هل يتلاشى حزب "الجيد" من المشهد السياسي التركي؟
“المجموعة البرلمانية للحزب كانت في البداية 43 نائبا وتقلصت إلى 30”
دخل حزب "الجيد" الساحة السياسية التركية عام 2017، لكنه فقد الكثير من قوته في الآونة الأخيرة، وتحديدا عام 2024، مع تسليم الرئيسة المؤسسة للحزب، ميرال أكشنار، منصب الرئاسة.
وفي المؤتمر الخامس الاستثنائي للحزب في أبريل/ نيسان 2024، انتُخب موساوات درويش أوغلو رئيسا جديدا للحزب بـ611 صوتا، بينما حصل منافسه كوراي أيدن، أحد مؤسسي الحزب على 548 صوتا.
لقاء مفاجئ
وبعد تولي درويش أوغلو رئاسة الحزب، حاول تحقيق توافق جديد، لكن الحزب تعرض لعدة استقالات في مايو/ أيار 2024، مما أدى إلى انهيار تنظيم الحزب في إحدى المناطق، حيث اتهم المستقيلون الحزب بالإهمال وأعلنوا مغادرتهم للحزب.
وفي 15 مايو 2024، استقال برلماني حزب الجيد عن أضنة، بلال بيليجي.
وبعد تغيير القيادة في الحزب، اجتمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع ميرال أكشنار في لقاء مفاجئ بمجمع الرئاسة بداية يونيو/ حزيران 2024.
واستمر الاجتماع، الذي لم يكن مدرجا في جدول الأعمال المعلن للرئيس، حوالي 40 دقيقة.
ووصف العديد من قادة حزب "الجيد" الاجتماع بـ"المفاجأة"، وعدوه “لقاء فرديا لا يمثل الحزب”.
ووفقا للمعلومات المتاحة، تدخل أشخاص مقربون من أكشنار وشخصيات بارزة من حزب العدالة والتنمية لتنظيم الاجتماع.
وعلقت الشخصيات المقربة من أكشنار بأن "الاجتماع لم يكن ملزما للحزب وكان قرارا مستقلا".
وأشار بعض قادة الحزب إلى أن أكشنار شغلت سابقا مناصب وزيرة الداخلية ونائبة رئيس البرلمان، وأوضحوا أن تخليها عن رئاسة الحزب لا يعني تخليها عن السياسة بشكل كامل، حيث يمكن أن تسهم في حل مشاكل البلاد عبر مجالات أخرى.
كما تتحدث بعض الأنباء عن أن الرئيس أردوغان قد يطلب من أكشنار المساهمة في عملية إعداد الدستور الجديد وعملية التطبيع.
وأصدرت مديرة مكتب أكشنار، أسماء بكار، بيانا بشأن الاجتماع الذي أثار استياء داخل حزب الجيد، قائلة إن "الدعوة للاجتماع جاءت من الرئيس أردوغان، ولم يتم تقديم أي عرض وظيفي أو طلب خلال الاجتماع".
من جانبه، لم يُفاجأ موساوات درويش أوغلو، الرئيس الجديد لحزب الجيد، بالاجتماع.
وفي 27 يونيو 2024، أعلن كوراي أيدن، استقالته من الحزب.
فترة صعبة
من جانبه، وصف النائب عن أرزورم ناجي جينسلي، الذي دعم أيدن خلال المؤتمر الاستثنائي في 27 أبريل 2024، موضوع استقالة أيدن بأنه "مقلق للغاية".
وشدد على أن “حزب الجيد يمكن أن يكون في خطر التفكك” حال حدوث ذلك، وأن أيدن كان "العمود الحامل للحزب"، داعيا درويش أوغلو إلى مؤتمر استثنائي جديد.
وتجدر الإشارة إلى أن أيدن أعلن قرار استقالته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتضمن بيان استقالته تفاصيل لافتة.
وقال أيدن: "جرت عملية تآكل وتراجع حزب الجيد بإشراف وتوجيه أكشنار، أعتقد بمرارة أن الحزب لم يعد يحتاج إلى وجودنا أو آرائنا أو مقترحاتنا".
وأشار إلى الاجتماع في القصر الرئاسي بين أكشنار والرئيس أردوغان، قائلا: "الاجتماع في القصر والتطورات التي تلت ذلك كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، قراري يستند إلى تراكمات استمرت حوالي عامين".
وأفاد أيدن بأنه: "نتيجة للمشاورات الطويلة مع زملائي في الحزب، وللأسباب التي عبرت عنها بإيجاز، أستقيل بمرارة، حيث كنت عضوا في مجلس المؤسسين ونائبا في أنقرة، وحيث اضطلعت بواجبات مهمة في فترات معينة".
واستطرد: "في حين أظهرت قاعدة الحزب الصالح وأمتنا العزيزة اهتماما وتفضيلا كبيرين للدعوات التي أجريناها، ظلت إدارة الحزب غير حساسة وغير مبالية بتصريحاتي، واستمر تجاهل مخاوفي وتحذيراتي واقتراحاتي، ولم تُتخذ الخطوات اللازمة في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة".
وأوضح أيدن أنه "بعد مشاورات طويلة مع زملائي في الحزب، قررت الاستقالة".
كما انتقد أيدن حزب الجيد قائلا: “في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لعام 2023، وجدنا أنفسنا نكرر أخطاءنا ولم نتقدم خطوة واحدة”، معلنا أنه سيواصل طريقه كسياسي مستقل.
إضافة لذلك، استقال إبراهيم خليل أورال، أحد مؤسسي الحزب والنائب السابق وعضو المجلس التنفيذي المركزي للحزب.
وحسب المعلومات التي حصلت عليها "الاستقلال" من خلف الكواليس في أنقرة، يوجد 14 نائبا يتحركون مع أيدن.
ووفقا لهذه البيانات، يزعم أن بعض هؤلاء النواب سينتقلون إلى "الحزب الديمقراطي".
كما أن هناك معلومات تشير إلى أن جزءا من أعضاء حزب الجيد سينتقلون إلى حزب الشعب الجمهوري.
ويُقال أيضا إنه خلف لقاء الرئيس أردوغان مع أكشنار، هناك حديث عن احتمال انتقال بعض النواب إلى حزب العدالة والتنمية.
بنية هشة
وعلق الأكاديمي الدكتور عبد الله أيدن على عملية تفتت حزب الجيد قائلا: "كان الحزب عند ظهوره في وقت ما أملا لمن كان ينتظر كسر الحلقة المفرغة التي سقطت فيها الحياة السياسية التركية".
وأضاف أيدن موضحا لـ"الاستقلال" أنه "في هذا السياق، نمت شعبية الحزب بسرعة بعد ظهوره بفترة قصيرة، لا سيما بين الناخبين اليمينيين الذين شعروا بوجود بديل جديد وسط التركيبة الثابتة في المناخ السياسي".
ولفت إلى أن “حزب الجيد كان يهدف لأن يصبح حزب يمين وسط، ويصبح جامعا للجميع، مستندا إلى خلفية قومية وأتاتوركية. وليس من قبيل المصادفة أن يكون إلى جانب أكشنار القومية العريقة، شخصية يمينية متطرفة مثل أوميت أوزداغ، ليكون من بين مؤسسي الحزب”.
واستطرد: "ليس من الغريب بالنسبة لمن يعرف مسار تقدم الحزب أن أوميت أوزداغ انفصل لاحقا ليؤسس حزبا متطرفا معاديا للاجئين والأجانب، وهو حزب الظفر".
وواصل أيدن حديثه قائلا: “رغم نمو الحزب بسرعة عند ظهوره، إلا أن عدم وجود شخصيات جديدة على الساحة السياسية أبطأ من وتيرة صعود الحزب بمرور الوقت، وحتى في فترة الأزمات الاقتصادية التي مرت بها تركيا، لم يستطع الحزب تحقيق الانفجار المتوقع، ولم يتمكن من جذب ناخبي حزب العدالة والتنمية”.
وأشار إلى أن "حزب الجيد حاول التحرر من كونه جزءا من معادلة حزب الشعب الجمهوري- حزب الجيد وأحزاب المعارضة الأخرى أمام كتلة حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، لكنه لم ينجح في ذلك".
وأردف أيدن: “خلال الانتخابات التي جرت في هذه الفترة، لم يتمكن الحزب من تقديم شيء سوى تسهيل انتقال أصوات الناخبين اليمينيين إلى حزب الشعب الجمهوري، وبشكل ما، تحول تحالفه مع الشعب الجمهوري إلى عامل يسرع من تلاشيه وانهياره".
وأوضح أنه "في الانتخابات المحلية لعام 2024، رشح الحزب كوادر في المدن الكبرى، التي ادعى أنه أسهم في فوز حزب الشعب الجمهوري بها عام 2019، ومع ذلك، وجه ناخبو حزب الجيد أصواتهم للمرشح الأقوى للمعارضة، وهم مرشحو الشعب الجمهوري".
وتابع: "لم تكن انتخابات البلدية عام 2024 هزيمة، ولكن بسبب البنية الهشة للحزب وكثرة الألعاب الحزبية الداخلية للسياسيين القدامى، أدى ذلك إلى استقالة الزعيمة المؤسسة أكشنار".
ولفت أيدن إلى أنه “في هذا السياق، يتم الحديث على نطاق واسع عن أن الرئيس الجديد للحزب يعمل لصالح أكشنار، وهناك الكثير من المعلومات خلف الكواليس تدعم هذا الادعاء، لكن عودة أكشنار من عدمها غير واضحة بعد”.
وشدد على أن "الشيء الأكيد أن الحزب لا يزال يملك إمكانات تصويتية ودعما ماليا، فضلا عن المجموعة البرلمانية للحزب، التي كانت في البداية 43 نائبا وتقلصت إلى 30، لكنها لا تزال تمثل قوة كبيرة وفقا لقانون الأحزاب، علاوة على إدارته لعدد من البلديات، وكل ذلك يبدو كضمان لعدم انهيار حزب الجيد بشكل كامل، على الأقل حتى الانتخابات القادمة".