الرئيس السنغالي يحل البرلمان... هل يعيد تشكيل المشهد السياسي في البلاد؟
“الرئيس السنغالي حدد 1 نوفمبر 2024 موعدا للانتخابات المبكرة”
وصلت حدة الخلاف بين الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي وبرلمان بلاده "نقطة اللا عودة"، حيث قرر حل المجلس التشريعي وإجراء انتخابات مبكرة، فهل تمكنه الخطوة من تسريع وعوده الإصلاحية أم ستكون نتائجها عليه سلبية؟
قرار الرئيس السنغالي بحل الجمعية الوطنية (البرلمان) جاء في خطاب إلى الشعب، حيث حدد 17 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 موعدا لإجراء الانتخابات التشريعية.
وقال ديوماي فاي، في 12 سبتمبر/أيلول 2024، "أعلن حل الجمعية الوطنية لأطلب من الشعب صاحب السيادة توفير الوسائل المؤسسية التي تسمح لي بتجسيد التحول على مستوى النظام الذي وعدتهم به".
وأضاف الرئيس المنتخب في مارس/ آذار 2024 عبر شاشة التلفزيون الوطني "اليوم، أكثر من أي وقت مضى، حان الوقت لوضع نسق جديد لولايتي الخمسية".
حسابات دقيقة
وجاء هذا القرار بعد رفض البرلمان في 2 سبتمبر 2024، مشروع قانون تقدمت به حكومة الرئيس ديوماي فاي، والذي يهدف إلى تعديل دستوري لإلغاء مؤسستين دستوريتين.
ويتعلق الأمر بإلغاء "المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي" وكذا "المجلس الأعلى للجماعات المحلية"، حيث لم يحصل المشروع إلا على تأييد 80 صوتا، مقابل رفض 83، فيما يحتاج تمرير هذا التعديل الدستوري إلى 99 صوتا.
وبعد هذا التصويت، وجد رئيس الجمهورية المنتخب في مارس/آذار 2024، ورئيس وزرائه عثمان سونكو، نفسيهما دون أغلبية في الجمعية الوطنية، لتنفيذ سياساتهما ووعودهما الانتخابية.
بعد ذلك لجأ إلى حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة بهدف منحه أغلبية برلمانية مستقرة، في حين أن معسكر الرئيس السابق ماكي سال كان يهيمن على المجلس التشريعي المنحل الذي انتخب عام 2022.
وفي خطابه إلى الشعب، قال الرئيس ديوماي فاي إن "التعطيلات التي شهدتها الجمعية الوطنية في الأيام القليلة الماضية أقنعته أن التعهد بتعاون صادق مع الأغلبية البرلمانية (...) كان مجرد وهم".
ورأى أن الأغلبية البرلمانية "قررت الابتعاد عن الشعب لتعزيز ثقافة التعطيل، وبالتالي عرقلة تنفيذ المشروع الذي انتخبت على أساسه".
ويرى المحلل السياسي ألاسان نداو، أن قرار الرئيس جاء عشية مطالب برلمانية بالتصويت على حجب الثقة عن حكومة عثمان سونكو، مما يعني أن هذا القرار أنقذ حكومة الرئيس.
وعبر نداو لـ"الاستقلال" عن مساندته لقرار الحل، مضيفا: "لدينا ما يقرب من 80 مشروع قانون تمت صياغتها بالفعل وهي في انتظار التصويت عليها في جمعية جديدة".
واسترسل: "غير أن الرئيس وحزبه ما يزال عليهم الانتظار للفوز بهذه الانتخابات التشريعية من أجل الحصول، كما يأملون، على أغلبية برلمانية مريحة ومساندة".
وشدد نداو على أن "الرئيس إن لم يفز بالأغلبية، فتصبح باقي ولايته وكذا ولاية حكومته معقدة، خاصة أن العديد من وعودهم الانتخابية تستند إلى إصلاحات دستورية، وهو ما يتطلب موافقة ثلاثة أخماس أعضاء الجمعية الوطنية، أي 99 نائبا برلمانيا".
من جانبها، أعربت أميناتا توري، رئيسة الوزراء السابقة وحليفة الرئيس ديوماي فاي، عن دعمها لقرار الحل، ووصفته بأنه "خلق حالة ارتياح عامة".
وكتبت توري عير حسابها على "فيسبوك" في 13 سبتمبر 2024، "سنتحرك لنطلب من مواطنينا استكمال انتصار 24 مارس (فوز رئيس الجمهورية) من خلال إعطاء أغلبية كبيرة لنظامنا، لإطلاق العنان للعمل من أجل ظهور السنغال ذات السيادة والعادلة والمزدهرة".
في الاتجاه نفسه، وبحسب الزعيم السياسي السنغالي مالك جاكو، فإن هذا الحل “يعد خطوة ضرورية لمواءمة الأغلبية البرلمانية مع الأولويات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، والتي بدأها انتخاب ديوماي فاي في الجولة الأولى”.
وقال جاكو عبر بيان في 13 سبتمبر 2024، إنه "من خلال اختيار التغيير المنهجي عبر انتخاب ديوماي فاي في الجولة الأولى، قرر الشعب إحداث تحولات لتغيير السنغال بطريقة لا رجعة فيها".
مشهد متوتر
لم يفاجئ قرار الرئيس السنغالي الطبقة السياسية، حيث أكد فاعلون وقيادات سياسية في تصريحات نقلتها الصحافة المحلية، توقعهم لهذه الخطوة، خاصة بعدما رفض البرلمان التصويت على تعديلين دستوريين قدمتهما الحكومة قبل أيام.
ووفق ديمي ديينغ، عضو ائتلاف "الرئيس ديوماي فاي"، فإن قرار حل البرلمان "كان متوقعا ويعد إجراء عاديا".
وأضاف ديينع أن "السنغاليين سيعبرون عن أنفسهم لاختيار نوابهم، وسيقدم رئيس الوزراء مشروع وبرنامج ورؤية رئيس الجمهورية إلى هذه الجمعية التي ستكون مسؤولة أمام الشعب".
من جانبه، يرى مباي ندياي، القيادي في الائتلاف الحاكم السابق "بينو بوك ياكار"، والمقرب من الرئيس السابق ماكي سال، أن “هذا الحل هو النتيجة المنطقية للصراع المستمر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية”.
وأوضح ندياي أن "البلاد أمام أزمة سياسية كأي أزمة أخرى.. نحن مقبلون على الانتخابات، والسيادة للشعب".
واسترسل: "هذا هو الواقع، وسيتعين علينا انتظار النتائج لمعرفة التشكيلة السياسية الجديدة".
بدوره، قال المحلل السياسي مامادو سيك، إن الانتخابات التشريعية المبكرة المقرر إجراؤها في 17 نوفمبر تمثل تحديا جديدا للرئيس ديوماي فاي وائتلافه الذي أوصله إلى السلطة في 24 مارس، حيث إن "الأشهر المقبلة قد تتسم ببعض عدم الاستقرار".
وحذر سيك من أن "هذا يعني أننا نخاطر خلال الأشهر الثلاثة المقبلة بمواجهة اضطرابات وعدم استقرار مؤسسي قد يضر بمبادرات رئيس الجمهورية، ولكن بعد ذلك، يمكن أن تعاني البلاد بأكملها".
وأشار سيك إلى أن "الهيئة التشريعية الرابعة عشرة، التي تم تشكيلها في سبتمبر 2022، لم تساند أغلبية الائتلاف الرئاسي الحالي"، موضحا أن "حل مجلس الأمة ربما يؤدي إلى تحالفات سياسية جديدة في ظل الانتخابات التشريعية المقبلة".
انتقادات المعارضة
من جهتها، قالت أنتا بابكر نجوم دياك، زعيمة "حركة العمل للجيل القادم من المواطنين" والمرشحة للانتخابات الرئاسية الأخيرة، إنها "لم تتفاجأ بالحل حتى وإن كانت تأسف على الشكل الذي جاء به".
وأضافت نجوم دياك عبر صفحتها على "فيسبوك" في 13 سبتمبر 2024، "نحن بحاجة إلى حلول ملموسة، وليس مناورات سياسية".
واستطردت: "الرئيس يستحضر ويردد أن السيادة للشعب، نعم، السيادة للشعب لكن أيضا يجب عدم استخدامها لتبرير الحسابات السياسية".
وأردفت نجوم دياك: "ذلك أن الدولة ليست ملعبا، ولذلك يصبح من الملحّ تشكيل بديل مسؤول لهذه الحكومة"، مشددة على أن "هذا في مصلحة الشعب السنغالي الأكيدة".
كما انتقدت مجموعة "بينو بوك ياكار" البرلمانية قرار رئيس البلاد، واتهمت في بيان وقعه رئيسها عبدو مبو، السلطات الجديدة بـ"الرغبة في وضع حد للديمقراطية وتثبيت الدكتاتورية"، وفق ادعائها.
ووصفت المجموعة التي تتصدر المجلس التشريعي عبر بيان في 13 سبتمبر 2024، قرار الرئيس بـ"المناورة الساخرة المدبرة بالتعاون مع رئيس الحكومة".
ووفقا للمجموعة البرلمانية، فإن قرار رئيس الجمهورية بحل الجمعية في جلسة استثنائية، عشية "إعلان السياسة العامة" (البرنامج الحكومي) لرئيس الوزراء، "يظهر استعداده لعرقلة مبادرة عدم الثقة المقدمة من الأغلبية".
وفي دعوتها لتعبئة الشارع، حثت المجموعة المواطنين على الوقوف ضد ما تصفه "العودة إلى حقبة ماضية" وخطر تأسيس ديكتاتورية، داعية إلى “هزيمة كبيرة للنظام في الانتخابات التشريعية المقبلة”، بحسب قولها.