أزمة بلا أفق.. كيف حبس السيسي المصريين في دائرة مفرغة ودمر الاقتصاد؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

تسببت أزمة العملة الأجنبية في مصر، خلال الأسابيع الأخيرة، في تجاوز سعر الصرف في السوق السوداء ضعف السعر الرسمي، البالغ 31 جنيها للدولار الواحد.

كما أصبحت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لملايين المصريين، بما في ذلك الحق في الحصول على الغذاء ومستوى معيشي مناسب، معرضة للخطر؛ بسبب التضخم الذي وصل إلى مستوى قياسي بلغ 40 بالمئة.

في هذا السياق، نشرت مؤسسة السياسة الخارجية تحت المجهر (FPIF) الأميركية، مقالا للباحث في قسم الشرق الأوسط في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، عمرو مجدي، وصف فيه رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، بأنه "حبس نفسه بنفسه".

تكتيكات بائسة

وقال الكاتب: في أي حوار مع المصريين في الأشهر الأخيرة، لا يمكن أن تتجنب سماع كيف أن أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية ترتفع سريعا وبشكل يومي، وأحيانا تتغير حرفيا أثناء وجود العميل داخل المتجر".

وكل هذا مجرد غيض من فيض الأزمة الاقتصادية والمالية المتصاعدة المزمنة في مصر"، مضيفا أن "الأسوأ من ذلك أنه لا يبدو أن هناك مخرجا معقولا منها.

ففي حين أن الحرب بين إسرائيل و(حركة المقاومة الإسلامية) حماس في غزة حولت بعض الاهتمام عن الأزمة الأليمة في مصر، فقد لجأت حكومة السيسي إلى ما تتقنه.

ويتمثل ذلك في استخدام تكتيكات بائسة لكسب الوقت، دون معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، وبالتالي السقوط في دائرة مفرغة من الفشل.

واستشهد الكاتب بالانتخابات الأخيرة، قائلا: عندما شعرت الحكومة بتصاعد السخط العام بشكل واضح، قررت بفارغ الصبر تقديم الانتخابات الرئاسية إلى ديسمبر/كانون الأول 2023 قبل موعدها الطبيعي في مارس/ آذار 2024.

وأوضح أن النظام المصري اتجه لذلك "على الرغم من أنه لم يمنح أي شخصية أو مجموعة معارضة الفرصة لخوض انتخابات نزيهة".

وفي يناير/ كانون الثاني 2024، وافق البرلمان على عجل، على تشريع اقترحته الحكومة، يمنح الجيش -الحاكم الفعلي للبلاد- المزيد من السلطة لمحاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية".

ويشمل ذلك المحاكمة بسبب "جرائم واسعة النطاق تتعلق بالاقتصاد، وأي جرائم أخرى يرى الرئيس أنها تقوض "متطلبات الأمن القومي".

وقال إن هذا القانون يُضاف إلى كومة القوانين والمحاكمات سيئة السمعة التي تُستخدم لمعاقبة المعارضة، وابتزاز الأثرياء والضغط على الشركات الكبرى لمنح الجيش جزءا من عائداتها".

فالسيسي طلب من المصريين التخلي عن الحريات في سبيل التنمية، لكنهم لا يملكون أيا منهما الآن.

"السيسي مضطرب"

ولفت الكاتب إلى أن "السيسي بدا مضطربا في الآونة الأخيرة".

ففي 30 سبتمبر/أيلول 2023، وفي مقارنة بالمجاعة الصينية الكبرى التي أودت بحياة الملايين في القرن العشرين، قال السيسي حرفيا للمصريين إن عليهم أن يتقبلوا التعرض لمجاعة، من أجل تحقيق رؤيته للتنمية.

ويرى أن سبب هذا الشعور هو أن "الفرضية التي يحكم السيسي من خلالها باتت تنهار أمام عينيه".

وعندما وصل السيسي إلى السلطة في أعقاب الانقلاب العسكري الذي دبره عام 2013، أشار ضمنا في تصريحات عديدة إلى أن المصريين سيحتاجون إلى التخلي عن حرياتهم المدنية والسياسية فيما هو يركز على تحقيق الرخاء والتنمية.

ولقد تحدث السيسي دائما كما لو أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تتعارض مع الحقوق السياسية والحريات المدنية، وأن الاحتجاجات السلمية وحرية التعبير بشكل عام عبارة عن مؤامرات لا تقود سوى للفوضى.

وبعد عشر سنوات من الانقلاب العسكري وتسع سنوات من رئاسته، ليس غريبا أن رؤية السيسي المشوهة عن العالم لم تؤت ثمارا قط.

فقد قمعت حكومته المعارضة السلمية بعنف، وقضت على العديد من الحريات الأساسية، بطرق أسوأ كثيرا من أي نظام استبدادي في تاريخ مصر الحديث، في حين أن وعود الرخاء والتنمية لا تعدو كونها سرابا.

وتزايد الفقر في ظل حكم السيسي، فبينما يبدو واضحا أن السيسي يدرك عمق الأزمة الاقتصادية، فإن تصريحاته دارت في معظمها حول تنصله من المسؤولية، وإلقاء اللوم على العوامل الخارجية.

فضلا عن توبيخ المصريين على تطلعاتهم الديمقراطية وثورة 2011 التي أنهت 30 عاما من الحكم الاستبدادي للرئيس حسني مبارك.

وأكد الكاتب أن السيسي انضم إلى قائمة طويلة من الحكام المستبدين الذين لا ينظرون إلى التنمية بوصفها حقا أصيلا من حقوق الإنسان، ولكن بوصفها منة أو هبة من الحاكم على الشعب.

فقال السيسي للمصريين مرارا وتكرارا إن الحل هو الاستمرار في التضحية بحقوقهم وفي الصبر، وإلا فإن النقد والمعارضة يمكن أن "يدمروا البلد".

وهذا يحدث على الرغم من أن حكومته تلقت مليارات الدولارات كدعم سخي من الجهات المانحة السعودية والإماراتية.

هذا بالإضافة إلى قروض ضخمة ومساعدات من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما.

وبدلا من أن تؤدي هذه القروض إلى إصلاحات ملموسة، فقد أصبحت في الغالب عبئا على الأجيال القادمة.

وكانت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، قد ذكرت أن مصر أكثر عرضة لخطر أزمات الديون من أي دولة أخرى في العالم، إلى جانب أوكرانيا.

مشاريع عبثية

وأوضح الكاتب أنه بينما يعاني المزيد من المصريين لتأمين احتياجاتهم الأساسية، باشر السيسي العمل في مشاريع عبثية اعترف هو نفسه في بعض الأحيان بأنها غير مجدية، لكنه مع ذلك نفذها لرفع "معنويات المصريين"

وتظهر دراسات عديدة كيف أن جيش السيسي وسع غزوه الهائل للأسواق الاستهلاكية، مستفيدا من تفاوت الفرص وغياب الرقابة أو التدقيق المدني، ما أدى إلى انتشار الفساد وإهدار الأصول العامة.

وكانت واحدة من القضايا الرئيسة التي لم تعالَج بالقدر الكافي -حسب المقال- هي قرض صندوق النقد الدولي المتعثر حاليا والذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار.

"علاوة على ذلك، وبدعم من صندوق النقد الدولي، ألغت حكومة السيسي جزءا كبيرا من دعم المواد الغذائية والوقود، دون اتخاذ تدابير كافية لتوسيع نظام الضمان الاجتماعي في البلاد وتخفيف الضرر الواقع على المواطنين".

وفي الوقت الحالي، تغطي برامج التحويلات النقدية للمساعدات الاجتماعية بالكاد ثلث الـ60 مليون شخص الذين يعيشون إما تحت خط الفقر أو قريبين منه، من بين تعداد البلاد البالغ 100 مليون نسمة".

أضف إلى ذلك أن "المساعدات النقدية تفقد باضطراد قوتها الشرائية بسبب التضخم".

ويرى الكاتب أن "المساعدات الغربية تبقي السيسي واقفا على قدميه، لكنها قد لا تكون كافية".

وأوضح أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر عميقة ومتعددة الأوجه، ولكنها أيضا في كثير من النواحي نتاج مأزق سياسي، أدى فيه نظام حكم مدعوم من الجيش وغير خاضع للمساءلة إلى سحق آفاق التداول السلمي للسلطة.

وقال الكاتب إن "السيسي رفض عمدا إنشاء حزب سياسي أو ترؤس أحد الأحزاب الموالية له التي تهيمن على برلمانه".

وأضاف أنه "بدلا من ذلك، يعتمد السيسي على البطش الفج، وعلى الأجهزة العسكرية والأمنية بوصفها أدواته الرئيسة للسيطرة".

والسبب في ذلك هو أنه يسعى إلى تجنب ما يعده خطأ مبارك، حين حكم البلاد من خلال حزب سياسي أسس لسيطرة أقلية ثرية تتسم بالمحسوبية.

وبدلا من ذلك، ركز السيسي على تفكيك مؤسسات الدولة المستقلة وتعزيز آليات منع الانقلابات، بينما اعتمد بشكل شبه كامل على الجيش لإدارة البلاد.

وفي المقابل، عزز الجيش سلطاته كلاعب سياسي واقتصادي بطرق غير مسبوقة.

وشمل ذلك إدخال تعديلات دستورية وقانونية تجعله الوصي الرئيس على الحياة السياسية وتسمح للجنرالات بمراكمة المزيد من الثروة عبر أعمال تجارية غير شفافة تتبع للجيش.

وهذا تسبب في أن المؤسسة العسكرية وقعت في موقف حرج، إذ تواجه قدرا كبيرا من الغضب الشعبي بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة في ظل انعدام البدائل السياسية.

وتشير الأدلة إلى أن مستوى الاستياء الشعبي من السيسي بعد وجوده تسع سنوات في السلطة، يوازي ما وصل إليه مبارك في 30 عاما.

وأكد الكاتب على أن نظام السيسي لا يزال يسعى للحصول على الدعم الخارجي السياسي والاقتصادي كوسيلة للبقاء.

وقال إن التوترات الإقليمية ساعدت حكومة السيسي عدة مرات، حيث فضّل المانحون الغربيون في كثير من الأحيان الحلول قصيرة النظر للتحديات الأمنية المتزايدة والهجرة عبر البحر المتوسط، على حساب حقوق الإنسان والديمقراطية.

انفجار مرتقب

وأشار الكاتب إلى أن السيسي لا يزال يراهن على نفس التكتيكات القديمة، مستخدما حجم مصر ونفوذها الجيوسياسي -وإن ضعُف- لإقناع العواصم الغربية بضخ المزيد من المساعدات المالية، على خلفية الأزمات والحروب الإقليمية كما هو الحال في غزة والسودان وليبيا.

لكنه أكد على أن "كل هذه الأمور لا يمكن أن تكون أكثر من مجرد تكتيكات لكسب الوقت".

وينطبق هذا على الصفقة الاستثمارية الغامضة التي تبلغ قيمتها 35 مليار دولار مع دولة الإمارات، والتي احتفت بها الحكومة في أواخر فبراير/شباط بوصفها "نصرا".

لكن مثل هذا الدعم ذي الدوافع السياسية أثبت أنه لا يؤدي إلا إلى زيادة نفوذ الحلفاء الخليجيين على الطبقة الحاكمة في مصر، بينما لا ينال ملايين المصريين سوى مكاسب هامشية، أو لا ينالون شيئا إطلاقا.

وهذه الدائرة من الفشل والبطش تجعل الإصلاح أقل احتمالا، ويرى البعض أن العد التنازلي للانفجار الاجتماعي والسياسي قد بدأ بالفعل، لكن المؤكد هو أن السيسي سقى بذور فشله.

فعبر سحقه لسيادة القانون، واستقلال مؤسسات الدولة، والصحافة الحرة، دمر السيسي الركائز اللازمة لبناء اقتصاد قوي قائم على المساءلة، والبيئة المواتية التي يمكنها جذب استثمارات ضخمة، بدلا من الحصول على قروض غير مستدامة.

ويستبعد الكاتب أن "يغير السيسي مساره؛ لأن حكومته لم تظهر قدرتها على التصحيح الذاتي أو الإصلاح".

وشدد على أن حكومة السيسي تخشى حدوث أدنى انفتاح سياسي، وهو ما يخلق بدوره المزيد من المظالم ويجعل آفاق الإصلاح أكثر صعوبة.

وختم بالقول: "كلما طال أمد حرمان البلاد من إمكاناتها على يد السيسي، زاد الخطر على الاستقرار في مصر في المدى البعيد، وارتفع الثمن الذي يجب دفعه لإصلاح المستقبل".