أخطاء السبعينيات.. انهيار اقتصادي وشيك إذا لم تخفض واشنطن أسعار الفائدة
“الأشد تضررا من ارتفاع أسعار الفائدة وتقلب العملات الجامح الدول الأكثر فقرا والمثقلة بالديون”
ردود فعل عنيفة أثارتها تقارير تفيد بأن التضخم في الولايات المتحدة “لا ينخفض كما هو متوقع”، ولكنه يتزايد تدريجيا مرة أخرى.
وكما تبين، فإن معدلات زيادة التضخم البالغة حوالي 3.5 بالمئة لا تزال بعيدة جدا عن القيمة المستهدفة البالغة 2 بالمئة.
وتتوقع صحيفة "دير شبيغل" الألمانية أنه لهذا السبب، ربما لن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة في الوقت الحالي.
وسردت الصحيفة العواقب التي ستؤول على البلدان والشركات المثقلة بالديون في أنحاء أخرى من العالم إذا لم تنخفض أسعار الفائدة كما هو متوقع.
تقلبات كارثية
ما يحدث الآن، بحسب "دير شبيغل"، هو أن "توقعات التضخم وأسعار الفائدة المتغيرة في أميركا تفاجئ العديد من اللاعبين حول العالم".
"ولأن الولايات المتحدة لا تزال مركز ثقل الأسواق المالية العالمية، ففي حالة عدم انخفاض أسعار الفائدة كما هو متوقع، سيؤدي ذلك إلى عواقب على الدول والشركات ذات الديون العالية في أجزاء أخرى من العالم"، توضح الصحيفة.
وأشارت إلى أن ذلك يتبعه انخفاض لأسعار الأسهم من ناحية، وتحرك أسواق العملات من ناحية أخرى. حيث يرتفع الدولار لأن أسعار الفائدة المرتفعة تجذب الأموال إلى البلاد، بينما تنخفض قيمة العملات الأخرى.
ومن جانب آخر، لفتت الصحيفة إلى حدوث ما أسمته بـ"بيع مكثف للعملات الآسيوية" أخيرا.
فبحسب ما ورد عن الصحيفة، اضطرت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، إلى التدخل، وبالتعاون مع نظرائها من اليابان وكوريا الجنوبية، أكدت على "السعي لتجنب تقلبات أسعار الصرف الكبيرة".
وهنا تساءلت الصحيفة: “هل ستنجح هذه الخطوة في الحفاظ على استقرار سعر الصرف؟”
ومن ناحية أخرى، لفتت إلى أن "اليورو والعديد من العملات الأخرى فقدت قيمتها بشكل ملحوظ مقابل الدولار".
وفي هذا الصدد، قالت الصحيفة الألمانية إن "التوازن المتذبذب الذي حوفظ عليه حتى الآن، رغم الارتفاع السريع في أسعار الفائدة خلال العامين الماضيين، مهدد بالانهيار".
ولذلك، تتوقع أن "تسوء الأمور كثيرا، مثل مشكلات الديون وأزمات العملات وفشل البنوك".
الأخطاء تتكرر
وفي الاجتماع الأخير لصندوق النقد الدولي، أشارت الصحيفة إلى أنه كان هناك الكثير من الحديث عن "الميل الأخير"، وهو ما يعني الجزء المتبقي من الطريق إلى معدلات التضخم المنخفضة، حيث يوجد العديد من "نقاط الضعف والمخاطر".
وفي تقرير لصندوق النقد الدولي حول الاستقرار المالي، الذي أُعد قبل أسابيع من الارتفاع الحالي في أسعار الفائدة، أكد الخبراء على أن "تشديد السياسة النقدية سار بسلاسة حتى الآن".
ولكن بحسب ما أوضحت الصحيفة، فإن "هذه السياسة قد تتغير بسرعة".
وتابعت: "وبالتالي، يتعين على البنوك المركزية والحكومات أن تظل حذرة وأن تكون حريصة على إبقاء الوضع تحت السيطرة".
وعلى وجه الخصوص، أوصى صندوق النقد الدولي البنوك المركزية بعدم خفض أسعار الفائدة "قبل الأوان"، وأن "تحد من توقعات السوق المفرطة في التفاؤل" بشأن تخفيضات أسعار الفائدة.
وهنا، يجدر القول بأن "الاحتياطي الفيدرالي حتى الآن لم يستحوذ على خيال المضاربين".
وفي اجتماعاتهم الأخيرة، توصل محافظو البنك المركزي إلى أنه قد يكون هناك ثلاثة تخفيضات لأسعار الفائدة في عام 2024.
ومع ذلك، قالت الصحيفة إن "استمرار الرهان في الأسواق المالية حتى وقت قريب على أن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة ستة أو سبع مرات عام 2024 أمر غريب، وهو في النهاية مشكلة المضاربين".
وأوضحت أنه "إذا كان هناك من يحفز خيال تخفيضات أسعار الفائدة القريبة، فهو البنك المركزي الأوروبي (ECB)".
وأشارت الرئيسة، كريستين لاغارد، في مناسبات متعددة أخيرا إلى أن أسعار الفائدة على اليورو قد تنخفض في يونيو/ حزيران 2024.
وفي هذه النقطة، تساءلت "دير شبيغل" الألمانية: "هل تُعد هذه إستراتيجية تواصلية ذكية بالنظر إلى عدم اليقين الكبير بشأن التطورات المستقبلية واستمرار الضغوط التضخمية الكامنة؟".
واستطردت: "في الواقع، كانت لدى البنوك المركزية الكبرى قصة واضحة إلى حد ما عن التضخم، فبعد أن قللت في البداية من شأن صدمة التضخم عامي 2021/22 بوصفها مؤقتة، وصلت إلى عزم جديد بحلول صيف 2022 على أبعد تقدير".
ووفق الصحيفة، فقد تعهد ممثلو البنك الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي بـ"عدم تكرار أخطاء السبعينيات".
وأشارت إلى أن "الأمر آنذاك استغرق وقتا طويلا، لكن رسالتهم كانت واضحة، وهي أن لدينا هدفا واحدا فقط في الوقت الحالي: خفض التضخم".
قصة السبعينيات
وبذكر أخطاء السبعينيات، سردت الصحيفة قصة التضخم التي حدثت في السبعينيات.
وأفادت بأن "البنك الاحتياطي الفيدرالي كرر نفس الخطأ عدة مرات وخفض أسعار الفائدة بشكل متكرر في وقت مبكر للغاية".
جدير بالذكر أن الموجة الأولى من التضخم بدأت عام 1970 تقريبا.
وظهرت موجة ثانية في منتصف السبعينيات، مدفوعة بارتفاع أسعار النفط.
ثم في نهاية السبعينيات، ارتفعت معدلات التضخم إلى ما يزيد على 10 بالمئة، بحسب ما ورد عن الصحيفة.
ولكسر هذه الديناميكية المتصاعدة باستمرار لأسعار السلع والخدمات، قرر الفيدرالي الأميركي، تحت قيادة بول فولكر آنذاك، اللجوء إلى عملية كبح قوية.
وارتفعت أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى 19 بالمئة في ذروتها، مما أدى إلى السيطرة على التضخم أخيرا، لكن نتج عنه ركود حاد في نفس الوقت.
وبالعودة إلى الواقع الحالي، أوضحت الصحيفة الألمانية أن "صانعي السياسة النقدية الحاليين اتخذوا مسارا يشبه فولكر بعد بعض التردد، حيث رفعوا أسعار الفائدة بسرعة من الصفر".
واستدركت: "لكنهم كانوا أكثر حظا من أسلافهم، فقد تمكنوا حتى الآن من تجنب الأضرار الجانبية الكبيرة، مثل الركود الكامل".
وبعد تأرجح التضخم في السبعينيات، ذكرت "دير شبيغل" أن "أسعار الفائدة ظلت مرتفعة للغاية في الثمانينيات حتى نهاية العقد".
وعندما انخفضت الزيادات في الأسعار، كانت أسعار الفائدة الرئيسة لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي أعلى بنحو ثلاث إلى خمس نقاط مئوية من "معدل التضخم الأساسي"، باستثناء الطاقة والغذاء.
وكما حدث في فترة الثمانينيات، توقعت "دير شبيغل" الألمانية أن "يكون الأشد تضررا من ارتفاع أسعار الفائدة وتقلب العملات الجامح الدول الأكثر فقرا والمثقلة بالديون".