تحقيق في الكونغرس.. كيف أهدر ابن سلمان أموال "صندوق الثروة" السعودي؟
مجددا وبسبب طموح الزعامة والنفوذ، عاد إلى الواجهة "صندوق الاستثمارات العامة" المعني بـ"الثروة السيادية" للسعودية، ويرأسه ولي العهد محمد بن سلمان.
ويعد هذا الصندوق من بين أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، حيث يحتل المركز الخامس بإجمالي أصول قُدرت حتى نهاية أبريل/نيسان 2023 بـ727 مليار دولار.
وبلغ إنفاق "صندوق الثروة السيادي للسعودية" 31.5 مليار دولار عام 2023، وذلك من إجمالي 123.8 مليار دولار هي حجم إنفاق جميع صناديق الثروة السيادية في العالم، أي ما يعادل ربع ما أنفقته كل صناديق الثروة في العالم.
هذه الأرقام جاءت ضمن التقرير السنوي لمنصة "غلوبال إس دبليو إف"، التي تتتبع نشاطات صناديق الاستثمارات السيادية في العالم، الصادر مطلع يناير/كانون الثاني 2024.
إهدار متواصل
وضمن إهدار "ابن سلمان" أموال هذا الصندوق لتحقيق طموحات الزعامة وخلق نفوذ في أميركا، حتى يضمن مباركة واشنطن توليه قيادة المملكة عقب وفاة أبيه الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز، استخدم أموال هذا الصندوق كأداة للنفوذ في أميركا.
وبعدما بدأت رائحة هذه الأموال التي يجرى إهدارها على النفوذ تظهر في أميركا، قامت لجنة التحقيقات الدائمة بمجلس الشيوخ، بالتحقيق في الأمر.
وفي الوقت الراهن، تستجوب اللجنة مستشارين لصندوق الثروة بتهمة استغلال الاستثمار السعودي (الأموال) كأداة للنفوذ الأجنبي في الولايات المتحدة، وسط توتر بين الكونغرس وإدارة الصندوق.
إهدار أموال الأجيال السعودية في صندوق الثروة (الاستثمارات العامة)، لا يقتصر على تبذيرها في أمور سياسية، مثل الصرف على جماعات ضغط ولوبي في أميركا لحصد نفوذ لولي العهد هناك، ولكن يمتد لمشاريع واستثمارات فاشلة.
فبجانب إنفاق الصندوق على مشاريع رياضية وأحداث ثقافية بلا عائد وتشوه ثقافة المملكة الإسلامية، كشفت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في 27 يناير 2024 أن صندوق الاستثمارات باع سندات غير مضمونة بقيمة 5 مليارات دولار.
ليصبح بذلك أحدث مقترض في أسواق الديون الناشئة، علما أن المملكة اقترضت 12 مليار دولار بداية يناير 2024.
أيضا خسرت شركة مطاعم "أميركانا إنترناشيونال" التي تدير مطاعم كنتاكي وبيتزا هت في الشرق الأوسط، والتي يمتلك الأغلبية فيها صندوق الاستثمارات السعودي، 20 بالمئة من قيمتها السوقية، في ظل المقاطعة الكبيرة لعلاماتها التجارية خاصة بعد العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
بحث عن النفوذ
وكشف صحيفة "ذا هيل" الأميركية في 30 يناير 2024، أن لجنة التحقيقات الدائمة بمجلس الشيوخ، تحقق مع أربع شركات استشارية لصندوق الاستثمارات السعودي.
وطالبت اللجنة هذه الشركات بتقديم "وثائق" حول تحقيق تجريه بشأن أنشطة واستثمارات لصندوق الاستثمارات العامة السعودي في أميركا، تتعلق بدوره كـ"أداة للنفوذ الأجنبي".
والشركات التي طُلب التحقيق معها هي ماكينزي، ومايكل كلاين، ومجموعة بوسطن الاستشارية، وتينيو إستراتيجي.
وذكرت "ذا هيل" أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي حث قادة لجنة الكونغرس الأميركي على التراجع عن مذكرات الاستدعاء الصادرة لأربعة من مستشاريه.
كما رفع "الصندوق السعودي" دعاوى قضائية في المملكة ضد كل من المستشارين الأربعة، لمنعهم من الذهاب للإدلاء بشهادتهم، في محاولة لإخفاء السجلات المطلوبة للكونغرس، لكن المشرعين الأميركيين رفضوا التراجع في غياب أي تفسير قانوني.
وأكدت قناة "إي إس بي إن" الأميركية أن اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات في مجلس الشيوخ الأميركي أصرت على طلب وثائق من 4 مستشارين لصندوق الثروة السعودي.
وأشارت في 30 يناير 2024 إلى أن المصرفيين والمسؤولين الماليين المطلوب التحقيق معهم في صفقات الصندوق بأميركا مقيمون في الولايات المتحدة.
وكشفت أن رئيس اللجنة الفرعية للتحقيقات في مجلس الشيوخ الأميركي، اتهم محافظ صندوق الاستثمارات السعودي، ياسر الرميان، بمحاولة عرقلة تحقيق اللجنة.
القناة الأميركية أكدت أيضا أن صندوق الاستثمارات العامة رفع دعوى قضائية ضد المستشارين الأربعة في المحكمة الإدارية السعودية في 20 و30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، لمنعهم من الإدلاء بشهادتهم أمام لجنة التحقيقات في مجلس الشيوخ الأميركي.
وذكرت أن "صندوق الاستثمارات العامة، قدم، ولا يزال يقدم، طلبات عاجلة إلى محاكم المملكة، لمنع المستشارين من تقديم مستندات سرية بموجب مذكرات استدعاء المستشارين".
وكشف موقع "بلومبيرغ" في 3 فبراير/شباط 2024 أن كبار مستشاري الصندوق السعودي الأربعة سيتم استدعاؤهم للمثول أمام اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات في الكونغرس.
وهم، رئيس مجموعة بوسطن، ريتش ليسر، ومن شركة ماكينزي، بوب ستيرنفيلز، ومن شركة "تينيو إستراتيجي"، بول كيري، والمصرفي مايكل كلاين.
شبهات وانتهاكات
وهذه ليست أول مرة يثير الكونغرس الأميركي شبهات حول صندوق الثروة السعودية وسعيه للتأثير على الولايات المتحدة ولا المرة الأولى التي يجرى فيها الحديث عن استدعاء محافظ صندوق الاستثمارات السعودي ليدلي بشهادته أمام مجلس الشيوخ.
ففي 21 يونيو/ حزيران 2023 قالت صحيفة "الغارديان" إن مجلس الشيوخ الأميركي طلب استدعاء محافظ صندوق الاستثمارات، الرميان، لكي يدلي بشهادته في 11 يوليو/ تموز 2023 حول صفقة تدعمها الرياض لدمج كيانين كبيرين في رياضة الغولف.
وقالت إن استدعاءه جاء في أعقاب الاندماج المقترح بين دوري الغولف (إل آي في) المدعوم من الصندوق السعودي وشركة (بي جي أي تور)، المنظمة لبطولات الغولف الاحترافية في الولايات المتحدة وأميركا الشمالية.
لكن الرميان تحجج بـ"الحصانة السيادية" لعدم استجوابه، بحسب محاميه رافائيل بروبر في بيان أصدره في 4 أغسطس/ آب 2023، قائلا إنه "وزير ملتزم بقوانين السعودية فيما يتعلق بسرية معلومات معينة".
وقبل هذا، في فبراير 2023، رفض قاض اتحادي هذه الادعاءات، قائلا إن "قانون الحصانات السيادية الأجنبية لا ينطبق بسبب النشاط التجاري لصندوق الاستثمارات العامة في الولايات المتحدة".
ويرأس اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات في مجلس الشيوخ، السيناتور الديمقراطي ديك بلومنتال، وهو أحد أشد منتقدي السعودية في الكونغرس.
وانتقد بلومنتال حينئذ، في بيان، صفقة الغولف مع صندوق الاستثمارات السعودي "وما يعنيه الاستحواذ السعودي لمستقبل هذه المؤسسة الأميركية المعروفة ومصلحتنا الوطنية".
وسبق أن شارك الرميان فيما يُسمى "حملة التطهير" المثيرة للجدل "لمكافحة الفساد" في السعودية عام 2017، والتي تم بموجبها استيلاء ابن سلمان بالقوة والاعتقال من كبار رجال الأعمال والأثرياء في المملكة على أصول وثروات، وذلك نيابة عن ولي العهد.
فيما أكد تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في 13 سبتمبر/ أيلول 2023 أن "صندوق الاستثمارات العامة مرتبط بانتهاكات لحقوق الإنسان في السعودية".
وقالت المنظمة في شهادة أمام "اللجنة الفرعية الدائمة بمجلس الشيوخ الأميركي" إن على الولايات المتحدة التحقيق بشأن صناديق الثروة السيادية، مثل "صندوق الاستثمارات العامة" السعودي المرتبط بالانتهاكات الحقوقية.
وتحدثت المنظمة عن كيف "سهل الصندوق تحت قيادة ابن سلمان الانتهاكات الحقوقية واستفاد منها".
وحول استغلال الصندوق في خلق نفوذ خارجي لولي العهد، قالت الباحثة في هيومن رايتس ووتش، جوي شيا، إن "ابن سلمان أظهر اهتماما واضحا بتوسيع نفوذه خارج حدود السعودية في أحيان كثيرة من خلال صفقات تجارية بارزة مع الفرق والبطولات الرياضية".
وأكدت أن الصندوق "ضالع مباشرة في انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بولي العهد"، وتشمل هذه الانتهاكات حملة "مكافحة الفساد" لعام 2017.
وتضمنت الحملة اعتقالات تعسفية بحق مسؤولين حكوميين سابقين وحاليين ورجال أعمال بارزين ومنافسين داخل العائلة المالكة، وسوء معاملتهم، وابتزاز ممتلكاتهم، بالإضافة إلى قتل الصحفي خاشقجي عام 2018.
وقالت شيا إنه "نتيجة لحملة مكافحة الفساد، تم الاستيلاء على حوالي 20 شركة كجزء من الحملة ونقلها مباشرة إلى الصندوق بناء على تعليمات ولي العهد، وفقا لوثائق في دعوى قضائية كندية راجعتها هيومن رايتس ووتش".
ولفتت إلى أن "بعض أولئك الذين اعتُقلوا عام 2017 مازالوا محتجزين دون تهمة، ولم يُسمع عن آخرين منذ ذلك الحين".
خسائر كبرى
وأكد تقرير لوكالة "بلومبيرغ" في 11 يوليو 2023 أن صندوق الثروة السعودي سجل خسائر قدرها 11 مليار دولار في الأنشطة الاستثمارية خلال عام 2022، مقارنة بأرباح قدرها 19 مليار دولار في 2021.
وبحسب الوكالة، فإن إجمالي أصول الصندوق السعودي، ارتفع مع هذا إلى حوالي 778 مليار دولار من 676 مليارا خلال عام 2022.
ويرجع محللون أن تكون الزيادات "بفعل المصادرات والاستيلاءات التي قامت بها السلطات السعودية لممتلكات رجال أعمال فيما سمي (حملة التطهير) وتم ضمها للصندوق".
ودفع اقتراض الصندوق السعودي عشرات المليارات عام 2022 من الخارج، سعوديين لاتهام ابن سلمان بإهدار رصيد صندوق الثروة.
وقال تقرير لـ"لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في الجزيرة العربية" في 2 ديسمبر/كانون الأول 2022 إن حصول صندوق الثروة السعودي على قرض دولي قيمته 17 مليار دولار من مجموعة مؤلفة من 25 مصرفا دوليا، "يشي بفشل سياساته بالاستثمار في الأسواق العالمية".
وشدد على أن "الاستثمار في السوق الأميركي ألحق خسائر كبرى في الصندوق تقدر بـ40 مليار دولار، شكلت ضربة قوية لسياسة ابن سلمان الذي يرأس الصندوق ويوجه تحركاته".
وأوضح أن "عشرات مليارات الدولارات أهدرها الصندوق بتوجيه من ابن سلمان لقاء شراء أسهم شركات دولية تبدو على وشك الإفلاس، وهو ما سبب أزمة اقتصادية داخلية بدأت بنقص حاد في السيولة تلاها هبوط حاد في أسعار أسهم مئات الشركات الوطنية التي وصلت خسائر معظمها إلى 75 بالمئة من قيمة السهم".
وانتقدت اللجنة مشاريع ابن سلمان وتمويل بعضها عبر القروض التي ستقيد البلاد لعشرات السنوات، مؤكدة أن "المواطن سيبقي هو من يدفع فاتورة أحلام حاكم مولع بالألعاب الإلكترونية والترفيه والقمع المفرط لحقوق الشعب".
ويستثمر الصندوق في عشرات الشركات داخل المملكة وخارجها، بهدف تحقيق "رؤية السعودية 2030" لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط.
وفي الداخل، يدعم صندوق الاستثمارات العامة المشروعات التي يشرف عليها ولي العهد، مثل السياحة في منطقة البحر الأحمر ومنطقة "نيوم" الاقتصادية المزمعة بتكلفة 500 مليار دولار ومدينة "القدية" الترفيهية، والمهرجانات.
وفي الخارج، يملك الصندوق حصصا في شركات كبرى تعمل بمجالات مختلفة، بما في ذلك حصة قدرها 8.9 مليارات دولار في شركة صناعة السيارات الكهربائية "لوسيد" وحصة أخرى بقيمة 3.2 مليارات دولار بشركة ألعاب الفيديو "أكتيفجن بليزارد".
المصادر
- Saudi investment fund fights Senate subcommittee subpoena
- Senate subpoenas documents from U.S.-based PIF consultants
- Senate’s Permanent Subcommittee says it will continue to pursue inquiry into Saudi PIF
- McKinsey, Michael Klein in Senate Crosshairs over Saudi Ties
- السعودية: "صندوق الاستثمارات العامة" مرتبط بالانتهاكات
- بعد إهدار رصيده.. صندوق الثروة السعودي يقترض عشرات المليارات