مليشيات عراقية موالية لإيران تستأنف ضرباتها للقوات الأميركية.. رسائل وأهداف

يوسف العلي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

استأنفت المليشيات الموالية لإيران، عملياتها العسكرية ضد الوجود الأميركي في العراق، وذلك بعد حديث وسائل إعلام محلية أخيرا عن مهلة منحتها هذه الفصائل لحكومة بغداد لإخراج القوات الأميركية من البلاد، عقب تعليق هجماتها منذ مطلع فبراير/ شباط 2024.

ومنذ 30 يناير 2024، أوقفت المليشيات هجماتها على القوات الأميركية، وذلك بعد مقتل اثنين من قادة “كتائب حزب الله” العراقية بمسيّرة أميركية في بغداد، ردا على هجوم استهدف قاعدة عسكرية بالأردن قتل فيه ثلاثة جنود أميركيين في 28 من الشهر نفسه.

حينها، أعلنت “كتائب حزب الله” -التي تتهمها واشنطن بالوقوف وراء الهجمات في العراق وسوريا- إيقاف عملياتها ضد القوات الأميركية من أجل "عدم إحراج حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني"، موصية مقاتليها بـ"الدفاع السلبي مؤقتا".

مواصلة الهجمات

وفي تطور جديد، استهدفت طائرتان مسيرتان قاعدة تستضيف قوات أميركية ودولية غربي العراق، إذ كشف مسؤول عسكري عراقي أن "أنظمة الدفاع الجوي التابعة للتحالف الدولي أسقطت إحدى الطائرتين المسيرتين قرب محيط قاعدة عين الأسد الجوية".

وأوضح المسؤول (لم تكشف هويته) خلال تصريح لوكالة "رويترز" البريطانية في 16 يوليو/ تموز 2024، أن "الجيش كثّف دورياته في المناطق المحيطة بالقاعدة، وذلك من أجل منع وقوع هجمات أخرى محتملة".

من جهته، أشار مسؤول أميركي (لم تكشف هويته) في حديثه للوكالة ذاتها، إلى أن "قذيفة على ما يبدو استهدفت قاعدة عين الأسد، لكن دون التسبب في خسائر بشرية".

وبحسب تقرير الوكالة، فإن "هذا الاستهداف، يعد ثاني هجوم على القوات الأميركية في العراق منذ أوائل فبراير، عندما أوقفت مسلحة هجماتها على القوات الأميركية، إذ تم إسقاط طائرتين مسيرتين قرب قاعدة عين الأسد في أبريل 2024".

ولم تعلق الحكومة العراقية بشكل رسمي على الهجوم حتى يوم 19 يوليو.

وفي 19 يونيو، أعلنت ما تسمى تنسيقية "المقاومة العراقية" (مجموعة مليشيات موالية لإيران)، في بيان، ضرورة الاستمرار بالسير لتحقيق سيادة العراق بعد مماطلة واشنطن وتعنتها في الانسحاب العسكري من البلاد.

وبينت أنها عقدت اجتماعا استثنائيا لمناقشة الأحداث بالمنطقة عموما، والعراق على وجه الخصوص، مبينة أن الجيش الأميركي "يحتل أرضنا ويستبيح سماءنا، ويتحكم بالقرار الأمني والاقتصادي ويتدخل بالشأن العراقي بكل استهتار وغطرسة، وكأنه لا يعلم ما ينتظره بعد هذه الفرصة".

واختتمت التنسيقية بالقول إن "الشعب العراقي ومقاومته الأبية والمخلصين من السياسيين ورجال العشائر ونواب الشعب، قادرون ومصرون على إنهاء هذا الملف وإغلاقه باستعمال السبل المتاحة كافة لإعادة الأمن والاستقرار وتحقيق السيادة الكاملة".

وبحسب تقرير نشرته وكالة "شفق نيوز" العراقية في 6 يونيو، فإن المليشيات منحت السوداني مهلة مدتها 40 يوما (لم يعرف تاريخ بدايتها)، لحسم ملف إخراج القوات العسكرية الأميركية من البلاد، وتوعدت أنها بخلاف ذلك ستستأنف هجماتها ضد الأخيرة.

ونقلت الوكالة العراقية عن المتحدث باسم مليشيا "كتائب سيد الشهداء"، كاظم الفرطوسي، قوله إن "وجود القوات الأميركية المحتلة في العراق مرفوض بشكل قاطع، وليس مؤقتا، أو مرهونا بوقت وظرف معين".

وأوضح أن "العمل على إخراج تلك القوات من خلال عمليات الفصائل وغيرها له ظروفه وخصوصيته".

ولفت إلى أن "الفصائل أعطت فرصة للحكومة ورئيسها، ولجنة التفاوض العراقية العسكرية والفنية لإخراج القوات الأميركية وفق اتفاق معين وجدول زمني معلن".

توقيت الهجمات

جاء استئناف الهجمات على القواعد في العراق، قبل أقل من أسبوع من زيارة سيجريها وفد عراقي عسكري رفيع المستوى برئاسة وزير الدفاع ثابت العباسي إلى واشنطن، لمواصلة المحادثات بشأن إنهاء التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في البلاد.

وكانت واشنطن وبغداد بدأتا في يناير 2024 محادثات لإعادة تقييم انسحاب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق والذي تشكل عام 2014 للمساعدة في قتال “تنظيم الدولة”، بعد أن اجتاح الأخير ثلث مساحة البلاد.

حينها، أعلنت وزارة الخارجية العراقية، عن نجاح المفاوضات مع واشنطن والاتفاق على تشكيل "لجنة عسكرية عليا"، لصياغة جدول زمني محدد وواضح يحدد مدة وجود مستشاري قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق.

وفي 8 يوليو 2024، استقبل نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، دانييل شابيرو، والوفد المرافق له، بحضور سفيرة الولايات لمتحدة لدى العراق، ألينا رومانوسكي.

وأشار شابيرو خلال اللقاء إلى أهمية العلاقات القائمة على الشراكة مع العراق، والتي تؤطرها أعمال اللجنة العسكرية المشتركة التي تجمع القادة العسكريين من كلا البلدين لتقييم التهديدات والمخاطر وتحديد الاحتياجات في الإطار الأمني والعسكري وكذلك لتحديد ساحات العمل المستقبلي بين الطرفين. 

وذكر بيان وزارة الخارجية العراقية، أن "اللجنة المشتركة ستعقد اجتماعاتها بعد أسبوعين، ويجري التحضير لإعداد جدول أعمالها"، في إشارة إلى الوفد العسكري العراقي الذي سيزور واشنطن في 20 يوليو.

وتأتي الهجمات الجديدة على القوات الأميركية، بعد ثلاثة أيام من مطالب زعيم مليشيا "بدر" هادي العامري بسحب القوات الأجنبية من البلاد، قائلا، إن "التحالف الدولي يماطل بالخروج ولا يمكن السكوت عن ذلك".

وأشار العامري إلى أن "ستة أشهر هو الجدول الزمني الكافي لخروج التحالف الدولي"، رافضا ما وصفه "أي لف ودوران"، وعلى "الحكومة والقوى الوطنية أن تكون لها موقفا موحدا".

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها العامري، ضمن حفل تأبيني لذكرى مقتل القيادي في مليشيا "بدر" أبو منتظر المحمداوي وعدد من عناصره، أثناء معارك استعادة محافظة الأنبار من تنظيم الدولة عام 2015.

"حقنة تخدير"

وبخصوص توقيت استئناف العمليات ضد الوجود الأميركي، قال الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي إن "ما استجد من هجمات على القواعد العسكرية ما هو إلا محاولة لإجهاض أي اتفاق قد يفضي إلى تفاهم أميركي عراقي بخصوص مصير الوجود الأجنبي".

وأوضح المهداوي لـ"الاستقلال" أن "الحكومة العراقية كلما اتخذت خطوة رسمية مع الولايات المتحدة بخصوص وضع القوات الأميركية، فعّلت المليشيات هجماتها، وبالتالي كيف سيواجه الوفد العسكري العراقي نظيره الأميركي في واشنطن للتباحث بالقضية هذه".

ويرى أن "الأمر يحمل أبعادا سياسية داخلية أيضا، هو أن المليشيات الموالية لإيران لا تريد أن يحسب الانسحاب الأميركي لصالح رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني، بسبب خلافات داخلية، للحيلولة دون احتسابه إنجازا للأخير والوصول إلى ولاية ثانية".

من جهته، قال الخبير العراقي في الشأن الدولي، كاتو سعد الله، إن موضوع إخراج القوات الأميركية من العراق وطرحه من سفيرة واشنطن ألينا رومانوسكي خلال لقاءاتها مع قادة قوى الإطار التنسيقي الشيعي أو الحكومة العراقية، هو مجرد "حقنة تخدير". 

وأوضح سعد الله خلال مقابلة تلفزيونية في 16 يوليو، أن "قرار سحب القوات الأميركية بيد واشنطن تحديدا وليس الحكومة العراقية أو غيرها، لأنهم عندما أرادوا الخروج من العراق عام 2011 رأينا كيف انسحب مئة ألف جندي وانتهى الأمر".

ورأى أن "اللجان العسكرية والفنية المشتركة بين بغداد وواشنطن عندما تجتمع يرون أن العراق بحاجة إلى وجود هذه القوات الأجنبية، لكن عندما يعود المسؤولين العراقيين من المحادثات يتعرضون مع الحكومة العراقية إلى ضغط كبير من المليشيات".  

وأوضح سعد الله أن "الولايات المتحدة ربما تعطي مدة عامين للانسحاب، لكنها لا يمكن أن تنسحب بعد ستة أشهر كما يطالب البعض، فهم سيماطلون لأن الانتخابات الرئاسية الأميركية بقي لها ثلاثة أشهر فقط".

وتابع: "حتى إذا أعطى المسؤولون الأميركيون في الإدارة الحالية وعدا للانسحاب، فإنها لا تعد نافذة لأن أي رئيس سيأتي، خصوصا أن المتوقع يكون دونالد ترامب هو الرئيس القادم".

ولفت إلى أن "ترامب إذا صار رئيسا للولايات المتحدة، لن يقبل بالانسحاب من العراق، والدليل أن الاتفاق النووي الإيراني كانت إدارة باراك أوباما قد أبرمته، لكن عندما جاء ترامب انسحب منه عام 2018".

وأوضح سعد الله أن "القرارات التي تتخذها الإدارات الأميركية وأي رئيس  ليست ملزمة في الولايات المتحدة، لكنها تصبح ملزمة فقط في حال صوت عليها الكونغرس أو مجلس الشيوخ". 

وأردف: "واشنطن تعرف أنه ثمة ضغوطات على حكومة السوداني في العراق، بخصوص موضوع الانسحاب الأميركي من البلاد، وأن بغداد طالبت رسميا بسحب القوات جرّاء هذه الضغوطات".

وفي 8 يونيو، ذكر تقرير نشره موقع إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية، أن "العراق يتعرض إلى ضغوط إيرانية لإتمام انسحاب القوات الأميركية من البلاد، وهذا ما دفع المليشيات لإمهال رئيس الوزراء العراقي مدة شهر ونصف إلى شهرين لإخراج هذه القوات".

وأوضح التقرير أن "السوداني أبلغ الفصائل في الشهور السابقة بأن المفاوضات العراقية الأميركية العسكرية ستنتهي بحلول منتصف مايو، وسيتم تحديد جدول زمني لانسحاب القوات. لكن هذه النتيجة لم تتحقق، ومضى الوقت ولم تر هذه الفصائل أي جدول زمني لانسحابها، وبالتالي اتخذت هذه الخطوات".

ولفت إلى أنه "ثمة سبب آخر دفع المليشيات لإمهال السوداني، هو أن اتفاقا أبرم بين الجانبين العراقي والأميركي لتأجيل ملف انسحاب إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة نهاية العام 2024".

وتابع: "يبدو أن هذه المعلومة وصلت إلى الفصائل وتحركت باتجاه إمهال رئيس الوزراء العراقي فترة لا تتعدى شهرين للانسحاب الأميركي، وهددت بأنها ستلجأ إلى استئناف الهجمات العسكرية ضد القوات في العراق وسوريا إذا لم يصار إلى تحقيق هذا الهدف".