“هتلر الجديد”.. لماذا يتوجس 200 مليون مسلم من نتائج انتخابات الهند؟

داود علي | 7 months ago

12

طباعة

مشاركة

يترقب أكثر من 200 مليون مسلم في عموم الهند، نتائج الانتخابات العامة التي انطلقت في 19 أبريل/ نيسان 2024، وتستمر لمدة 44 يوما، وتجرى على 7 مراحل. 

ويتوجه 969 مليون ناخب هندي إلى صناديق الاقتراع لاختيار 543 شخصا لعضوية البرلمان الفيدرالي، ويعين شخصان آخران لينضما للبرلمان، ويصل بذلك عدد الأعضاء إلى 545.

كما تتنافس في الانتخابات 6 أحزاب كبرى على المستوى الوطني و57 حزبا على مستوى الولايات و2597 حزبا صغيرا.

قضايا شائكة

وتعرف الانتخابات العامة الهندية بـ"الأكبر في العالم"، نظرا لعدد المشاركين فيها والذي يقارب مليار شخص.

وتعتمد نيودلهي على التصويت الإلكتروني منذ عام 1999، حيث يوفر الوقت لا سيما عند فرز الأصوات.

ويتجاوز حجم الإنفاق على انتخابات عام 2024 عتبة الـ14 مليار دولار، ما يمثل ارتفاعا كبيرا عن كلفة انتخابات عام 2019 حيث أنفقت الأحزاب السياسية نحو 8.7 مليارات دولار آنذاك.

وأشعل رئيس الوزراء ناريندرا مودي ومنافسوه الحملات الانتخابية من خلال التركيز على قضايا شائكة مثل التمييز الديني والأقليات المسلمة والضرائب.

وبدت الحملات في هذه المراحل أكثر سخونة من خلال مواجهات بين مودي وحزب المؤتمر المعارض الرئيس بشأن قضايا طائفية.

 واتهم مودي الحزب المنافس له بمحاباة الأقلية المسلمة التي تعاني كثيرا تحت مظلة حكمه وحكم حزبه "بهاراتيا جاناتا" الذي يتبنى أجندة هندوسية شديدة التطرف ضد المسلمين.

وفي 18 أبريل 2024، رجح استطلاع رأي أجرته شبكة "بي بي سي" البريطانية، إلى تقدم حزب “بهاراتيا جاناتا” الذي يتزعمه مودي وحلفاؤه. 

ويواجه الحزب الحاكم منافسة شرسة من قبل التحالف الوطني التنموي الشامل الهندي (INDIA)، الذي يضم أكثر من عشرين حزبا معارضا بما في ذلك حزب المؤتمر، الذي حكم البلاد لعقود قبل “بهاراتيا جاناتا” الذي وصل إلى سدة الحكم عام 2014.

وذكرت "بي بي سي" أن تقدم بهاراتيا جاناتا "لا يرجع إلى الممارسات الديمقراطية بل إلى مسالك أخرى". 

أجواء سلبية

وسادت الأجواء السلبية، بعدما أعلنت أحزاب المعارضة أنها حرمت من تكافؤ الفرص بسبب ممارسات وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية التي تضمنت مداهمة العديد من القادة والزعماء السياسيين، خاصة المسلمين. 

وقال حزب المؤتمر المعارض إن الضرائب جمدت حساباته المصرفية لمدة 6 أسابيع، مما أعاق تمويل حملته الانتخابية.

كما تم سجن بعض زعماء المعارضة، بمن فيهم رئيس وزراء دلهي أرفيند كيجريوال للتحقيق في اتهامات فساد، والتي نفاها وأرجع السبب لتقويض فرص نجاحه في الانتخابات.

لكن المعضلة الأخرى التي تواجهها المعارضة أنه خلال السنوات الماضية انتقل "بهاراتيا جاناتا" من كونه حزب النخبة والطبقات العليا، إلى الانتشار في الطبقات الشعبية المتوسطة والفقيرة في المجتمع الهندي، ورسخ وجوده فيها. 

ولا يزال زعيمه مودي يحظى بشعبية واسعة بين عموم الأغلبية الهندوسية في البلاد، لا سيما المتطرفة منها، وهو ما يجعل من عدائه للمسلمين أمرا يفوق أيديولوجيته المتعصبة إلى كونه سببا رئيسا لاستمراره في الحكم وحصد الأصوات.

ومما رجح فرص مودي بقوة أن المعارضة تعاني تفككا كبيرا، رغم تكتلها في التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل، بـ28 حزبا، وهدفه الأساسي إسقاط حكومة مودي.

وحتى قبل الانتخابات القائمة، شهد ذلك التحالف انقسامات كبيرة، حول تقديم المرشحين وتقاسم دوائر التصويت، وهو ما أضعف فرصهم في نجاح خططهم.

وهو ما جعل أستاذ العلوم السياسية في جامعة يورك الأميركية، إندراجيت روي، يقول لموقع “الحرة” الأميركي في 17 مارس/ آذار 2024، إن "هناك افتقار اتاما للرؤية وعدم القدرة على العمل معا".

فيما أفاد استطلاع للرأي صادر عن مركز "بيو" الأميركي للبحوث في مارس/ آذار 2024، بأن 80 بالمئة من الهنود الهندوس لديهم نظرة إيجابية حيال مودي.

دولة ثيوقراطية 

وفي 20 أبريل 2024، نشر موقع "دويتشه فيله" الألماني تقريره عن الانتخابات العامة في الهند وتأثيرها على الأقليات ومنها أكبر الأقليات في البلاد وهي الأقلية المسلمة. 

وشدد التقرير على أنه "منذ إعادة انتخاب بهاراتيا جاناتا قبل عشر سنوات، تصاعدت التوترات بين الهندوس والأقلية المسلمة خاصة في ظل أن الحزب يعتمد على أجندة قومية هندوسية ساعدته في السابق على كسب ود الناخبين".

ورأى أن "الخطاب القومي المتطرف للحزب لا يهدد المسلمين فحسب، بل يهدد العلمانية التي تمثل ركيزة دستور البلاد". 

وذكر أنه "بشكل واضح تتجه الهند إلى أن تكون دولة ثيوقراطية (مصطلح سياسي يعني حكم الإله)، إذا قام حزب بهاراتيا جاناتا بتغيير الدستور اعتمادا على الأغلبية التي يتمتع بها".

ويمثل تغيير الدستور أحد أكبر المخاوف في الهند مع احتمالات تزايد حملات القمع.

ويتهم التحالف المعارض الحكومة الحالية بزعامة حزب بهاراتيا جاناتا باتخاذ خطوات من شأنها ارتداد الهند عن الديمقراطية والتقاعس عن محاربة التضخم وارتفاع الأسعار.

عدو المسلمين 

وبنى مودي حملته الانتخابية بشكل أساسي على استهداف المسلمين، وفي خطابه أمام تجمع حاشد بولاية راجاستان، في 14 أبريل وجه خطابا عنصريا شديد اللهجة ضد المسلمين، عادّا إياهم "متسللين" و"دخلاء" على البلاد.

وقال محرضا إن "حزب المعارضة يسعى لمنح المسلمين الأحقية في ثروات الأمة، فإذا فاز في الانتخابات فإن الثروات ستوزع على من لديهم العدد الأكبر من الأولاد، ستوزع على المتسللين (قاصدا المسلمين)".

وأضاف: "هل تعتقدون أن أموالكم التي جنيتموها بشق الأنفس يجب أن تعطى لمتسللين؟ هل تقبلون بذلك؟".

وفي يناير/ كانون الثاني 2024، بدأ مودي حملته الانتخابية بتدشين معبد "راما" الذي بني على أنقاض مسجد "بابري" التاريخي، في أكثر الخطوات استفزازا لمشاعر الأقلية المسلمة بالبلاد.

وقتها نشر المحلل السياسي الباكستاني المختص بالشأن الهندي، حذيفة فريد، تغريدة عبر  منصة "إكس" قال فيها إن "تدشين معبد (راما) يرتبط بشكل وثيق بالانتخابات العامة، التي تعد انتخابات حاسمة في التاريخ الهندي".

وتابع: "إنها رسالة للناخب الهندوسي ومحاولة استمالته عبر إراقة دماء المسلمين والتعدي على مساجدهم ومقدساتهم".

هتلر الجديد 

ويمكن تفسير سياسة مودي العنصرية ضد المسلمين بالعودة إلى نشأته المفعمة بالقومية الهندوسية.

وولد مودي في 17 سبتمبر/أيلول 1950 بإقليم غوجارات، وتشرب هناك القومية الهندوسية أيام شبابه حين انضم إلى المنظمة القومية الطوعية "راشتريا سوايام سيفاك سانغ" التي تعتمد أساليب شبه عسكرية.

وفي فترة السبعينيات برز مودي كداعم لـ"Rashtriya Swayamsevak Sangh"، وهي حركة اجتماعية يمينية هندوسية متطرفة.

وخلال عام 2001 ترأس حكومة ولاية غوجارات، عن حزب "بهاراتيا جاناتا"، وخلال فترة ولايته للإقليم وقعت أحداث شغب بين الهندوس والمسلمين راح ضحيتها أكثر من ألف أغلبهم من المسلمين.

وفي واحدة من أسوأ أحداث العنف في تاريخ البلاد، اتهم المسلمون مودي بتقاعسه عن القيام بما يكفي لوقف الجرائم ضدهم، لدرجة أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أعلنوا مقاطعتهم لمودي في ذلك الوقت، لرفضه تقديم اعتذار عما حدث من جرائم في ولاية غوجارات.

وفي 15 يوليو/ تموز 2012، نقلت صحيفة "تايمز أوف إنديا" عن السياسي الهندي المخضرم، ورئيس وزراء إقليم غوجارات الأسبق، كيشوبهاي باتل، أنه شبه مودي، بـ"الزعيم النازي أدولف هتلر".

أما أوجه التشابه التي تجمع بين مودي وهتلر، تكمن في نظرية "العرق الآري"، حيث يؤمن الهندوس المتشددون أن الهند كانت دولة الآريين، ويطلق عليها الهنود القوميون "آريا فارتا"، وتضم نيبال وبنغلاديش وباكستان وجزءا من أفغانستان.

ويؤمن مودي بأن الهنود شعب واحد منحدر من العرق الآري، وعليه يجب أن يتحدوا في مجتمع إثني يجمعهم، وأن "الهند للهندوس فقط".

وفي يوليو/ تموز 2013، أثار مودي غضبا واسعا، عندما شبه المسلمين الذين سقطوا ضحايا أعمال عنف قام بها الهندوس بالجراء (الكلاب الصغيرة) التي تدهسها السيارات في الشوارع.

حزب متطرف 

ولمعرفة الخوف المتصاعد من نتائج الانتخابات الحالية عام 2024، نعود إلى مشاهد الانتخابات السابقة عام 2019 وما بني عليها.

ففي 24 مايو/أيار 2019، وبعد انتخابات تشريعية، شهدت منافسة غير مسبوقة، امتدت لسبع مراحل كاملة، حقق حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم انتصارا تاريخيا، بقيادة مودي، عزز من سيطرة التيار القومي على النظام السياسي في الهند.

من أبرز الأدوات التي اعتمد عليها "بهاراتيا جاناتا" في حشد أصوات الناخبين الهندوس، تركيزه على تعرض الهندوس للتهميش والاستبعاد من دوائر صنع القرار على مدار عقود من سيطرة حزب المؤتمر الوطني.

ووجه إليه اتهامات بأنه يميل لمهادنة المسلمين على حساب المعتقدات الهندوسية (كما يحدث أيضا في انتخابات 2024). 

كما ربط صناع الدعاية الانتخابية بين التصويت للحزب وحماية المعتقدات الهندوسية، وارتبط ذلك بتأسيس أكثر من 45 ألف فرع لمنظمة "راشتريا سوايام سيفيك سانج" اليمينية الهندوسية المتطرفة، التي انتشرت في مختلف الولايات لحشد الناخبين الهندوس للتصويت لصالح الحزب.

دولة مستبدة 

وفي 5 أبريل 2023، اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته، حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي الحاكم باللجوء إلى استخدام المهرجانات الهندوسية للعنف ضد المسلمين.

وقالت إن "بهاراتيا جاناتا" يستغل هذه المهرجانات الدينية بشكل متزايد لحشد أنصاره لممارسة العنف والتحريض ضد المسلمين، داعية السلطات إلى التحقيق في الانتهاكات ومحاسبة الجناة.

وأكدت "هيومن رايتس ووتش" أن ما يشجع المتظاهرين الهندوس على العنف ضد المسلمين هو "شعورهم بالحماية السياسية التي تمنحهم الإفلات من العقاب"، في إشارة إلى حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم كراع لاستمرار تلك الانتهاكات.

وذكرت أن "السجلات أظهرت أن المسلمين عادة ما يكونون مستهدفين ظلما من قبل السلطات".

واستشهدت بامتناع أجهزة الحزب الحاكم عن ردع التحريض والاعتداءات الهندوسية، ومعاقبة المسلمين المستهدفين بدلا من ذلك من خلال هدم ممتلكاتهم أو اعتقالهم أو جلدهم أمام العامة.

كما استنكرت تلويح الهندوس بأسلحتهم وترديد شعارات معادية للمسلمين عند مرورهم بالأحياء المسلمة في المهرجانات الدينية الهندوسية، والتي كان آخرها مهرجان "رام نافام" الهندوسي، الذي تزامن هذا العام مع شهر رمضان المبارك.

وكذلك أعمال العنف الطائفية التي اندلعت في ولاية بيهار شرقي البلاد وأسفرت عن جرح واعتقال العشرات، حيث أضرم حشد من الهندوس النيران في مدرسة العزيزية (للمسلمين) التي يعود تأسيسها لأكثر من قرن.

ووصفت “هيومن رايتس ووتش” الهند بأنها دولة ذات "حكم استبدادي" نظرا لمظاهر العنف المتزايدة ضد الأقليات، وقمع المدنيين المسلمين.