة، للسماح لليهود بالصلاة عند حائط البراق (المبكى)، وسمح لهم بزيارة الحرم القدسي دون الصلاة داخله.

السجود الملحمي

ولاحقا بدأت الشرطة التي تخضع فعليا لصلاحيات بن غفير، بالسماح للمستوطنين بالصلاة في باحة المسجد الأقصى بالمخالفة لاتفاق "الوضع القائم"، وفي حمايتها، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" 21 أغسطس 2024.

ومقابل الرؤية الحاخامية، يتبنى تيار الصهيونية الدينية "الحردلي الخلاصي" الذي ينتمي إليه بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سمورتيش، التأويل الأكثر تطرفا لفكرة الخلاص اليهودي ونزول المخلص المنتظر، الذي سيجعل اليهود قادة للعالم، وبناء الهيكل على أنقاض الأقصى، وفق زعمهم.

وترى هذه الحركات من الصهاينة المتدينين الثوريين أو التصحيحيين أو العلمانيين أن بناء الهيكل الثالث، هو المفتاح لحل كل مشاكل اليهود ومصائبهم وخاصة الدينية والروحية، ويرون أنفسهم "أداة الرب لتقريب مجيء المخلص".

يؤمنون بـ"تسريع النهاية" لا انتظار "مشيئة الرب" كما يدعوهم حاخاماتهم، عبر تسريع اقتحام الأقصى وبناء الهيكل، بحسب دراسة لـ "أشرف عثمان بدر" الباحث بمركز القدس للدراسات بجامعة بيرزيت 18 مايو/أيار 2022.

وخلال لقاء تلفزيوني أجرته معه القناة الثانية العبرية بعد وصوله إلى الكنيست للمرة الأولى عام 2016، هدد زعيم حركة الصهيونية الدينية سموتريتش بالقول "سنهدم الأقصى ونبني الهيكل خلال سنوات (على أنقاض المسجد)".

تزامنت هذه التطورات مع قيام يهود ووزراء بما يسمى "السجود الملحمي" على أرض المسجد الأقصى بشكل جماعي.

 أي النوم فوق أرض المسجد بصفته كنيسا يهوديا، في ظل مطالبات بن غفير بناء كنيس في الأقصى، وتزايد التحركات الرسمية للتهويد.

ويقول "عبد الله معروف" أستاذ دراسات بيت المقدس، ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق بالمسجد الأقصى إن خطورة الأمر أن أهم ما يتميز به المعبد من العبادات حسب الرؤية الدينية هو السجود الملحمي، وهو ما يفعلونه الآن علانيةً دون منع أو اعتراض.

قال عبر منصة إكس، إن هذه العبادة الخاصة بالمعبد باتت تقام داخل المسجد الأقصى بشكل فردي وجماعي يومياً بغض النظر عن وجود مناسبة أو لا.

وبات هذا الطقس الديني يقام في الجهات الأربع للمسجد الأقصى كما نصت عليه نصوص التلمود.

حذر من أن "ذلك يعد خطوة مركزية في مسار الإحلال الديني في المسجد الأقصى المبارك عبر إقامة الشعائر والطقوس الدينية كافة فيه سعيا لإقامة المعبد عمليا على أرضه".

وفي 24 يونيو 2024 عقد مؤتمر بالكنيست تحت عنوان: "عودة إسرائيل إلى جبل المعبد"، بالشراكة مع اتحاد منظمات المعبد لمناقشة سبل تغيير هوية المسجد الأقصى المبارك.

بحث تحت عنوان "عودة إسرائيل إلى جبل المعبد" ما زعموا أنه "سبل فرض مشروع الإحلال الديني في المسجد الأقصى، والجهود الحثيثة لتحويله إلى معبد".

وجاء عقد هذا المؤتمر بدعوة من بن غفير وعضو الكنيست من حزبه يتسحاق كروزر، وبالشراكة مع "اتحاد منظمات المعبد" التي تدير اقتحامات المسجد الأقصى ومحاولات فرض الطقوس الدينية فيه.

وضمن أعمال تهيئة الظروف لإقامة الهيكل، ظهر في 7 أغسطس 2024، مجموعة من الإسرائيليين المتدينين وهم يمارسون "طقوس البقرة الحمراء"، للتبشير بقرب بناء الهيكل اليهودي الجديد في موقع المسجد الأقصى، وفق موقع "ميدل إيست آي" البريطاني.