بالإنتربول والأحكام القضائية.. لهذا يطارد السيسي لواء بحريا من نخبة الجيش
"اللواء أركان محمد أحمد إبراهيم يوسف لم يكن بالجنرال العادي داخل الجيش"
“العدالة الناجزة” التي تحدث عنها رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي من قبل، لا تكاد تنطبق على مؤسسات بعينها، لا سيما القوات المسلحة ورجال الشرطة والقضاء.
ويظل للجيش وكبار جنرالاته “وضعية خاصة” داخل بنية المنظومة السلطوية في مصر، حيث من الصعب محاكمة ضابط أو لواء تحت أي ظرف.
وهناك فقط حالات محددة يحدث فيها التنكيل حال الاصطدام مع رئيس النظام والدخول معه في نزاع على السلطة، كما حدث مع رئيس أركان القوات المسلحة السابق الفريق أول سامي عنان، والفريق أحمد شفيق.
وفي الآونة الأخيرة تصدر جنرال آخر رفيع المستوى، هو اللواء أركان حرب بحري محمد أحمد إبراهيم يوسف، قوائم المطلوبين أمنيا في مصر.
حكم بالسجن
وقضت محكمة جنايات القاهرة، في 8 سبتمبر/ أيلول 2024، بسجن القيادي العسكري السابق، ورئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للنقل البحري والبري، اللواء أركان حرب محمد أحمد إبراهيم يوسف، لمدة 10 سنوات.
يأتي ذلك على خلفية اتهامه بعقد صفقات غير قانونية وبالأمر المباشر مع المجموعة "الخليجية المصرية للاستثمار"، ليتربح عشرات الملايين من الجنيهات.
ونص الحكم على سجن اللواء "غيابيا" كونه هاربا إلى خارج البلاد، والسجن أيضا عشر سنوات على نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للمجموعة الخليجية المصرية للاستثمار، مدحت منصور مصطفى، مع تغريمهما مبلغ 30 مليون جنيه (نحو 618 ألف دولار).
والحكم الأخير كان بمثابة نهاية جولة من الملاحقات ضد الجنرال الهارب، ففي 25 مايو/ أيار 2023 طلبت السلطات المصرية، رسميا، من الشرطة الدولية "الإنتربول". وضع اللواء يوسف على قائمة المطلوبين.
هذا الحكم فتح باب جدل كبير، خاصة أن الواقعة كانت الأولى من نوعها خلال عهد السيسي -المميز للجنرالات وسدنة السلطة- أن تضع اسم أحد القيادات العسكرية السابقة بالجيش على قائمة "الإنتربول".
وهو ما فتح الحديث عن ملف فساد القيادات العسكرية أثناء الخدمة خاصة مع توسع إمبراطورية الجيش الاقتصادية، إضافة إلى ملفات فساد القيادات العسكرية التي يجرى تعيينها بمناصب قيادية وإدارية بالمحافظات والمدن والشركات العامة عقب انتهاء فترات خدمتها بالجيش.
مع احتمالية أن يكون الجنرال ضحية صراع أجنحة وتيارات داخل الجيش.
جنرال غير عادي
وبالحديث عن وضعية اللواء محمد أحمد إبراهيم يوسف، داخل القوات المسلحة، فإنه لم يكن بالجنرال العادي، فهو من كبار قادة الجيش.
وقطع رحلة صعود طويلة، حتى أصبح لواء أركان حرب متقاعد وترأس شعبة التسليح البحري بالقوات المسلحة (الشعبة المسؤولة عن تسليح القوات البحرية بالكامل).
ونال منصب قائد قاعدة بورسعيد البحرية، ثم رئيسا لأركان حرب ذات القاعدة.
وكان قائدا للواء الغواصات البحرية، ثم رئيسا لأركان حرب لواء الغواصات، ورئيسا لقسم العمليات العسكرية والتدريب بلواء الغواصات البحرية.
وتولى أيضا منصب الملحق العسكري المصري بالعاصمة الصينية بكين.
ومن الدورات المهمة التي حصل عليها، بكالوريوس الدراسات البحرية من الكلية البحرية عام 1969، ودرجة الماجستير في العلوم العسكرية عام 1983.
ثم دورة كلية الحرب العليا بأكاديمية ناصر العسكرية، ودورة كبار القادة للقوات المسلحة عام 1996.
كذلك حصل على زمالة كلية الحرب العليا المشتركة بفرنسا بين عامي 1984 – 1985، وهي تعادل درجة الدكتوراه الممنوحة من جامعة السوربون بفرنسا.
وفي عام 2012، أصبح وزيرا لقطاع الأعمال ضمن الحكومة المؤقتة برئاسة كمال الجنزوري، خلال عهد المجلس العسكري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي.
مستنقع فساد
وقائع الفساد التي تورط فيها جنرال بهذا الحجم، ذكّر بالحديث عن ملفات الفساد داخل الجيش، مع عدم وجود شفافية أو مراقبة لأنشطة القوات المسلحة الاقتصادية.
فخلال العام 2015، فجر رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق المستشار هشام جنينة، فضيحة عن عمليات فساد بأجهزة سيادية بينها الجيش، قدرت بـ600 مليار جنيه (12 مليار دولار) في 3 أعوام فقط.
ما دفع السيسي، لإقالته في مارس/ آذار 2016، بشكل غير دستوري، نظرا لأن منصب جنينة كان محصنا من العزل، بصفته أحد رؤساء الهيئات الرقابية.
عاد جنينة في فبراير/ شباط 2018، للحديث عن فساد الجهات السيادية المصرية وبينها الجيش أيضا.
وأطلق وقتها تصريحا صحفيا عن امتلاك رئيس أركان الجيش الأسبق، الفريق سامي عنان، وثائق وأدلة تدين الكثير من قيادات الحكم الحالية، وعن ملفات فساد تدين قيادات بارزة، حالية وسابقة، في القوات المسلحة.
ووصل الأمر في 24 أبريل/ نيسان 2018 أن حكمت المحكمة العسكرية بمصر على جنينة بالسجن 5 سنوات في الاتهامات الموجهة له بنشر أخبار كاذبة، وتشويه صورة المؤسسة العسكرية وتكدير الأمن العام.
ونظرا لتلك الحوادث وغياب الشفافية في مصر وحلول البلاد بدرجة متدنية (المركز 130 من بين 180 دولة) في مؤشر مدركات الفساد لعام 2022، وما قبله.
فإنه ووفق خبراء اقتصاد مصريين هناك صعوبة في معرفة ما يجرى من فساد داخل أروقة شركات الجيش.
وقائع أخرى
مع الحديث عن فساد اللواء بحري محمد يوسف، وما حدث مع جنينة الذي حاول فتح ملفات فساد جنرالات الجيش، لا يمكن إغفال الفنان والمقاول المصري محمد علي، الذي فاجأ الجميع في سبتمبر 2019.
ونشر علي سلسلة من الفيديوهات اتهم فيها السيسي وعددا من كبار قادة الجيش بالفساد.
وقال حينها، إنه غادر مصر إلى إسبانيا، وأنه تلقى تهديدات من الجيش والمخابرات.
وتحدث عن سبب هروبه بأن الجيش لم يسدد له مستحقات مالية تقدر قيمتها بنحو 10 ملايين دولار.
وفي أحد الفيديوهات التي نشرها المقاول المصري خلال تلك الفترة، قال علي: "أنا كنت ترس في آلة الجيش الاقتصادية لسنوات طويلة".
ووجه حديثه إلى خصومه من جنرالات الفساد، قائلا: "خلي بالك، مش هتعرف تغلطني، لأن أنا كبرت جواك، وقعدت 15 سنة بشتغل معاكم".
ويعد محمد علي من الوجوه التي صدمت بقوة نظام السيسي خلال السنوات الماضية، خاصة أنه اتهمه مع كبار قادة الجيش بالفساد وإهدار مليارات الجنيهات.
وقال المقاول إن “القوات المسلحة تنفق مبالغ طائلة على منشآت لا تعود بأي نفع على المواطن العادي، ومنها على سبيل المثال بناء فنادق وبيوت للسيسي وأسرته في عمليات تفتقر للشفافية والرقابة”.
بلغ الأمر أن السيسي خرج بنفسه في 14 سبتمبر 2019 ليرد على اتهامات محمد علي الخطيرة، بعدما أثارت قلقه.
وقال رئيس النظام: "لا يستطيع أحد زعزعة الثقة بين القوات المسلحة وقائدها الأعلى وبين الشعب".
لكن السيسي في معرض كلامه أكد بعض ما جاء في كلام المقاول، من بناء قصور رئاسية جديدة في مناطق مختلفة، وأعلن أنه سيستمر في ذلك، حيث قال في تحد: "أيوه بنيت قصور رئاسية، وهابني قصور رئاسية" وهو ما أحدث مزيدا من السخط على رئيس النظام.
ورغم الاتهامات التي كالها الإعلام المصري الموالي للنظام ضد محمد علي، بأنه “خائن” ومن “الخلايا النائمة” (مصطلح يطلق على المعارضة).
لكن كل الشواهد وأسماء كبار اللواءات التي ذكرها، والمشروعات الخاصة للجيش، تؤكد أنه خرج من رحم النظام، وانقلب عليه.
مطاردة الجنرال
واستبعد الصحفي المصري علي بكاري أن تكون الأحكام التي صدرت بحق اللواء أركان حرب بحري محمد أحمد إبراهيم يوسف، “ناجمة عن مكاشفات فساد أو تطهير”.
وقال بكاري لـ"الاستقلال" إنه “لو نظرنا إلى التفاصيل فسنجد أن اللواء متهم باختلاس وتربح نحو 15 مليون جنيها (310 آلاف دولار)، وهذا رقم بالنسبة للفساد داخل الجيش لا يمثل أي شيء من مليارات ضائعة”.
فضلا أن "الرجل كان مسؤولا عن شعبة تسليح القوات البحرية، ومن المعروف أن لواءات شعب التسليح أو الإسكان، هم (حيتان) الجيش الذين يبتلعون مليارات في بطونهم".
وأكمل: "اللواء يوسف كان يخرج حتى عام 2017 في وسائل الإعلام التابعة للنظام ويدافع عن السيسي وعن سياسات الجمهورية الجديدة، لكن يبدو أنه كان محسوبا بشكل أو بآخر على مجموعة الفريق سامي عنان، وكان من المقربين منه".
وأتبع: "يبدو أن اللواء خلال مرحلة ما قبل 2018 تواصل واجتمع مع سامي عنان، لا سيما أنه في هذا التوقيت الذي سبق حراك 20 سبتمبر 2019، كان هناك تململ عام بين كبار جنرالات الجيش ضد السيسي، وغالبا ما كان اللواء يوسف ضمن تلك الطليعة، وربما كان متصدرا للمشهد الداخلي بشكل كبير".
واختتم بكاري: "هذا هو التفسير الوحيد للتنكيل باللواء على هذه الشاكلة، ولا ننسى أنه خرج هاربا، ما يعني أن هناك أطرافا أخرى حذرته وسهلت له الهروب من البلاد".